مطار شانغي في سنغافورة.. فيه تتمنى أن تتأخر طائرتك عن الإقلاع

حمام سباحة خارجي وحديقة عباد الشمس وخدمات أخرى تجعل منه الأفضل في العالم

جانب من «نادي شانغي».. أفضل مطار في العالم
TT

حدّقت في وكيلة مكتب الرحلات وأنا في حالة من الذعر، وقلت: «اسمحي لي أن أفهم ذلك صراحة، هل سأتوقف 12 ساعة في سنغافورة؟ كيف سأقضي 12 ساعة داخل المطار؟ هذا هو أسوأ ما يمكن أن يحدث». ابتسمت الوكيلة وضربتني في ذارعي، ثم قالت وهي تطمئنني: «لا تقلقي إنه مطار شانغي، ونحن نسميه (نادي شانغي)، سيكون أمامك الكثير لتفعليه، سوف ترين صدقي ما أقول».

وقد كانت على حق، ففي نهاية الوقت، مرّ الوقت وأنا أتأمل نادي شانغي السنغافوري «أفضل مطار في العالم» كما يصف نفسه على موقعه الإلكتروني. وهذا ليس مجرد كلام من فراغ، ولكن حصل شانغي على المئات الجوائز كأفضل مطار في العالم من منظمات مختلفة منذ بدء العمل داخله عام 1981. وربما تعرّفك قصة اليوم الذي قضيته هناك السبب وراء ذلك. في بادئ الأمر، قضيتُ ساعة أستريح إلى جوار حمام سباحة خارجي (نعم هناك حمام سباحة وغرفة لتغيير الملابس وصالة للألعاب الرياضية، وحسب مجلة تايم إنه «أفضل سر مستتر داخل آسيا») وأخذتُ أعالج بشرتي بينما كنت أشاهد الطائرات وهي تصل إلى المطار وتلك التي تغادر إلى أماكن شتى في مختلف أنحاء العالم. وكان يستخدم حمام السباحة أيضا زوجان: كان الرجل من كندا وكانت المرأة من نيوزيلندا وكان الاثنان في طريقهما إلى أوكلاند قادمين من لوس أنجليس. وقالت المرأة: «إنه مطار مذهل، هناك الكثير من الأشياء التي يمكن القيام بها هنا».

وبعد حمام السباحة، هممت لأنظر إلى حديقة «عباد الشمس»، وكانت حديقة رائعة الجمال ومنسّقة، وبها الكثير من أوراق عباد الشمس الصفراء اللون ومسافرون يشربون سجائر بنهم شديد. وبعد ذلك، ذهبت كي أستفسر عن الرحلات المجانية لمدينة سنغافورة التي تنظمها الخطوط الجوية السنغافورية ومجلس السياحة السنغافوري. وداخل غرفة صغيرة أدرجوا اسمي في قائمة، وقالوا لي إنه يمكنني ترك أمتعتي التي أحملها في يدي داخل غرفة الحقائب. ويوجد في مطار شانغي غرفة لترك الأمتعة يشرف عليها طاقم عمل، وهو ما يغيب عن معظم المطارات في هذه الأيام، ويمكنك أن تضع الأشياء التي تحملها معك وتخلي يديك كي تحمل حقائب تسوق. وقفت عند صيدلية المحطة الثانية، وكان بها المجموعة الكاملة لمنتجات «تايغر بالم» (لم تكن لدي فكرة في أن «تايغر بالم» لديها منتج لاحتكاكات المفاصل) وكانت هناك أكبر تشكيلة رأيتها من الشاي العشبي والصيني. وأخذت كمية كبيرة من ملصق «سالونباس» الذي يخفف الآلام التي أعاني منها بسبب الخدوش الكثيرة التي تصيبني.

وعند العودة إلى غرفة الجولة، انضممت إلى نحو 20 آخرين، وسلمنا جوازات السفر الخاصة بنا وعبرنا من خلال مخرج المهاجرين وراء مرشدة الجولة ونقلنا إلى حافلتين في الانتظار. وبينما كانت الحافلتان تأخذنا إلى قلب سنغافورة، كانت المرشدة التي ترافقنا تعطينا نبذة تاريخية مختصرة عن المدينة. وأشارت إلى خارج النافذة بينما كنا نمر إلى جوار طابور من السجناء يرتدون ملابس موحدة برتقالية اللون ويرتدون قفازات بيضاء اللون وينظفون أوراق الأشجار إلى جانب الطريق السريع. وقالت المرشدة التي ترافقنا: «في سنغافورة ننظم مدينتنا حتى لا تبدو مدينة فوضوية أو مزدحمة عندما يأتينا الزائرون». وأخذتُ أضحك، ولكنها نظرت إليّ عابسة. وأضافت: «ولذا نقوم بترتيب الحدائق ومبانينا السكنية بصورة أنيقة حتى لا تبدو المدينة فوضوية وهذا لا يختلف عن إعادة ترتيب الأثاث والقيام بالتنظيف عندما يأتي الضيوف إلى منزلك حتى لا يبدو منزلك فوضويا ومزدحما بالأشياء».

