«سياحة الشاي» في الهند.. للذواقة فقط

رحلة المعرفة والتعرف على تاريخ أحد أشهر نباتات العالم

احد الاجنحة في مزرعة غلينبيرن السياحية للشاي («الشرق الأوسط»)
TT

هل أنت من متذوقي الشاي الهندي وتبدأ يومك بتناوله وتتساءل كيف وصل نوعك المفضل من الشاي من المزارع إلى رف المطبخ؟ لن يصدق الكثيرون إذا قيل لهم إن ذلك النوع من الشاي يمر عبر سلسلة من مراحل الإنتاج قبل وصوله في النهاية إلى أكوابنا. فإذا كنت من بين الحريصين على معرفة كيفية إنتاج هذا المشروب، فيمكننا أن نأخذك في جولة إلى مزارع الشاي للحصول على فنجان من ذلك المشروب الرائع.

تزداد شعبية سياحة الشاي في الهند سريعا مع وصول العديد من السياح لزيارة مزارع الشاي الأخضر في الهند. وبالحديث عن زراعة الشاي في الهند، نجد أنها كانت مزدهرة منذ فترة الاستعمار البريطاني عندما عثر روبرت بروس مصادفة على نبات الشاي وهو ينمو في ولاية آسام التي تشتهر بأنها مهد الشاي الهندي. وتعد الهند حلما لأي متذوق للشاي لوجود ثلاث مناطق رئيسية هي آسام ودارجيلينغ ونيلغيريس تنتج أجود أنواع الشاي في العالم.

ولن تصحبك جولات مزارع الشاي إلى أماكن زراعة فاخرة في جميع أنحاء البلاد، بل ستمنحك فرصة رائعة لمعرفة كل شيء عن تاريخه وأهميته التجارية. فلتمكث في أجنحة شرب الشاي الفاخرة وتنعم بأفضل وسائل الراحة وتتفاعل بالحديث مع عمال إنتاج الشاي، وتحاول قطف أوراق الشاي، وتزُر مصانع الشاي لترى كيف يصل مشروبك المفضل إلى منزلك.

وتتميز العبوات بتصميمات جيدة وسعر معقول أيضا كما أن ورقة السعر تبدو جذابة.

وتقع منطقة دارجيلينغ في ولاية بنغال الغربية عند سفح جبال الهيمالايا المغطاة بالجليد.

وتنتشر مزارع الشاي في دارجيلينغ على مساحة 20.000 هكتار. وتطل عليها قمم جبال كانغشينجونغا، وهي تنتج شايا ليس له مثيل في أي مكان من العالم.

وبمساعدة طقس دارجيلينغ البارد والرطب وأرضها المنبسطة، تنتج مزارع الشاي نباتا ذا مذاق طيب.

ونصطحب قراءنا في جولة إلى مقاطعة غلينبيرن لزراعة الشاي، والتي تبتعد عن مدينة كلكتا الهندية بمسافة 600 كيلومتر ولمدة ساعة من بلدة دارجيلينغ. وتلاصق المزرعة سفح جبال الهيمالايا، وتحيط بمملكة سيكيم.

وهناك نجد فدادين من شجيرات الشاي التي تبدو مثل العشب الأخضر، وتتخللها أشجار الظل على مسافات متساوية. وهناك تشعر كأنك في جنة أبدية.

وفوق ربوة مرتفعة على نهر رانغيت يوجد مبنى عمره 150 عام اسمه بورا بانغالو. تحيط به مساحة 1000 فدان من الغابات الخاصة ومزارع شاي، وتمت إقامة المبنى الصغير على يد شركة اسكوتلندية في عام 1860 وأعيد ترميمه من جديد للسياح الباحثين عن عطلة فريدة مرفهة. وهناك تجد كل ما يمكنك تخيله عن الحياة البرية، حيث تعيش الأفيال والنمور والفهود وحيوانات أخرى. وتبدو الطيور مذهلة وكأنها تحييك على أبواب الجنة.

وتتراوح أسعار الإقامة ما بين 8000 إلى 10.000 روبية للشخص في الليلة، في مزرعة شاي غلينبيرن التي تقدم إقامة فاخرة لضيوفها. والجدير بالذكر أيضا أن 80 في المائة من الضيوف من السياح الدوليين.

ويقدم المكان أجنحة فسيحة، كل منها مصمم وفقا لفكرة مختلفة. ويعد جناح المزارعين تجربة فريدة في حد ذاته، حيث توجد به مدفأة وخرائط تاريخية لشركة إيست إنديا وسرير من خشب الماهوغني الإسباني وأشياء أخرى كثيرة.

