«بينانج» و«لانكاوي».. متعة التسوق وموطن العشاق

للزوار العرب معاملة خاصة في ماليزيا

مدخل المعبد البوذي في جزيرة «بينانج»
TT

يحتاج زائر ماليزيا أربع ساعات للانتقال من العاصمة كوالالمبور إلى جزيرة «بينانج» برا. وسائل النقل البرية متوفرة بيسر وسهولة كما هو واضح، مما يجعل اعتمادها أفضل من الطائرة بناء على نصيحة المرشد السياحي الماليزي. هذا ما لمسناه من خلال رحلتنا. البداية كانت من محطة الانتظار التي تحولت إلى سوق شعبي يزخر بكل ما يحتاجه المتسوق من «البابوج إلى الطربوش» مرورا بالفاكهة وألوانها التي تغزو «دكاكين السوق». لكن هنا للماليزيين فنهم الخاص في بيع فاكهتم كما عصائرهم، الكيس المصنوع من النايلون هو الوسيلة الأهم، فهو يتحول حينا إلى وعاء تباع فيه الفاكهة المقطعة التي يرغبها المواطنون المسافرون من منطقة إلى أخرى بدل اعتمادهم على أنواع «سناك» المعلبة، وحينا آخر يتحول إلى كوب لكل أنواع العصائر قد لا يتجرأ الجميع على تذوقها. أما وقد انطلقنا في طريقنا، فقد تغير المشهد وعدنا إلى طبيعة ماليزيا الخلابة بلونها الأخضر الذي يبقى رغم «رتابته» المشعة آسرا للقلب والعين وعدسة الكاميرا على حد سواء. كما في كوالالمبور يغيب مشهد العمران إلا في ما ندر، وإن وجد فتصميمه شبه موحد. بيوت صغيرة لا تعكر صفو مشهدها تلك المباني الشاهقة، بل يوحدها القرميد الأحمر. بين تأمل الطبيعة والقراءة والاسترخاء قليلا، مرت الساعات الأربع ووصلنا إلى الجسر الأساسي الذي يربط بين العاصمة وجزيرة «بينانغ»، ولا يحتاج المسافر إلى أكثر من 11 دقيقة لاجتيازه، وكان قد احتاج إلى ثلاث سنوات لتشييده وبدأ العمل فيه في عام 1982 بعدما كان المواطنون يسافرون بحرا بين الجزيرة والعاصمة. المشهد الأخضر هو نفسه في الجزيرة كما العاصمة، من دون أن تغيب الثورة العمرانية التي ترافق التطور في الواقع الماليزي وإن بدرجة خجولة. حدائق عامة على امتداد النظر لا يخرق لونها الأخضر إلا لمسات وردية بألوانها الهادئة. تستقبلنا المرشدة السياحية وتطلق العنان لشرح تفصيلي عن «بينانج». يسكنها 1.2 مليون نسمة، 60 في المائة منهم من الصينيين، والنسبة المتبقية تتوزع بين الإسلام والبوذيين والهندوس. وفي حين يلجأ الصينيون إلى العمل في التجارة، يفضل المسلمون قطاعات المحاماة والطب والهندسة، ولا يتعدى عدد الأولاد في كل عائلة الأربعة. ولكل من هذه الطوائف مدارسها الخاصة مع اختلاف الأنظمة العامة بما يتلاءم مع خصوصية كل منها، فتلميذات المدارس الإسلامية عليهن ارتداء الزي الإسلامي والحجاب، فيما تفرض المدارس الصينية على فتياتها قص شعورهن وعدم تطويلها. أما العطلة المدرسية فهي موحدة في ما بينها ولا تتعدى الـ7 أسابيع في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة وتبقى الدراسة عادية في فصل الصيف. مع العلم أن الطقس في بينانغ كما سائر مناطق ماليزيا لا يختلف بين الصيف والشتاء إذ يبقى حارا ورطبا طوال العام وتتراوح الحرارة بين 30 درجة مئوية في النهار و22 درجة مئوية في الليل.

