بادن ـ بادن.. المنتجع الأكثر أناقة في أوروبا واسم يستحق التكرار

زارها بيل كلينتون فقال: إنها مدينة رائعة لذلك كرروا اسمها مرتين

رحلة في احضان حديقة بادن ـ بادن («الشرق الأوسط»)
TT

في الماضي رزحت بادن ـ بادن لسنين طويلة تحت الحكم والاحتلال الفرنسي ولكنها أصبحت اليوم جارة ستراسبورغ التي تتباهى فرنسا بها، فخلال زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأولى إلى أوروبا في أبريل (نيسان) الماضي للمشاركة في قمة مجموعة العشرين توجه الرئيس الى ستراسبورغ وبادن ـ بادن وبدا كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في انسجام تام على عكس ما يخفيه التاريخ في طيات صفحاته العديدة، فالتاريخ يروي الكثير من المأساة التي تعرضت لها بادن ـ بادن على يد العديد من الغزاة ولا سيما من الفرنسيين الذين نهبوها في عام 1643 وتركوها أطلالا في عام 1689 لتنهض من بعدها من جديد وتنفض عنها غبار المعارك وتعلن نفسها مدينة الينابيع الطبيعية الساخنة الأجمل في أوروبا.

تعتبر مدينة بادن ـ بادن من أكثر المدن في ألمانيا جمالا، وتعرف أيضا كونها المنتجع الأكثر أناقة في أوروبا، فهي قبلة السياسيين والرياضيين والمشاهير والأثرياء والباحثين عن الراحة التامة في أجواء طبيعية خلابة، ويأتيها أيضا المرضى الذين يقصدونها نزولا عند رغبة أطبائهم الذين ينصحون دائما بالاستحمام في حمامتها الساخنة العديدة.

فهي صاحبة لقب مدينة أشهر المنتجعات الصحية في العالم وتقع في الشمال الغربي من الغابة السوداء في ألمانيا، واستخدم الرومان الذين أسسوا المدينة في القرن الثالث ينابيعها قبل ألفي عام ومن أشهر حماماتها الرومانية ـ الأيرلندية اليوم حمام كركرلا الذي يعتبر من أشهر وأجمل حماماتها من حيث التصميم على الإطلاق.

سميت المدينة في القرون الوسطى باسم «بادن» وتعني الكلمة باللغة الألمانية «حمام» وذلك نسبة لانتشار الحمامات المعدنية الساخنة فيها، وفي عام 1931 تم تسمية المدينة رسميا «بادن ـ بادن» للإشارة إلى أن المدينة «بادن» تقع في ولاية «بادن» الألمانية وتمييزها عن كل من مدينتي «بادن باي فين» و«بادن إيم أرغاو». غير أن بيل كلينتون كان له رأيه الخاص بالمدينة التي زارها عندما كان رئيسا للولايات المتحدة فقال عنها بعد أن وقع بغرامها: «لا بد أن أهالي بادن ـ بادن كرروا اسمها لأنها مدينة رائعة الجمال واسمها يستحقق التشديد والتكرار».

وهي محط أنظار الرياضيين في العالم فاستضافت مباراة كأس العالم لكرة القدم لعام 2006 وتحولت حينها إلى مسرح تتبختر عليه زوجات وصديقات لاعبي الفريق البريطاني لكرة القدم ومن منا لا يتذكر صور فكتوريا بيكام زوجة اللاعب دايفيد بيكام وشيريل كول زوجة اللاعب اشلي كول وهما يسرقان الأضواء من المباراة واللاعبين ويتمشيان في شوارع بادن ـ بادن الضيقة.

وما يرويه التاريخ هو أنه مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية تحولت بادن ـ بادن إلى مقر عسكري للقوات العسكرية الفرنسية وقاعدة مهمة لقواتها الجوية، وتحولت في عام 1990 المدرجات الخاصة بالقوات الجوية الفرنسية إلى مطار مدني ويعتبر اليوم ثاني أكبر مطار في بادن ـ ووتمبرغ.

