«الأيورفيدا».. خبرات آلاف السنين للأجسام المتعَبة

الطبيب ساجين فيليب يستقبل «مرضاه» في «سبا فينيسيا» في بيروت

بعض الأعشاب التي تستخدم في جلسات «الأيورفيدا»
TT

يستطيع من يقصد لبنان ويحلّ في فندق «فينيسيا إنتركونتيننتال» في بيروت أن يستفيد من موهبة الطبيب ساجين فيليب الذي وصل من جنوب الهند إلى لبنان حاملا زيوته وأعشابه وأدواته ليعرّف شعوب الشرق الأوسط إلى ثقافة الأيورفيدا. وهي إدماج لكلمتين وتعني «علم الحياة». وهذا العلم ليس إلا نوعا من المدارس الطبية التي تختزن خمسة آلاف عام من الخبرة المتراكمة والمتناقلة من جيل إلى جيل عبر كتاب يكتنز معلومات باللغة السنسكريتية وهي اللغة الهندية القديمة.

الطبيب الهندي استقر إذن في «سبا فينيسيا» في فندق «إنتركونتيننتال فينيسيا». هناك يستقبل زواره باسما. وهم لا يقتصرون على نزلاء الفندق حيث يعمل فحسب، ذلك أنه حاضر ليقدم علمه إلى المهتمّين بالتعرّف إلى علاجات «الأيورفيدا» أيضا، وباستطاعة من يشاء من السائحين المقيمين في فنادق أخرى الاستفادة مما يمنحه لهم، فهو حاضر دوما للإجابة على كل استفساراتهم مهما كثرت وتشعّبت، لأنه بشغف يحدّثهم عن هذه الثقافة، لا بل عن «هذا الطب الذي يشكّل نواة للطب الغربي»، كما يقول في لقاء مع «الشرق الأوسط». وإبعادا للصورة التجارية التي يمكن أن تنطبع في ذهن الزائر، يتحدّث فيليب بحماسة عن «سوسروتا، وهو طبيب هندي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، أجرى أول جراحة تجميلية للأنف. فموقعنا وتاريخنا الحافل بالحروب أجبرانا على التعرّف باكرا إلى أعضاء الجسم ووظائف كل عضو واستخدام الأعشاب لتحضير الأدوية لمداواة الجرحى».

وقبل أن يباشر الحديث، يؤكّد ممازحا أنه ليس برّاجا ولا منجما ولا يقرأ البخت ولا يستشرف المستقبل، بل طبيب مُجاز يحمل شهادة في طب الأيورفيدا بعدما درس في إحدى الجامعات الهندية طوال ست سنوات. وقد شاء الخروج من نطاق المستشفيات لينشر هذا الطب في أرجاء العالم، وها هو بعدما غادر جزر المالديف، يستقرّ في محطته الثانية لبنان.

اللافت في الأمر أن هذا المركز هو الوحيد في لبنان الذي يقدّم هذا العلاج تحت إشراف طبيب اختصاصي. وقبل الخوض في تفاصيل هذا العلم، لا بدّ من الإشارة إلى أن ما يميّز جلسات التدليك بالأيورفيدا عن التدليك العادي أمور عدة، أهمها: استخدام مواد طبيعية مائة في المائة دون اللجوء إلى أي مركّبات صناعية أو كيميائية. وفي هذه المواد، يشكّل الزيت المحضَّر من خلاصات الأعشاب مادة محورية. كذلك أن الأيورفيدا ترمي إلى معالجة كل الأوجاع بغية استئصالها، فضلا عن أنها تساعد على الاسترخاء والعمل على إزالة السموم المترسّبة في الجسم. من هذه النقاط الثلاث ينطلق فيليب ليوضح الفرق بين الأيورفيدا وسواها من أساليب التدليك والعناية بالبشرة في مراكز السبا التقليدية. ماذا عن الأسس والقواعد التي تنطلق منها الأيورفيدا؟ يعود بإجابته إلى «العناصر الخمسة الكبرى التي ترتكز عليها الفلسفة الهندية، أي النار، والأرض، والمياه، المدى، الهواء»، ليشرح مكوّنات أعضاء الجسم المختلفة، ثم ينتقل إلى التحدث عن أن العلاجات الأساسية تنطلق من هذه العناصر لمعالجة الأعضاء على اختلافها. ويوضح أن الأيورفيدا تنقسم إلى نوعين: «الأول يرمي إلى معالجة الأمراض والتخلّص من الآلام، فيما يركّز الثاني على الوقاية والاسترخاء. والنوع الثاني هو المتاح للزوّار في مركزنا، ذلك أن النوع الأول يحتاج إلى ترخيص من الجهات الحكومية». إنما يشدد فيليب على أهمية الجانب الوقائي الذي يقي الجسم الكثير من الأمراض والتشنّجات ويساعد على استرجاع الإحساس بالنشاط.

