الأعياد في لبنان مسابقات في الجمال والبذخ والزينة في طريقها لدخول موسوعة غينيس

نسبة إشغال الفنادق تصل إلى 100%

المحال التجارية الكبيرة والصغيرة كل منها اعتمد خطة احتفالية تقوم على الجمال والزينة («الشرق الأوسط»)
TT

لا يمكن لمن يتجول في بيروت والمناطق اللبنانية هذه الأيام إلا أن يقف مشدوها أمام الزينة التي تفوق الوصف بجمالها وبذخها، وكأن الشوارع، إينما كان، إعلان مفتوح على السماء لموسم الأعياد الذي ترجمه اللبنانيون بالألوان والأنوار، مما أضفى البهجة على قلوب المواطنين والوافدين. الحركة لا تهدأ وتصل ليل المناطق بنهارها، من قاعات المطار التي تضج بالسائحين والمغتربين إلى قلب العاصمة وصولا إلى المناطق. لا فرق بين ساعات الصباح وساعات المساء والليل، والأسواق تشهد ازدحاما منذ بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وكأن الهدوء السياسي تحول إلى عصا سحرية فوجد فيه اللبنانيون وسياحهم فرصة ليطلقوا ما في قلوبهم من «كبت» عايشوه طوال السنوات الخمس الماضية فكبل فرحتهم ومنعهم من الانطلاق في احتفالاتهم.

وسط بيروت يحتفل هذا العام على طريقته الخاصة، إذ تكفلت شركة «سوليدير» بالمهمة وأطلقت العنان للزينة على طول الشوارع والأحياء. شجرة الميلاد التي أضاءها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أنارت قلب العاصمة، وأحيطت بها مئات أشجار الأرز التي وزعت بين ساحتي الشهداء ورياض الصلح بعدما تمت إضاءتها بألوان مشعة وساحرة. وتحولت هذه البقعة إلى قبلة للذين يتوافدون إليها ويتسابقون لالتقاط الصور في ظلها، فشكلت سببا إضافيا لتفاقم زحمة السير، بعدما افتتحت أخيرا أسواق بيروت على مصاريعها لاستقبال زبائنها، وجاورت المقاهي المنتشرة على طول الشوارع والتي تغص بدورها بروادها، لا سيما العرب منهم، حيث كان وجودهم لافتا هذا العام بأعداد كبيرة. وفي الجهة البحرية لوسط العاصمة وتحديدا في قاعة بيال للمعارض كان للحركة الثقافية وقعها أيضا فامتزجت ببهجة الأعياد وأعطت دفعا إضافيا لحركة الحياة في بيروت من خلال معرض الكتاب العربي السنوي. كذلك وضمن نشاطات الاأعياد، تستقبل منطقة الصيفي في وسط بيروت، كما بعض المناطق الجبلية، معارض الأشغال اليدوية اللبنانية. فها هو «حي الفنون في عيد»، يحتضن بين جدرانه أعمالا وتحفا صممتها ونفذتها أيادي محترفين لبنانيين، وذلك على مقربة من نشاطات القرية الميلادية المخصصة للأولاد.

كما الشوارع كذلك المحلات التجارية الكبيرة والصغيرة، كل منها اعتمد خطة احتفالية خاصة به من دون الخروج عن السياق العام للمناسبة، وتحول الأمر في ما بينها إلى ما يشبه المباراة، وجديد هذا العام دخول بعض القرى اللبنانية على الخط إذ يبذل أبناؤها جهدا خاصا ليتميزوا عن غيرهم.

الصورة العامة في مجمع «ABC» في منطقة الأشرفية تختصر المشهد. زحمة سير خانقة على كل الجوانب، واقع تطلب تدخل رجال قوى الأمن لتنظيم دخول السيارات وخروجها، ولكن رغم ذلك، ليس غريبا بالنسبة إلى من يقرر الدخول أن تقفل أبواب المواقف التي تتسع لمئات السيارات في وجه سيارته، لأن وبكل بساطة «المواقف امتلأت»، وعلى من يصر على الدخول أن يجد موقفا لسيارته في الخارج ويمشي مسافة طويلة على قدميه ليحظى بفرصة التسوق من المحلات الموجودة في الداخل. وتقول مديرة العلاقات العامة في المجمع نتالي قوماتي لـ«الشرق الأوسط» إن «حركة هذا العام مختلفة عن السنوات السابقة لجهة زيادة عدد الزائرين والإقبال على الشراء». وضمن محاولات التميّز التي تعتمدها المجمعات الكبرى المنتشرة في لبنان، عمدت إدارة الـ«ABC» إلى استيراد 10 مجسمات مصنوعة من الجليد الطبيعي بطريقة فنية محترفة من فرنسا، وقد استغرق صنعها 120 ساعة. وجميعها مستوحاة من شخصيات عيد الميلاد. وفي حين عمدت الإدارة إلى تمديد ساعات العمل لغاية الساعة 12 ليلا، خصصت للأولاد حصة الأسد من احتفالات العيد، بدءا من «سانتا كلوز» الذي يجول في أرجاء المجمع على وقع أغنيات العيد، وصولا إلى مساحة خاصة للصغار تعرض فيها يوميا مسرحية من وحي المناسبة. أما شجرة العيد فهي مزينة في فرعي المجمع في الأشرفية وفي ضبية بأحجار الـ«شواروفسكي» المضيئة. ولتسهيل مهمة شراء الهدايا قدمت الإدارة خدمة مميزة وهي بدل أن يحمل الزبون هداياه من مكان إلى آخر، عليه فقط اختيارها ليجدها مجمعة على صندوق المحاسبة عند الانتهاء من جولته في كل الطوابق، فلا يبقى عليه إلا دفع ثمنها.