تتمتع مدينة بادن ـ بادن بروعة طبيعية خاصة، إنها صغيرة الحجم، ويمكن التمتع بسحرها عن طريق المشي ويشق أكبر حديقة فيها نهر «أوز» ومن أشهر معالمها مبنى «الكورهاوس» الذي يشهد كل عام انعقاد أهم الاجتماعات المحلية والعالمية وفي أبريل (نيسان) الماضي تناول فيه زعماء وقادة الدول العشرين عشاءهم وتحولت ساحته إلى قاعدة عسكرية عندما انتشر حوله عناصر الأمن لحراسة الزعماء ولا سيما الرئيس الأميركي والسيدة الأميركية الأولى ميشال أوباما، وتروي لنا الدليلة السياحية بيت اندو أن في فترة زيارة الزعماء للمدينة لم يعد بوسع السكان الوصول إلى بيوتهم مما أجبر بعضهم على النوم في أماكن عملهم.

فمنذ قديم الزمان وتعتبر بادن ـ بادن أكثر المنتجعات أناقة في أوروبا ولا تزال لغاية اليوم تتحلى بجميع الصفات التي تجعل منها وجهة مهمة للسياح والزوار المميزين، فإلى جانب شهرتها بطبيعتها الخلابة لا سيما وجود الغابة السوداء قربها وانتشار الشلالات والينابيع فيها إلا أنها مدينة أنيقة بكل ما في الكلمة من معنى، وهذا واضح من خلال سكانها البالغ عددهم حوالي 54 ألف مواطن، فهي أشبه بقرية حالمة، تتمتع بكل الصفات التي تجعل منها منتجعا كاملا متكاملا، فهي وجهة المرضى الذين يعانون من أمراض مختلفة، فمياهها المعدنية أثبتت بأنها شافية على مر آلاف السنين، كما تنتشر فيها أهم المطاعم الفرنسية والألمانية والعالمية، فقربها من الحدود الفرنسية يعطيها رونقا خاصا، فبمجرد الوصول إليها سوف تشعر وكأنك في فرنسا، فالهندسة المعمارية فيها متأثرة بشكل كبير بالهندسة الفرنسية، كما أن معظم سكان المدينة يتكلمون الفرنسية.

ومن أشهر معالم المدينة مبنى الكازينو الذي يعتبر تحفة معمارية وفنية لا مثيل لها، فهو أشبه بقصر قديم، أسقفه عالية تتدلى منها أروع ثريات الكريستال، وتم تصنيفه على أنه الكازينو الأجمل في العالم، ولمحبي الفن حصتهم أيضا فيوجد في قلب المدينة وعلى ضفة النهر مباشرة متحف «ساملانغ فريدر بوردا» الذي يعرض على مدار أيام السنة أجمل الأعمال الفنية لفنانين ألمان وعالميين، إضافة إلى حديقة «الجنة» التي تجسد النهضة الإيطالية وتتميز بينابيع عديدة مميزة من حيث التصميم، وفيها أيضا ينابيع رومانية ساخنة عمرها أكثر من ألفي سنة.

وفي فصل الصيف تستضيف ساحة الكورهاوس أشهر الفرق الموسيقية والأوركسترا العالمية لتتحول أمسيات هذا الفصل الدافئ إلى نغمات ساحرة تزيد المكان روعة، وبالقرب من الساحة تصطف المحلات التجارية على شكل بوتيكات صغيرة تعكس ذوق أهالي المدينة المميز، ومن تلك الساحة تنطلق في رحلة مشي مثيرة تأخذك إلى أزقة صغيرة وسلالم تدلك إلى أزقة وشوارع ضيقة أخرى، ومن التسوق إلى الراحة فتنتشر في المدينة عدة ينابيع بعضها مخصص للرجال وبعضها الآخر للنساء وفي أوقات معينة تكون مفتوحة للجنسين في نفس الوقت، ولكن يجب التنبه إلى مسألة اللباس فهناك بعض الحمامات التي تفرض على الزوار الاستحمام عارين، ولكن هناك أيضا مسابح أخرى تسمح بارتداء اللباس اللائق لذا يجدر السؤال والتحقق من الأمر قبل شراء تذاكر الدخول.

