المصريون يلطفون أجواء رمضان الحارة بالإفطار في الهواء الطلق

تحت مظلة الونس بالنيل أو التمتع بنسيم البحر العليل

الأسر السكندرية تقضي نهار رمضان على الشاطئ وتتناول إفطارها على إيقاع تأمل أمواج البحر الساجية («الشرق الأوسط»)
TT

على شواطئ البحر، وفوق ضفتي النيل يمكنك مشاهدة جموع المصريين، وهم يستعدون لتناول الإفطار الرمضاني في الهواء الطلق، فضلا عن السباحة والتمتع بزبد الأمواج، والترويح عن النفس بألعاب الشاطئ الخفيفة، وقراءة القرآن، وغيرها من المشاهد والنفحات الروحانية التي يشهدها رمضان هذا العام، وفرضها الطقس الحار الذي يسود مصر في شهر أغسطس (آب).

فعلى مدى 33 عاما، اعتاد المصريون على أن يأتي الشهر الكريم في أجواء شتوية كانت تخفف من وطأة العطش، ونتيجة لموجات الحر المتتالية، أصبحت الطبيعة بأجوائها الخلابة بمثابة مائدة رمضانية مفتوحة للاستمتاع بالصيام، وفي إيقاع يومي يتنوع باختلاف المدن المصرية.

يعزز ذلك أن فكرة الإفطار الجماعي فكرة فطرية لدى غالبية المصريين، وخاصة الفلاحين، الذين غالبا ما يتناولون غداءهم تحت ظلال الأشجار في الحقول. لكن الطريف في المشهد الرمضاني أن وجبة الإفطار أصبحت بمثابة طقس ونزهة، فمعظم الأسر تتوجه إلى كورنيش النيل للاستماع بصفحة النهر الساحر أو المتنزهات المفتوحة، مصطحبين معهم لوازم الإفطار الرمضاني من مشروبات ومشهيات ووجبات رئيسية، وهو الأمر الذي يتغلب به البسطاء وأفراد الطبقة المتوسطة على غلاء أسعار المطاعم بقضاء أوقات لطيفة وحميمية مع أسرهم.

في هذا المشهد تعد حديقة الأزهر القبلة المفضلة للكثير من القاهريين، نظرا لساحاتها الخضراء الشاسعة وبحيرتها الصناعية الكبيرة، وما تتميز به من خدمات، حيث يوجد بها أربعة مطاعم تقدم أطعمة شرقية وفرنسية وإيطالية، في حين يتوجه الكثير من العاملين إلى الإفطار في أماكن سياحية تطل على نيل القاهرة الساحر بعد عناء يوم عمل شاق، وتناسيا لمشهد الزحام الخانق بعد دوام العمل.

وتتميز القاهرة بوجود الكثير من المطاعم على ضفتي النيل، بالإضافة إلى المراكب العائمة، سواء الثابتة التي تنطلق من أمام الفنادق السياحية مثل «نايل سيتي»، و«السرايا» و«الباشا» و«نايل مكسيم» التي تقدم خيارات متعددة في الإفطار من المأكولات الشرقية والغربية، بالإضافة إلى البرامج الترفيهية المتنوعة التي تمتد من موعد الإفطار حتى السحور، فضلا عن وجود أندية النقابات والهيئات المختلفة، التي تقدم وجبات رمضانية متميزة بأسعار مخفضة، كما يمكن أيضا الاستمتاع بإفطار رمضاني بمذاق تاريخي في القرية الفرعونية بالجيزة.

ومن أفضل الأماكن الروحانية ذات الطابع المصري الأصيل، منطقة الحسين، حيث تزدان بالأضواء والزينة في كل مكان، كما أنها تتميز بوجود عدد لا بأس به من المطاعم والمقاهي التي يزيد عمرها على مئات السنين، ومن أهم المطاعم التي تقدم الوجبات الشرقية بالمذاق «البيتي» مطاعم «الدهان» و«العهد الجديد» و«فرحات»، وأحيانا تصادفك صعوبة بالغة في الحصول على كرسي ومنضدة لتناول الإفطار على الرصيف، حيث تقدم تلك المطاعم أشهى الوجبات المصرية مثل: الملوخية، والرقاق بأنواعه، والحمام المحشو، وحساء الكوارع، والسمان المشوي، والأرز بالخلطة وغيرها. ولمحبي الأجواء السياحية الفاخرة، يمكنك حجز طاولة في أحد الفنادق المطلة على النيل، مثل: «جراند حياة» و«سميراميس» و«الفور سيزونز».

تقول نشوى سالم (35 سنة) ربة منزل: «أصبحت متعتي أنا وأسرتي في تناول الإفطار خارج المنزل، فنتوجه إلى الكورنيش ومعنا جميع لوازم الإفطار، فنقضي وقتا ممتعا ويجد أطفالي متعة في اللعب واللهو بجانبنا قبل الإفطار، وهو أمر يفتح شهيتهم جيدا، أما زوجي فيحب ذلك لأنه يستريح من عناء يومه بالإفطار على الكورنيش».

