العملاق الصامت يحلق في الأجواء الألمانية

«لوفتهانزا» تستلم طائرتها الأولى من طراز «380A» لتنضم إلى قافلة الطيران الحديث

يشعر الراكب برحابة المقصورة عند دخوله اليها وتوفر المساحات الموزعة بسخاء والأضواء المخفية أجواء ترحيبية جذابة («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت الرحلة في الصباح الباكر، منطلقة من مطار فرانكفورت باتجاه مطار هامبورغ، وبعد الوصول اتجه وفد ضخم من الشخصيات المهمة والإعلاميين من جميع بقاع العالم والصحافيين ورؤساء الشركات من جميع القطاعات، على متن حافلات خاصة باتجاه مصانع «إيرباص» الواقعة على بعد نحو نصف ساعة من المطار. وأول شيء رأيناه عند وصولنا إلى محيط المصانع، منظر ذلك العملاق الضخم وهو يتوسط المدرج ويحيط به السجاد الأحمر استعدادا لانطلاق الرحلة الأولى له فوق الأجواء الألمانية، بحضور الرؤساء التنفيذيين في كل من شركة «لوفتهانزا» و«رولس رويس»، مصنعة المحركات، و«إيرباص» مصنعة طائرة «380A» الملقبة بالعملاق الصامت نسبة إلى هدوئها شبه التام في أثناء الطيران. وبعد انتهاء مراسم تسليم الطائرة، انطلقت الرحلة باتجاه فرانكفورت، واستمرت لأكثر من ثلاث ساعات، مرت مثل سرعة البرق، وحلقت الطائرة فوق أمستردام وباريس وجنوب إنجلترا على علو منخفض جدا، متحدية بذلك غبار البركان الآيسلندي. وخلال الرحلة، سألت «الشرق الأوسط» سايمون روبرتسون، رئيس مجلس الإدارة في شركة «رولس رويس» البريطانية، عن مدى جدية تأثير السحابة البركانية المنبعثة من البركان في آيسلندا، وعما إذا كانت الشركة بصدد اتخاذ إجراءات جديدة في ما يخص تصنيع المحركات لتفادي تعطيل الرحلات والتأثير على حركة الملاحة حول العالم، وأجاب روبرتسون بأن الشركة لا تعتزم تعديل أي شيء في المحركات، واصفا رد فعل السلطات على أزمة الغبار البركاني بالمبالغ فيها، مشيرا بالوقت عينه إلى خطورة تحليق الطائرة في منطقة ينتشر فيها الغبار، إلا أنه قال إن التحليق في منطقة أعلى من الغبار من شأنه تفادي حدوث أي سوء.

من المعروف عن طائرات إيرباص من طراز «380A» أنها من أحدث طرز الطائرات التي عرفها عالم الطيران حتى يومنا هذا، وتأتي مع عدد من الابتكارات، وتقدم لركاب الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال الكثير من عناصر الراحة ولا تبخل بالراحة على ركاب الدرجة السياحية أيضا.

ويقول وولفانغ مايروبر، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة «لوفتهانزا» لـ«الشرق الأوسط»، إن الشركة أخذت بآراء الركاب حول العالم من خلال استطلاع للرأي، وتم اختيار المقاعد في جميع الدرجات وجميع الابتكارات بحسب متطلبات الركاب، وتم تنظيم أكثر من 2000 دراسة و10 ورش عمل خلال مراحل التطوير، بهدف تعزيز مشاركتهم في تطبيق المفهوم الجديد للمقصورة، وتقييم مقاعد الطائرة ومراعاة اقتراحاتهم في تنفيذ التصاميم النهائية.

وبناء على الدراسات التي أجريت، حددت «لوفتهانزا» مسألة «الهدوء أثناء الرحلة» كأهم العوامل التي يجب توافرها في مقصورة الدرجة الأولى. وبهدف ضمان أقصى درجات الهدوء للركاب لا سيما ركاب الدرجة الأولى، قامت «لوفتهانزا» بتركيب مواد عازلة للصوت كالستائر والقواطع والسجاد داخل الطائرة.

