آيرلندا تستقبل زوارها بـ«100 ألف أهلا وسهلا»

جزيرة زمردية ومسقط رأس الأدب والفن والثقافة

جانب من كلية «ترينيتي» في وسط دبلن
TT

في مقابلة أجريت مؤخرا مع الكوميدي والكاتب البريطاني المخضرم ومقدم البرامج السياحية، مايكل بايلن، الذي يعتبر من أعمدة عالم الكتابة السياحية المتخصصة في بريطانيا، سئل بايلن الذي زار غالبية بقاع العالم عما إذا كان زار آيرلندا، وكان الجواب: «لا»، معللا ذلك بأن هذا البلد قريب من إنجلترا فلم يجد الوقت لزيارته. وهذا الأمر ينطبق على كثير من محبي السفر الذين يؤجلون زيارة البلدان القريبة من أماكن إقامتهم إلى أجل غير محدد، وهذا الأمر ليس بغريب، ففي الكثير من الأحيان تفاجأ بمطعم مميز وقريب من منزلك لم تنتبه إلى وجوده من قبل، في حين تكون مستعدا للسفر مسافة آلاف الأميال لتناول وجبة عشاء قرأت عنها في أحد ملاحق ومجلات السياحة.

وهذا الأمر حصل معي، فبعد إقامة تعدت الـ14 سنة في لندن، لم أجد الوقت للذهاب إلى آيرلندا أو اسكوتلندا، لأنني دائما أسعى إلى زيارة البلدان البعيدة التي لا تشبه بلادي ولا البلاد التي أعيش فيها، وفي كل مرة أنوي زيارة آيرلندا أتردد وأقول: «ستكون نسخة طبق الأصل من إنجلترا»، وينتهي الأمر هنا. إلا أنني قررت زيارة جمهورية آيرلندا تلبية لدعوة من طيران الاتحاد الذي يسير رحلات مباشرة من أبوظبي إلى العاصمة دبلن، ومن شركة السياحة الآيرلندية، وكانت الوجهة دبلن، ومنها إلى كورك وعدد من المناطق والمدن الآيرلندية الأخرى الممتدة عند الساحل الجنوبي الغربي للبلاد.

وقبل موعد السفر التقيت صديقتي الآيرلندية آن ماري، التي تقيم في لندن، وأخبرتها بأني ذاهبة إلى دبلن فأجابت بلكنتها الآيرلندية المميزة: «كايدميلي فالتشي»، (Céad Mile Failte).

فنظرت إليها بتعجب قائلة: «ماذا؟»، فكان ردها هذه المرة بالإنجليزية: «One Hundred Thousand Welcomes»، أي: «100 ألف أهلا ومرحبا»، وشرحت لي صديقتي بأن هذه العبارة هي شعار الجمهورية الآيرلندية الناطقة باللغتين الإنجليزية والغيلية، وهذه العبارة هي باللغة الغيلية القديمة والأصلية في البلاد وهي لا تزال تدرس في مناهج الدراسة، ورغم أن استعمالها يقتصر على كبار السن وعلى بعض القرى النائية، فإن جميع اللافتات في الطرقات العامة تكتب باللغتين الغيلية والإنجليزية.

واختصرت صديقتي شرحها عن بلادها بكلمة واحدة «رائعة»، وأخذت كلمة صديقتي العزيزة بالحسبان وانطلقت في رحلتي إلى دبلن منطلقة من مطار هيثرو، وبعد مرور نحو الساعة من الطيران وصلنا إلى مطار دبلن الدولي، وها هي عبارة الـ«100 ألف مرحبا» تستقبلني.

دبلن هي عاصمة الجمهورية الآيرلندية، وآيرلندا تعتبر ثالث أكبر جزيرة في قارة أوروبا ويفصلها البحر الآيرلندي عن المملكة المتحدة ويحيط بها المحيط الأطلسي من الغرب. وغزا السلتيون آيرلندا قبل 2500 سنة، وجلبوا معهم لغتهم الأصلية وموسيقاهم وهذا ما يجعل الموسيقى في آيرلندا تحتل جزءا كبيرا من ثقافة البلاد التي تشتهر بالرقص الفلكلوري الآيرلندي بوتيرته السريعة وصوت وقع أقدام الراقصين والراقصات بأحذيتهم التي تتميز بقطعة من الحديد في أسفلها. وفي طريقنا من المطار إلى مكان إقامتنا في الليلة الأولى في فندق «ميريون» في وسط دبلن، احتفى بي السائق الآيرلندي اللطيف «جون» بتشغيل الموسيقى الآيرلندية، ظنا منه بأني لم أسمعها من قبل، كوني من أصول شرق أوسطية، وأمثل صحيفة عربية، فتحدثت معه عن هذا النوع من الموسيقى وعن الرقص الآيرلندي الشهير والراقص الآيرلندي الأشهر في العالم، مايكل فلاتلي، الذي لقب بـ«لورد الرقص»، وبدا جون مهتما جدا بالموضوع وراح يشرح لي تاريخ البلاد وتقاليدها ومطبخها المميز وطيبة أهلها الذين يوصفون بحبهم للحياة والضحك وإطلاق النكات، وبدأ بشرح اسم دبلن المشتق في الأساس من كلمتين هما: «داب» ويعني اللون الأسود باللغة الأصلية، و«لين» ويعني البحيرة أو البركة.

