منتجعات سياحية عائلية في الغوطة الشرقية

دليلك إلى متنزهات طريق مطار دمشق الدولي

التراث في متنزهات طريق المطار والغوطة الشرقية («الشرق الأوسط»)
TT

في السنوات العشر الأخيرة شهد طريق مطار دمشق الدولي والموازي لطريق غوطة دمشق الشرقية انتشار عشرات المنتجعات السياحية، واستفاد بذلك أصحابها من جماليات المناطق المحيطة بالطريق والموقع الاستراتيجي له، حيث إن معظم زوار دمشق والمدن السورية الأخرى سيعبرون حتما هذا الطريق الذي يمتد على مسافة نحو 20 كلم ما بين مركز المدينة والمطار، ومستفيدين أيضا من المساحات الواسعة التي يمكنهم من خلالها تشييد منشآت سياحية بمواصفات عالمية، وبجودة مرتفعة ومناظر خلابة، من خلال تحويل الفراغات في المنشأة إلى شلالات مياه وبحيرات، بديكورات معمارية رائعة، حيث تنافس أصحاب هذه المنتجعات على بناء أجمل الديكورات التي تماثل مواقع أثرية سورية معروفة، كمدينة تدمر وأفاميا ودمشق القديمة وغيرها، وتشبه مواقع تاريخية عالمية كتاج محل في الهند مثلا، أو أدغال أفريقيا وغاباتها وجبال أوروبا، فتحولت هذه المنشآت، خاصة في المساء والليل ومع تلألؤ أضوائها، إلى مواقع جذب سياحي فريدة، خاصة في فصول الصيف والربيع والخريف (مع أنها بالتأكيد تفتح طيلة أيام العام) حيث يتناغم المكان وروعته مع نسائم الغوطة اللطيفة وهوائها العليل، وبما تبقى بها من بساتين أشجار مثمرة وأشجار الحور والصنوبر والسرو، التي أفلتت من الزحف المعماري والأبنية الإسمنتية.

والشيء اللافت هنا أن هذه المنتجعات التي تضم معطيات ومفردات كثيرة لخدمة السياح انتشرت في مناطق محددة من طرفي طريق المطار، وبشكل خاص بدءا من الجسر الرابع والخامس حتى الجسر السابع، حسب التقسيمات المرورية للطريق، والسبب هو وجود المساحات الكبيرة التي تتيح تشييد منتجعات ضخمة، بعكس المناطق الموجودة في بداية الطريق، حيث تتواجد أحياء وتجمعات سكنية، واللافت هنا أيضا تركزها بشكل رئيسي في منطقة الجسر الخامس، حيث يلتقي طريق الغوطة مع الأوتوستراد الدولي، ولذلك هناك خياران للسائح والزائر للوصول لهذه المنتجعات، فإما أن يأخذ الطريق السريع ويصل إليها من الساحة المعروفة بدوار المطار، أو ساحة حسن الخراط حسب تسمية المحافظة لها، ويستغرق منه ذلك نحو العشر دقائق بالسيارة، وإما أن يأخذ طريق الغوطة وهو بالتأكيد الأجمل والأروع، حيث يمكنه أن ينطلق من منطقة باب شرقي ليأخذ طريق المليحة، وليتجه بالسيارة نحو طريق الغوطة الشرقية (وهو طريق باتجاه واحد في معظمه، ولكنه مريح إلى حد كبير، وخاصة مع مناظر الأشجار الخضراء التي تبعث في نفس السائق والركاب السكينة والجمال الروحي) إذ يعبر الكثير من البلدات والقرى الجميلة، ويعيش على مدى مسافة الطريق التي تستغرق معه نحو الثلث ساعة طقسا ريفيا أخاذا، ويسلك مع سيارته دروبا تحفها الأشجار الوارفة الظلال، وسيشاهد وهو يعبر بالسيارة الكثير من المطاعم والمسابح والمنشآت السياحية الرائعة، التي اشتهرت منذ سنوات طويلة، وما زالت تقدم خدماتها للسياح الراغبين في قضاء ساعات في أحضان غوطة دمشق قبل أن يصل للجسر الخامس وبعده السابع حيث تتواجد المنشآت السياحية الضخمة.