العرب لهم استقبال خاص في هذه الجزيرة، لا سيما مع اعتماد أبنائها اللغة العربية في الأماكن السياحية للتعريف عنها وإن كانت مليئة بالأخطاء، فليس غريبا مثلا أن تقرأ «الفراشات ممنوع تمسك»، المهم أن تصل الرسالة. كذلك التسوق في بينانج له «متعته الخاصة» وخصوصا في السوق الليلي الذي تشرع أبوابه للزبائن من السادسة مساء حتى الساعة 11 قبيل منتصف الليل. هنا الساعات والثياب وبشكل خاص الحقائب بماركاتها العالمية المقلدة منتشرة في كل زوايا السوق، لكن نوعيتها من الدرجة الأولى، أي المصنوعة من الجلد الأصلي، بأسعار خيالية مقارنة مع الأصناف الأصلية. وللممفاوضة حرفتها أيضا في هذا السوق، وسيكون سعيد الحظ من «يفتتح نهار البائع» لأنه بذلك سيحصل على حسم خاص قد يصل إلى نصف السعر. ولكن هذا لا يعني أن البضائع كلها متساوية من حيث النوعية، فإضافة إلى الأصناف الجيدة، هناك منتوجات ذات نوعية متدنية ولا سيما العطور المقلدة التي لا تمت إلى الأصلية بصلة. وللتسوق عناوين أخرى أيضا في «بينانج» ولا سيما منطقة جورج تاون، التي تمثل ما يشبه وسط عاصمة المدينة الذي استمد اسمها من اسم ملك إنجلترا جورج الثالث، وهي تعج بالمطاعم والمحلات التجارية التي تزخر بأنواع متنوعة بأسعار تناسب الجميع، إضافة إلى تلك التي تعنى بالتدليك، ولهذه الأماكن خصوصيتها أيضا في «بينانج»، إذ ينتشر على طول خط أحد شوارع هذه المنطقة الشباب والفتيات حاملين لافتات تعلن عن عروض التدليك باللغة العربية مرفقة بتفاصيل إضافية من خلال «كلمات عربية متقطعة»، فيما بإمكان السائح مشاهدة «العرض الحي» مباشرة في الداخل. وللسياحة عنوانها في هذه الجزيرة. وخير دليل على ذلك حديقة الأزهار التي تحتاج إلى ست ساعات لاكتشافها مشيا على الأقدام، ومن يفضل الاكتشاف من دون تعب يمكنه أن يستقل القطار المخصص لهذه الغاية. إنما طبعا تبقى للنزهة على الأقدام ميزتها، ويسهل هذه المهمة الجسر الذي شيد فوق النهر ليصل قسمي الحديقة ببعضهما، وتزيد من جمالية المنظر الطبيعي الشلالات التي تتدفق على جانب الحديقة. وعند الخروج لا بد أن تتولى مهمة الوداع القرود التي تقفز على جوانب الطريق. للفراشات في «بينانج» عالمها الخاص، عالم تحول إلى حديقة تجمع بين جدرانها 120 نوعا من الفراشات بأحجام مختلفة يبلغ عددها 4000، يحرص المسؤولون على الاعتناء بها. التجول في هذه الحديقة له ميزته الخاصة، لا سيما حين يلمح الزائر الفراشات الملونة تتطاير فوق رأسه لتحط على زهرة هنا ووردة هناك. مساحات كبيرة مزروعة بكل أنواع الأشجار والورود لتشكل مع الفراشات وبرك المياه الموزعة في الزوايا لوحة طبيعية تبهر النظر بامتزاج ألوانها. كما يوجد فيها العديد من العقارب والفراشات المحنطة على الجدران والتي يمكن للسائح شراؤها من محل التحف والهدايا الملحق بالحديقة ليشكل مخرجا لها. ومن يملك الجرأة الكافية بإمكانه «إظهار بطولته» في ملاعبته للأفعى الموضوعة عند المخرج، وللتجربة أيضا ثمنها، فمن يأخذ قرار المغامرة عليه دفع بدل محدد من المال.

