لينموث.. سويسرا الصغيرة بشهادة أهلها

كنز مدفون في شمال مقاطعة ديفون البريطانية

الشارع الرئيسي في القرية
TT

يحلو لأهالي قرية لينموث تسميتها «سويسرا الصغيرة» فقريتهم التي لا يتجاوز عدد سكانها 100 شخص تزخر بجمال طبيعي أخاذ، فمن المرتفعات الخضراء إلى جرف صخري عميق تهدر في قاعه الشلالات إلى نهر هادر يمر بوسط القرية ويمثل شريان الحياة فيها. أينما توجه بصرك في لينموث ستتوقف للاستمتاع بجانب ساحر من الطبيعة.

ولينموث المختبئة على الساحل الشمالي لمقاطعة ديفون ليست معروفة كثيرا للسياح الأجانب وإنما تعتبر المصيف للبلدان والقرى المحيطة بها. ولذلك فالقرية الصغيرة تحتفظ بجو من الحميمية تجده في المارة وأصحاب المحلات والفنادق.

للوصول إلى لينموث على المرء استقلال القطار المتجه من لندن إلى إكستر ثم استقلال قطار آخر من هناك باتجاه مدينة بارنستابل ومنها الباص المتجه إلى لينموث. الرحلة في مجملها قد تستغرق نحو أربع ساعات ولكن بمجرد الركوب في الباص المتجه إلى القرية يحس المرء بأنه انتقل إلى عالم آخر، فركاب الباص يعرفون بعضهم فهم يركبون نفس المركبة كل يوم وتجدهم ينطلقون بالغناء أحيانا أو الحديث فيما بينهم وقد يشاركهم السائق الغناء أيضا. وبمجرد الوصول إلى موقف الباص في لينموث يجد الزائر نفسه أمام منظر طبيعي لم يستعد له كثيرا فهو في منتصف ظاهرة طبيعية بديعة فهو محاط بالتلال الخضراء التي تنحدر بشكل حاد نحو البحر، وأمامه ينحدر نهر لين الذي يكون خريره بالترافق مع صوت طيور النورس والجاكدور (غراب الزيتون) منظومة لا تنتهي.

القرية صغيرة جدا قد لا تجد فيها الكثير من اللوازم، ولمن يريد بعض الخدمات مثل الذهاب للبنك أو الصيدلية فلا بد له من الذهاب لبلدة أخرى أعلى الجرف وهي لينتون، ولكن الرحلة هنا ليست هينة، فالصعود إلى لينتون يجبر السائح على تسلق الجرف عبر طرق ضيقة ومتعرجة. ولا بد من التوقف لالتقاط الأنفاس بين الحين والآخر، ولكن ذلك في حد ذاته يعتبر أيضا فرصة لإلقاء نظرة من الأعلى على القرية في الأسفل وعلى الشاطئ المحيط بها وهو منظر رائع، يستحق التوقف أمامه مرات ومرات بالجلوس على المقاعد الخشبية المنتثرة هنا وهناك.

الملفت في الطريق كثرة تلك المقاعد المصنوعة من الخشب، فهي معدة للمارة وتحمل أحرفا أو إهداءات لأشخاص ماتوا وقام أقرباؤهم بدفع مبلغ للسلطات المحلية لإقامة مقعد يحمل اسم أصدقائهم أو أقربائهم الراحلين. المقاعد تجدها أيضا على الشاطئ وعلى ضفتي النهر، ويبدو أنها إحدى الطرق المفضلة لدى الناس لتكريم أحبابهم إلى درجة أن البلدية أصبحت لا تجد مكانا للطلبات الجديدة. ويشير مالك أحد الفنادق المحيطة إلى أن إحدى نزيلات الفندق الدائمات أوصت قبل وفاتها بإقامة مقعد خشبي يحمل اسمها على ضفة النهر ولكن زوجها فشل في إقامة مقعد في المكان المحدد واضطر إلى إقامته في قرية مجاورة تطل على النهر.

لنلتقط أنفاسنا إذن على أحد هذه المقاعد قبل مواصلة الصعود إلى لينتون حيث تنتشر المقاهي والمطاعم كأنما تكافئ السائح على مجهوده فتوفر له الشطائر والشاي مصاحبة بمنظر رائع يشمل الساحل وغابات الأشجار المترامية على مدى البصر.