وشعرنا بالإثارة عندما شاهدنا المنطقة القديمة التاريخية التي تطل على المياه، وانطلقنا سريعا وبنظام ناحية العديد من مراكب الأنهار الخشبية العتيقة التي أجريت لها ترميمات. ووضعت في هذه المراكب ماكينات حديثة وأخذنا قائد المركب إلى لسان النهر، حيث يوجد تمثال كبير للميرليون، وهو كائن أسطوري له جسم سمكة ورأس أسد، تخرج المياه من فمه. وأوضحت مرشدتنا أنه تم ترميم الواجهة البحرية القديمة، التي كانت من قبل منزلا للتجار الصينيين الذين عاشوا فوق سفنهم. ويقوم أناس في الوقت الحالي بالذهاب إلى المنطقة بسبب المطاعم والمقاهي الموجودة فيها. وقالت مشردتنا: «نحب في سنغافورة المحافظة على المقابلة بين القديم والجديد، ونحتفظ بالقديم كي نعلِّم أطفالنا الماضي».

وكان يقف أيضا تمثال برونزي لأطفال يمارسون الغوص على حافة النهر، ومن المقرر أن يتم تطوير مساحة مفتوحة خضراء كبيرة كي تصبح صالحة للاستخدام كسكنى بحلول 2015، وذلك ما قالته لنا المرشدة، وتم التخطيط لعملية التطوير قبل 40 عاما. وكررت أنه في سنغافورة دائما ما يفكر الناس حول الماضي والمستقبل معا.

وقفنا لوقت قصير كي نتناول الشاي، وعدنا إلى حافلة الرحلة، وعدتُ في النهاية إلى نادي شانغي. وكان أمامي أقل من ثماني ساعات إلى أن تصل رحلة الربط. وذهبت إلى مسرح مجاني من بين اثنين لمشاهدة فيلم، ولكن لم يكن هناك جدول بالمواعيد. وعدت إلى أسفل السلم إلى أحد مراكز المعلومات المنتشرة في المطار، حيث تبين أنهم يحتفظون بجدول مواعيد الأفلام.

ولم يكن سيعرض في وقت قريب فيلم أحب أن أشاهده، ولذا ذهبت وجلست إلى بركة مياه بها أسماك الكوي. ماذا يمكن أن يجذبك لأسماك تسبح ببطء داخل المياه ويجعلك تجلس وتشاهدها لوقت طويل؟ (في حالتي لمدة ساعة تقريبا).

وفي الجوار، شاهدت برنامجا عن الدببة القطبية على التلفزيون الوحيد الذي يعرض قناة «ديسكفري» إلى جوار المدخل الذي يفضي إلى حديقة «الصبار». وبعد ذلك، هِمت داخل الحديقة واكتشفت أن هناك حانة في الهواء الطلق في وسطها. وأحضر إلي رجل يرتدي قبّعة رعاة الأبقار شرابا وتحدث إليّ. كان يدعى جاز وجاء من مدينة بريسبين الاسترالية. وعرض عليّ دفتر ملاحظات، وسألني هل يمكنني تأليف كلمات أغاني. كان مرحا وضحكت على طرفه. وقال لي إن لي ابتسامة جميلة للغاية. وللأسف سوف أعود إلى الولايات المتحدة بعد أشهر قليلة ولذا سوف تكون المسافة الفاصلة بيننا نصف الكرة الأرضية تقريبا. ومرة أخرى تصفحت بريدي الإلكتروني داخل أحد أماكن الانترنت المجاني التي يمكن أن تجدها في مختلف أنحاء المطار. وبعد تناول الغداء الذي اشتمل على كيشي وكابتشينو في «كوفي بين»، دلفتُ إلى معرض عن فن النحت. وذهبت إلى استشارة طبية مجانية في العيادة الطبية لأنني كنت أعاني من السعال المتكرر. وتبين أنني كنت أعاني من البرد وليس من الإصابة بمرض سارس أو إنفلونزا «إتش 1 إن 1». شيء مهم: إذا شك الطبيب في أنك تعاني من شيء أكثر من السعال المعروف في فصل الشتاء، فإنه سوف يُخطر هيئة الطيران المدني ولن يسمح لك باستئناف رحلتك حتى تذهب إلى مستشفى في مدينة سنغافورة ويتم إجراء اختبارات وفحوصات طبية لك على نفقتك الخاصة. وسوف تضيع عليك رحلة الربط.

وبعد ذلك ذهبت إلى التسوق مرة أخرى وأنفقت ما قيمته 20 دولارا. وشاهدت رجلا يقوم بعمل حلوى غزل البنات داخل صندوق زجاجي صغير، وكان يغزل السكر المذاب إلى خيوط بينما يحيطه مجموعة من السائحين اليابانيين الذين يلتقطون له الصور.

وفي النهاية لم يكن لدي وقت كي أشاهد فيلما في عرضه الأول، أو الحصول على رسالة أو أخذ غفوة على كرسي مريح التي يوجد بها منبهات تهتز داخل غرفة الاستراحة المظلمة. وفي الواقع سيكون علي أن أرتب كي أتوقف مرة أخرى في مطار شانغي كي تتاح لي الفرصة لأقضي «ساعة إلهام» وهي سلسلة من الحلقات النقاشية التحفيزية المجانية بها عناوين مثيرة مثل «الموجه الداخلي: كن متوازنا في الأوقات الصعبة». أو الحصول على دروس مجانية في قاعة الرقص في صحبة فرقة موسيقية. ولو كان أي شخص قد قال لي إنه بعد قضاء 12 ساعة داخل مطار سيكون وقتي قد نفد وأنا أسعى للحاق برحلتي لأنني فوت تقريبا آخر نداء لركوب الطائرة، ما كنت لأصدقه أبدا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»