البواخر النيلية.. تجربة ساحرة على صفحة النهر الخالد

تتزين لزبائنها في أمسيات رمضان

احدى البواخر السياحية في نهر النيل («الشرق الأوسط»)
TT

تتزين البواخر النيلية في القاهرة لزبائنها في أمسيات رمضان، لتقدم تجربة ساحرة على صفحة النهر الخالد.. وخلف شراع مركب يجوب صفحة النيل يختفي قرص الشمس، وقد دنا من الأرض، وأنت تتأمله من مقعد وثير بإحدى البواخر النيلية الشهيرة، تدرك للحظة سرا من أسرار القاهرة، تلك المدينة العريقة التي عرفت منذ زمن بعيد سحر عناق البساطة والترف.

والبواخر النيلية أكثر من مجرد مطعم؛ إنها تجربة. لذلك سيكون قد فاتك الكثير إن أنت لم تزر إحداها يوما، وتكتشف بنفسك جانبا من حكمة المصريين الذين جابوا صفحة النيل منذ القدم بمراكب الشمس. ويقولون إن من يشرب من مائه لا بد أن يعود مرة أخرى. ليس في الأمر مبالغة.. يكفي أن تجرب سهرة على ضفافه لكي يأسرك فتتمنى أن تعود من جديد. فما بالك لو كانت هذه المرة على سطح باخرة تجوب بك النهر الجميل، أو حتى توفر لك شرفة ترى النيل.

ويوجد نوعان من المراكب أو البواخر النيلية الشهيرة.. النوع الأول وهو الأكثر شيوعا على جانبي النهر، هو المراكب أو البواخر الثابتة. والنوع الثاني هو المراكب المتحركة التي تجوب نيل القاهرة من جنوبه لشماله وعلى جانبي ضفتيه ذهابا وإيابا. وتوجد طبقات مختلفة من المراكب والبواخر، فبعضها لا تزيد تكلفة التنزه فيه عن خمسة جنيهات، من دون الطعام أو المشروبات أو وصلات الترفيه، ومنها يمكنك أن تنطلق من منطقة وسط المدينة إلى القناطر الخيرية شمالا، وأخرى تتحرك بك من قلب المدينة إلى الجنوب حيث ضواحي المنيل والمعادي، وحلوان، مرورا بالعديد من الجزر النيلية الخلابة التي تعتبر محميات طبيعية في حد ذاتها. وبعض المراكب أو البواخر، يستغلها المصريون في إقامة حفلات الخطوبة أو أعياد الميلاد، خاصة في شهر رمضان، وهذه تبلغ تكلفة الفرد الواحد بها ما يتراوح بين 25 إلى 90 جنيها، حسب الخدمات المطلوبة والوقت المراد تمضيته على ظهر المركب والأماكن التي ستطوف بها. وتوجد أيضا العديد من المراكب والبواخر التي يلجأ إليها رجال الأعمال ومن في مستواهم ممن يبحثون عن نسمات تزيح عنهم عناء عمل اليوم في مدينة القاهرة المزدحمة أبدا، حتى في شهر رمضان. فهناك على سبيل المثال باخرة «نايل مكسيم» التي تتميز بمطعمها الفاخر ومعظم روادها من الشخصيات العامة ورجال الأعمال كما تتميز بوجود تخت شرقي يعزف أشهر الألحان القديمة، والحد الأدنى لقائمة الطعام فيها 185 جنيها مصريا للفرد تشمل اختيار وجبتك بنفسك من خلال بوفيه مفتوح.

منذ زمن بعيد والمصريون يدركون سر متعة التمشية والسهر جوار النيل. وهو ما جعل أكثر «فسحاتهم» جمالا وإشراقا، تمشية على ضفته مع صحبة طيبة. جلسة بسيطة تدور فيها أكواب «حمص الشام» أو «الذرة المشوية»، أو حفنة «ترمس»، وتزداد رونقا لو أطلقت العنان لخيالك وأنت على ظهر «فلوكة» صغيرة تتأرجح بين ضفتيه.

البواخر النيلية، التي تنتشر على جانبي نهر النيل بالقاهرة، توفر ما هو أكثر من هذا قطعا. وبالنسبة لخالد عبد اللطيف، وهو طبيب وموسيقي هاو، كانت حلا مثاليا للولائم الرمضانية.. يقول: «في الأيام العادية يمكنني استضافة أصدقائي في أي مطعم، لكن في رمضان ليس من اللياقة القيام بذلك. فإفطار رمضان ليس مجرد (عزومة) عادية، هو تقليد وحالة اجتماعية فريدة». ويضيف أن «البواخر النيلية كانت بالنسبة لي اختراعا، فهي أكثر من كونها مطعما، هي رحلة تستحق التجربة، وهو ما يجعل منها مكانا مثاليا لرفع الحرج».

