منتجع «أفاميا ـ روتانا» في اللاذقية.. التراث الدمشقي يعانق زرقة البحر

عرف سر المزج ما بين القديم والجديد

البقع الخضراء في قلب الفندق (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
TT

الوصول إلى «منتجع أفاميا ـ روتانا» في اللاذقية على الساحل الشمالي لسورية، ينسي المسافر عناء الطريق وعناء عبور الحدود اللبنانية ـ السورية الذي قد يستغرق ساعات وساعات، لا سيما إذا كان المسافرون من الصحافة العربية والأجنبية! لحظة الوصول والإطلالة على تلك الزرقة لبحر تتمايل مياهه الشفافة على إيقاع نسيم أكتوبر (تشرين الأول) العليل، كفيلة ببث النشاط في الأجسام المرهقة، وإزالة كل الضغط الحياتي المتراكم. ودخول ردهة الفندق الفسيحة والفخمة، يشعر الزائر بالراحة والألفة في آن واحد. واللافت أن التراث السوري وتحديدا الدمشقي يطبع الديكور العام لقاعات الفندق وأروقته بنفحات شرقية غير متكلفة، وبذوق رفيع، واضح أنه أجاد الدمج بين الوجهين العصري الحداثي من جهة والتقليدي من جهة أخرى. فأُبرز البناء المعماري التقطيع الحديث والبسيط، لتتولى الهندسة الداخلية بث النفس السوري.

والأهم أن البناء، على حداثته، لم يأت شاهقا، فلم تتعد طبقاته أربع طبقات. كما امتدت أجزاؤه على مساحة 70 ألف متر، تقطعها «بقع» خضراء من أشجار النخيل والأزهار والشتول. وبتوسطها أجزاء الفندق بدت هذه البقع أشبه بـ«رئات» المنتجع. كما أنها أتت محاطة بسياج دائري من قناطر منتظمة تحاكي الأسلوب الإسباني الذي يفرد جزءا من سطوحه للبناء القرميدي. أما الغرف فتطل أبوابها على هذه المساحات ومن خلف القناطر البيضاء، ما «يحرر» الأروقة الدائرية ويفتحها على الهواء الطلق.

وفي الأسفل، بإمكان الزائر أن يستريح في «لوبيات» ثانوية إضافة إلى اللوبي الرئيسي للفندق، حيث تتدلى المصابيح الذهبية اللون وتكسو الجدران مرايا كبيرة ذات إطارات محفورة وفق الطراز الدمشقي. وإحدى هذه الاستراحات وأجملها، تلك التي تتوسطها بركة ونافورة دمشقية وكأن الزائر في قصر حاكم أو وال عثماني من أولئك الذين تذكرهم كتب التاريخ التي تؤرشف حقبة الحكم العثماني لدول المنطقة. وهنا ليس غريبا مصادفة بعض العدسات التي تسرح وقتا ليس قصيرا لالتقاط صور تذكارية إما إلى جانب هذه النافورة وإما جلوسا على ذاك الكرسي «المطعّم»، وإما إلى جانب تلك المنضدة أو تلك الخلفية الخشبية المزخرفة وفقا للأسلوب الدمشقي. في الجو كثير من عبق التراث وكثير من النفس العصري. وكأن المهندسين حرصوا على الإتيان بذاك الزمن الغابر إلى عصرنا، وليس إعادة عصرنا إلى ذاك الزمن! هذه المساحة تؤدي إلى باقة من المطاعم التي تقدم مطابخ متنوعة. المطعم الرئيسي هو «مطعم المنارة» الذي يمتاز بمأكولاته الشرقية والآسيوية وبالـ«بوفيه» الغني الذي يقدمه لنزلائه وزواره. ولمحبي الاستمتاع بجلسة مسائية هادئة وسط أنوار خافتة والاستماع إلى نغمات البيانو.. «مودز» هو العنوان، حيث بإمكان الزائر تذوق مروحة واسعة من المشروبات المنعشة والعصائر بالإضافة إلى قائمة من المأكولات الخفيفة. وفي الهواء الطلق، يمكن الاختيار بين «بريز» الذي يشكل المكان الأمثل للوجبات الخفيفة بالإضافة إلى النرجيلة (الشيشة). وفي الخارج أيضا هناك حوضان للسباحة بمساحة 1400 متر مربع، ويتوسط أحدهما بار «أكواريوس» حيث بالإمكان تذوق العصائر والمشروبات. و«بلو كافيه» جاهز لتقديم المرطبات للوافدين والمغادرين وكل من يمرون في اللوبي الرئيسي للفندق.

