لامبدوسا.. عشق الطبيعة أم أوجاع المهاجرين الأفارقة؟

جزيرة إيطالية بطابع أفريقي

تتمتع الجزيرة بشواطئ رملية عديدة تجذب السياح من جميع بقاع العالم
TT

ربما لم يسمع الكثيرون عن جزيرة «لامبدوسا» الإيطالية إلا عبر التقارير التي ترد عن المهاجرين الأفارقة، غير الشرعيين، أو ما يطلق عليهم «أهل القوارب» الذي يسعون لحياة أفضل في أوروبا، عن تلك الحياة البائسة في الكثير من البلدان الأفريقية.

فالجزيرة تعد من الوجهات المفضلة لهؤلا المهاجرين، لقربها من القارة السمراء، وقد ذاعت شهرتها بسبب ما كانت تتناقله وسائل الإعلام بين الحين والآخر من أنباء عن غرق قوارب المهاجرين قبالة سواحلها، أو وصولهم بأعداد كبيرة إليها.

بيد أن ما لا يعلمه هؤلاء، وغيرهم، هو أن تلك الجزيرة، التي تقع في أقصى جنوب إيطاليا، تجذب عشاق الطبيعة من السائحين بمياهها «التركوازية» وشواطئها البيضاء ومنحدراتها الصخرية الحادة، بالإضافة إلى نباتات الأقحوان الأصفر والخبيز، التي تنمو وسط الصخور والشجيرات الصغيرة، جنبا إلى جنب مع الخرشوف (الطرطوفة) والشمر برائحته الذكية.

لامبدوسا هي أكبر جزر «بيلاجيا» المعزولة التي تضم أيضا جزيرتي «لينوزا» و«لامبيوني».

تقع لامبدوسا في البحر المتوسط، على مسافة نحو 200 كيلومتر جنوب غرب صقلية، ونحو 120 كيلومترا من تونس، وتتبع إيطاليا إداريا، ضمن مجموعتها التي تعتبر جزءا من مقاطعة أغريجنتو في صقلية. أقصى امتداد للامبدوسا هو 11 كيلومترا، وأقصى عرض لها نحو 3.2 كيلومتر. وترتفع الجزيرة 133 مترا فوق سطح البحر، وتعد جيولوجيا جزءا من أفريقيا.

أما من الناحية السياسية، فلطالما شهدت لامبدوسا صراعات عدة عبر التاريخ للاستيلاء على الجزيرة، فقد حرص اليونانيون والفينقيون والرومان والسراسين (أو ساراكينوس، مصطلح استخدمه الأوروبيون للدلالة على العرب في العصور الوسطى، وللدلالة على الفاطميين أيضا) والأرغوانيين، على فرض سيطرتهم على لامبدوسا ليتخذوا منها قاعدة لغزو أفريقيا.

ويعيش معظم سكان لامبدوسا، الذين يبلغ عددهم نحو 500 ألف نسمة، في المدينة الوحيدة في الجزيرة والتي تحمل أيضا أسم «لامبدوسا»، وتبدو وتيرة الحياة في الجزيرة أفريقية، أكثر منها إيطالية، فأنت ترى الأطفال يلعبون الكرة على أرض الميدان المرصوف بالحجارة أمام مكتب العمدة، أو بعض الرجال وقد وقفوا منهمكين في حديث بجانب عربة لبيع الخضروات، أو النساء وقد أخذن بيد أطفالهن مسرعين.

تمثل الأمطار مصدر المياه الرئيسي في الجزيرة، وبالإضافة إلى أشجار الزيتون والنخيل الموسمية، تنتشر أشجار الصبار والتين بكثرة. وقد يصادف الزائر هنا أو هناك بعض الحدائق المزروعة بالخضروات، وبعض الماعز، فالأرض هناك لا تصلح للزراعة أو تربية الماشية. والمصدر الرئيسي للدخل لسكان الجزيرة هو الصيد والسياحة.

وقد تضررت السياحة كثيرا على خلفية التقارير الخاصة بالمعسكرات المكدسة بالمهاجرين غير الشرعيين في الجزيرة. ويشكو إيمانويل بيلارديلو، الذي يعتمد في دخله على تنظيم رحلات في قاربه أو تأجير الشقق، «في عيد القيامة الماضي كان لدينا ما بين 300 و500 من النزلاء، بحسب الأحوال الجوية، أما ذلك العام فلم يتعد الرقم 30 نزيلا».

ورغم ذلك، يبدو أن الأمور آخذة في التغير، حيث أن معسكري إيواء المهاجرين غير الشرعيين، أو المتسللين، خاويان منذ منتصف مايو (أيار) الماضي، أي منذ أن قررت الحكومة الإيطالية، بالتعاون مع ليبيا، إعادة المهاجرين غير الشرعيين من المياه المتوسطية إلى الشاطئ الأفريقي قبل أن تطأ أقدامهم الأراضي الإيطالية.

وبحسب «وكالة الأنباء الألمانية» يتعرض برنامج الترحيل الذي تنفذه الحكومة الإيطالية لانتقادات حادة، حيث تقول الكثير من منظمات الإغاثة الدولية، وبينها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، إنه يمثل انتهاكا لاتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951.

على أي حال، أخذ «سبارتشي» وهو المصطلح الذي يستخدمه اللاجئون لوصف هبوط القوارب الخشبية المكدسة بـ«اللاجئين الاقتصاديين»، أي الذين يهاجرون من أجل ظروف اقتصادية بحتة في التراجع بصورة كبيرة، ونتيجة لذلك، تراجع انتشار قوات الجيش والشرطة في الجزيرة، بعد أن اعتقد الكثيرون من السائحين في لامبدوسا بداية العام الحالي أن الجزيرة تعرضت لاحتلال.

فمن من رواد منطقة وسط مدينة لامبدوسا الهادئة، قد يطرأ على ذهنه لوهلة اليوم أنه خلال عام 2008 كان هناك 32 ألفا من الأفارقة البؤساء وقد تقطعت بهم السبل في الجزيرة التي تعد بوابة للقارة الأوروبية، التي تبلغ مساحتها نحو 20 كيلومترا.

وهناك المئات من قوارب الصيد التي حطمتها أمواج البحر، وقد تراكمت فوق بعضها بعضا في «سيميترو ديل بارشي»، (مقبرة القوارب)، كما يوجد شرقي الميناء، نصب تذكاري يطلق عليه «بورتا دو يوروبا»، صممه الفنان الإيطالي ميمو بالادينو، ويخلد النصب ذكرى الأعداد التي لا تحصى من الأفارقة الذين لقوا حتفهم في مياه البحر المتوسط أثناء محاولاتهم الوصول إلى الأراضي الأوروبية.