أبوظبي.. ترتقي لتكون ضمن العناوين السياحية العالمية

لرجال الأعمال حصتهم وللعائلات أيضاً.. وللنساء حصة كبيرة

ابوظبي تسعى لتكون عنوان السياحة الثقافية والتراثية والرياضية («الشرق الأوسط»)
TT

نقطة الانطلاق كانت من مطار هيثرو في محطته الرابعة، والرحلة كانت متوجهة إلى مطار أبوظبي في محطته الثالثة، فاختلطت علي الأمور لأنه من المعروف عن «طيران الاتحاد» أنه يسير رحلاته بين لندن وأبوظبي من المحطة الثالثة التابعة لمطار هيثرو، فبعد التأكد من الموضوع تبين لي أن «طيران الاتحاد» انتقل إلى المحطة اللندنية الرابعة وافتتح صالونا خاصا به لتقديم أكبر قدر من الراحة لزواره، ولحسن الحظ تزامنت رحلتي مع افتتاح الصالة التي كانت لا تزال رائحة الجلود الطبيعية تنبعث من الأثاث فيها ورائحة خشب السنديان تعبق في زوايا المكان، فعندما تدخل إلى الصالون سوف تشعر بأن الرحلة ستمر على خير وسوف تقضي أجمل الأوقات، فإذا كان صالون الناقل الرسمي بهذا المستوى وبهذا القدر من التنظيم فكيف ستكون الوجهة التي ينضوي تحت لوائها هذا الطيران؟

ينقسم الصالون إلى عدة أقسام، من بينها مطعم مخصص لتلبية الطلبات «الا كارت» والأبرز هو وجود مركز صحي يقدم علاجات عديدة لمدة 15 دقيقة لكل راكب في الدرجتين الأولى ودرجة رجال الأعمال مجانا، فبعد اختيار جلسة سريعة لتدليك الكتفين والرقبة كان لا بد من الجلوس والاسترخاء، وعندما جاءت إحدى العاملات في الطيران لتعلمنا بأن الرحلة سوف تتأخر عن موعد الإقلاع المقرر، لم يأبه أحد من الركاب الحاضرين، فعلاج آخر في المركز الصحي فكرة لا بأس بها.

فبعد التحليق براحة تامة لمدة نحو السبع ساعات، حطت الطائرة في ساعات الفجر الأولى، حيث كان السكون رفيق المدينة، فتستقبلك أبوظبي بدفئها المعهود مع قطرات الندى، ومن اللافت التطور السريع الذي يرافق تلك العاصمة الخجولة، فالمشروعات عديدة والأبنية تتنافس فيما بينها من حيث الشكل والطول، فلفت انتباهي مبنى مدور الشكل فكان الجواب بأنه مقر شركة «الدار» العقارية.

إذا كنت زرت أبوظبي سابقا، منذ فترة طويلة، سوف تفاجأ بالكم الهائل من المشروعات والتطوير في المجال السياحي، فاللافتات تنتشر في كل مكان وتعلن قدوم سباقات «فورمولا1» على حلبة أبوظبي الأولى عند مرسى ياس، فهذه المناسبة هي الأهم حاليا في أبوظبي، فعدسات كاميرات المصورين من كل أنحاء العالم تركز على أبوظبي وحلبتها والفنادق المميزة المحيطة بها.

رسالة أبوظبي واضحة، فهي ترنو لتكون عنوان السياحة الثقافية والرياضية، والعمل اليوم يجري على قدم وساق للانتهاء من جزيرة السعديات التي ستكون بمثابة واحة ترضي الذواقة والمثقفين، ومن المتوقع عام 2013 أن ينتهي العمل من متحف «غونهايم» و«اللوفر» ومتحف البيئة المائية ومسرح الفنون العالمية، وإذا كنت لا تستطيع الانتظار حتى انتهاء هذه المشروعات الضخمة، فما عليك إلا التوجه إلى بهو قصر الإمارات لإلقاء نظرة على تصميمات تلك المتاحف الرائعة التي أشرف عليها ألمع المهندسين والمصممين العالميين ومن بينهم المهندسة العراقية البريطانية زها حديد.