وتعد مزرعة غلينبيرن ضيوفها بتقديم خدمة طعام فاخر، سواء كان طعاما هنديا تقليديا أو من شرق آسيا أو أوروبيا، فيمكنك الحصول على كل شيء في غلينبيرن تي إيستيت في دارجيلينغ.

وبعد ذلك، يأتي اهتمام العاملين في غلينبيرن بالتفاصيل في المقام الأول (تبلغ نسبتهم إلى عدد الضيوف خمسة لكل ضيف). ومن تلك التفاصيل، النزهات المعدة جيدا، ومستلزماتها من شاي بعد الظهيرة والعصير الطازج، التي تظهر لك في كل مكان سواء كنت في رحلة مدتها ساعتان إلى النهر أو تتجول فقط في الحديقة. ويعد الطعام الفاخر، الذي تُزرع مكوناته في المزرعة قدر الإمكان، وتقدم للضيوف أطباق نيبالية، وتنتمي إلى قبائل الناغا، بالإضافة إلى الأطعمة العالمية. ويقدم أيضا الخبز المصنوع في المنزل وكعك الشيكولاته. ويحيا سكان تعدادهم 4700 شخص بدعم من المقاطعة، التي تمنحهم الملبس والمأكل بالإضافة توفير الرعاية الصحية والتعليم لهم. وتتولى إدارة المقاطعة مسؤولية التنمية المحلية، وإذا كنت مهتما تشاركك في مشاهدة جميع مراحل العمل من جولات المصنع إلى حفلات تذوق الشاي وزيارة المستشفيات.

وتقدم مقاطعة غلينبيرن فرصة غير مسبوقة من أجلك للتمتع بالراحة بعيدا عن العالم، والحصول على فرصة لفهم المجتمع الذي يعمل ويعيش في المقاطعة وللتعامل معه.

يمكنك أن تسير أو تركب سيارة تمر بك عبر حقول الشاي مع مدير المقاطعة، الذي سيوفر لك جولة إرشادية شاملة تعرفك بكيفية نمو أعشاب الشاي والعناية بها. وتعلم كيفية قطف «ورقتي شجر وبرعم»، تُصنع بعد ذلك لتصبح ورقة الشاي التي تمتزج في كوبك! ويمكنك أن تزور حضانة الشاي التي تتم فيها زراعة نبات الشاي الصغير، وتتعلم أنواع نبات الشاي المختلفة وكيفية نقلها إلى الحقول عندما تكون مستعدة لذلك. ثم خذ قسطا من الراحة على ضفاف نهر رونغ دونغ.

ولدى عودة السيارة إلى أعلى التل إلى مصنع الشاي، تشاهد جولة أخرى عن كيفية جلب أوراق الشاي من الحقول ووزنها ثم مرورها بمراحل الذبول واللف والتخمر والتجفيف وأخيرا التصنيف.

وفي جلسة تذوق الشاي، يمكن أن يكتشف المرء تنوعا في رائحة ومذاق ومظهر الشاي المصنع بطرق مختلفة، وذلك على مدار فترات مختلفة من العام. ويمكن للزائر السير بطول نهر رونغيت وقرية مانجيتار في سيكيم بعد تناول الإفطار. وستصطحبك سيارة جيب لتمر عبر غابة سيمبونغ إلى نهر رونغ دونغ. وبعد عبور النهر فوق جسر صغير معلق، تجد نفسك في غابة بادامتام. وفي طريقك في ممر الغابة، يمكنك التعرف على أنواع الطيور والفراشات والحيوانات وحياة النباتات الثرية.

وفي جولة بقطار داخلي، يمر الزائر بمنطقة باتاسيا لوب الساحرة ثم ببلدات غوم وكورسيونغ المجاورة. ويمكنه أيضا التجول في المركز التجاري الذي يبيع المصنوعات المحلية والأنتيكات، ثم التوقف عند استوديوهات جاس الشهيرة للتأمل في مجموعة الصور الأبيض والأسود القديمة، والتوقف لاحتساء كوب من الشاي أو القهوة في أحد المقهيين الشهيرين «كيفينتيرز» و«غليناري».

ويمكن تناول الغداء في أماكن كثيرة مثل غليناري، وهو مقهى بالإضافة إلى كونه مطعما يقدم أطباقا متعددة الجنسيات، ولكن قد تفضل أيضا مطعما أكثر محلية، لتناول وجبة «مومو وثوغبا» التقليدية.