«الشرق الأوسط» تجولت في أهم هذه المنشآت وأكبرها وأجملها، والملاحظ هنا أنه على الرغم من وجود بعض التشابه في ديكوراتها المعمارية المميزة، وخاصة في مجال المطاعم التي تضمها، وتتشابه هي الأخرى بتقديم المأكولات الشرقية والغربية بمختلف أشكالها وأنواعها, ولكن هناك خصوصية لكل منها تميزها عن غيرها، كما أن البعض منها تفرد بتقديم خدمات سياحية لم تكن معروفة من قبل، كما حاول البعض من أصحابها التميز من خلال تقديم خدمات للسياح والزوار بمواصفات راقية، كما تقدم عروضا متنوعة فترة الأعياد لمرتاديها، مع برامج فنية مميزة في الصيف والمناسبات والعطلات الأسبوعية، ومن هذه المنشآت هناك «الأرض السعيدة» أو الـ«هابي لاند»، التي تعود لأحد المستثمرين السعوديين، وقد انطلقت قبل نحو 15 سنة، كأكبر مدينة ملاهي سورية ومن أضخم المنتجعات السياحية من فئة الأربعة نجوم على طريق مطار دمشق الدولي، والأرض السعيدة تضم الكثير من الشاليهات للإقامة فيها خدمة للسياح، وهناك المسابح الواسعة، وتلك التي تقام بها الألعاب المائية، إضافة إلى مدينة الملاهي الضخمة التي تستقطب الكبار والصغار ليعيشوا دقائق يمتزج فيها الخيال والحلم بالواقع، وهم يحلقون بين الأرض والسماء داخل ألعابها الحديثة ومتاهاتها التي تشبه مدن الملاهي العالمية المعروفة، ويعرف أصحاب وإدارة «الأرض السعيدة» أنها بقعة مضيئة في خارطة السياحة السورية ترسم على وجوه الأطفال إشراقة الأمل وضحكة الفرح، لما فيها من وسائل التسلية والمرح، ليس للصغار فقط بل لكل الأعمار، وتشكل عاملا لاستضافة السياح من العرب والأجانب، وتعتبر مجمعا سياحيا متكاملا يحتوي على نشاطات متعددة، ومنها: ألعاب، مطاعم، شاليهات، مسابح، ألعاب مائية، ومضمار سباق سيارات (الكارتينغ) هو الأكبر في سورية.

في الطرف المقابل للأرض السعيدة وحيث يلتقي طريق الغوطة مع أوتوستراد المطار، توجد منشأة سياحية متميزة وهي «سكي لاند»، التي تعتبر المنشأة الوحيدة في العاصمة السورية التي أدخلت التزلج على الجليد لزوارها، والداخل للـ«سكي لاند» ستدهشه بالتأكيد ديكوراتها الجميلة ونموذج السفينة الضخمة التي يمكن الجلوس داخلها وتناول طعام الغداء أو العشاء مع مشاهدة المتزلجين على الجليد وهم يتنافسون مسرعين، وحتى يمكن للزائر أن يجلس حول حلبة التزلج أو في الشرفات العليا ويشرب كأس شاي ساخن، أو فنجان قهوة، فالجو داخلها بارد وكأنك في فصل الشتاء، مع أنك قد تكون في شهر أغسطس (آب) الحار، ومع كأس الشاي يمكنك أن تشاهد البعض من المتزلجين يتساقطون أو يمسكون بيد المدرب الموجود لخدمتهم حتى لا يقعوا، باعتبارهم لم يتعلموا بعد فن التزحلق على الجليد برشاقة وليونة، ويمكن للزائر أيضا أن يتسوق من الـ«سكي لاند» بما يرغب من بضائع إذ يتواجد فيها مول تجاري كبير، ونخرج من الـ«سكي لاند» لنتجول أيضا في المنتجعات المتجاورة في نفس المنطقة، حيث هناك مطعم ومنشأة «القرية»، الذي يتصل مع الـ«سكي لاند» بباب واسع يمكن للزوار أن ينتقلوا بينهما دون الحاجة للخروج للشارع، و«القرية» مطعم كبير يعيش فيه الزائر طقوس القرية، بجانب البحيرات ونوافير المياه والأشجار المكتظة التي تعطي المكان سكونا وهدوءا، كما تضم «القرية» أماكن لتسلية الأطفال، وقاعات ألعاب حديثة للصغار والكبار.