إذن هي صورة بيروت التي استعادت بقوة هذا العام حركتها الطبيعية، وخير شاهد على ذلك ما أعلنه وزير السياحة اللبناني فادي عبود الذي توقع ارتفاع عدد السياح خلال العام الحالي إلى نحو المليوني سائح، حسب إحصاءات وزارة السياحة، لا سيما أن الوزارة ستبدأ بتطبيق خطة السياحة المستدامة أي تلك التي تعتمد 365 يوما وفي مختلف المناطق اللبنانية، خلال عام 2010. وقد أشار إلى أن السياح العرب باتوا يشكلون 50% من مجمل الزوار الوافدين، وأصبحوا عنصرا أساسيا في قطاع السياحة، خصوصا في موسم الأعياد وفي ظل وجود عدد كبير منهم خلال شهر ديسمبر الحالي في لبنان. وأكد عبود أن «نسبة عدد السياح الأوروبيين زادت ووصلت إلى 21% من مجمل الزوار، خصوصا أن بعض الجنسيات الأوروبية التي لم تكن تتخذ لبنان هدفا لسياحتها، بدأت تتوافد إلى بيروت لتمضية بضعة أيام فيه».

وكذلك أكد من جهته، نقيب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ«الشرق الأوسط» أن «نسبة الإشغال في فنادق لبنان كانت مرتفعة منذ بداية العام الحالي وكانت نسبتها نحو 75 في المائة، أما في شهر ديسمبر الحالي فقد وصلت إلى أعلى نسبة لها وهي 100 في المائة في بيروت ومناطق التزلج، وبالتالي صار شبه مستحيل الحصول على حجوزات فيها قبل بداية العام المقبل، الأمر الذي حول الوجهة إلى المناطق الجبلية الأخرى وهي بدورها وصلت نسبة إشغالها إلى 50 في المائة وتشهد تزايدا للزبائن يوما بعد يوم».

وكما في العاصمة كذلك في المناطق، الاحتفالات تسير على قدم وساق، فقد أضاءت بلدية سن الفيل «مستديرة الصالومي» بزينة مبتكرة أضفت جوا ساحرا على المنطقة فبدت وكأنها حديقة كبيرة تعج بالإنارة الهادئة. وفي الجنوب اللبناني وتحديدا في جزين، أضاء أبناء المنطقة أكبر شجرة ميلاد في الشرق الأوسط يزيد طولها على 39 مترا وتعلوها نجمة بارتفاع مترين، وقطرها 13 مترا، وفيها 65 ألف لمبة، و30 ألف متر من الزينة و600 طابة، وهي رغم ذلك، لم تستطع المنافسة عالميا في مواجهة شجرتين مماثلتين تفوقانها ارتفاعا الأولى ارتفاعها 110 أمتار والثانية 85 مترا، لكنها لا تزال مرشحة لدخول كتاب غينيس للأرقام القياسية. وقد تطلب التحضير لها نحو شهرين، فيما استغرق تنفيذها نحو تسعة أيام، وتطلبت 40 مترا مكعبا من الباطون و20 طنا من الحديد.

كذلك احتضنت مدرسة دير المخلص في منطقة جون في جبل لبنان أكبر مغارة ميلادية تحاكي مغارة الميلاد في بيت لحم في فلسطين المحتلة والأسواق الشعبية التراثية المحيطة بها.

وفي الشمال اللبناني أيضا، وتحديدا في منطقة كفرحاتا التي نفذ أبناؤها أكبر مغارة ورقية على مساحة 300 متر، وقد تطلبت لتنفيذها 13 ألف ورقة و100 لمبة لإنارتها، ومقسمة إلى 6 قرى و45 منزلا تحتوي 750 مجسما.