جبال البوسنة.. متعة السياحة الصيفية

مياهها وأجبانها المصدر الرئيسي للتغذية في البيت الأبيض

جبال البوسنة.. فتنة الطبيعة وأحداث التاريخ ورمز الحياة («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كان برج خليفة رمز دبي، وساعة بيغ بن رمز لندن، وبرج إيفل رمز باريس، وتمثال الحرية رمز نيويورك، والكرملين رمز موسكو، إذا كانت هذه الرموز توحي بشيء ما تضمنتها أسماؤها ومضامينها، أو أوحت بها دلالاتها وفلسفاتها ومعانيها، فإن سراييفو كعاصمة، والبوسنة كبلد سياحي، رموز لأشياء كثيرة، يمكن اختصارها في 4 قيم.. قيمة الطبيعة، وقيمة التاريخ، وقيمة الثقافة، وقيمة الإصرار والاستمرار، أي قيمة الحياة في بعدها الفلسفي والوجودي، حيث تبدو (الحياة) في أبهى صورها، حتى في الموت نفسه، وما بعد الموت. وتعتبر جبال البوسنة نموذجا مصغرا لذلك كله، فهي تختزن فتنة الطبيعة، وأحداث التاريخ، وتعدد الثقافات، ورمز الحياة. جبال البوسنة تختلف عن كثير من الجبال في العالم، فهي خضراء باستمرار، وتكسوها الغابات دون استثناء، مما يجعلها غنية بالتنوع الطبيعي، وإن كان بعضها في حاجة لشق طرق ودروب سياحية، ومع ذلك تظل غابات البوسنة ومنطقة البلقان، الأماكن المفضلة للكثير من السياح الذين يفضلون قضاء بعض أيام من عطلهم السنوية، أو الأسبوعية في جبال البوسنة.

والجبال في البوسنة منطقة خضراء عذراء كما يقول الكثيرون، حيث المياه الباردة والصافية، التي لا يعرف مصدر الأسماك التي تحتوي عليها الأنهار المنبعثة من بعضها البعض، والمتفجرة من باطن الأرض، وتمثل الثلوج الذائبة في فصول الربيع والصيف والخريف روافد هامة لها، أين يجد زوارها متعة حقيقية في اكتشافها. وتعيش في الجبال البوسنية أنواع نادرة من الطيور ومنها «النسر ذو الرأس الأبيض» وغيره من الطيور الغابية الجميلة، التي يزيد عددها عن المائة نوع، وتملأ بأصواتها العذبة المكان روعة وجلالا. ويتم تنظيم رحلات سياحية لمشاهدة الغابات والطيور والاسترخاء في أحضان الطبيعة الغناء. والاستمتاع بالنشاطات المختلفة كالصيد في الغابات حيث تعيش الأرانب بكثرة، إلى جانب الدببة والذئاب والثعالب، وقطعان الخيول العربية الأصيلة التي أصبحت تمثل ظاهرة في سلسلة جبال رومانيا، التي تمكنت من البقاء بفضل عيشها في مجموعات، ومحاربتها بشكل جمعي للذئاب التي تستهدف حياتها، لكنها قوية وتخشاها الذئاب، وهي قادرة على الحفر في الأرض إلى مستوى متر ونصف المتر لا سيما في الشتاء لتجنب النوم على الثلوج. وقد مكنتها إقامتها الطويلة بين الغابات لظروف الحروب التي شهدتها المنطقة من كسب مناعة والتأقلم مع حياتها في الغابات.

