قصر على عجلات ورحلة ملكية فريدة من نوعها في دلهي

تعرف على الهند على طريقة المهراجا

TT

«الحياة هي الرحلة ذاتها، لا نهاية الرحلة»؛ فمنذ عصور بعيدة ونحن نعيش حياتنا، وسوف نستمر في ذلك. ولكن بالنسبة لمن يؤمنون بضرورة أن يحيوا حياة مرفهة، تقدم لهم الهند «قصرا على عجلات»، وهو أحد القطارات التاريخية وأكثرها فخامة على مستوى العالم.

وعلى الرغم من أن الزمن قد تغير، وبدلت الرياح اتجاهها، فإن كل من يرغب في الانغماس في الفخامة الملكية، التي لم يكن يتمتع بها قبل ذلك سوى المهراجا، أصبح لديه الفرصة لقضاء أسبوع من الرفاهية التي تحملهم إلى العصر الملكي. وذلك حيث يعد السفر في ذلك القطار الرائع، ذي المظهر الخلاب الذي يجعله وكأنه قصر فخم يتحرك على عجلات، من التجارب الفريدة التي يمكن أن تمر بها في حياتك. وكان الأمر كذلك بالنسبة لي في اليومين اللذين قضيتهما وأنا غارقة في أقصى درجات الرفاهية. يعود بك القطار إلى الفترة التي كانت طبقة المهراجا تحكم فيها، وسوف يجعلك صفير القطار تشعر وكأنك تعيش داخل قصر، ويبدو القطار وكأنه قد تعهد بأن يفتنك. وكانت هناك العديد من الصالونات الفاخرة في القرون الوسطى التي تقتصر فقط على المهراجا، وعائلاتهم وضيوفهم، وتحتوي على مقصورات خشبية فسيحة؛ تشتمل كل منها على غرف للمعيشة، وأخرى لتناول الطعام وغيرها لعقد الاجتماعات، بالإضافة إلى غرف مكتب. وتم تزيين كل منها (المقصورات) بقطع أثاث فاخرة؛ أي إن تلك المقصورات كانت وكأنها بالفعل قصر يتحرك على عجلات. وبعدما أصبحت الهند جمهورية وألغي الإقطاع، أنشئ قطار سياحي خاص في عام 1982 لتقديم تجربة فريدة للسائحين يمر حول راجاساسثان وآكرة، وكانت فكرة ذلك القطار مستوحاة من فكرة المقصورات الخاصة التي كان يملكها المهراجا وأفراد الأسر المالكة في إقطاعيات راجبوتانا وجوارتا وحيدر آباد وممثلي بريطانيا في الهند.

وفي عام 1991، تم إنشاء قطار آخر «قصر على عجلات»، مكيف الهواء في محاولة للحفاظ على الطبيعة التراثية للقطار. وقد حقق القطار نجاحا منقطع النظير وحصل على شعبية عالمية كما حصل على جائزة «باتا غولد أوارد» في عام 1987. كما تتحدث وسائل الإعلام في كافة أنحاء العالم باعتباره واحدا من أكثر عشرة قطارات فخامة على مستوى العالم. وتقدم القنوات التلفزيونية الرائدة؛ مثل «بي بي سي»، «إم تي في»، «زي تي في»، «ناشيونال جيوغرافيك»، و«ديسكفري»، و«إم دي أر» الألمانية وغيرها تغطيات صحافية حوله ويعدون برامج حوله. ينطلق ذلك القطار مساء كل يوم أربعاء، من مدينة «دلهي كانت» في جولة ملكية ثم يعود في الصباح الباكر من يوم الأربعاء التالي. ويمكن الاستمتاع بهذه الرحلة فقط في الأشهر من سبتمبر (أيلول) وحتى أبريل (نيسان)، ولكن في الفترة من مايو (أيار) إلى أغسطس (آب) لا يتم تقديم أي خدمات على ذلك القطار لأنه يخضع للصيانة السنوية.

