هوارث.. قرية بريطانية صغيرة تعشق قصص الأشباح

رحلة من وحي روايات الأخوات برونتي

تتميز القرية بأزقتها الضيقة الجميلة (تصوير: برين هوارث)
TT

قرية هوارث في غرب يوركشاير قرية عجيبة، فهي تطل على وادي ورث وتحيط بها الأحراش. القرية التي تحتفظ بطابع تاريخي عريق ترفض أن تتغير، فهي القرية التي سكنت بها الأخوات برونتي وفيها كتبن أجمل روايات الأدب العالمي، منها «جين إير»، و«مرتفعات وذرنغ». ولا يمكن لمن يزور القرية بطرقاتها الحجرية، أو مبانيها المتدرجة أن يهرب من تأثير الأخوات برونتي، فكل مبنى يحمل ذكرى ويحمل قصة ارتبطت بحياة الأخوات الثلاث اللاتي عشن في البيت المجاور للكنيسة، في أعلى الشارع الرئيسي للقرية. ولا عجب أن تحمل المحلات أسماء بعض الشخصيات، أو روايات الأخوات برونتي، أو أن يظل مبنى الصيدلاني على وفائه لمبناه الحجري، وطريقة عرض منتجاته بطريقة لا تجدها في أي متجر آخر. القرية تحمل تاريخها عاليا، ولا عجب، فهو مصدر الرزق، ونقطة جذب السياح من جميع أنحاء العالم، وإن كان هناك تدفق واضح وغير مفهوم من قبل السياح اليابانيين على القرية الصغيرة إلى درجة أن لوحة الإرشادات الموضوعة على الطريق المؤدي إلى الأحراش خارج القرية تحمل إرشادات باللغة اليابانية، إلى جانب الإنجليزية. ويحاول القائم على محل الهدايا الملحق بمتحف برونتي تفسير الظاهرة بقوله «عائلة برونتي كانت عائلة مترابطة جدا، وربما يجد اليابانيون في ذلك تقاربا مع طريقتهم في العيش». التفسير لا يبدو مقنعا ولكنه أحد التفسيرات التي يلجأ إليها سكان القرية لمعرفة أسباب انجذاب مواطني دولة مثل اليابان لقريتهم الصغيرة. ولكن التفسير الواضح هو التأثير الذي تركته روايات الأخوات برونتي على الأدب العالمي، فروايات مثل «مرتفعات وذرنغ» و«جين إير» تخطت الحواجز.

ولمن يريد زيارة القرية فيجب عليه ركوب القطار المتجه إلى ليدز، ثم أخذ القطار المتجه إلى مدينة كيفلي بعد ذلك، ومنها يقوم بركوب الباص للوصول إلى قرية هوارث.

يتوقف الباص في الشارع الرئيسي للقرية ومن هناك يمكن استكمال الرحلة على الأقدام، وعموما فالقرية صغيرة جدا، إلا إذا رغب الزائر في التوجه إلى الأحراش الشهيرة التي ظهرت في رواية أميلي برونتي «مرتفعات وذرنغ» فيمكنه استئجار سيارة أو المشي إذا أراد عيش التجربة التي عاشتها الكاتبة.

تتوسط القرية ساحة الصغيرة، وتحيط بها مجموعة من الأبنية، منها مركز السياح، ونقطة المعلومات لكل من يرغب في زيارة معالم القرية أو الحصول على خرائط، ومعلومات إرشادية. على يمين المركز درج حجري عريض يؤدي إلى الكنيسة، ومنها إلى منزل الأخوات برونتي، عبر مجموعة من الطرقات الملتوية التي تقوم على جانبيها البيوت الحجرية. قبل ارتقاء الدرج الحجري للوصول إلى بيت برونتي يمكن للمرء النظر إلى أسفل الشارع الرئيسي الذي يعج بالحياة، فعلى جانبيه تحولت البيوت الصغيرة التي لا تزال محافظة على عبق تاريخ مضى إلى مقاه ومحلات تخصصت في بيع التذكارات التاريخية، وفنادق صغيرة متواضعة من فئة «بيد أند بريكفاست». المنظر يستحق التوقف عنده لدقائق فهو منظر ساحر ينتهي بمنظر لمرتفعات خضراء في الأفق. وقد لا يلاحظ الكثيرون من الزوار أنهم يقضون في هذا الشارع الذي لا يعد طويلا بمقاييس المدن جل وقتهم. وإذا مل الزائر من مراقبة المارة والتهام الشطائر أو الحلويات في المخبز الأنيق في أعلى الشارع، فلا بد من أن يتوجه إلى مراكز الجذب في القرية الصغيرة، ألا وهي الأماكن التي تجولت فيها الأخوات برونتي.

لنعد إذن إلى الكنيسة التي تفضي إلى منزل برونتي، ولا بد لكل زائر يريد أن يعرف جانبا من حياة الأخوات الثلاث من أن يمر بالكنيسة، ثم المقابر الملحقة بها، ومنها إلى المنزل الذي قضت فيه الأخوات جل وقتهن وتحول إلى متحف.

