مصياف.. حيث يجتمع التاريخ والطبيعة الساحرة

من أهم المصايف السورية وأجملها

مصياف الحديثة من نوافذ التاريخ عبر قلعتها القديمة الاثرية
TT

مدينة مصياف الساحرة، على الرغم من أنها تتبع محافظة حماة الداخلية السورية فإنها تشكل همزة الوصل ما بين مناطق سورية الداخلية، وتحديدا المنطقة الوسطى، ومناطقها الساحلية، وهي تشكل مثلثا مع مدينتي حمص وحماة من خلال الطريقين اللذين يربطانها بهما حيث الوصول إلى مصياف للسائح المقبل من دمشق عن طريق حمص، ومن ثم إلى مصياف مباشرة، آخذا اتجاه الغرب، وهو طريق جميل تنتشر على طرفيه الأشجار، وتتناثر القرى والبلدات الريفية الجميلة، ويستغرق نحو الساعة بالسيارة؛ فطول الطريق نحو 50 كلم، في حين لو كان السائح قادما من حماة فهناك الطريق الذي يأخذه مباشرة من غرب حماة ليصل إلى مصياف خلال ثلاثة أرباع الساعة بالسيارة بمسافة نحو 40 كلم.

كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار تقريبا عندما وصلنا مصياف قادمين من العاصمة، بعد سير بالسيارة نحو الثلاث ساعات ونصف الساعة، توقفنا خلالها في استراحات معروفة على الطريق الدولي بين دمشق وحمص،كان الطقس في دمشق حارا جدا، وكذلك الأمر في حمص، مع موجة لم تشهدها من قبل كثير من مدن سورية في شهر أغسطس (آب)، نسائم مصياف العليلة ونحن نقترب منها قبل دقائق من وصولنا إليها جعلت السائق يوقف عمل مكيف السيارة لنفتح النوافذ ونستقبل الهواء الطبيعي النقي، إنه هواء مصياف المصيف الرقيق، نتوقف قليلا قرب أشهر منتزهاتها «الوراقة» الذي يوجد منذ أكثر من نصف قرن بأشجاره العملاقة رابضا في مدخل المدينة من الجنوب، يستقبلنا صديقنا عماد (المصياتي) - حيث درج سكان المدينة والمناطق المجاورة لها على إطلاق اسم مصيات بدلا من مصياف على المدينة كتسمية شعبية دارجة منذ عشرات السنين - يبتسم عماد مازحا وهو يرحب بنا قائلا: «ما رأيكم بصحن تين تأكلونه، فالآن موسم نضج التين، قبل أن نبدأ جولتنا في مصياف؟»، ونضحك قائلين له: «بالتأكيد سنأكل من تين مصياف اللذيذ، ولكن بعد أن نتناول طعام الغداء، الذي يشتهر المطبخ المصيافي بتقديم ألذ المأكولات منه»،كما تشتهر مصياف بأنها إحدى أهم مناطق زراعة التين في سورية، حيث تنتشر الأشجار المثمرة متدلية من البيوت الريفية الواسعة على الطرقات والأرصفة المتدرجة في الارتفاع بحاراتها الجميلة، ويمكن لأي زائر أن يتناول ثمار التين من أي شجرة، كما أن أهلها اشتهروا بمهارتهم في تجفيف التين لفصل الشتاء، خاصة بشكله اللذيذ المعروف شعبيا بـ«الهبول».

* ماذا يزور السائح في مصياف؟

* ننطلق مع عماد في جولة داخل مصياف، وعلى الرغم من أن النهار في منتصفه والفصل صيف، ولكن الطقس رائع يشعر الزائر أنه خارج الزمان والفصل الحار، ساعات من الجمال الآسر وأنت تتجول بين أزقة وحارات المدينة، ثمة شيء مركزي مرتفع تراه وأنت تتجول فيها. إنها قلعة المدينة التاريخية التي تتوسط المدينة القديمة شرق المدينة الحديثة قبل أن تتمدد حاراتها وبيوتها باتجاه الغرب والشمال والجنوب، والقلعة التي يفتخر المصيافيون بها كأهم معلم أثري في مدينتهم، شهدت أحداثا تاريخية مهمة لتدلل على أهمية المدينة التي تقع على مفترق الطرق ما بين الساحل والداخل، وهي من أجمل قلاع سورية المكتملة البناء، كما توجد القلعة على بقايا طبقات رومانية ترجع إلى نحو 44 قبل الميلاد، وقد بني الطابقان السفليان على قاعدة صخرية بيضاوية، فشكلا تصميما معماريا متميزا حتى اعتبرت القلعة، التي ازدهرت في العصور اللاحقة وحتى بدايات القرن العشرين شاهدا حقيقيا على تتابع أنماط العمارة العسكرية عبر العصور، وقد بني حول القلعة الكثير من الخانات والحمامات، كذلك هناك سور المدينة والأبراج والبوابات الأربع، الذي لا تزال بقاياه قائمة بارتفاع نحو 10 أمتار، وبعرض مترين، كما تبقى البابان الشرقي والجنوبي من بواباتها والقلعة بوضعها الحالي مقصدا مهما للزيارة من قبل السياح والباحثين التاريخيين، حيث جرى عليها أعمال ترميم واسعة قبل نحو خمس سنوات من قبل شبكة «الآغا خان الدولية للتنمية»، التي قامت أيضا بترميم السوق العتيقة القديمة في المدينة وحولتها إلى مكان سياحي يمكن زيارته والتجول فيه في أي وقت من النهار، حيث سقف بشكل تراثي جميل مشابه للأسواق القديمة المسقوفة في المدن السورية، كما يمكن للسائح زيارة مبنى السرايا التاريخي ذي الطابقين، الذي يعود تاريخ بنائه لعام 1882 وهو ما زال قائما، وهناك الكثير من المواقع الأثرية التي تجاور المدينة وتتبع لها إداريا، ومنها دير الصليب الذي يجاور قرية تأخذ الاسم نفسه وترتبط بمصياف بطريق معبد يتفرع من طريق حماة الرئيسي بنحو ربع ساعة بالسيارة، ويتكون المبنى الذي يعود للقرن الخامس الميلادي من كنيسة مبنية على طراز البازيليك، تحيط بها وحدات سكنية ومدافن، أشهرها مدفن مسقوف بقبة مبنية بالحجر، كذلك هناك قلعة القاهر، التي تقع على قمة جبل مرتفع غرب المدينة يجاور جبل المشهد وبالقرب منها بقايا قصر ومقام إخوان الصفاء وخلان الوفاء، الذين كتبوا رسائلهم الفلسفية المعروفة في هذا المكان.