ولا بد للسائح في هذه الجزيرة أن يتركها قبل أن يكتشف سر المعبد البوذي. قد يتراءى لزائر هذا المعبد أنه في حديقة للملاهي تجمع في حناياها كل أنواع الزخرفات الملونة والحيوانات. لكن الدخول إلى المعبد يكشف غمار هذا المكان الذي شيد في عام 1802. هو عالم بحد ذاته يعكس أسرار هذه الديانة وطقوسها، المجسمات تحيط المكان من كل حدب وصوب وكلها مرفقة بمعلومات خاصة تعرف بأسرار هذه الديانة. ولموتاهم ركن خاص صمم بشكل خزانة تضم أدراجا متعددة ليوضع فيها رماد أجساد موتاهم مرفقة بصورهم وبطاقة هويتهم. أما إذا سولت نفس أحد الزائرين سؤال المؤمنين عن مضمون صلواتهم فلن يلقى الإجابة الشافية، والابتسامة هي أقصى ما قد يحصل عليه السائل. للانتقال من «بينانج» إلى «لانكاوي» وهي أرخبيل يضم 99 جزيرة، لا بد من الاختيار بين الجو أو البحر، مع العلم أن الرحلة البحرية تتطلب أربع ساعات تقريبا. تعرف «لانكاوي» بأنها «موطن العشاق»، لا سيما الراغبين بقضاء شهر العسل نظرا إلى جمال طبيعتها الخلابة الكفيلة بمنح شعور الراحة والاسترخاء وقضاء أمتع الأوقات في بيوت قرميدية صغيرة حلت مكان الفنادق وخصصت للسياح. وتستحوذ حدائق «لانكاوي» الطبيعية على 75 في المائة من مساحتها العامة. هي تجاور البحر تحت سماء ملبدة بالغيوم قد تتساقط أمطارها بين لحظة وأخرى من دون أي تبدل في درجة الحرارة التي تبقى مرتفعة طوال ساعات النهار. التنقل بين أحياء «لانكاوي» يعكس طبيعة حياة أبناء هذه المنطقة الهادئة التي تعتبر من أكبر الجزر الماليزية والتي لا يزيد عدد سكانها على 80 ألف نسمة، 80 في المائة منهم من المسلمين، هذا الواقع يبعد عنها هاجس زحمة السير ويلغي عمل الشرطي في الوقت عينه. اكتشاف «لانكاوي» يتطلب أياما عدة، لكن الزيارة القصيرة كفيلة بإعطاء صورة عامة عن ما قد تحتويه هذه المنطقة من متاحف وحدائق وحتى مصانع عمل الماليزيون باحتراف على الاستفادة منها لاستقطاب سياحهم. وأهم هذه الأماكن هي «حديقة الأسماك تحت المياه»، عالم من الأسماك بألوانه المختلفة وأنواعه المتعددة التي وزعت في أحواض ذات هندسة مميزة تحيط بالمار من كل حدب وصوب فيشعر وكأنه يتنقل في قعر البحر. أما المحطة الأبرز فهي الرحلة البحرية على متن القوارب في «Geoforest Park»، ولهذه التجربة متعتها التي لا تقاوم ولا تُنسى في الوقت عينه، وعلى هذه البقعة من الجزيرة حيث الحدود التايلاندية يتلقى السائح رسالة على هاتفه من إحدى شركات الهواتف في تايلاند ترحب به. وفي محيط المكان تكثر الاكتشافات الطبيعية الغريبة، من حديقة القرود إلى حديقة الأسماك الطبيعية حيث الصياد يعطي دروسا تطبيقية في الصيد لزائريه ويشرح عن كل نوع على حدة، فها هو لا يتوانى عن الاستعانة بكلمات عربية حينا وإنجليزية حينا آخر لإيصال رسالته وتشجيع السياح ليقوموا بتجربتهم الشخصية. وختام الرحلة مسك مع فاكهة جوز الهند، فبائعها ينتظر السياح لتوديعهم على متن قارب صغير ليتذوقوا جوز الهند الطازج الذي تتحول فاكهته إلى كوب يشرب فقط ما في داخله. «بينانج» و«لانكاوي» ليسا إلا مثالا عن الجزر الماليزية التي تزخر بالجمال الطبيعي الرائع ويبقى اكتشاف كل منها لذة في حد ذاتها ومغامرة تستحق التجربة.