وحسب الرواية التاريخية فعائلة برونتي انتقلت للعيش في القرية بعد أن عين رب الأسرة باتريك برونتي راعيا لكنيسة المنطقة في عام 1820 وأحضر عائلته الصغيرة المكونة من  6 أطفال. وعرفت حياة تلك الأسرة مأساة فقدان اثنين من الأبناء وتبعتهم الأم بعد ذلك، واضطرت بعدها الأخوات الثلاث وأخوهن بارتيك برانويل للعيش في رعاية المربيات اللاتي تعاقبن على خدمة أسرة القس برونتي.

 ولا شك أن تأثير الفواجع التي منيت بها الأسرة قد أثرت على نفسيات أفرادها وظهر ذلك في الأعمال التي قمنا بكتابتها والتي تتحدث عن حياة قاسية وأقرباء لا يرحمون وطبيعة غير مستأنسة تمثلت في المرتفعات الشهيرة. وعموما عاشت الأخوات الثلاث حياة منعزلة، اكتفين فيها بالكتابة والعناية ببعضهن، وبوالدهن. المنزل الذي يطل بشكل كبير على مقابر الكنيسة يضم مجموعة كبيرة من مقتنيات الأسرة وبعض رسائل الأخوات، كما يضم أيضا بعض المفروشات التي استخدمتها الأسرة. ومن خلال الجولة على المنزل يمكن للمرء تكوين فكرة عن حياة أفراد الأسرة، وتأثير الفواجع التي أصابت شخصيات أفرادها، ويمكن أيضا فهم تفسير تأثير المكان على الإنتاج الأدبي للأخوات. ففي هذه الغرف عاشت الأخوات، وفي إحدى غرف الدور الثالث، وهي حجرة صغيرة تكاد لا تتسع لأكثر من شخصين بالغين نقرأ أن الأخوات كن يتخذن منها مكانا للعب والقراءة خلال اليوم. أما حجرة المعيشة التي لا تزال تحتوي على طاولة تتوسطها، بالإضافة إلى أريكة كبيرة، فنقرأ من الملصق الإرشادي أن الأخوات كن يتناوبن المشي حول الطاولة، بينما يقرأن مقطوعات من مؤلفاتهن للأخريات وتقول اللوحة إن تشارلوت كانت تقوم بالمشي وحدها حول الطاولة بعد وفاة شقيقتيها. الجو العام للمنزل يمهد المرء لعالم من الأشباح والقصص المخيفة التي تدور في ظلمات الليل، فهذا هو الجو الذي عاشت فيه الفتيات خاصة برفقة إحدى مربياتهن التي كانت تروي لهن قصص الأشباح دائما. الطريف في الأمر أن يستمر هذا التقليد حتى عصرنا هذا، فيجد الزائر للقرية دائما قصصا تروى حول الأشباح التي تسكن في هذه الدار أو تطوف بالمقابر. ولا تخفي مالكة أحد الفنادق البسيطة والقريب جدا من منزل الأخوات برونتي أنها تعتقد أن هناك شبحا يقطن في إحدى غرف الفندق وأن الشبح لامرأة تحاول قتل كل من يحاول سكن تلك الغرفة. وتشير خلال حديثها إلى أنها لجأت إلى أحد رجال الدين لتخلص ألفا من الشبح وقيل لها وقتها إن الشبح لامرأة قتلت في نفس الغرفة.

ومن شبح الفندق إلى شبح آخر يقطن في الحانة المواجهة للفندق، حيث يروي سكان القرية أن شبح برانويل شقيق الأخوات برونتي ما زال يظهر لرواد الحانة وتقول إحدى الفتيات التي تعمل في الحانة إن ما يجعلها تعتقد أن الشبح هو لبرانويل برونتي هو ما عرف عنه بارتياد الحانة وجلوسه في أحد المقاعد، بجانب المدفأة كما أنه كان دائما يدخن الغليون، وتشير إلى أن رواد الحانة الذين يرون الشبح يشيرون دائما إلى أنه يدخن الغليون.

والواقع أن عالم الأخوات برونتي وقصصهن قد يكون دافعا ومغذيا لكل تلك القصص التي تجعل القرية تشعر وكأنها لا تزال تعيش في بداية القرن التاسع عشر، بدلا من القرن الـ21.

ولكن زيارة القرية والمتحف لن تستغرق أكثر من يوم وبالتالي فإن الزائر هنا أمامه خيارات مختلفة لمتابعة رحلته، فهناك العديد من الرحلات البرية التي تتخذ من رحلات الأخوات مثالا ويتوقف فيها السائر عند أماكن زاروها مثل شلال المياه الذي يحمل اسم برونتي أو المقعد الحجري الذي اتخذته الأخوات مكانا للكتابة. ومن الرحلات أيضا الرحلة لزيارة أطلال منزل توب ويذنز الذي يعتقد أن إميلي برونتي قد صورته في روايتها «مرتفعات وذرنغ» الطريف هنا أن المنزل أو ما تبقى منه قد عانى الأمرين على يد السياح المفتونين بالرواية والذين اعتادوا على حمل قطع من أحجار المنزل معهم للذكرى. وفي طريق العودة الذي يمر بمدينة كيفلي يمكن للزائر استكمال التجربة التاريخية لنهايتها، وذلك باستخدام القاطرة البخارية العتيقة التي تنطلق من هوارث إلى مدينة كيفلي.

* لمزيد من المعلومات http://www.haworth-village.org.uk http://www.bronte.info