سان فرانسيسكو تتجه إلى السياحة الواقعية

تندرلوان أكثر أحياء المدينة فقرا لكن السكان يرغبون في تحسين صورته

يسعى المسؤولون في سان فرانسيسكو الى تحسين صورتها السياحية
TT

يعرف جميع السائحين معالم تلك المدينة الجميلة معرفة جيدة؛ جسر البوابة الذهبية، وحي فيشرمان وارف، والقطارات القديمة.

لكن النشطاء المدنيين بسان فرانسيسكو أعلنوا عن رغبتهم في إضافة مسار جديد وغير معهود للسائحين: حي تندرلوان، وهو أكثر أحياء المدينة فقرا.

ما السر في ذلك إذن؟

يقول راندي شو، أحد نشطاء الإسكان بسان فرانسيسكو وإحدى القوى المحركة وراء فكرة السياحة في تندرلوان «هذا نوع من الشجاعة التي لن تجدها في أي مكان آخر. فماذا يمكن أن يكون أكثر شجاعة من تندرلوان؟».

مما لا شك فيه أن تندرلوان ما زال بعد أعوام من الإهمال والمعارك الشرسة بشأن عمليات الترميم والإحياء، واحدا من أكبر التحديات التي تواجه سان فرانسيسكو، المدينة التي تتباهى بمظهرها وبطريقتها في الحياة وبالحلول الجريئة التي تقدمها للأمراض المجتمعية سواء فيما يتعلق بأسبقيتها في برنامج الرعاية الصحية الشاملة (كانت المدينة سباقة في ذلك)، أو في منع استخدام الأكياس البلاستيكية (الذي كان سباقة فيه أيضا).

ومن ثم فإنه بإضافة تندرلوان إلى قائمة «الجمعية الوطنية للحفاظ على المواقع التاريخية»، يعمل المجتمع المدني وزعماء المدينة على إعداد حي تندرلوان لكي يشهد تطورا تاريخيا، حيث تم إعداد خطط لإضافة متحف جديد، ومنطقة ترفيه، وجولات للتنزه سيرا «في أكبر مجموعة على مستوى العالم من الفنادق التاريخية ذات الغرف الفردية».

لكن الجولات ستكون مختلفة عن جولات «متحف تنمينت في نيويورك» في حي «لوير إيست سايد» غير المستخدم منذ فترة طويلة. فيقول شو «يمكننا أن نصطحب الزائرين إلى فنادق الغرفة الواحدة، ونريهم كيف يعيش الناس الآن» في إشارة إلى المنازل ذات الغرفة الواحدة، أو الفنادق التي يقيم فيها الناس في تلك المنطقة. وأضاف شو «ستكون تلك إضافة حقيقية».

وحظيت خطط شو بدعم العمدة غافن نيوزوم، الذي قدم منحة للمدينة خلال الشهر الماضي للمساعدة على بناء «هوية إيجابية لتندرلوان» ولجذب السياحة إلى تلك المنطقة، من خلال إضافة المئات من اللوحات المنقوشة إلى الحي «لإضفاء مزايا بصرية لمن يتجولون في شوارع المدينة». ويعد حي تندرلوان الذي يقع بين ميدان يونيون السياحي وميدان «سيتي هول»، واحدا من المناطق الأحياء السكنية المكتظة التي تقع غرب المسيسبي، وفقا للمسؤولين، حيث يسكن نحو 30 ألف نسمة في 60 مربعا سكنيا يشتمل كل منها على فندق سكني.

ومن جهة أخرى، يتفشى الاتجار في المخدرات في تلك المنطقة حتى إن الشرطة طلبت مؤخرا الاستعانة بالقوات الخاصة لتفريق تجار المخدرات الذين ينتشرون في شوارع معينة بالحي. كما أنه من الشائع ظهور المختلين عقليا في الشوارع. ويبدو ذلك الحي غير آمن تماما بحلول الظلام، حيث ينهار السكارى على الطرقات، فيما يدخن آخرون المخدرات سرا في مداخل المباني. لكن المدافعين عن تندرلوان يحتجون بأنها جزء لا يتجزأ من سان فرانسيسكو، وأنها أكثر أصالة من المناطق الأخرى الأكثر جذبا مثل «تشينا تاون»، و«كوات تاور». يقول دون إس فولك، المدير التنفيذي لإدارة تنمية حي تندرلوان، وهي مؤسسة غير ربحية أنشأت وتدير 15 فندقا سكنيا في تندرلوان «أعتقد أن الكثير من سكان سان فرانسيسكو يقدرون تندرلوان، فهو جزء من هويتهم».