واللافت أن جلسات الأيورفيدا تشكّل تجربة لافتة، ذلك أن الزائر، بخلاف جلسات التدليك العادية، يخضع لمعاينة فريدة. فالطبيب لا يمسك بسماعة وغيرها من الأدوات التقليدية بل يوجّه إليه لائحة من الأسئلة قبل أن يشخّص حالته ويرشده إلى التدليك المناسب. والسؤال عن أسلوب الحياة ونمط العمل ونوع الطعام وحتى الأحلام وأنواعها، كل هذه ليست إلا جزءا من الأمور التي يمكن أن يُسأل عنها الزائر، فضلا عن جسّ نبضه لتحديد ما إذا كان عصبيا ودرجة عصبيته. وكل سؤال يشكل مؤشرا إلى سؤال آخر، وهكذا دواليك حتى يتمكّن الطبيب من استكمال تحليله. وبعد المعاينة والتشخيص، يختار الزائر أي مساعد يريد من الثلاثة المتوافرين.

بالعودة إلى الجلسات المتاحة في «سبا فينيسيا»، هناك 8 علاجات أساسية ومجموعة أخرى من العلاجات المتفرّعة، فضلا عن العروض الشاملة التي تتراوح بين ثلاثة أيام وسبعة وصولا إلى 14 يوما. وترمي العلاجات إلى «إراحة قنوات الجسم عبر مدّها بالنشاط والحيوية»، كما يقول فيليب قبل أن يفصّل كل علاج علما أنه يعتبر العلاجات «استثمارا في الجسم».

الأوّل، «إبيانغا» ويرمي إلى تعزيز المناعة ومد الجسم بالنشاط. وهو يقوم على تدليك كل الجسم بالزيت وتتراوح مدته بين خمسين دقيقة وسبعين. الثاني «إبيانغا» بأربعة أيدٍ حيث يعمل اختصاصيان على التدليك ما يحفّز الدورة الدموية ويساعد على التخلص من التعب. الثالث «شيرودارا» وفيه تستخدم أداة خاصة للضغط على بعض الأماكن في موازاة استخدام الزيت الدافئ طوال خمسين دقيقة. ينصح بهذه الجلسة للذين يعانون أرقا وآلاما في الرأس وضغوطا نفسية. الرابع «شامبي ماساج»، أي تدليك للرأس والكتفين. وخلال 25 دقيقة، يتخلّص الفرد من كل الآلام التي تصيب هذه المنطقة، وينصح بها للحوامل ولمن يعانون مشكلات في النظر.

العلاج الخامس «بوديكيري»، وهنا تضاف إلى الزيت البودرة المصنوعة من خلاصات الأعشاب، وينصح بهذه الجلسة ومدّتها 50 دقيقة، لمن يعانون أوجاعا في أسفل الظهر والروماتيزم. ويمكن مضاعفة هذه الجلسة عبر اختيار النوع السادس الذي يمتاز بتخصيص مساعدَين لا واحد.

أما العلاج السابع وهو «أودوارتانا» فيعمل على إزالة الخلايا الميتة والتخلّص من السيلوليت. وما يميز هذه الجلسة عن الجلسات المتوافرة في مراكز السبا التقليدية، إضافة إلى اعتمادها على الزيوت والأعشاب، هو التقشير بشكل معاكس للبشرة. أما العلاج الأخير فهو «كاتي فاستي» المخصّص لمنطقة أسفل الظهر وأعلى الساقين.

حديث الطبيب الهندي عن الجانب الوقائي، لا يمنعه من أن يعرض سريعا للشق العلاجي في طبّ الأيورفيدا وإن كان غير متاح في لبنان. فيقول إن بودرة الينسون تُستخدم لتحضير بعض الوصفات التي تساعد في تعزيز المناعة، فيما تُغلى عشبة الـ«غوكشورا» ويُشرب عصيرها للتخلّص من الالتهابات التي تصيب الجهاز البولي. كما يساعد ماء كبش القرنفل بعد غليه على التخلّص من آلام الأسنان.

وبخلاف الطب الغربي، يأخذ طبيب الأيورفيدا في الاعتبار سن المريض وبيئته ونمط حياته لوصف العلاج المناسب. فهو «قادر على معالجة الالتهابات والسعال والحرارة وبعض الأمراض الرئوية كالربو ومشكلات متعلّقة بالجهاز العصبي، أي أنه لا يقلّ أهمية عن الطب الغربي، لكنّ النقص في الأموال حال دون إجراء الأبحاث والاختبارات اللازمة الأمر الذي منع تقدّمه. لكن لو لم يكن يرتكز على أسس صحيحة لما استمر 5000 عام ولا يزال».