وإذا لاقت الرحلة صعودا هوى في نفس السائح فيمكنه استئناف الطريق ما بعد لينتون عبورا بممر ترابي متعرج أعلى الجرف باتجاه ما يسمى قلعة الصخور، وهي تكوينات صخرية عالية تتربع في أعلى الجرف. الرحلة مرهقة والمنظر من جانب الطريق للانحدار الشديد المنتهي بالشاطئ قد لا يكون مشجعا للبعض ولكنها من الرحلات الشائعة في المنطقة التي يقبل عليها الزوار بشكل دائم.

ولمن لا يريد الصعود على الأقدام هناك حل آخر فريد من نوعه وهو القطار العمودي المقام على جانب الجرف ويعمل بدفع الماء. القاطرة الصغيرة أو بالأحرى العربة الصغيرة تتسع لعشرة أشخاص وتعمل بدفع الماء وقوة الجاذبية، الرحلة على القاطرة لا تستغرق أكثر من 3 دقائق ولكنها رحلة فريدة من نوعها تحمل الزائر إلى أعلى ليرى تدريجيا الغابات المتكاثفة وساحل البحر الممتد أمامه.

وعلى الرغم من تنوع قوائم الطعام في مقاهي ومطاعم لينموث ولينتون فإن المرء يجد نفسه مشدودا برائحة مميزة كل يوم لفطائر «كورنيش باستي» الذائعة الصيت والمحشوة باللحم والخضراوات وهي تعتبر وجبة شهية ومتخمة في حد ذاتها. أما إذا سئمت من الفطائر فهناك دائما السمك والبطاطا، ويشتهر أحد المحال الصغيرة في لينموث بالطبق التقليدي لدرجة أن أهالي القرى المجاورة يحرصون على الشراء من هناك ثم الجلوس على المقاعد المقابلة للمحل على الشاطئ. وتحوم حولهم طيور النورس في انتظار ما يتبقى منها للانقضاض عليا وهو ما دعا بلدية القرية لوضع لافتات بعدم إطعام النورس.

أجمل نزهة برية في بريطانيا: نصيحة من صاحب أحد الفنادق المطلة على النهر بالمشي على ضفة النهر والمغطاة بخيمة من الأشجار المتعانقة، ومتابعة السير في رحلة دائرية حتى الوصول إلى ملتقى فرعي نهر لين ثم الصعود عبر قمة المرتفعات المطلة على البحر للعودة مرة أخرى للقرية. النصيحة مغرية جدا ولكن تنفيذها قد يكون متعبا جدا. النصيحة هنا لم يرد المشي بأن ينتعل حذاء رياضيا مريحا، فضفة النهر والمرتفعات المحيطة بالقرية ليست رحيمة بالأقدام، كما يجب على المرء حمل جاكيت مضادا للمطر.

الرحلة التي تبدأ من موقف الباص الذي يتوسط القرية الصغيرة تنحدر إلى ضفة النهر الذي ينساب بين الصخور. على ضفتي النهر اللتين يمكن العبور بينهما عبر جسور خشبية يحس بالانعزال عن العالم الخارجي بالكامل فيما عدا ترديد التحية للبعض ممن اختاروا المشي في تلك البقعة أو التوقف للسؤال عن الاتجاه إذا ما فشلت اللوحات الإرشادية. ما بين الأشجار الوافرة التي تتكاثف لتحجب السماء في بعض الأحيان وما بين الشلالات الصغيرة التي تظهر بين الحين والآخر يمكن للزائر قضاء ساعات من المتعة البحتة، متعة البعد عن الضجيج اليومي وأيضا استنشاق الهواء النقي المعبق برائحة الأشجار.

الممر على ضفتي النهر يطلق عليه «واترزميت» أو لقاء النهرين، في إشارة إلى البقعة التي يلتقي فيها فرعا نهر لين الشرقي والغربي وتمثل النقطة الرئيسية في الرحلة. وعندها يمكن التوقف لاحتساء المشروبات أو الشاي مع فطائر «سكونز» والمربى في المنزل الذي يحمل اسم البقعة «واترزميت». الحديقة المحيطة بالمنزل الذي شيد في القرن التاسع عشر تحفل بالزوار الذين إما وصلوا إليه عبر المشي أو بالسيارة فهو منزل حبته الطبيعة بأجمل مناظرها.

المشي على ضفتي النهر قد يطول لساعات ولا يجب أن يخشى الزائر من طولها فهي نزهة لطيفة ممتعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

عبر الطريق نجد لوحة تشير إلى أن الموقع هو بقايا قرية جرفها فيضان دمر أجزاء كثيرة من لينموث عام 1952، وتدعو اللوحة الزائر لزيارة الموقع ومعاينة ما تبقى.