يطلق على آيرلندا لقب «الجزيرة الزمردية» نسبة لطبيعتها والخضرة الوافرة فيها، فعلى طول الطريق السريع، وصولا إلى قلب العاصمة دبلن، لا ترى إلا السهول والمراعي الخضراء والمزارع التي تنتج اللحوم والخضار، ولهذا يمكن القول إنه لا عجب أن تلقب آيرلندا بـ«بلاد الطعام»، فكل ما يقدم في مطاعمها محضر من مكونات محلية طازجة، وتشتهر الجزيرة بثروتها السمكية أيضا، ويعرف الآيرلنديون كيفية تقديم أطباق السمك للاستفادة من النوعية المميزة مع الخلطات المبتكرة، فهناك عدد لا بأس به في جمهورية آيرلندا من المطاعم الحائزة على «نجوم ميشلن للتميز».

الجميل في وسط دبلن هو أن الزائر يشعر تلقائيا بالراحة، فبمجرد الوصول إلى حديقة القديس ستيفين الخضراء، يمكنك أن تشعر بأن دبلن واقعة في قبضة يدك، فمن السهل اكتشافها بنفسك عن طريق المشي للوصول إلى كلية ترينيتي، التي تعتبر من أهم وأشهر الكليات حول العالم، وتضم معرض داغلس هايد، ومركز أوسكار وايلد، وصمويل بكيت، ويوجد في مكتبتها العملاقة كتاب «كيلز» الذي يجذب إلى الجامعة أكثر من نصف مليون زائر كل عام، ويعتبر من أعرق المخطوطات المكتوبة في العالم.

ومن الكلية تنطلق باتجاه ميدان ميريون الذي يضم أيضا مبنى البرلمان. ومن أهم ما يمكن أن تشاهده في دبلن أيضا تمثال «بائعة السمك» الأشهر في البلاد الحسناء مولي مالون، التي كانت تبيع السمك مثلها مثل غيرها من صيادي وبائعي السمك في قديم الزمان في وسط دبلن، وتوفيت مالون في سن مبكرة بعد إصابتها بنوع من أنواع الحمى. وأصبحت أغنية مولي مالون نشيدا وطنيا غير رسمي للبلاد تنشده الأجيال، وبعد وفاة مالون راح الآيرلنديون يحتفلون بيوم مولي مالون في الثالث عشر من يونيو (حزيران)، ويعتبر تمثال مالون التي تجر فيه عربة، من أهم نقاط الجذب في شارع غرافتون، الذي يعتبر من أشهر شوارع التسوق في وسط المدينة وهو مخصص للمشاة.

تزخر دبلن، التي ينتمي إليها أعلام الأدب العالمي، مثل: جيمس جويس، وجورج برنارد شو، وأوسكار وايلد.. بغزارة الفنون الهندسية والمعمارية الرائعة، فهي متحف تاريخي مفتوح ويساعد في التعرف إليه ود وألفة أهلها الذين تراهم على أهبة الاستعداد لسرد التاريخ والحكايات والافتخار بأعلامهم وثقافتهم، وفي أغسطس (آب) الماضي تمت تسمية دبلن مدينة الأدب والثقافة من قبل «اليونيسكو».

ولمحبي الفنون أنصحهم بزيارة معرض الفنون الوطني الذي يضم المجموعة الوطنية للفنون الآيرلندية وينظم جولات يومية برفقة مرشدين، مجانا شرط أن تقوم بالحجز المسبق. وعند حديقة ستيفن تقام المعارض الفنية في الهواء الطلق وهي فرصة لشراء بعض من أجمل التحف واللوحات. ويمر عبر وسط المدينة نهر ليفي الذي يقسمها إلى نصفين، شمالي وجنوبي، ويبلغ طوله 125 كيلومترا، ويصب في البحر الآيرلندي، وتربط الجسور المدينة بعضها ببعض، ومن أشهرها جسر صمويل بكيت الذي صمم على شكل القيثارة، وهذه الآلة الموسيقية هي بمثابة شعار مهم في آيرلندا. ويمكن الالتحاق برحلات منظمة في نهر ليفي للتعرف على تاريخ المدينة الحافل من خلال مرشد سياحي. وللأطفال هناك رحلة خاصة جدا عبر مركبة «الفايكينغ» البرمائية، وهي مشابهة لعربة «بطة لندن»، وهي عبارة عن مركبة برمائية تعبر شوارع وطرقات المدينة، ومن ثم تبحر في النهر لتعطي السائح والصغار فكرة واضحة عن المدينة من كل الجوانب. وخلال الرحلة المائية لا بد من التوقف عند مجسم طبق الأصل للسفينة التي تستعمل اليوم كمتحف، وهي تجسد المجاعة الشهيرة التي لحقت بآيرلندا عام 1840، والسفينة الأصلية نقلت نحو 2500 شخص من آيرلندا إلى العالم، وحينها توفي مليون آيرلندي من الجوع. وإحياء للذكرى الـ150 للمجاعة تم بناء المجسم للسفينة للحفاظ على الروابط التاريخية بين آيرلندا وكندا.