أبوظبي تقدم لكل سائح شيئا مختلفا، فلرجال الأعمال حصتهم وللعائلات حصة أيضا، وللنساء حصة كبيرة فيها، فيكفي أن تقوم المرأة الباحثة عن الراحة بالتوجه إلى المراكز الصحية المخصصة للنساء، ونذكر منها مركز «نادرين» القريب من فندق «شانغريلا» لتمضية أجمل يوم، ففي هذا المركز يمكن الخضوع لعدة علاجات من أهمها وأبرزها الحمام المغربي الذي تقوم به زينب، وهي اختصاصية مغربية، وهذه التجربة فريدة بالفعل وتناسب النساء اللاتي يعرفن معنى التألق، وبعد أكثر من ساعة من تنشق عبق الأعشاب والعطور الطبيعية تنقلك أجواء المركز إلى سحر المغرب وروعته، فكل وسائل الراحة موجودة، وتقول إحدى صاحبات المشروع السيدة شقرا إن الهدف من المركز هو تقديم كل الخدمات للمرأة تحت سقف واحد، كما أن المركز يقع في منطقة سكنية ويعتبر عنوانا رئيسيا للنساء المقيمات في المنطقة، أما بالنسبة للزائرات من الخارج فهو يقدم كل العلاجات بقالب جديد يختلف عن المراكز الصحية المنتشرة في الفنادق.

فبعد فنجان من الشاي المغربي مع الحلويات والتمر يكون حان موعد تصفيف الشعر وتقليم الأظافر فيوم الراحة لا ينتهي في المركز بسهولة، وعندما ينتهي سوف تشعر المرأة بطاقة مفعمة بالنشاط لا تثنيها عن زيارة المراكز التجارية الكثيرة المنتشرة في قلب العاصمة، ومن بينها مركز «مارينا مول» الذي يعتبر واحدا من أجمل المراكز التجارية في المنطقة نسبة لما يقدمه من خدمات ومرافق ومطاعم ومحلات أنيقة ترضي جميع الأذواق، وإذا كنت ترغب في التعرف على أبوظبي من الطابق الثالث والعشرين فلا تتردد في التوجه إلى مطعم «تيارا» الذي يشكل تاجا على رأس المركز التجاري، وهو مطعم دوار يعطي الزائر فرصة رؤية جميع معالم العاصمة من كل جوانبها خلال تناول العشاء، فكرة المطاعم الدوارة ليست بجديدة، فهي موجودة في كندا ونيويورك ومدن عالمية أخرى، وعادة ما يكون هذا النوع من المطاعم تجاريا يعتمد على المناظر الطبيعية وليس على ما يقدم في الطبق، إلا أن مطعم «تيارا» استطاع مزج المناظر الجذابة والحركة مع نكهات ممتازة ترافق جميع الأطباق خاصة الأسماك وكبد الإوز وتورتة الجزر. عندما تزور أبوظبي ستكون أمامك عدة فرص لاكتشاف كل ما هو جديد وقديم، فتلك المدينة تعتز بتراثها وتشدد على الحفاظ وتسليط الضوء عليه، لذا تراها تشجع الزائرين على زيارة مدينة العين التي تسمى بالمدينة الخضراء لأنها تضم أكبر عدد من الحدائق والمتنزهات وحديقة الحيوانات التي سيتم تطويرها لتصبح مشروعا كاملا ومتكاملا يضم كل أنواع الحيوانات في العالم، وفنادق وفيلات فاخرة، وفيها أول جامعة في الإمارات تأسست عام 1977، كما تضم أيضا المعهد الإسلامي، ومطارا دولي قدرته الاستيعابية تزيد على نصف مليون مسافر سنويا، وفيها أكثر من 68 من المباني الأثرية وعدد من القلاع الأثرية، وتضم متحف العين الذي يعد أول متحف وطني يؤسس في الإمارات عام 1969 وتم افتتاحه عام 1971. وهي بمثابة مصيف وعنوان لراحة أهالي أبوظبي لتمضية عطلة نهاية الأسبوع حيث تنتشر الشاليهات، ويجري العمل حاليا على بناء مشروعات سكنية جديدة وفنادق وأندية لركوب وسباقات الخيل وممارسة الألعاب الرياضية مثل الرغبي، وتضم تلك المدينة الخضراء أيضا فعاليات ومهرجانات مثل مهرجان العين للموسيقى الكلاسيكية، وهي تبعد نحو الساعة ونصف الساعة عن العاصمة.