ويؤكد سامر جلال، مدير أحد المراكب العائمة، أن «مشكلات الحجوزات في شهر رمضان تفوق بكثير مثيلاتها في فصل الصيف»، قائلا: «جميع الشركات والهيئات والمؤسسات تحرص على أن توفر للعاملين بها إفطارا شهيا، ويأتي اختيار مكان يطل على النيل كنوع من التغيير، مما يخلق لدينا أزمة في مسألة الإعداد والحجوزات».

في الإسكندرية لا يختلف المشهد الرمضاني عن القاهرة، حيث تتوجه الأسر إلى الشواطئ التي هجرها المصطافون لتناول إفطارهم بالقرب من النسيم العليل، لكن المثير في هذا المشهد أن الكثير من السكندريين، وخاصة الأطفال ينعمون بقليل من السباحة قبيل انطلاق مدفع الإفطار، وسط تحذيرات من الأهالي من تجنب دخول الماء في جوفهم خشية ضياع الصوم. كما يفضل الكثير من أبناء الإسكندرية لعب الكرة أو كرة المضرب على الشاطئ قبيل تناول الإفطار. وتتميز الإسكندرية بوجود شواطئ تمتد على مسافة تزيد على 30 كيلومترا، ومن بينها الشعبي مثل: رأس التين والأنفوشي والشاطبي وجليم والمندرة والعصافرة، والمتميز مثل: ستانلي وميامي وسيدي بشر والمعمورة.

وتشهد منطقة بحري إقبالا من مختلف الطبقات، نظرا لما تتميز به من طابع فلكلوري خاص، حيث المباني التراثية التي كانت السبب في إطلاق اسم «المدينة التركية» على هذا الجزء من الإسكندرية، وما تحتويه من مساجد تعطي النفحة الرمضانية السكندرية، وأشهرها: المرسي أبو العباس، والبوصيري، وياقوت العرش، والفاسي.

وتلقى ساحة قلعة قايتباي إقبالا كبيرا من مختلف الطبقات، كما يتوجه الكثيرون إلى مطاعم المأكولات الشرقية وبالأخص الكباب والكفتة والطرب في حواري بحري الدافئة وأشهرها «حسني» و«أبو راوية»، بينما يفضل البعض تناول وجبات الأسماك الشهية في مطعم «أبو أشرف» أو «قدورة» أو «فيش ماركت» أو «أنفوشيا».

ومن أشهر الأماكن السياحية التي يلجأ إليها الأهالي للإفطار الجماعي حدائق قصر المنتزه المعروفة بمساحتها الشاسعة وأشجارها الغناء المطلة على أروع شواطئ الإسكندرية، التي تتميز أيضا بوجود الكثير من المطاعم والفنادق ومنها: فندق «فلسطين» و«السلاملك» التي تقدم ما لذ وطاب من الأصناف، فضلا عن برامج للإفطار والسحور.

كما توفر النوادي المطلة على البحر في الإسكندرية على كثرتها وتنوعها فرصة للإفطار على شاطئ عروس البحر المتوسط، ومنها: النادي اليوناني، ونادي اليخت ونادي الصيد. كما يمكن لعشاق التميز الاستمتاع بإفطار سياحي في مطاعم فندق «فور سيزونز» و«سان ستيفانو» المطلة على البحر، أو مطاعم «جولي فيل» (رمادا سابقا)، أو «شيراتون المنتزه».

تقول منال عبد السلام (40 سنة) محاسبة: «فكرت لأول مرة في تناول الإفطار في الهواء الطلق العام الماضي، عندما ألح علي ابني أن يذهب مع أصدقائه للإفطار في ساحة قايتباي، ووجدتها فرصة لتجربة تلك الفكرة، ومنذ ذلك الوقت قررت أن أكررها كل عام، حينما تتاح الفرصة، وخاصة أن الأجواء الحارة والرطوبة الشديدة تدفعنا للهروب من المنزل، كما أننا نجدها فرصة للتوجه لصلاة التراويح مبكرا، بدلا من الكسل الذي يصيبنا، وخاصة إذا تناولنا الإفطار أمام التلفزيون». أما وليد عوض (25 سنة) مهندس اتصالات، فيتفق مع أصدقائه ويتوجهون يوميا إلى الشاطئ بعد انتهاء العمل، ثم يبدأون بقراءة القرآن ولعب الكرة أو السباحة ثم تناول الإفطار، وأحيانا يلجأ مع أصدقائه للجلوس مع تناول حفنة من الياميش بعد قضاء صلاة التراويح، في انتظار وقت السحور وهي جلسات يحلو فيها السمر، وهي على حد قوله، فرصة ربما لن نستطيع تعويضها، أن نقضي رمضان في تلك الأجواء الصيفية، فقد اعتدنا أن يكون رمضان في الشتاء، وعلى الرغم من الحر فإنه أيضا له مذاق مميز في الإسكندرية».

وترى لميس المحمدي (22 سنة) أن متعة التأمل في مشهد البحر الساحر والأمواج المتلاطمة لا تضاهيها متعة، وخاصة في الشهر الكريم، حيث يكثر المسلمون من الدعاء والابتهال.

وبصفة عامة، يعقب الاستمتاع بالإفطار في الهواء الطلق بداية طقوس الاستعداد لصلاة التراويح في الخلاء، حيث تذهب الأسر لحجز أماكنها في الصفوف الأمامية عقب الإفطار مباشرة، تفاديا للزحام وقت صلاة العشاء.