الفيضان أثر بشكل كبير في القرية وسكانها فهو على لسان الكل وتجده في الصور على الجدران وأيضا في المبنى الذي شيد خصيصا لذكرى ضحاياه. المبنى الذي يتوسط الشارع الرئيسي يضم مجسما لقرية لينموث قبل الفيضان وهو كبير بدرجة أنه يمكن للمرء معاينة كل بيت في القرية على المجسم وتشير اللوحة الإرشادية إلى البيوت التي جرفها الفيضان. يقول مصمم المجسم إن العمل على المجسم الذي احتل مساحة كبيرة في غرفة المعيشة الخاصة به استغرق 3 سنوات وأنه أقامه لتخليد ذكرى ضحايا الفيضان.

ولمعرفة الحد الذي بلغته مياه الفيضان يمكن للمرء زيارة جرف غلين لين الذي يضم أيضا محطة الكهرباء التي تغذي القرية وبالنظر إلى أعلى الجرف يوجد علامة واضحة على الحد الذي بلغه الفيضان.

على رأس الشارع الرئيسي للقرية يوجد «شيليز هاوس» في إشارة إلى الشاعر البريطاني بيرسي بيش شيلي أحد شعراء الحركة الرومانسية في القرن التاسع عشر الذي يقال إنه قضى شهر العسل في القرية قبل انتقاله للعيش في منطقة ليريشي بإيطاليا. الفندق يفخر باسم الشاعر ويضع لوحة إرشادية يؤكد فيها أن الفندق هو ذاته الذي سكن فيه الشاعر الشهير. ولكن مالكة أحد الفنادق القريبة تقول بتشكك «هم يقولون إن الشاعر شيلي سكن هنا، ولكن لا يوجد دليل على ذلك. فهناك عدد من الأماكن في القرية يروي أصحابها قصصا مماثلة». وتشير بإصبعها إلى فندق «رايزنغ صن» الذي يبعد خطوات من الفندق وتقول: «رايزنغ صن شيد في القرن الرابع عشر ويشهد بناؤه على قدمه، وأميل إلى أن شيلي سكن هناك».

وبالتوجه إلى الفندق القديم الذي سقف بشكل مميز ولا يزال يقف شامخا مطلا على البحر يمكن للشخص تصديق رواية السيدة مالكة الفندق.

الفندق القديم يقع في صف من الفنادق الصغيرة ومحلات بيع التذكارات ومطاعم السمك. يمكن مشاهدة المنارة القديمة وحركة السياح في الشارع على مدى النهار ثم خفوتها مع قرب غروب الشمس تماما كما يراقب حركة المد والجزر وامتلاء الخليج الصغير الذي يطل عليه الشارع بالمياه بعد أن كانت المراكب الصغيرة فيه تقبع على الأرض الجافة.

على جانب المنارة القديمة توجد لوحة صغيرة يكتب عليها صاحب أحد القوارب في القرية عن موعد رحلته القادمة لمن يرغب القيام برحلة بحرية سريعة، الطريف أن مواعيد الرحلات تتغير بين يوم وآخر، فماثيو صاحب القارب يبدو شخصا متقلبا لا أحد يعرف متى يقرر الخروج بقاربه، ولذلك يجب على من يريد ركوب القارب متابعة التغييرات على اللوحة. وإذا ما صادفك الحظ وكنت ممن يأخذهم ماثيو في رحلته اليومية يمكن الاستمتاع بمنظر القرية من على بعد، والاستماع للشرح المختصر الذي يوفره ماثيو الذي يشير بين الحين والآخر إلى طيور النورس التي تتخذ بيوتا لها بين الصخور أو إلى أحد الشواطئ المختبئة عن الأنظار يحده جدار صخري من الخلف ولا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق البحر. ماثيو قليل الكلام، ولكن ذلك لا يقلل من متعة المناظر ومتابعة الطيور التي لا تبدي اهتماما كبيرا بالضجة التي يحدثها القارب حولها.

يمكن لزائر القرية اتخاذ هذه الأخيرة، نقطة انطلاق ليزور عددا من القرى والمدن الصغيرة حولها، مثل مدينة ماينهيد الساحلية أو قرية دنستر التاريخية.

للمزيد من المعلومات:

http://www.lynton - lynmouth - tourism.co.uk/