كما أنك في تلك الفترة تدفع مالا أقل لأن تلك الفترة من العام، من سبتمبر (أيلول) إلى أبريل (نيسان)، تتسم بانخفاض أسعارها نظرا للطقس، وتعد ذروة الموسم في الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) إلى مارس (آذار) خاصة فترة الكريسماس.

جدير بالذكر أن سعر الإقامة في غرفة ثلاثية يبلغ 450 دولارا أميركيا في اليوم، أو 3150 دولارا في الأسبوع بأكمله، فيما يبلغ سعر الإقامة في غرفة مزدوجة 500 دولار في اليوم، ويبلغ 3500 دولار في الأسبوع، ويبلغ سعر الإقامة في غرفة فردية 670 دولارا أو 4690 دولارا في الأسبوع.

ويعكس ذلك القطار مزيجا من الزخم التاريخي وسبل الراحة المعاصرة؛ وذلك حيث إن الخدمات التي تقدم على متنه تضاهي تماما الخدمات التي تقدم في قصر فاخر. ويمكنك أن تستنشق عبق التاريخ في ذلك القطار الذي يحتوي على كل ما يحتاجه الزائر، ومن جهة أخرى، تتسم ديكورات القطار بالجمال والمحلية في آن واحد.

بالإضافة إلى أن القطار مكيف بالكامل، ومجهز بأحدث سبل الراحة؛ حيث إنه مزود بأنظمة اتصال هاتفية، وقاعات مستقلة لإعداد الطعام، وآرائك رائعة في كل مقصورة، وخزانات ملابس مثبتة في الجدران تحتوي على مرآة بالحجم الطبيعي، وجرس لاستدعاء العاملين بالخدمات، ومصابيح للإضاءة في الليل، وأجهزة لبث الموسيقى.

كما تم تزويد القاعات وغرف النوم بقطع أثاث وسجاجيد أنيقة، وستائر تغطي نوافذ غرف النوم الفسيحة التي تطل على المناظر الطبيعية الخلابة والصحراء بالخارج. وتكتسي جدران جميع المقصورات بالخشب، المزين بلوحات ملونة وستائر وغيرها من القطع الفنية اليدوية.

وتجعلك الخدمات المتكاملة التي تحظى بها على متن ذلك القطار تشعر وكأنك ملك أو أمير.

ويتمتع القطار بمستوى الرفاهية الذي تقدمه فنادق الخمس نجوم، إضافة إلى سحر السفر بالقطار. وتستحق قاعات «مهراجا»، و«مهاراني» لتقديم الطعام الحصول على الأوسمة لانتقائها المتميز لأطباق مطبخ راجاستان؛ حيث إن الطعام الذي تقدمه تلك القاعات يحمل خلاصة المذاق الشهي لراجاستان في طبق واحد، كما يجعلك كرم الضيافة تشعر بأنك مبجل في ذلك المكان. ويحتوي القطار على 14 مقصورة فسيحة تحمل كل منها اسم إحدى إقطاعيات الراجبوت، وبالتالي فإن المسافرين على متن ذلك القطار يحصلون على المساحة الكافية والوقت والتشجيع لكي يفعلوا ما يحلو لهم. فيمكن للمرء أن يتمتع بصحبة الآخرين، أو يتمدد لقراءة كتاب، أو يتأمل المشاهد الجميلة المتنوعة التي تمر أمامه عبر النافذة. فأنت تشعر على متن ذلك القطار بأنك مهراجا يسافر في أبهة ملكية، حيث تحتوي كل مقصورة على أربع أسرّة مزدوجة مزينة برسوم محلية على طراز راجاستان، وملحق بكل غرفة حمام خاص بها به مياه دافئة وباردة في كافة الأوقات، ودش للاستحمام وغيرها من الأدوات الحديثة.