وتبين للشركة أيضا أن المقاعد المريحة تأتي على سلم أولويات الركاب خلال السفر، وتم تخصيص مساحات واسعة بين المقاعد في جميع الدرجات، وتم تصميم الدرجة الأولى لتكون الدرجة الأولى الأكثر هدوءا في العالم. وبحسب استطلاع رأي عدد من الركاب، تبين أنهم لا يرحبون بفكرة وجود مكان مخصص لتناول المشروبات، لأن هذه الفكرة من شأنها أن تزعج الركاب الذين يودون الخلود إلى النوم في أثناء الرحلة، كما لا يفضل الركاب الذين شملهم الاستطلاع وجود حمامات بدش، لأن هذه الخدمة من شأنها أن تحدث إرباكا في المقصورة، وخاصة أن معظم ركاب الدرجة الأولى سوف يتوجهون لاستخدام الحمام قبيل الوصول إلى وجهتهم السياحية، مما سيؤدي إلى ازدحام المقصورة، ومن غير اللائق أن يقوم العاملون على متن الطائرة بمطالبة الركاب بالتسريع في استخدامهم الحمام واختصار الوقت، كما تبين أيضا أن الركاب لا يفضلون المقاعد التي تتحول إلى أسرّة مزدوجة، ويفضلون المساحات المفتوحة التي يمكن التحكم فيها. وقد يكون تأخر «لوفتهانزا» في شراء هذا النوع من الطائرات قد صب في مصلحتها، لأنها تعلمت من أخطاء الشركات التي سبقتها في شراء العملاق الصامت، وصممت المقصورات بحسب رغبة الركاب الحقيقية.

وخلال عرضه التوضيحي الخاص بالدرجة الأولى الجديدة، قال تيري أنتينوري، عضو مجلس إدارة «لوفتهانزا» المسؤول عن شؤون التسويق والمبيعات: «توفر طائرات إيرباص (A380) تجربة طيران من الطراز الأول، فأبعاد هذه الطائرات والمزايا التي توفرها تجعل من السفر على متن هذه الطائرة تجربة فريدة بحد ذاتها، حيث تضمن الراحة المطلقة للركاب في جميع درجات السفر الثلاث. ويسعدنا كثيرا أن نقدم هذا المفهوم الاستثنائي والحصري لمقصورة الدرجة الأولى الجديدة التي تم تصميمها وفق آراء وتطلعات ركابنا». من ناحية أخرى، توفر الدرجة الأولى لركابها المزيد من الإضاءة والترفيه والراحة والمساحات، وقد تم تطويرها من قبل «لوفتهانزا تكنيك» المزود الرائد عالميا لخدمات صيانة وتصليح وتجديد الطائرات.

يشعر الراكب برحابة المقصورة عند دخوله، وتوفر المساحات الموزعة بسخاء والأضواء المخفية أجواء ترحيبية جذابة. وقامت «لوفتهانزا» بتصميم مقصورات منفصلة بناء على طلب معظم الركاب الذين شملتهم الإحصائية، حيث فضل معظم المسافرين الحصول على مقصورة ذات مساحة مفتوحة، ولكن بالمقابل أضافت «لوفتهانزا» قواطع مرنة تسمح لركاب الدرجة الأولى بتعديل وضعيتها للتحكم بدرجة الخصوصية التي يودون الحصول عليها.

وأما المقعد المطور حديثا، فهو مصمم بحيث يجمع بين التصميم العملي والآمن والمريح بالوقت نفسه، كما يمكن تعديله ليصبح مستويا تماما بطول 2.07 متر وعرض 80 سم، ويوفر هذا المقعد مساحة واسعة تمنح المسافر نوما هانئا ومريحا.

ويعتبر نظام ترطيب الهواء، النظام الأول من نوعه الذي يتم تركيبه على متن طائرة تجارية، بالإضافة إلى نظام الإضاءة الذي يتم تعديله وفقا لأوقات اليوم، وهو ما يضمن المزيد من الراحة والرفاهية للمسافرين.

وتوفر الطائرة أيضا حماما فاخرا بدلا من المرحاض، حيث يحوي أمكنة للاستحمام وتغيير الملابس بمساحة رحبة تتيح للمسافر حرية كبيرة في الحركة، ومرحاضا خاصا بالرجال.

يمكن لمسافري درجة رجال الأعمال على متن طائرات «لوفتهانزا» (A380) التمتع بفرصة الحصول على مقعد قابل للتحويل إلى سرير مريح بطول مترين. فمقارنة مع مقصورة درجة رجال الأعمال السابقة، تأتي المقصورة الجديدة مع المزيد من مزايا الراحة والرفاهية، كما قامت «لوفتهانزا» بإضافة وحدة تحكم جديدة ومطورة لنظام الترفيه. وبفضل صناديق الأمتعة الأكبر على متن طائرات (A380)، سيتمتع ركاب درجة رجال الأعمال بمزيد من مساحة التخزين.

