القصر الملكي الإسباني.. فرصة لرؤية تاريخ طويل وتصميم جذاب

في مدريد لا بد أن تتعرف على حياة الملوك

زيارة القصر الملكي في مدريد من اهم الزيارات السياحية في العاصمة
TT

أن تزور واحدا من القصور الأوروبية أشبه بأخذ تذكرة سفر عبر التاريخ، حيث ضخامة القصور، وما تحويه، والأحداث الكثيرة التي شهدتها، تبهر الأنظار وتخطف الأنفاس وتملأ رئتيك عطرا معتقا يزيد المكان روعة وجمالا. هذا ما ستشعر به فور دخولك القصر الملكي الإسباني في مدريد أو «بلاثيو رييال» الذي يعتبر اليوم من أكثر الأماكن استقطابا للسياح في مدريد. بني القصر الملكي الإسباني عام 1734 على أنقاض قصر «الكازر» بعد أن قضى عليه حريق كبير. وقد أمر الملك فيليب الخامس ببنائه، إلا أن الأعمال فيه انتهت على عهد الملك تشارلز الثالث، حيث استغرق بناؤه نحو 26 سنة، وهو يحوي 2800 غرفة. ولقد تمت إعادة تصميم القصر وتأثيثه في مناسبات مختلفة في القرنين التاسع عشر والعشرين. لا يقيم الملك الإسباني خوان كارلوس حاليا في هذا القصر، ويقتصر استعماله على المناسبات والاحتفالات الرسمية في البلاد واستقبالات كبار الزوار.

الزيارة مفتوحة أمام الجميع طوال أيام الأسبوع باستثناء العطلات الرسمية وفي أوقات زيارات كبار الشخصيات لإسبانيا، التي يقيم فيها عادة الملك الإسباني استقبالا رسميا لزواره في قاعات هذا القصر. الجولة داخل القصر تشمل نحو 23 غرفة، تختلف جميعها في التصميم ولكن تجمعها صفة واحدة: «الفخامة الباهرة». وبإمكان الزائر عند شرائه تذاكر الدخول أن يختار القيام بالجولة برفقة دليل سياحي أو استئجار آلة مسجلة يستمع من خلالها إلى مختلف المعلومات حول القصر من خلال الضغط على رقم كل غرفة بحسب ما هو مبين في لوائح موزعة في أنحاء الغرف. ولكن عند طلب هذه الخدمة يجب تحديد اللغة المطلوبة أولا. الجولة السياحية داخل القصر تبدأ من السلم الأساسي الذي يأخذك إلى الغرف والقاعات المختلفة، الذي صممه الفنان الإيطالي فرانشيسكو ساباتيني، ومن هذا المدخل بالتحديد تبدأ رحلة مبهرة، حيث تحتار في أي اتجاه تنظر؛ فكل ما هو موجود يشكل تحفة فنية رائعة. ويتميز المدخل بوجود لوحات مذهبة مرسومة على السقف تعود لعام 1782.

ويقود الدرج الأساسي إلى غرفة «هالبيرديرز» وقاعة الأعمدة الشهيرة التي شهدت كثيرا من المناسبات الكبرى في التاريخ الإسباني. وفي هذه القاعة تم التوقيع على معاهدة انضمام إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 1985. أما المحطة الأبرز أو الغرفة الأكثر ثراء وفخامة، فهي «غرفة العرش». ما زال الملك الإسباني يستعمل هذه الغرفة عند استقبال كبار الشخصيات وهي تبرز عراقة وعظمة العائلة المالكة الإسبانية. يسيطر عليها اللون الأحمر القاني والقماش المخملي الذي استعمل على الجدران والمقاعد، أما السقف فرسمت عليه لوحات تحكي عن الآلهة التي تحمي إسبانيا والحروب التي خاضها الإسبان في أكثر من مكان. وتتزين «غرفة العرش» بثريات من الكريستال غاية في الروعة يعتبر بعض الروائيين أن لا مثيل لها في العالم. المنصة التي يتربع عليها الملك والملكة محاطة بأربعة أسود من البرونز، والكرسيان مطليان بالذهب، وهما من القماش المخملي. وفي الغرفة أيضا 12 مرآة مذهبة تعكس بشكل رائع بريق الذهب والكريستال بالإضافة إلى وجود عدد من اللوحات الزيتية الرائعة.

ومن هناك تتوجه إلى قاعة «كارلوس الثالث» حيث كان يستعملها الملك لتناول طعام العشاء. في هذه الغرفة شمعدان كبير من الذهب الخالص ولوحات عملاقة. أما غرفة «غاسباريني»، نسبة إلى الفنان الإيطالي، التي قام بتصميمها ماتيو غاسباريني، فتعتبر من أكثر الغرف تميزا في هذا القصر، وقد كان الملك «تشارلز الثالث» يستعملها لاستقبال الضيوف، كما أنها تعتبر من أفخم الغرف في القصور الأوروبية التي تعتمد تصميم «روكوكو». جدرانها مكسوة بالحرير الأحمر المطرز والمطعم بخيوط ذهبية وفضية. وتغلب على هذه الغرفة ألوان الباستيل والأخضر، وتتوزع في السقف زهور حمراء تضفي لمسة عبقة من الأناقة، كما يغطي الرخام الملون أرض هذه الغرفة بأشكال مختلفة.

أما الغرفة الأخرى التي تعتبر غاية في الروعة على الرغم من أنها الأصغر مساحة في القصر فهي «غرفة البورسلان». إنها تحفة فنية مبهرة ومدهشة وتخطف الأنفاس، فكل ما في هذه الغرفة مصنوع من البورسلان من السقف إلى الجدران. وقد تم استخدام الخشب كمادة أساسية تم تثبيت البورسلان عليها، وهو يحتوي على نقوش وأشكال مختلفة، ويطغى عليها اللون الأبيض. وقد انتهت الأعمال الإنشائية في هذه الغرفة عام 1771. أما غرفة الطعام فهي من أكبر قاعات هذا القصر، ولا تزال تستعمل حتى اليوم الحاضر عند إقامة مأدبة عشاء رسمي بدعوة من الملك والملكة. وقد استعملت للمرة الأولى عام 1879 في مناسبة زواج الملك الإسباني «تشارلز الثالث» من الملكة «ماريا كريستينا».

ومن الضروري عند زيارة القصر الملكي الإسباني التوقف عند القاعات التي تعرض مجموعة كبيرة من الأسلحة الملكية التي تعود إلى القرون الوسطى وصولا إلى القرن السابع عشر، وقد استعملها عدد من الملوك الذين تعاقبوا على حكم إسبانيا.

كما قامت العائلة المالكة بجمع عدد من التحف والمقتنيات الفضية والذهبية والكريستال والبورسلان وعرضها في قاعات مخصصة لذلك، بالإضافة إلى عرض عدد من اللوحات التشكيلية والمنحوتات والآلات الموسيقية، وكلها تعود إلى عقود مضت من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر. وبإمكان الزائر أيضا التمتع بجولة في حدائق القصر الممتدة على مساحة كبيرة والمطلة على مناظر طبيعية جميلة لا تشعر فيها أنك في قلب العاصمة وزحمتها.

يذكر أن التصوير ممنوع داخل القصر، لكن روعة المكان ستبقى محفورة في الذاكرة، فلا داعي لأن تكون ملكا كي تتمتع بروعة القصور.