ومن الممكن أيضا زيارة لحديقة الحيوان المحلية، التي تشتهر بوجود الفهد والباندا، وزيارة معهد جبال الهيمالايا ونادي جيمكانا، ثم العودة من جديد إلى غلينبيرن.

ويمكن الاتصال بالمقاطعة عن طريق: رقم الهاتف: 0091 33 2288 5630 عنوان البريد الإليكتروني: [email protected] الموقع الإليكتروني: www.glenburnteaestate.com يظهر التاريخ في كل مكان، حتى على وجوه العمال، الذي يعملون في الحدائق منذ أجيال، وبعض منهم لم يرَ المدينة التي تبعد عن المكان بساعتين. وهم سعداء وراضون بحياتهم المحيطة. ومن المعتاد أن ترى العمال أنفسهم يستمرون في العيش في أكواخ ذات أسقف من القش، والاحتفاظ بماشيتهم في المنزل الذي تمنحه الشركة لكل منه. وبعد العمل، يجتمعون في الخارج ويمضون أمسيات في الرقص والمرح. ويتناولون شيئا ما يسمى هانديا، وهو عبارة عن نبيذ الأرز المخمر في أوانٍ فخارية، ويصبحون سعداء بغناء أغانيهم والرقص كل ليلة. ثم يخلدون إلى النوم للبدء في دورة الحياة بالطريقة ذاتها في اليوم التالي. ويجدون الترفيه في التجمع والاختلاط مع الآخرين، وهو ما نسيه كثيرون منا، بسبب ضريبة الحياة اليومية ومتطلباتها.

وتأتي الأفيال عادة في المساء كأنها ضيوف عشاء غير مدعوين. وهم يبحثون عن مشروب الهانديا. وقد يقتحمون منزل أحد العمال من أجل الوصول إلى الهانديا. ومن المثير للضحك أن تشاهد فيلا سكران وهو يسير، حيث يترنح ويسقط كثيرا.

ويعد المصنع مكانا آخر يستحق الزيارة، وهو يعالج نحو 10.000 كيلوغرام من الشاي المصنَّع يوميا، وبالطبع توجد حدائق كبيرة وأخرى صغيرة. ويمكنك أن تشم تلك الرائحة هناك فقط لا في أي مكان آخر. وما زالت أيضا الماكينات الكبيرة القديمة تعمل بالبكر والحزام، ويحركها محرك ضخم. إنها تجربة ليس لها مثيل. ويمكنك أن ترى جانبا من الحياة لا يراه كثيرون ولا يخوضون تلك التجربة بشكل مباشر.

ويقع أقرب مطار للمنطقة في باغدوغرا، وبالنسبة إلى محبي الراحة، تقدم المقاطعة المزيد من الخدمات. فبخلاف جناح غلينبيرن الذي يوفر وسائل راحة غير معقولة، تقدم المقاطعة مساحة مغطاة بالجليد في كانغشينجونغا. ويمكنك أن تمضي اليوم في الاستحمام أو الصيد أو ركوب قارب أو التمتع بالشمس.

وإذا كنت قد احتسيت كثيرا من شاي دارجيلينغ، ولم تعد مهتما بالحصول على المزيد منه، يمكنك فقط الانتقال إلى محطة كورسيونغ لقطار البخار حيث يوجد مقهى كوشران بلاس. ويركز تصميم المقهي في الأساس على الشاي والقطارات. ويبدو باب المقهى على شكل محركات، ويفخر بتقديمه حمام جاكوزي من الشاي، وغسول للوجه من الشاي، ويقدم أطباق عشاء يعتمد كل صنف فيها على الشاي. ويقدم المقهى جريدة الصباح مع الشاي في كوب زجاجي تقليدي.

وفي النهاية، دارجيلينغ مساحة طبيعية جميلة المنظر تمتد من غابات أشجار البامبو وحتى ورود سفح الجبل الساحرة لتؤدي في النهاية إلى طريق متموج يمر في وسط المقاطعة.

وفي أثناء الإقامة في غلينبيرن، تجد أن ظلال العصر البريطاني ما زالت حية في مقاطعة جبلية منسية، يمتزج فيها النسيم مع رائحة أوراق الشاي البعيدة. وجدير بالذكر أيضا مقاطعة شاي أخرى هي مونار في جنوب ولاية كيرلا. ويمكنك السفر إلى كوشين من نيودلهي بالطائرة، ثم الانتقال بالسيارة إلى مونار التي تعد مكانا جذب سياحي شهير في كيرلا جنوبا. ويوجد بها عدد من حدائق ومزارع الشاي المبهرة على مستوى العالم.