* شلالات وأماكن طبيعية خلابة

* لعل الأبرز والأجمل في زيارة مصياف أنك وأنت تتجول فيها وفي مناطقها القريبة من المدينة لن تشعر بشيء اسمه الملل، فكما يمكنك أن تتجول في عمق التاريخ لساعات فإن المنطقة تتيح لك الاستمتاع لساعات وساعات في مواقع طبيعية فريدة ورائعة قد لا تشاهدها في مدن سورية أخرى بحيث تشكل زخما سياحيا لا مثيل له، مع وجود كمّ من هذه الأماكن الرائعة التي تشدك بكل طاقتك لتعيش لحظات من الراحة النفسية والاسترخاء الجسدي وأنت تزور شلالات (البيضا)، التي لا تبعد عن المدينة سوى 3 كلم جنوبا، حيث ترى أجمل ما وهبته الطبيعة للأرض، الماء متدفقا من الأعلى في واد تحفه الأشجار لتعيش روعة وسحر المكان بكل خلايا جسدك، وحتى وأنت تنزل نحو العمق مرافقا الشلالات في نزولها الأبدي تشعر بقشعريرة برد تجتاحك لتدلك على برودة وعذوبة مياه هذه الشلالات، ولن تحزن وأنت تغادر شلالات البيضا لأن ثمة شلالات رائعة في انتظارك، ولكن شمال المدينة، على طريق منتزهات أبو قبيس، وبمسافة ثلث ساعة بالسيارة.. إنها شلالات «اللقبة» الرائعة الساحرة الفانتة. ثمة شلالات أخرى ولكنها تظهر في المواسم بشكلها الرائع كحال شلالات منطقة الحليمات، حيث الاسم يدل على المعنى لتعيش الأحلام فيها وأنت مستيقظ، فلا مجال للنوم في مصايف مصياف الرائعة، ولا يمكنك حتى أن تغفو لدقيقة خوفا من أن يفوتك منظر طبيعي فريد فتتحسر على عدم مشاهدته، خاصة عندما تتجه غربا نحو المكان الأشهر والأروع والأجمل (بلدة وادي العيون) التي تبعد عن مصياف نحو العشرين كيلومترا، وتعبرها من خلال طريق جبلي تحيطه الأشجار والوديان والتلال، هنا في وادي العيون، تنسى نفسك تماما تحلق في فضاءات لا حدود لها وأنت تعيش كل هذا الجمال الطبيعي، وربما كل إشارات الدهشة والتعجب لا تكفي لتبين حالتك وأنت تسمع من أحد أصحاب المنتزهات في وادي العيون أن البلدة تغفو بين 350 نبعا وعين ماء، ومن هنا جاءت تسميتها لتدل على حالتها الفريدة، ولذلك تحولت البلدة بكل ما تمتلك من جمال آسر يخطف الألباب إلى مجموعة رائعة من المنتزهات والمقاصف السياحية.

في مصياف ومناطقها السياحية الفريدة تستطيع أن تنام وتأكل بعيدا عن ضجيج العاصمة والمدن الكبرى وتنسى مشاغل الحياة اليومية ومتاعبها وأنت في أحضان الطبيعة، ولذلك تتواجد الكثير من أجمل المنتزهات التي تشكل تجمعا سياحيا متكاملا، ففيها الفندق والمطعم والمقهى وأماكن تسلية وملاهي الصغار، ومنها متنزه الوراقة الذي يقع ضمن حدود المدينة الإدارية، ويضم نبعا عذبا تحيط به الأشجار، وفندق مصياف، وهناك متنزه الطاحونة في البيضا والخيام والزينة شمال مصياف على طريق بانياس، وهناك مطاعم ومنتزهات اللقبة وحيالين، أما في وادي العيون فهناك الكثير، ومنها: فندق الزورق الطائر (أبو سمرة السياحي) وشاهر وروضة الوادي وغيرها، كما تنتشر في وادي العيون البيوت المفروشة والفيلات المعدة لإيجار المصطافين والسياح في أي وقت من العام وتتميز بإطلالتها الرائعة على سحر الطبيعة، كما توفر للمقيم فيها كل ما يحتاجه من مقومات الراحة والخدمة.