بالعودة إلى الغرف، فإن المنتجع المتصل كله بشبكة الإنترنت، يتضمن 246 غرفة وفيلا دوبلكس، تتوزع على فئات مختلفة وتتدرج بالمساحات، إنما كلها ومن دون استثناء تطل على شاطئ رملي خلاب يصل طوله إلى 500 متر. وكلها ومن دون استثناء أيضا، صممت لتلبي حاجات رجال الأعمال والعائلات والمجموعات الوافدة للسياحة والاستجمام. وبخلاف بعض الفنادق، أتى الديكور الداخلي للغرف شبه موحد لناحية الألوان، مهما كانت مساحة الغرفة أو فئتها «كلاسيك» أو «بريميوم» (Premium) أو «رئاسية» (Presidential). وحدها غرف الـ«في آي بي» وتلك المخصصة للوزراء والشخصيات الدبلوماسية، تنفرد بديكور ومفروشات مختلفة.

وأطرف ما في الأمر، حين يقرع باب الغرفة أحد عمال التنظيف ليطمئن إحدى النزيلات إلى أن ثيابها ستكون جاهزة في الوقت المحدد ويقول بلكنته السورية: «لا تاكلي هم يا خانم». هذا أكثر ما يجعل الزوار يستمتعون برحلتهم وكأنهم يخالطون شخصيات أحد المسلسلات السورية الصنع أو المدبلجة. وهذه الأحاديث الطريفة يمكن سماعها في الجلسات الصباحية، أو حين تتسامر سيدتان في «نادي بودي لاينز» الصحي الذي يتضمن مروحة واسعة من الآلات الرياضية التي يشرف عليها مسؤول رياضي، فضلا عن الجاكوزي وحمام البخار وساونا، بالإضافة إلى غرف التدليك وتشكيلة متنوعة من الرياضات البحرية وناد للأطفال.

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» في أرجاء المنتجع، يشرح المسؤول الرياضي أن النادي «يستقبل إضافة إلى النزلاء 250 مشتركا. وهؤلاء بإمكانهم أن يستمتعوا بملعب كرة المضرب والرياضات البحرية كالتزلج على الماء والألواح». ويوضح أن «ما يميز شاطئ أفاميا ـ روتانا، أمران.. الأول أنه خاص، والثاني تحصنه بكاسر أمواج مما يجعله صالحا للسباحة صيفا وشتاء. كذلك نعمل على تربية الأسماك في نهر صغير يصب في البحر، بعدما زودناه بشباك. وحرصا على البيئة أيضا، لدينا «نادي الصيد البحري للأطفال» حيث نعلم الصغار الطريقة السليمة لصيد الأسماك وانتزاع الصنارة من دون إلحاق الأذى بالأسماك بغية إعادتها إلى المياه».

وبعد اجتياز النادي من الجهة المطلّة على الشاطئ، يؤدي الكورنيش إلى جهة الفيلات الملونة التي يملك بعضها كبار المسؤولين السوريين.. فيلات فخمة مريحة وبسيطة في آن واحد، ولها شاطئها ومسبحها الخاص.

كما يوفر منتجع أفاميا روتانا صالتين للحفلات كل منهما ذات أحجام وأشكال متنوعة تتسع لألف شخص ومعدّة لاستضافة كل أنواع المناسبات، ذلك أنها مزودة بأحدث الأنظمة السمعية والبصرية.

كما أن الباحات الخارجية الرحبة لم تترك عبثا، ذلك أنها تشكل الخيار الأمثل للراغبين في إقامة حفلات أعراس أو مآدب خاصة حول أحواض السباحة، ذلك أنها مجهزة بإنارة ترافقها موسيقى فيروزية هادئة.

وإضافة إلى كل وسائل الراحة التي يتمتع بها هذا المنتجع، فإنه يمتاز بموقع فريد، إذ لا تتعدى المسافة التي تفصله عن مركز مدينة اللاذقية الكيلومترين، فضلا عن أنه قريب من المواقع الأثرية والمساحات الخضراء الشاسعة ومناطق السدود والبحيرات. كل هذه التوليفة تجعله واحة، لا بل معلما سياحيا في مدينة تبدو كأنها أرض متعطشة للاستثمارات.