وتضم مدينة العين أيضا جبل حفيت، الذي تعتبر قمته أعلى نقطة في إمارة أبوظبي، إذ يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 1.340 مترا. وتم تشييد فندق «جراند ميركور جبل حفيت» على قمة الجبل، وهو من فئة الخمسة نجوم، ويوفر للنزلاء إطلالة فريدة على مدينة العين، فعندما تصل إلى رأس تلك الجبل الصخري المهيب سوف تفاجأ بالنسمات الطرية التي تلطف أجواء المنطقة. وعند أسفل الجبل سوف تقابلك المبزرة الخضراء بخضرتها الجميلة، فعقب اكتشاف ينابيع المياه العذبة الجوفية التي تتدفق بغزارة تحت سطح الأرض تحولت تلك المنطقة إلى معلم سياحي يجذب الزوار من كل الإمارة والمناطق المجاورة، وفيها بحيرة صناعية وواحدة من أكبر النافورات في الشرق الأوسط، ومن النشاطات التي يمكن للزائر القيام بها ركوب الزوارق داخل البحيرة التي تنبع فيها الينابيع الدافئة.

وإلى جنوب الإمارة تقع واحة ليوا التي تضم أجمل الكثبان الرملية في العالم، وتجاور حدودها صحراء الربع الخالي.

وعندما ترجع إلى العاصمة بعد يوم كامل في أحضان الطبيعة والخضرة والماء والصخور والجبال العملاقة سيكون مسجد الشيخ زايد في انتظارك عند مدخل المدينة، فهو يعتبر ثالث أكبر مسجد في العالم، زيارته ضرورية، فهو تحفة معمارية فنية يصعب وصفها بكلمات، فيضم في وسطه ثريا عملاقة تحت القبة الرئيسية وتعتبر الأكبر في العالم يبلغ قطرها 10 أمتار وترتفع 15 مترا وتزن 9 أطنان. أما بالنسبة للسجادة فهي بالفعل عملاقة من حيث الحجم وهي الأكبر في العالم أيضا، فهي تغطي مساحة 7119 مترا مربعا، وصنعت من 35 طنا من القطن والصوف. ينصح بالقيام بجولة في المسجد بصحبة مرشد سياحي، يمكن حجز الخدمة من خلال الفندق أو عند الوصول إلى المسجد، والمسجد مفتوح لجميع الزوار وفيه أقسام مخصصة للصلاة.

وإذا كنت من محبي الرياضة، فلا بد أن تزور حلبة ياس، التي من شأنها أن تجعل أبوظبي ترتقي إلى مصاف أبرز المدن العالمية على الساحة الرياضية، ففي البداية سوف تفتح الحلبة ذراعيها لسباق السيارات «فورمولا1» ولكن في الأشهر المقبلة ستقام سلسلة من الفعاليات ضمن إطار المشروع بما فيها مسار لرياضة الكارتينغ ومدرسة فيراري لتعليم القيادة. وسوف تفتح أبواب حلبة مرسى ياس على مدى 300 يوم في السنة، وستكون محفزا لإضافة فعاليات ومناسبات مهمة أخرى على أجندة أبوظبي الرياضية والاجتماعية. وبالنسبة للإقامة في أبوظبي، فسوف تقف حائرا أمام وفرة الفنادق الجديدة التي ترافق التطور السياحي الحاصل، فلأصحاب الميزانيات العالية، يمكنهم الإقامة في فندق «قصر الإمارات» الغني عن التعريف، كما يمكن للزائر الاستفادة من الشاطئ من خلال الإقامة في فندق «شاطئ الراحة» الذي يتميز بشاطئ خاص به، إضافة إلى فندق «شانغريلا» المميز بديكوره اللافت، وانضم إليه منذ شهرين فندق «ترايدرز» الذي يتبعه ولكنه ينضوي تحت لواء فنادق الأربعة نجوم، إلا أن ديكوراته العصرية وخدماته وأحجام غرفه توازي الفنادق من فئة 5 نجوم، فهو بني ليكون عنوانا لرجال الأعمال الباحثين عن إقامة مريحة فيها كل الخدمات اللازمة بأسعار «متهاودة»، وهذا ما يميز أبوظبي لأنها لا تستهدف الزوار الأثرياء فقط، إنما يهمهما أيضا استقطاب السياح والزوار من طبقات مادية أقل.

فبعد زيارة سريعة إلى أبوظبي تتركها لتعود إلى النقطة التي انطلقت منها، على أمل العودة إليها لرؤية المشروعات المقررة، لتكون مواكبا لتطور تلك المدينة الخجولة التي اختارت الوقت المناسب للتوسع وإبهار العالم بما تزخر به من مقومات تضعها على خريطة السياحة العالمية.