وبالتعاون مع أشهر المصممين في العالم، تم تزويد الدرجة السياحية أيضا بمقاعد جديدة تماما، كما هو الحال في الدرجة الأولى. وفي ضوء ذلك، أصبح بإمكان مسافري هذه الدرجة التمتع بمساحات أرحب بفضل تصميم وهيكلية المقاعد التي أصبحت مزودة بمساند ظهر أنحف. ويوفر مفهوم المقاعد الجديد والمريح للركاب خمسة سنتيمترات إضافية من المساحة الشخصية الإضافية، مع مساحة أكبر للأقدام عند مستوى الركبة، وذلك حرصا من «لوفتهانزا» على منح مسافري الدرجة السياحية أرقى مستويات الراحة في الأجواء.

وبإمكان المسافرين الآن الاختيار من بين تشكيلة واسعة من أحدث الأفلام والمقاطع الموسيقية والقنوات الإذاعية، بالإضافة إلى برامج التلفزيون الحالية، وذلك عن طريق شاشة خاصة بكل مقعد. كما تمت إضافة عدة قنوات جديدة للأطفال، مع برامج متنوعة لليافعين، إضافة إلى الألعاب الجماعية. وبالإمكان الآن التمتع بمجموعة واسعة من الألعاب ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى استعراض معلومات الرحلة ووجهة السفر على جميع درجات طائرة (A380) بالأبعاد الثلاثية أيضا. كما تمت إضافة كاميرات فيديو خارجية للمرة الأولى، والتي ستبث صورا خارجية من مؤخرة الطائرة إلى الشاشات الموجودة في كل مقعد.

وترسي طائرة (A380) معايير جديدة في ما يخص مراعاة السلامة البيئية، وذلك بفضل انخفاض استهلاكها للوقود بمعدل 3 لترات لكل 100 كيلومتر يقطعها كل مسافر، وأيضا بفضل محركات «رولس رويس ترينت 900» (Rolls - Royce Trent 900) التي تتميز بانخفاض انبعاثات الضجيج.

وتضم طائرة (A380) ما مجموعه 526 مقعدا، بينها 8 مقاعد في الدرجة الأولى، و98 مقعدا في درجة رجال الأعمال، و420 في الدرجة السياحية. وسيبدأ تسيير طائرات (A380) ضمن رحلات منتظمة على خط فرانكفورت وطوكيو ابتداء من 11 يونيو (حزيران) 2010. وابتداء من 25 أغسطس (آب). وحسب أحدث الخطط التي وضعتها الشركة، سيتم تسيير طائرات (A380) من فرانكفورت إلى بكين، كما يتوقع ابتداء من 25 أكتوبر (تشرين الأول) أن يتم تسيير هذه الطائرات على خط فرانكفورت - جوهانسبورغ.

وكانت شركة الطيران الألمانية «لوفتهانزا» قد فازت مؤخرا بجائزة أفضل شركة طيران أوروبية في الشرق الأوسط إثر تصويت قراء مجلة «بزنس ترافيلر ميدل إيست» لصالح «لوفتهانزا» في مسابقة جوائز «بزنس ترافيلر ميدل إيست» 2010، وتعتبر هذه الجائزة من أرفع جوائز فئة رحلات رجال الأعمال، التي يتم منحها للشركات التي توفر أرقى مستويات الخدمة والجودة.

في ما يخص المملكة العربية السعودية، تسيّر «لوفتهانزا» حاليا 20 رحلة أسبوعيا من الرياض وجدة والدمام إلى فرانكفورت، ومن الرياض إلى ميونيخ، لتوفر بذلك رحلات ربط مرنة إلى 123 وجهة في أوروبا، و21 وجهة في أميركا الشمالية، وعدد من الدول في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك رحلات طوكيو التي سيتم تسييرها بطائرات (A380) الجديدة. يشار إلى أن «لوفتهانزا» قامت بشراء 15 طائرة من هذا الطراز، ستستلم 4 منها نهاية هذا العام على أمل أن تسلم الكمية الباقية في غضون العام المقبل.