أما السكان المحليون فيعتبرون الجبال الغابية في المنطقة من أفضل الأماكن لقضاء الإجازات الأسبوعية، سواء في جبال إغمن، أو فيسوكو، أويابلانيتسا، أو البلقان، تلك السلسلة التي أعطت اسمها للمنطقة كلها، أو رومانيا، وغيرها من سلاسل الجبال التي تغطي أكثر من 60 في المائة من مساحة البلاد، وتعتبر المصدر الرئيسي للمنتوجات الخشبية. كما تعتبر الجبال في البوسنة ملجأ للمتعبين من ضغط العمل، وضجيج الحركة في المدن، وعوادم السيارات، وغيرها من منغصات الحياة المعاصرة. لا سيما بعد تطور السياحة الإيكولوجية التي يكتشف فيها السياح متعة الطبيعة، وكيفية تحضير القرويين وسكان الجبال أطعمتهم، وطريقة حياتهم عبر العصور، ومن ذلك كيفية تجفيف اللحوم عن طريق النار، أو إعداد الأجبان، أو تخزين الخضر والغلال بوضعها في الماء والملح وغيرها من المواد، أو طبخ الفواكه لتظل صالحة للأكل لعدة أسابيع وأشهر بعد انقضاء مواسمها المختلفة. ويجد الأطفال في غابات البوسنة متعتهم الخاصة، سواء بالركض في الأماكن الآمنة، أو اللعب في الأراجيح، المعدة لهذا الغرض، أو التدرب على ركوب الخيل، أو التزلج في بعض الجبال التي تحولت أجزاء منها لمتنزهات شتوية. وتعمل الجهات المعنية بالسياحة الجبلية والثروات الغابية في البوسنة على إعداد متحف إيكولوجي يضم جميع أنواع الكائنات الغابية في المنطقة وغيرها، إلى جانب العناصر الإيكولوجية التي تتميز بها الطبيعة الجميلة في البوسنة. ويجد الباحثون على الراحة في جبال البوسنة، الأماكن المناسبة، لممارسة الطبخ في الهواء الطلق، أو شواء الكباب، وكل أصناف اللحوم، أو ممارسة الرياضة، أو حتى النوم في مكان هادئ لبضع ساعات، دون أن يخشى على نفسه وممتلكاته. وتوجد في جبال البوسنة، مطاعم ومقاه وأماكن ترفيه كثيرة مثل تلك الموجودة في جبال إغمن القريبة من العاصمة سراييفو، حيث يوجد البيت الجبلي، وهو فندق يضم جميع المرافق التي يحتاجها السائح وغيره. وفي البيت الجبلي هناك مطاعم محلية تعج بالناس من داخل البوسنة وخارجها لا سيما في عطلات نهاية الأسبوع. ومن مميزات الجبال في البوسنة التي تعتبر متنزهات طبيعية التي تقول إحدى الأساطير إنها «لو سويت بالأرض لغطت القارة الأوروبية كلها» أنها تقع قريبة من الأنهار، وتتخلل الجبال التي يزيد بعضها عن ألفي متر فوق سطح الأرض، جداول الماء الرقراقة، التي تمثل بحيرات في السهول المجاورة، وهي مصدر رئيسي للمياه الجوفية في المنطقة، وعامل مهم لاستمرار الحياة الغابية والزراعية على طول وعرض شبه جزيرة البلقان. ويسهم ذوبان الجليد في إمداد البحيرات الطبيعية في يابلانيتسا، وبليفسكو، وبوشكو، وغيرها بالمياه. وتتميز الجبال في البوسنة بإنتاج نوع فريد من الكلاب، يطلق عليها الكلاب الجبلية، اعتمد عليها الإنسان منذ القدم في حماية قطعان الماشية والمنازل من هجمات الذئاب والثعالب والصائلين. وتختلف الكلاب في البوسنة عن غيرها، فهي وديعة جدا مع الإنسان، ولا تكون شرسة سوى مع الذئاب وغيرها من الحيوانات المفترسة والتي تعيش على أكل اللحوم، والدببة. وتعتبر جبال البوسنة مصدرا مهما للإنتاج الحيواني، حيث تعتبر بعض مصادر مياهها المورد الرئيسي للمياه، والأجبان للبيت الأبيض في واشنطن. ويعتبر الإقبال على أماكن التزلج فيها من أكثرها كثافة في شرق أوروبا حيث يزيد زوارها في الشتاء أحيانا عن 50 ألف متزلج.