وتعود بك تلك الرحلة لعصر الهدوء، والصفاء، والمغامرة والثقافة والطعام الفاخر، إنها بحق تجربة لا تنسى، فكل شيء متاح بالنسبة لك في تلك الرحلة الفاخرة. ويوفر لك القطار الفرصة للمرور عبر القرون المختلفة، ولتقدير تاريخ وثقافة راجاستان دون أن يغفل عن إتاحة الفرصة لك لمشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة والتمتع بكل أسباب الرفاهية المتاحة على متن القطار. وتعد راجاستان من أكثر المناطق حيوية وثراء على المستوى التاريخي والثقافي في الهند؛ كما يعج تاريخها بقصص البسالة وكرم ضيافة. حيث تعد حكاياتهم المتعلقة بالكياسة والبسالة جزءا من ثقافة راجاستان الأصلية. كما ينعكس عشقهم للبناء والعمارة في تلك القصور الرائعة والحصون والمعابد التي تروي أجزاء مختلفة من التاريخ وتراث الولاية.

وتعد الرحلة على متن ذلك القطار هي الطريقة المثلى لتأمل راجاستان في أفضل أحوالها؛ حيث ستتمتع بمشاهد راجاستان الطبيعية الخلابة في تلك الجولة الجديرة بالملوك، مما يجعل من غير المستغرب أن يطلق على ذلك القطار «قصر على عجلات».

تمتد المشاهد الطبيعية لراجاستان عبر النوافذ الكبيرة الحجم أمامك مثل طاولة قهوة لامعة: حقول من الخردل، جميعها صفراء ومبهجة، والساري المنتشر في جميع الأنحاء والمشبع بالأصفر، بالإضافة إلى بائعي الحليب الذين يرتدون الدوتي ويحملون الأواني النحاسية التي تتدلى على دراجاتهم البخارية، بالإضافة إلى الجمال التي تسير على الطريق.

ويمكنك الاستمتاع بتلك المشاهد، وأنت راقد على السرير الممتد إلى جوار النافذة، وحتى عندما تحتاج إلى أن تستدير برأسك إلى الجهة الأخرى، فستطل على مشاهد أخرى مبهرة أيضا. كانت غرفتي تكتسي باللون الأزرق الداكن، وتتألق الجدران بلون الياقوت الأزرق، فيما كانت مفارش السرير ذهبية ومزينة بشرائط حريرية. وكان للمقاعد والطاولة ودهان الجدران مظهر عتيق أنيق. وحتى الحمامات كان لها ذلك المظهر العتيق (بخلاف الدش وحوض الاستحمام الزجاجيين)، وكانت الحمامات مجهزة بالاحتياجات الأساسية – المناشف المعطرة التي تضفي عليك حالة من الانتعاش. بالإضافة إلى ثماني وسائد وحواشي في الغرفة، مختلفة الأحجام. ولكن كبريائي يمنعني من القفز على السرير، كما أنني يجب أن أذهب لتناول العشاء الذي يحتوي على عدة أطباق أساسية.

في سلسلة من الجولات، يمر القطار على عدة أماكن رائعة في راجاستان بما في ذلك جيبور، جيسلمير، وجودبور، ورانثمبور، وشتروغار، وأدويبور، وداراتبور، وآكرة، قبل أن يصل إلى نيودلهي. وتمر الرحلة على أفضل أماكن الجذب السياحي في شمال الهند من جسيلمر عند حافة راجاستان وحتى مدينة جيبور ومن المشاهد الطبيعة الخلابة المتنوعة مثل أسراب الطيور في باراتبور إلى القرى الهادئة في جودبور، ومن مشاهد الصحراء بشتورغار إلى البحيرات المتلألئة في أوديبور وتاج محل الرائع في آكرة. وسوف تمر خلال تلك الرحلة على التاريخ المذهل والمشاهد الرائعة والحياة البرية المثيرة والقصور التراثية الجميلة، والقصور والحصون، والقرى الصحراوية، والكثبان الرملية المتموجة.

