قرية تونس.. سويسرا الشرق على بحيرة قارون

يفضلها الكتاب والفنانون هربا من ضجر المدينة

بانوراما لقرية تونس وطبيعتها الريفية الخلابة
TT

لوحة طبيعية في أحضان الريف المصري وضفاف بحيرة قارون تصنعها قرية تونس بمفرداتها البيئية البسيطة وفضائها المسكون بالهدوء المشمس.

فإذا كنت من عشاق الطبيعة وتحلم بقضاء ليلة بين أحضانها الدافئة، بعيدا عن صخب وضجيج المدينة، فلا تتردد في زيارة هذه القرية القابعة بمحافظة «الفيوم» على بعد نحو 100 كيلو من العاصمة المصرية القاهرة، وتستطيع التوجه إليها بالحافلات العامة أو العربات الخاصة، وفي الطريق ستغمرك مشاهد فاتنة من الريف المصري.

يطلق المصريون على قرية تونس «قرية المشاهير والفنانين والكتاب»، خاصة بعدما أصبحت أهم مزار سياحي لهم يتحاورون فيه مع الطبيعة الريفية الهادئة، ويجدون في ربوعها مناخا ملائما للإبداع.

تضم القرية أكثر من 300 فيلا تم بناؤها للعديد من المشاهير الذين سحرهم المكان، بالإضافة إلى عدد من المقيمين من جنسيات أوروبية مختلفة، إنجلترا، إسبانيا، هولندا، سويسرا، أميركا، ومن أشهرهم الفنانة السويسرية إيفيلين التي أكسبت القرية شهرة عالمية في صناعة الخزف وقامت بتدريب وتعليم أبناء القرية هذا الفن الجميل حتى أصبحوا فنانين هم أيضا، ويقومون بتعليم أجيال من بعدهم، وقد فتحت إيفيلين باب منزلها لكل من يريد زيارته ليشاهد مراحل صناعة الفخار الملون المبهر، ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، كما تعمدت إيفيلين استخدام مفردات المدنية بقدر بسيط، أما القدر الأكبر فكان مما حولها من الطبيعة. فالبيت مبنى على الطراز الفيومي الذي يستخدم الطين والقباب، مما يسمح له بأن يظل باردا طول الصيف دافئا في الشتاء. واستعملت إيفيلين داخله كل أنواع الأواني الفخارية، فلا تتعجب أن تجد «الزير» عوضا عن الثلاجة، كما أنها فرشت البيت بالحصر وأضاءته بمصابيح الكيروسين، فبات منزلها أحد المزارات المهمة لزوار القرية.

يقول محمد جمعة، أحد الفنانين الذين تدربوا على يد إيفيلين: منذ 10 سنوات وأنا أعمل معها حتى أصبح لي اسم وأقمت عددا من المعارض داخل مصر وخارجها، وأخيرا طُلب منا إقامة معرض بفرنسا لانبهارهم بالخزف والفخار المصنوعين هنا، واليوم أنا أدرب الأطفال كما فعلت معنا السيدة إيفيلين أول ما جئنا لها، فهي تستغل إجازة الصيف وتستدعي الأطفال ممن يشعرون أن لديهم موهبة في الرسم أو التصميم وتعطى كل واحد ورقة يرسم فيها ما يحلو له ومن هذه الرسومات البسيطة تعرف موهبته، وجميع الرسومات التي اشتركنا بها في المعارض العالمية كان شعارها البساطة والعفوية.

يضيف جمعة: سكان قرية تونس لا يتعدون 4 آلاف نسمة، يعملون في الزراعة وصيد الأسماك من بحيرة قارون، وصناعة الخزف وبعض المشغولات من سعف النخيل وتعد هذه البقعة أغنى الأماكن الطبيعية في مصر، لهذا شبهها كل من حضر لها بـ«سويسرا الشرق» أو «جزء من الريف الأوروبي»، فهناك البحيرة بأسماكها المتنوعة وطيورها الجميلة، والهضاب الخضراء، بالإضافة إلى عدد كبير من الحقول اليانعة وبساتين الفواكه المتنوعة وأشجار الزيتون التي تحيط بالقرية في كل اتجاه، ويقال إن كثرة أشجار الزيتون هي التي منحت القرية اسمها وكل هذا زراعات عضوية، ولا يمنع إذا اتجهت بعينك شمالا أن تجد صفرة رمال الصحراء الناعمة.

يلتقط طرف الحديث شريف سمير، واحد من أبناء قرية تونس، مؤسس ومدير فندق «سوبك» الذي يسع 25 فردا ويشتهر بإعداد الأكلات الفيومية البيتي، يقول: آتتني الفكرة منذ أكثر من سنة، عندما بدأ الكثير من السائحين الحضور إلى قرية تونس للزيارة ولا يجدون أماكن للإقامة والمبيت سوى بعض الفيلات والمنازل التي يتركها أصحابها للإيجار، وأحيانا تكون غير متاحة. ومن يوم افتتاح الفندق وأصبح لي الكثير من الزوار من عشاق الطبيعة وأيضا من سكان القاهرة الذين يريدون قضاء عطلة نهاية الأسبوع في مكان جميل وهادئ والبعد عن زحمة السيارات، والاستيقاظ على زقزقة العصافير، فتونس تبعد عن القاهرة ساعة بالسيارة وأيضا هي مكان رخيص بالنسبة لكثير من الأماكن، فالفرد يستطيع أن يقضى يوما كاملا مع تناول الوجبات الثلاث بمقابل 100 جنيه مصري، كما يمكنك تأجير خيول أو حمير للتنزه بها على ضفاف البحيرة.

ويقول عبد الرحمن العايدي، المشرف العام لآثار مصر الوسطى: الطبيعة التي تنعم بها قرية تونس جعلتها مكان الإقامة الأمثل للأدباء والمفكرين، فمن سكانها يأتي في الشهرة بعد فنانة الخزف إيفيلين، المترجم الكبير دينيس جونسون ديفيز، وهو أول من ترجم روايات نجيب محفوظ إلى الإنجليزية، والذي كان ضمن البعثة التي جلبها طه حسين لتدريس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب كما اختارها الفنان التشكيلي محمد عبلة ليقيم بين أحضانها أول متحف لفن الكاريكاتير في الشرق الأوسط والذي يضم مجموعات كاملة من الرسوم الكاريكاتيرية لأجيال مختلفة من الساخرين الذين أثروا الصحافة المصرية. وقد حرص عبلة على أن يكون مبنى المتحف على الطراز الفيومي حتى يشعر كل من يراه بأنه جزء مكمل للوحة التونسية الطبيعية. وإلى جانب متحف الكاريكاتير تم افتتاح مركز الفيوم للفنون، والذي يمتاز بإقامة دورات في شتى الفنون.

وحول عدم وجود الدعاية الكافية لإبراز القرية على خريطة السياحة في مصر، يقول العايدي: حرصا منا على أن يعرف العالم كله قيمة قرية تونس يجري حاليا التحضير لفيلم تسجيلي عن طبيعتها وأهم نشاطاتها وأهميتها السياحية والثقافية.