نقطع الشارع الذي يعج بسيارات الزوار والسياح، وخاصة أولئك القادمين من الخليج، وننتقل إلى الطرف المقابل لندخل في زقاق واسع يضم الكثير من المنتجعات المهمة، ومنها «الريان» و«بوابة دمشق» الشهير الذي دخل قبل سنتين موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية كأكبر مطعم في العالم، وإن كان البعض ينظر إليه على أنه مطعم؛ فالبعض الآخر يراه بما يحويه من أقسام وجلسات وصالات منتجعا سياحيا رائعا يمكن للزائر أن يجلس فيه ساعات دون أن يمل، وأن يتنقل بين أجنحته ويقف متأملا شلالات المياه الضخمة التي تنبثق من كل جدار، ويمكن للزائر أن يتسوق من بسطاته التراثية التي يحرص أصحابها على عرض وبيع المنتجات الدمشقية الفلكلورية، لتتميز عن غيرها من الأسواق الموجودة في المنتجعات الأخرى، وليس بعيدا عن بوابة دمشق هناك «إسطنبول» القريب من الريان، الذي وجد خطا خاصا به، وهو تقديم كل ماله علاقة بتركيا من الطبخ وحتى الحفلات الفنية، مع مناظر رائعة وجميلة وديكورات يكاد الزائر يصاب بالدهشة، وربما تساءل كم هي مبدعة تلك اليد البشرية التي قدمت كل هذه الروعة في هذا المكان الواسع. ونعود إلى الشارع العام.. نتجه بالسيارة نحو الجسر الخامس من طريق المطار، وقبل أن ننعطف يمينا يظهر لنا منتجع ضخم آخر، وهو «الغابة»، الذي أراد أصحابه تمييزه عما حوله من منشآت سياحية، فجعلوه متكاملا، فالزائر يقضي يومه فيه يتنزه بين غاباته الكثيفة، ويمكنه أن يدخل في العمق قليلا ليكتشف حديقة الحيوانات التي تعتبر أضخم حديقة حيوانات في سورية، حيث يوجد في أقفاصها كل أنواع حيوانات العالم تقريبا، ويمكن للزائر أن يتسوق من سوقها البسيطة، ولكن المتميزة بما تبيعه، فهناك مثلا غزل البنات الذي يحضّره شابان أمام الزائر مباشرة، وهناك بائع البوشار بعربته المتميزة، وبائعو عرانيس الذرة حتى يكاد الزائر وهو يتجول في السوق يظن نفسه أنه في مهرجان كرنفالي كالذي كانت تنظمه محافظة دمشق في ساحة القلعة التاريخية.

نعود لطريق المطار متجهين نحو الجسر السابع حيث وجهتنا، المنتجع الشهير «القرية الشامية»، الذي، وعلى الرغم من عمره الذي لا يتجاوز الخمس سنوات، فإنه تمكن من تحقيق جذب سياحي كبير جدا، حيث صور فيها الكثير من مسلسلات البيئة الشامية، وخاصة مسلسل «باب الحارة» الغني عن التعريف، حيث صور في حارات القرية الشامية، التي صممت كما لو أنها حقيقة حارات دمشق وأزقتها وجاداتها القديمة، التي صارت تستقطب الكثير من زوار دمشق لمشاهدة بعض المشاهد التي تصور فيها، أو ليشاهدوا المكان الذي جمع نجوم هذا العمل التلفزيوني الأكثر مشاهدة في العالم العربي, وبالطبع فإن أصحاب المنتجع حرصوا على أن يكون متفردا ومتميزا، فجعلوا منه صورة عن دمشق القديمة بكل حرارة أسواقها؛ من الحميدية وحتى مدحت باشا وحميمية حاراتها، ودفء بيوتاتها القديمة وقصورها ومتاحفها، كقصر العظم والمتحف الذي يعرض مجسمات لحرفيي دمشق الماهرين، كمصنعي الجلديات والزجاج والنحاس وغيرها، حتى تخال نفسك وأنت تتجول في القرية الشامية كأنك في قلب الشام القديمة، فالمحلات في القرية تشابه تلك التي تعود لمنتصف القرن التاسع عشر، وكأنك في سوق مدحت باشا. وهناك الحارة الشامية التراثية التي تضم نماذج لـ«باب الحارة»، والمحكمة، والمخفر، والسجن، ودار الكتّاب (مدارس أيام زمان)، وهناك نماذج لفرن الحارة، وبائع الفول، وصانع كراسي القش، والداية، وبائع البوظة (الإيما)، والمصور، والعطار والمنجد، والخياط، بالإضافة إلى مجلس صلاح الدين الأيوبي، ونموذج لقلعة دمشق التاريخية، وكالمنتجعات الأخرى يوجد في القرية الشامية سوق للتسوق خدمة للزوار والسياح.

وأنت تعبر المنتجعات الكثيرة لا بد أن تستوقفك منشآت سياحية مهمة، سواء على جانبي طريق المطار أو في طريق الغوطة الشرقية الموازي له، ومنها: السيران، والحديقة، الخضراء، والنجوم، والسيران، والسلام، والربيع، وأبو العز، وشلالات الغوطة، والورود، والطاحونة، وتنور الضيعة، وخمائل الغوطة، ونجمة الغوطة وغيرها. كذلك هناك عدد من الفنادق التي يمكن للسائح أن ينام فيها وفي النهار والمساء يمكنه أن يرتاد المنتجعات السياحية، ومن طريق المطار هناك «إيبلا الشام» وفندق «مطار دمشق» و«موتيلات الأرض السعيدة»، وجميعها من فئة الأربعة النجوم.