في جبل موسى اللبناني.. راقب النسور واستمتع بالسنديان وحشيشة الدينار

إيطاليا تبنت تحويله مقصدا للسياحة البيئية

طبيعة خلابة تجذب محبي السياحة البيئية («الشرق الاوسط»)
TT

«جبل موسى» المزروع في قلب جبل لبنان بين منطقتَي كسروان وجبيل، وبين نهري «إبراهيم» و«الذهب»، تحول من غابة برية وحشية ساد فيها القطع الجائر للأشجار والسحب العشوائي للصخور إلى مقصد مميز للسياحة البيئية بفضل مشروع أو مشروعات حمايته من العابثين بجماليته، والمعتدين على طبيعته ومكوناته، وهي المشروعات التي استدعت سنوات من الجهد والمتابعة على الصعيدين المحلي والدولي، وأفضت إلى الحصول قبل كل شيء من وزارة الزراعة اللبنانية في العام 2008 على قرار بإعلان الموقع «غابة محمية» ومن ثم الحصول من «اليونسكو» على اعتماد جبل موسى «محمية للمحيط الحيوي» في شهر فبراير (شباط) من هذا العام لتكون بذلك المحمية رقم 553 من هذا النوع في العالم من بين 107 دول، والرابعة والعشرين في العالم العربي، والثالثة في لبنان. وبعد ذلك كله، أعلن الموقع في شهر مايو (أيار) الماضي «منطقة طيور عالمية مهمة».

وإذا كانت كل الطرقات تؤدي إلى الطاحون، كما يقول المثل اللبناني، فإن كل الطرقات تؤدي إلى جبل موسى. من منطقة «المعاملتين» الكسروانية الساحلية إلى «غزير»، و«الكفور» و«الغينة»، أو من الأوتوستراد الساحلي عند نهر إبراهيم صعودا، أو عبر الطريق الجبلية بدءا من «ميروبا» و«نهر الذهب»، وكلها طرقات تشق بطون القرى والجبال وتختال بين الأخضر والصخر، أو كأنها الأفاعي تتلوى للناظر إليها من بعيد.

وستكون السياحة إلى جبل موسى أكثر متعة عندما تتحقق المشروعات المعدة لها والممولة من إيطاليا ضمن مشروع «روس» للطوارئ الذي وضعته إيطاليا في عقب حرب يوليو (تموز) 2006، ويشرف على تنفيذه مكتب التعاون الإيطالي بالتعاون مع «جمعية حماية جبل موسى» وجمعيات بيئية أخرى.

وتقضي المرحلة الأولى من المشروع، كما يقول الخبير في السياحة البيئية باسكال عبد الله، بتأهيل دروب الموقع، ولا سيما الدرب التي حاذت «نهر الذهب» ابتداء من «المعاملتين» الساحلية ولم تستكمل، ونشر إشارات الإرشاد في كل الموقع. وكان لرئيس جمعية حماية جبل موسى بيار ضومط كلام عما يخطط للموقع فقال: «إن حماية الطبيعة لا تعني إلغاء الوجود البشري فيها، بل على العكس من ذلك، نريد حصول تفاهم بين الطبيعة والمتعاطين معها، وبالأخص في نطاق محمية المحيط الحيوي في جبل موسى الذي نطمح إلى أن نوفر التوازن فيه بين القيم البيولوجية والثقافية والتاريخية من جهة، وتشجيع بقاء السكان في قراهم في إطار توليد الدخل محليا ضمن مفهوم التنمية المستدامة من جهة أخرى».

أضاف ضومط: «هناك نحو ثماني قرى ودساكر تحيط بالمحمية التي تمتد على مساحة 1250 هكتارا وترتفع عن سطح البحر بين 350 مترا و1574 مترا. وبعض هذه القرى لا يضم أكثر من بضعة منازل حتى إذا توُفّي قاطنها أقفل المنزل نهائيا، فارتأينا نحن أن نبقي هذا المنزل مفتوحا وأشبه بنزل أو فسحة راحة لكل سائح أو زائر يريد أن يستسلم للطبيعة بكل جمالاتها».

وذهب ضومط إلى أبعد من ذلك، إذ كشف عن سعيه لدى وزارة الاقتصاد على تسجيل علامة تجارية فارقة تحت اسم «جبل موسى» يستفيد منها حرفيو القرى المجاورة في تسويق منتجاتهم «البلدية» المعدة بسواعد الرجال وأصابع ربات البيوت».

وقالت مديرة المشروع في جمعية حماية جبل موسى سميرة منسى: «إننا في الجمعية غير الحكومية التي لا تتوخى الربح، والتي تأسست العام 2007، نطمح إلى أمرين رئيسيين أولهما الحفاظ على ثروة الموقع الطبيعية من أشجار حرجية ونباتات طبيعية وحيوانات وطيور ومياه جوفية، وثانيهما تعزيز السياحة البيئية إلى هذه المنطقة الرائعة الجمال واعتماد أبناء المنطقة مرشدين سياحيين، وفتح بيوتهم لاستضافة السياح والزائرين من أي جهة أتوا».