وتنتشر في بادن ـ بادن أماكن استشفائية عديدة من أهمها مركز «Medico & Vital Centre & Salina Spa» الذي يضم مغارة مصنوعة من الملح الطبيعي ينصح بالجلوس بداخلها لمدة زمنية معينة وهي تساعد وبحسب ما يقوله صاحب المركز الدكتور هاليل سينينار على التخلص من أوجاع المفاصل، وتساعد أيضا على التنفس بشكل أفضل وهي مفيدة جدا للذين يعانون من أمراض في جهاز التنفس والذين يعانون من الربو والحساسية.

زيارة بادن ـ بادن مناسبة جدا للسياحة الطبية وهي مناسبة لجميع الأعمار غير أن هناك نسبة كبيرة من المسنين الذين يأتون إليها طمعا بتجديد خلاياهم وحياتهم، فهي أشبه بمنتجع طبي، وفيها سوف تقف حائرا أمام نسبة الأماكن الخاصة بالإقامة لأن الغالبية منها يتمتع بتقديم أعلى درجة من الخدمة لا سيما في المجال الطبي والصحي ولكن يعتبر فندق ومنتجع وسبا Brenner›s Spa من أجملها وأشهرها، وذلك يعود إلى موقعه المميز مباشرة على نهر الاوز وفي قلب الحديقة الغناءة، ويتميز بوجود مركز صحي «سبا» ضخم ويقدم الأطباء العاملون فيه استشارات طبية للنزلاء، ويأتي إليه العديد من هؤلاء الذين يبحثون عن أفضل الطرق للتخلص من الوزن الزائد، فيقوم فريق كامل بتقديم خبرته لمساعدة النزلاء والمرضى والزوار الباحثين عن الراحة فقط للحصول على ضالتهم الذين جاءوا من أجلها.

وبعد يوم من الراحة العارمة إن كان في أحد حمامات المدينة العديدة أو بعد زيارة متحفها الأشهر أو بعد تمضية يوم كامل في السوق أو زيارة قصر «هوهينبادن» الأثري أو استكشاف جبل مركور، لا بد أن تنهي يومك بزيارة أشهر مطاعم المدينة التي تقدم وكما ذكرنا سابقا مأكولات عالمية لا سيما المأكولات الفرنسية والألمانية ومن أهم مطاعم المدينة مطعم «Le Jardin De France» الحاصل على نجمتي ميشلن للتميز، وإذا حالفك الحظ وزرت المطعم في موسم صيد الغزلان أنصحك بتذوق طبق لحم الغزال، ويشار هنا إلى أنه يسمح لبعض من مطاعم المدينة بصيد 4 غزلان فقط في الأسبوع من الغابة السوداء، وهذا ما يجعل هذا اللحم غالي الثمن وأشبه بعملة نادرة.

ويستحق أيضا مطعم «Zum Alde Gott» الزيارة فهو يتمتع بتقديم أشهى الأطباق ويستقبل زواره في أجواء رائعة ويتميز بموقع خلاب. وإذا أردت تناول أطباق سريعة فلا بد من تذوق طبق فطيرة «الكريب» في مطعم «لا كريبري» الواقع في وسط المدينة ولمحبي اللحوم ينفرد مطعم «Schlemmerpfanne» بتقديم أشهى الأطباق أهمها طبق لحم الضأن.

* أهم عناوين الإقامة

* Brenner›s Park Hotel and Spa يضم 100 غرفة من فئة الفنادق الراقية، وإذا كنت تفضل الإقامة في الغابة السوداء وعلى بعد حوالي 10 أميال من بادن ـ بادن يمكنك الإقامة في فندق «شلوس هوتيل». أما إذا كنت تفضل الإقامة في أحضان التاريخ فلا بد من الإقامة في فندق «باد هوتيل زوم هيرش» الأثري. وإذا كنت تبحث عن مكان مطل على مناظر الغابة السوداء، فيمكنك الإقامة في فندق «هوتيل تانيك» الذي تديره عائلة صغيرة.

للوصول إلى بادن ـ بادن يمكنك ذلك عن طريق السفر جوا عن طريق مطارها الرئيسي أو بالسيارة عن طريق الوصول إلى مطار فرانكفورت الدولي (وتستغرق القيادة من المطار إلى المدينة حوالي الساعتين)، ومن فرنسا يمكنك الوصول من ستراسبورغ أو من باريس (بواسطة القطار وتستغرق المسافة أقل من ساعتين).