آنيسي.. فينيسيا الفرنسية

مدينة البحيرات والمساكن الملوكية

TT

لا يمكن لأي مدينة أن تضاهي جمال فينيسيا ومكانتها عالميا، هذا على الأقل ما يقوله الإيطاليون عن مدينتهم الجميلة، ذات الخصوصية الفريدة حول العالم. وعلى الرغم من أن هذا قول محق في جانب كبير منه، ويجانب الحقيقة، فإنه مجحف ببعض المدن، التي لها تاريخ فينيسيا مع الماء، ليس ماء البحر الذي تتربع المدينة إلى جانبه منذ ولدت، بل ماء البحيرات الذي تتربع مدن كثيرة على ضفافها منذ ولدت أيضا. من هذه المدن تقف مدينة آنيسي (Annecy) الفرنسية شبه وحيدة بين مثيلاتها. فالمدينة الفرنسية الواقعة في منطقة سافوا في جبال الألب تجاور واحدة من كبرى بحيرات أوروبا على الإطلاق بمساحة تبلغ نحو 28 كيلومترا مربعا، أي ما يوازي مرة ونصف حجم عاصمة سويسرا القريبة، جنيف.

البحيرة الضخمة التي تعتبر مفخرة منطقة جبال الألب وأكبر بحيراتها بعد بحيرة ليمان، التي تتقاسمها كل من فرنسا وسويسرا، تتوسط مجموعة من جبال الألب الشهيرة، وهي بعمق يصل في بعض الأماكن إلى اثنين وثمانين مترا، وبطول 14 كيلومترا وعرض يصل في بعض الأماكن لأربعة كيلومترات ويغذيها نهر تيو (Thiou) المحلي، وهو أصغر أنهار فرنسا، كما يغذيها نهر الرون (Rhone) الكبير بشكل غير مباشر بعد دخوله إلى الأراضي الفرنسية، قادما من سويسرا. وتمتاز البحيرة بمياهها الباردة طيلة أيام السنة، كما أنها من أنقى بحيرات أوروبا، وهي الثالثة في الترتيب لناحية نقاوة مياهها في أوروبا كلها، مما يجعلها من أكثر البحيرات الصالحة للسباحة والألعاب المائية. لكن البحيرة التي يغذيها النهر الصغير القادم من أعالي جبال الألب، ليست وحدها الشيء الساحر في المنطقة. بل هي المدينة التي يخترقها النهر بكامل أحيائها تقريبا على شكل قنوات مائية وسدود صغيرة ليصل في النهاية إلى مصبه بالقرب من ضفة نابليون الثالث على البحيرة مباشرة.

والحق أن مدينة آنيسي الصغيرة نسبيا، خاصة في الجزء القديم منها، تمثل العصور القديمة، فقد بدأت كقرية صغيرة إلى جانب البحيرة في القرن الأول الميلادي. ثم توسعت في العصور الرومانية والحقب الملكية الأوروبية، كما أنها كانت لفترة طويلة المقر الرسمي للدوقيات، التي كانت تحكم في جنيف، وعلى طرف بحيرتها الشهيرة تتربع عدة قصور مهمة جدا، كان لها تأثير في تاريخ أوروبا، لما شهدته من أحداث غاية في الأهمية على المستوى التاريخي. وفي تاريخ فرنسا أيضا، حيث إن الثورة الفرنسية في بدايتها انطلقت في غرونوبل، ثم في آنيسي وباقي مناطق فرنسا الأخرى وليس في باريس كما هو معروف. لكن هذا مجرد تاريخ، والسياح عادة، يهتمون به بقدر خفيف وبسيط. لكن اليوم فإن التاريخ يدخل في السياحة، وفي قصور آنيسي الكثيرة لا نجد التاريخ فقط بقدر ما نجد أشياء جديدة، بدأت هذه الأماكن تستضيفها.

اشتهرت المدينة في الماضي بكونها منطقة ذات طبيعة ساحرة وخلابة، وقد بقيت كذلك حتى اليوم، ولذلك فقد بنيت فيها عدة قصور، أكبرها قصر آنيسي، الذي كان مسكنا لدوق جنيف، الذي كان يتصل بالقرابة لعائلات سافوا. القصر الذي بني في القرن الثاني عشر وبقي مقرا دوقيا حتى القرن السادس عشر. ثم في القرن السابع عشر، حيث بدأت تتحول إلى مراكز عسكرية، إلى القرن العشرين، حيث فتحت أمام الناس وبدأت تستخدم كمتحف للفنون، وعلى عادة كل المباني الأثرية التي يستفاد منها في أشياء ونشاطات ثقافية وترفيهية. والزائر اليوم للمدينة الجميلة، يزور عددا من القصور التي أصبحت أماكن تعبر ليس فقط عن التاريخ، بل عن روح الثقافة الفرنسية وروح ثقافة المنطقة نفسها.

وتتميز مدينة آنيسي القديمة بأن طرقاتها وساحاتها كلها تجاور أقنية نهر تيو الذي يتشعب على شكل أقنية صغيرة ومتوسطة في كل أنحاء المدينة. وهي من المدن النادرة التي بنيت على المياه، وتشبه في هذه الخاصية مدينة سان بطرسبورغ الروسية، ومدينة غاند البلجيكية. وهي في الصيف تعج بالسياح من كل حدب وصوب، ونادرا ما يمكن للمرء أن يجد غرفة في فندق طوال أشهر الصيف. فما يميز المدينة ليس فقط كونها تضم البحيرة والقنوات المائية، بل لكونها تقع في سلسلة جبال الألب الشهيرة الخضراء طيلة السنة باستثناء أيام الشتاء الثلجي. وهذه الخاصية الفريدة ستستضيف بسببها الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 2018، حيث ستكون ساعتها وجهة العالم. والمدينة اليوم تتحضر بكل قوة لهذه المناسبة التاريخية. وهي خاصية تتيح للسائح أو الزائر التجول في هذه الجبال، ورؤية مناظر من أجمل المناظر الطبيعية في العالم.

وكأي مدينة سياحية يوجد في آنيسي عشرات الفنادق والمنتجعات السياحية ومن كل المستويات والدرجات. وهذا ما يعطي فرصة لكل الذين يرغبون في زيارتها فرصة الزيارة. ويعتبر فندق أمبيريال بالاس أحد أكبر فنادقها، وهو يقع مباشرة على شاطئ البحيرة وتحيط به حدائق غناء جميلة ويمتاز، إلى هذا، بإطلالته الساحرة على كامل البحيرة. كما تضم فندق الجزيرة الصغيرة في قلب المدينة، وهو مبنى صغير من القرن السادس عشر، بني على قطعة أرض صغيرة يحيط بها النهر من كل الجوانب، وتقع في قلب المدينة التاريخية. هذا إلى جانب عشرات الفنادق الصغيرة والنزل والشقق الجاهزة للسياح.