وربما يكون تشجيع سكان سان فرانسيسكو الباحثين عن المغامرة أسهل من إقناع السائحين بزيارة تندرلوان، كما يقول المسؤولون عن السياحة بالمدينة. وقد وصفت لوري أرمسترونغ، المتحدثة الرسمية باسم مؤتمر سان فرانسيسكو ومكتب الزائرين، الجهود الأخيرة بأنها «خطوة على الطريق الصحيح»، لكنها أضافت «لقد كان الطريق طويلا للغاية» لإحياء ذلك الحي وجعله جاذبا للسياحة. في المرحلة الحالية، ليس هناك الكثير من الأسباب التي تدفع الزائرين للذهاب إلى هناك، ولا يعني ذلك أننا نحث الزائرين على عدم الذهاب. فمهمتنا هي أن نخبر الناس بما يمكنهم عمله هناك. وهناك الكثير من الأشياء التي يمكن عملها في سان فرانسيسكو».

لكن شو يختلف مع ذلك الرأي، فيقول إن المنطقة مكتظة بالمعالم التاريخية مثل فندق دريك، الذي أقام فيه فرانك كابر عندما كان مديرا شابا وفقيرا في أوائل العشرينات، وفندق الكاديلاك الذي تم بناؤه بعد حريق وزلزال 1906، وهو الفندق الذي شهد تدريب محمد علي لاحقا. كما كان جيري غارسيا يعيش أيضا في الكاديلاك كما سجل مع الـ«غريتفول ديد» عدة ألبومات في المنطقة التي تقع فيها حاليا استوديوهات هايد ستريت، بالإضافة إلى الكثير من فرق «منطقة باي» الأخرى مثل كريدينس كليرووتر ريفيفال وجيفرسون إيربلين.

وأضاف شو «وعندما جاء مايلز ديفيس إلى المدينة، أقام حفلا بتندرلوان». ويعتقد شو الذي يخطط أن يفتتح متحفا بقيمة 3 ملايين دولار في الكاديلاك إن جماهير الموسيقى من الأشخاص الذين ولدوا في أعقاب الحرب العالمية الثانية - خاصة جماهير الديدهيدس - سيكونون هم الكتلة السكانية الأساسية في تندرلوان، بالإضافة إلى هؤلاء المهتمين بالتاريخ الثري لذلك الحي، والذي يتضمن ساحات للقمار، والحانات وبيوت لعرض الأفلام الإباحية، يشير إليها دليل المتحف بأسى قائلا «لقد اختفى معظمها». ويتفق الخبراء على أن لذلك الحي قيمة تاريخية نظرا لأن الفقر المدقع عمل على عرقلة التنمية المدنية له. فيقول جاي كوريا، المؤرخ بمكتب كاليفورنيا للحفاظ على المعالم التاريخية والذي أوصى بتسجيل تندرلوان ضمن القائمة القومية «يصبح المال في بعض الأحيان هو العدو الأول للحفاظ على المعالم التاريخية. فنظرا لأن تندرلوان كانت من المناطق الفقيرة، لم يكن هناك مال لتحديثها».

وعلى الرغم من أن المعارك بشأن الحفاظ على الإسكان منخفض الدخل قد وقفت حجر عثرة أمام بعض الجهود الماضية لتنمية الحي، فإن فولك، رئيس مؤسسة تنمية الإسكان غير الربحية، يقول إن قدرا محدودا من التنمية في ذلك الحي لن يكون بالأمر السيئ. فيقول فولك «في عام 1981، كانت قضية الترميم والإحياء من القضايا الأساسية، وفي عام 2010 أصبحت قضية المستوى المعيشي هي القضية الأكثر أهمية. فالأشخاص ذوو الدخل المنخفض يساعدون المشروعات الصغيرة على النجاح وهذه المشروعات المحلية الصغيرة تقدم العون إلى المشردين».

وبالإضافة إلى السياحة - ينفق السائحون نحو 8 مليارات دولار في سان فرانسيسكو في عام 2009 – يعمل المسؤولون بالمدينة على وضع مقاربات أكثر تقليدية بما في ذلك الحصول على منحة قدرها 250 ألف دولار أميركي من هيئة الأوقاف الوطنية للفنون العامة في الحدود الغربية للحي ودعم المشروع الذي من المقرر إقامته على مساحة 250 ألف قدم مربع على حدودها الشرقية. ويتمنى شو أن يبدأ إنشاء المتحف بحلول العام المقبل، وأكد أنه سيبدأ توزيع الإعلانات الترويجية التي تدعو الزائرين للمجيء إلى الحي وتناول الغداء والاستمتاع بوقتهم فيه خلال الصيف الحالي. ومن المقرر أن يتم تزيين المباني بالمزيد من اللوحات الفنية في وقت قريب.

لكن لم يتضح بعد إذا ما كانت الملصقات والرسوم على الجدران ستكون كافية لقهر الفقر أم لا. فيقول كريس باتنود، أحد المقيمين بفنادق الغرفة الفردية، إنه يحب فكرة السياحة بتندرلوان، وإنه على استعداد للترحيب بالزائرين، ما داموا يعرفون متى يتوجب عليهم الزيارة. ويقول باتنود (48 عاما) «لا أعتقد أن الزائرين يرغبون في زيارتنا في المساء، فحتى أنا لا أرغب في البقاء هنا خلال المساء».

* خدمة «نيويورك تايمز»