أما المدير التنفيذي للجمعية سيزار أبي خليل فأشار إلى «وجود أشجار معمرة في الموقع، ونباتات متوطنة ذات قيمة جينية واقتصادية عالية، بينها أزهار وفطريات»، وقال: «إن المنطقة تعتبر ممرا للطيور المهاجرة التي تقدر بـ83 نوعا على الأقل سبعة منها مهددة بالانقراض إقليميا وعالميا، وتعيش في هذه المحمية». ولفت إلى أن بين الحيوانات والثدييات التي تعيش في المحمية أنواعا محصورة جزئيا أو كليا في منطقة الشرق الأوسط». واعتبر أن حماية هذه الثروة المتنوعة «ينبغي أن تدفعنا إلى المضي في وقف الممارسات غير القانونية المضرة بتربة الموقع وتنوعه البيولوجي، وبجمالاته من مقالع ومفاحم (مشاحر الفحم) والقطع الجائر للأشجار والصيد والرعي المماثلين من دون أن يعني ذلك حرمان أصحاب الأملاك الخاصة من الانتفاع بأرزاقهم».

ومن اجل إقناع سكان القرى المجاورة وأصحاب الأملاك الخاصة بأهمية الموقع سياحيا وبيئيا، سواء بالنسبة إليهم، أو بالنسبة إلى لبنان إجمالا كلفت مجموعة من الخبراء المحليين بإجراء دراسات مستفيضة ووضع قوائم بالعصافير والطيور والحيوانات والنباتات والأزهار المتوافرة في الغابة في إطار مشروع بلغت تكاليفه 150 ألف دولار، وقد أجريت اتصالات مع «الجمعية الفرنسية للمبادلات المتوسطية» (غير حكومية) من أجل التعاون العلمي وتبادل الخبرات. وبالفعل أرسلت الجمعية المذكورة ثلاثة خبراء فرنسيين إلى لبنان حيث قاموا بجولة في الموقع. وإذا كانت الدراسات عن الطيور والنباتات لم تنجز بعد، فإن هؤلاء الخبراء أعطوا فكرة أولية عن مشاهداتهم، وصورة أولية عن التنوع البيولوجي في الموقع. فأشار كريس نايلور (أحد الخبيرَين المتخصصين في علم الطيور، والخبير في جمعية «آروشا» والذي عمل طويلا على مستنقعات بلدة «عمّيق» في البقاع اللبناني) خلال زياراته الأولى للغابة، إلى وجود طيور كاسرة عديدة كالنسور والشوحة إضافة إلى العصافير المتوطنة في المنطقة، وقال: «إن مشاهداتنا في الخريف أكدت لنا وجود أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة، وهو الأمر الذي أدى إلى تصنيف جبل موسى (منطقة طيور عالمية مهمة) من قِبل منظمة (بيرد لايف) العالمية تبعا للملف الذي جرى تقديمه إليها».

ويكاد الانطباع نفسه يكون لدى إلسا ستوت الخبيرة في الحفاظ على التنوع البيولوجي وإدارته والمكلفة بإعداد دراسة عن النباتات والأزهار في الغابة. فبعد ثلاث زيارات تحرٍّ واستقصاء لاحظت «وجود تشكيلة من أنواع الأشجار والنباتات غير المتوقعة والنادرة. مثل حشيشة الدينار الرائعة، والسنديان القابل للتعري، وهو صنف نادر في لبنان، واللزاب ذي الثمار اللبّية، وأشجار التفاح ذات الأوراق المثلثة الأقسام وهي متميزة في هذه المنطقة من العالم. كما لاحظت وجود أزهار نادرة كأنواع متعددة من الأوركيديه، بعضها متوطن، وأنواع أخرى من المئويات، والكثيفة الأوراق، والصنوبريات المتوطنة هي الأخرى». وتعتبر ستوت أن هناك مقلبا من الجبل أغنى من المقلب الآخر، لكنها لاحظت علامات واضحة لعودة الغطاء الأخضر لبعض الأماكن التي عبثت بها أيدي البشر. كما تعتبر أن أهمية هذه الغابة تكمن في كونها غابة متوسطية نموذجية وتمثل حدا جنوبيا لشجرة حشيشة الدينار المثيرة للدهشة. ومن ملاحظات ستوت أيضا اكتشاف كتابات للإمبراطور الروماني «هادريان» على أحد الصخور تمنع قطع الأشجار، وبيت استخدم صومعة على رأس الجبل.

وتلفت جوزيه صقر عضو جمعية حماية محمية جبل موسى إلى أن مشروع تحويل الجبل إلى موقع متكامل للسياحة البيئية يحتاج إلى سنة، «نكون خلالها قد أنهينا أيضا دراسة حول الوضع الاقتصادي الاجتماعي لسكان القرى المجاورة لتبيان حاجاتهم والسعي إلى مساعدتهم، وضخ الحيوية مجددا في هذه القرى التي تكاد تبدو مهجورة».