وعند ضفة النهر أيضا تصل إلى «برود ووك»، وهو عبارة عن ممشى من الخشب يطل على أجمل المباني في وسط المدينة.

ولمحبي التسوق، يعتبر شارع غارفتون من أشهر الشوارع في المدينة، وهو يوازي شارع أكسفورد في لندن، ويضم العديد من المحلات التجارية العالمية، بالإضافة إلى بعض المحلات الآيرلندية مثل «دانز» و«براون توماس»، وتجد فيه الماركات العالمية. ولمحبي التسوق في «قرى التسوق» المخصصة للماركات الكبرى بأسعار مخفضة لا بد من الذهاب إلى «كيلدير فيلاج» في مدينة كيلدير، ويمكن الوصول إليها عبر حافلات تنطلق من وسط المدينة وتعود إلى نقطة الانطلاق في أوقات معينة.

إذا أردت التوجه إلى دبلن فقط فلن يكون من الضروري تأجير سيارة، لأن المدينة صغيرة نسبيا ويمكن اكتشافها مشيا على الأقدام، أما إذا كنت تنوي التعرف على الأقاليم والأقسام الأخرى من البلاد فينصح بتأجير سيارة والذهاب في رحلة رائعة تمر خلالها في مناطق ريفية رائعة الجمال.

من أشهر فنادق وسط دبلن فندق «ميريون» www.merrionhotel.com، وفندق «شيلبورن» www.shelbourne-hotel.info، وبالنسبة للأكل، فتنتشر عدة مقاهي ومطاعم في الشوارع الرئيسية فستقف محتارا أمام الكم الهائل من المقاهي والمطاعم، وننصح بتناول ثمار البحر وأطباق السلمون الآيرلندي، وطبق السمك مع البطاطس، من دون أن ننسى تناول كوب من الشوكولاته الساخنة في محلات «باتلرز».

وعلى بعد 3 كيلومترات من وسط المدينة يمكنكم الوصول إلى متنزه فينيكس، وهو يعتبر أكبر حديقة في أوروبا من حيث المساحة الخضراء، وفيه ترى الغزلان والمواشي والخيول، ويضم المتنزه أيضا حديقة الحيوان، حيث يمكنك رؤية الفيلة والأسود التي أحضرت من أفريقيا، واللافت هنا أن الأسد الذي يظهر في بداية أفلام «ميترو غولدوين مايور» الهوليوودية هو أحد أسود حديقة الحيوان في دبلن.

ومن الزيارات المميزة أيضا، زيارة «ذا ناشيونال أيريش ستاد» في كيلدير أيضا، وفي هذا المكان تتعرف إلى طريقة تربية الخيول التي تدر ملايين الدولارات سنويا. وتأسست هذه المزرعة في عام 1946، وتلعب دورا مهما في تنمية سلالات الخيول، وبالإضافة إلى ذلك تعتبر من أهم نقاط الجذب السياحي للمنطقة، وتجد فيها أشهر خيول العالم من بينها تلك التي فازت في مسابقات عالمية مثل «كأس ملبورن العالمي». وبجانب المزرعة يمكن التجول في ثنايا الحديقة اليابانية المنسقة برونق جذاب، التي تضم غابات وبحيرات.

* دبلن في سطور

* تعتبر دبلن من أهم المعالم السياحية الأوروبية، وتتميز بنهضة فندقية عالية المستوى، كما تتميز بأجوائها الهادئة والرومانسية. وتسعى دبلن إلى منافسة لندن وجذب السائح العربي لأن القائمين على السياحة في الجمهورية الآيرلندية يرون أن دبلن تتمتع بمميزات كبيرة جذابة لدول مجلس التعاون الخليجي. لما تتمتع به من خدمات سياحية.

هيئة السياحة الآيرلندية وضعت خططا لجذب السائح الخليجي الذي يقصد لندن، وتشجعه على زيارة دبلن لأنها تتمتع بأجواء مختلفة عن بريطانيا، والسبب يكمن في كون الشعب الآيرلندي يتميز بطباع قريبة ومشابهة لتلك التي يتميز به العرب، فآيرلندا بلاد محافظة وتسودها الأجواء والروابط العائلية، كما أنها منفتحة على باقي الثقافات والشعوب.

* معلومات عامة العملة: اليورو.

اللغة: الإنجليزية والغيلية.

عدد السكان: 3.9 مليون نسمة.

التوقيت: غرينتش.

المساحة: 84.421 كم.

أشهر الأطباق: «كولكانون»، وهو عبارة عن ملفوف مع البطاطس المهروسة.

أشهر الاحتفالات: عيد القديس باتريك.

فيزا: شينغين.

لاسترجاع الضريبة الإضافية يمكنكم زيارة الموقع: www.globalrefund.com.

* عناوين مهمة www.discoverireland.com www.dublinzoo.ie www.irishnationalstud.ie www.brownthowas.com www.dundrum.ie www.kildarevillage.com www.etihad.com