ويأتي رمضان هذا العام صيفا، وهو ما يضفي رونقا أكثر جاذبية على رحلة نيلية بباخرة تقضي على متنها وقتا طيبا لتناول الإفطار، لكن هذا الرونق يصبح سحرا خاصا مع السحور. فلا شيء يضاهي سهرة حتى مطلع الفجر على ضفة النيل أو إبحارا على صفحته تستمتع فيها بصحبة رائقة، وتجرب أصناف المأكولات الرمضانية الشهية، وتتجاوز صخب المدينة دون أن تبتعد عنها، فيصلك منها سحرها الفريد مقطرا ومصفى بينما يصلك من بعيد الصوت الرخيم للتواشيح الدينية التي تأتيك من مدينة الألف مئذنة.

الخيارات متعددة، ليس فقط فيما يتعلق بتنوع البواخر التي تقدم هذه الخدمة المميزة بل على متن كل باخرة، حيث يتوفر عدد من المطاعم، ولكل منها مذاق خاص. وكلما كانت الباخرة أكبر حجما، تمنحك فرصة أكبر لمتعة الاختيار بين مطاعمها ذات المذاقات المختلفة.

أدمنت زهرة ياسين، وهي ربة منزل قاهرية، هذا الطقس.. «منذ سنوات فكرنا أن ننظم حفل إفطار لأصدقاء الجامعة، واخترنا واحدة من البواخر النيلية، ومن وقتها ونحن نحافظ على هذا الطقس كل عام.. في أول جمعة في رمضان ألتقي مع زميلاتي في الجامعة على سطح باخرة نيلية لنستمتع معا بالحرية ونستعيد زمن الجامعة السعيد».

وتتفاوت مستويات كل مركب وكذلك تتفاوت أسعار تجربة الاستمتاع برحلة نيلية على متن باخرة، فهناك من يفضل تناول الإفطار الرمضاني على باخرة نيلية مع الاستمتاع ببرنامجها الفني الذي يحمل نفسا رمضانيا تعود معه لزمن رائع حيث الموتيفات الرمضانية تصبح واقعا حيا.

تنطلق هذه البواخر في جولة بمياه النهر في موعد محدد عادة ما يكون السابعة أو الثامنة مساء لكنها مع شهر رمضان تصبح مرتبطة بلحظة غروب الشمس، فتحظى بمتعة رؤية قرص الشمس وهو يغيب على مهل خلف بيوت المدينة العريقة.

باخرة «نايل سيتي» القابعة على كورنيش النيل في منطقة الجزيرة، بالقرب من برج القاهرة لا تبحر بك عبر النيل، لكنها تجوب عالم المذاقات المتنوعة بمطاعمها الخمسة، (استوديو مصر الذي يتميز بمأكولاته الشرقية، وتشييليز بنكهته المكسيكية الحارة، وحلقة السمك، وكارينوز، ورينوتر). وفي رمضان يكثر الإقبال على المطعم ذي المذاق الشرقي الذي يقدم (أوبن بوفيه) بسعر 130 جنيها للفرد وهو ما يعادل (24 دولارا).

بالقرب منها توجد الباخرة «الباشا» وتقع قبالة مبنى التلفزيون المصري الشهير في ماسبيرو، وتوفر مذاقات مصرية في مطعمها (لو طربوش) أو الطربوش، ومذاقات إيطالية في بوكولمندو، وفرنسية في (لوستيك)، ومتوسط تكلفة الفرد فيها في شهر رمضان 125 جنيها، حيث تفضل مطاعمها البوفيه المفتوح، الذي تتنوع فيه الخيارات الشهية. وفي منطقة الجيزة يوجد مطعمان عائمان يحظيان بشهرة كبيرة، أولهما «فرايديز» ويشتهر بالأطباق البحرية المميزة ويعتبر من أشهر مطاعم الأسماك في القاهرة، وملحق به كوفي شوب «جراند كافيه» ومعظم رواد هذا المطعم من الشباب إذ يكون البوفيه مفتوحا بتكلفة 95 جنيها للفرد، أما المطعم الآخر فهو «فرح بوت» بشارع النيل بالجيزة ويتميز بأكلاته الشرقية المتنوعة وتعدد الأطباق في قائمته الشهيرة من الطعمية والبصارة، لكن هذا النوع من الأطعمة يفقد أهميته في رمضان، لصالح الأطباق الفرنسية والإيطالية. وملحق بهذا المطعم العائم «كوفي شوب» يستمتع فيه رواده يوميا بالموسيقى الشرقية.

هي رحلة عبر نهر يفوح منه عبق الحضارة المصرية القديمة ويمنحك سكينة وصفاء في رحلة على صفحته لا تنسى.