ويعد مشهد تاج محل الخلاب، جوهر الحب، (إحدى العجائب السبع في العالم) المحطة الأخيرة للقطار قبل أن يعود إلى نقطة البداية في مدينة دلهي مرة أخرى. ويمكن أن يمثل القطار عدة أشياء بالنسبة للأشخاص المختلفين (معظمهم من السائحين غير الهنود) مثل باقة عيد الزواج الخامس والعشرين، نظرة خاطفة على أفضل الأماكن في راجاستان، الانغماس في حالة نادرة من الرفاهية، ولكن جاذبيته الحقيقية تكمن في الباقة بأكملها.

في مقابل قدر كبير نسبيا من المال، تستطيع أن تضع نفسك بين أيدي محترفة وخبيرة في السياحة في راجاستان، وبالتالي تستطيع أن تتوقف عن التفكير والتخطيط والقلق لمدة سبعة أيام عدا التفكير في لون العمامة التي سوف تشتريها كتذكار. فأنت تتناول طعامك ويتم اصطحابك في أماكن تم التخطيط لها بعناية كما يتم منحك فرصة معقولة للتسوق. وفي كل مرة تترجل فيها من القطار، تجد أيدي حنونة في انتظارك لمساعدتك على النزول. وفي كل مرة تدخل فيها إلى مدينة أو فندق تسمع صراخ الأفيال، وموسيقى الشنهاي والفتيات الجميلات اللاتي ترتدين الساري باللون الوردي يحطن بك وتشعر أنهن سعيدات حقا لاستضافتك. كما يولي المديرون والخدم اهتماما بالغا بأدق التفاصيل؛ فهم يحرصون على مدك بمياه الشرب الباردة طوال النهار، ومنحك استراحات كافية لاستخدام الحمام (أو يحذرونك قبلها «من فضلك لا تشرب سوى قدر قليل من الشاي لأنه خلال السفاري الذي سوف يمتد لساعة أو ساعة ونصف لن تكون هناك حمامات فلن يكون هناك أي شيء بخلافك والنمور». بالإضافة إلى نصائح عملية حول كيفية التعامل مع الصقور، وبشأن الخطط القادمة دائما. ثم يصطحبونك في رحلة فاخرة. فخلال هذه الجولة، يتوقف القطار ويعتلي الركاب الأفيال وصولا لحصن أمبر، أو الجمال «لعبور الكثبان الرملية بجيلسلمير» أو المراكب «لعبور بحيرة أدويبور»، أو سيارات الجيب لدخول حديقة رانثامبهور الوطنية أو عربات الجنركشة وصولا لحصن باراتبور، والتي تعود بعد كل منها إلى الأجنحة الفخمة لتجد الأجانب يشيرون بسعادة إلى العمامات الحمراء ويصرخون «مهراجا. مهراجا» فيرد خدام الرب وهم يبتسمون وكأنهم آباء يدلهون أولادهم: «أجل مهراجا» ويمر القطار عبر العديد من الأماكن التي تتسم كل منها بسحر خاص، جيبور، وشيتور، وأديبور، وجيسلمر، وجودبور، وغيرها، ولا حاجة لذكر الدموع المتساقطة على الخدين أثناء الانتقال إلى تاج محل. فكل شيء معد لكي تكون الملك أو الملكة خلال تلك الفترة من الفاتنازيا الرقيقة التي تمتد لثمانية أيام وسبع ليال؟ إذا كنت ترغب في ذلك فبإمكانك استخدام آلة الزمن لكي تعود إلى عصر الراجبوت راجاس وتعيش الحياة التي كان يحياها الملوك. النشوة، الاستكشاف، والإثارة، ومتعة التجارب الملكية التي تمر بها عبر «قصر على عجلات» سوف تستمر لمدة طويلة. وعندما تعود إلى «دلهي كانت» لن يكون الوداع سهلا. وذلك رغم أنك تحمل معك عدة أفلام فوتوغرافية والعديد من الذكريات السعيدة، والآلاف من المعلومات والحكايات للعائلة والأصدقاء والعديد من الهدايا التذكارية أيضا. بالإضافة إلى أجندة تليفونية تعج بأسماء الأصدقاء وأمنية بالعودة مرة أخرى لذلك المكان الرائع. وأخيرا عليك أن تأتي وتخبر تلك التجربة بنفسك.