جنوا.. جمهورية البحر القديمة

زهرة من زهور الحضارة والعمران

مرفأ مدينة جنوا الايطالية الساحلية
TT

يطلقون عليها اسم «الرائعة» (la Superba)، لكثير من الأسباب، وعلى رأسها هذا التاريخ الحافل والمجيد لمدينة من المدن التي ساهمت منذ القرن الثاني عشر في تشكيل الحضارة الأوروبية المتوسطية والهوية الإيطالية لاحقا، لا على صعيد التوسع والسيطرة والاكتشافات، بل على صعيد الفنون والعمران والموسيقى والطعام والتراث بشكل عام.

هذه المدينة هي مدينة جنوا الإيطالية الشمالية، الغنية عن التعريف، وقد اعتبرت منظمة اليونيسكو وسطها القديم والتاريخي والمهم من المناطق التي تفرض حمايتها والحفاظ عليها كتراث عالمي قبل أربع سنوات. وقبل ذلك بسنتين اعتبرت عاصمة أوروبا الثقافية.

وهذه المدينة المهمة ثقافيا، لا تزال من أهم المدن أو المراكز الإيطالية الاقتصادية، خاصة في القطاعات السياحية والصناعية والأزياء والبضائع الفاخرة، ففيها أحد أقدم البنوك في العالم؛ بنك «سانت جورج» الذي يعود تاريخه إلى بدايات القرن الخامس عشر، وتضم أهم الشركات الإيطالية والدولية. والأهم من هذا وذاك أنها أحد أقطاب المثلث الصناعي الكبير في شمال إيطاليا وهو مثلث «ميلان - تورين - جنوا».

ويصل عدد سكان هذه المدينة الرائعة الجميلة التي تعتبر من المحطات السياحية الإيطالية والأوروبية الضرورية والرئيسية، على صغرها نسبيا، إلى نحو مليون نسمة، وهي جغرافيّا تحت إبط الجهة الغربية الشمالية من إيطاليا القريبة من اليونان، وتعتبر عاصمة إقليم ليغوريا ومقاطعة جنوا.

ولأنها بحرية جبلية الطبع أو عبارة عن مدينة توسعت حول مرفئها الرئيسي منذ سنوات طويلة، فهي تحتضن أهم المرافئ الإيطالية وربما مرافئ البحر الأبيض المتوسط على الكثير من الصعد اللوجستية والسياحية. وقد مر عبر المرفأ الرئيسي أكثر من 2.7 مليون شخص عام 2007 وحده. ويستقطب المرفأ القديم الذي يطلق عليه الإيطاليون اسم «بورتو انتيكو» - وحده أيضا - ما لا يقل عن 1.7 مليون سائح في السنة. وقد قام المعماري المعروف رينزو بيانو قبل سنوات بتطوير المنطقة وتحديثها وإعادة ترميم مبانيها التاريخية المسجلة والمحمية. كما قام بيانو بإضافة معلم جديد إلى المنطقة وهو «الإيكواريوم» أو حوض الحيوانات البحرية ومعرض البحار، وما يعرف أيضا بالـ«بولا».

من معالم المدينة السياحية الرئيسية بالطبع ساحة دي فيراري الرائعة التي تتوسطها نافورة المياه الدائرية التي تعتبر تحفة من تحف العمارة (تضم دار الأوبرا)، كاتدرائيات وكنائس كثيرة ومهمة منها؛ «كاتدرائية المدينة - سانت لورانس»، «وسان دوناتو» و«سانتو ستيفانو» و«سانت أوغسطينو» و«سان توربي»، ومعظمها على طراز عصر النهضة الرومانسي وبعضها على الطراز الباروكي. ومن القصور، القصر الملكي بالطبع وقصر الدوغز ومنزل كريستوفر كولومبوس كما يقال؛ إذ إنه من أبناء المدينة الكثيرين الذين لمعوا في عالم الاكتشافات والفنون والفضاء والبحار وغيره. أضف إلى ذلك قصر «سترادا نوفا» الذي تحميه منظمة اليونيسكو ويعتبر تراثا عالميا، ويعود القصر إلى إحدى العائلات المهمة الحاكمة في القرن السادس عشر، وقصر روسو الذي تحول إلى متحف وقصر بيانكو الذي يعتبر من أجمل مباني المدينة القديمة، ويضم واحدة من أفضل صالات عرض الفنون في إيطاليا. ويصعب عدم ذكر مقبرة «مانيومانتال دي ستاغليونو» (Cimitero monumentale di Staglieno) التي تنتشر على مساحة كيلومتر مربع، وتضم نخبة من التماثيل الرخامية الإيطالية الكلاسيكية، وهي من أكبر المقابر في أوروبا وأهمها من الناحية الفنية ويستوحي المعماري الذي صممها كارلو بانابينو مبنى البانثيون أو معبد الآلهة المعروف في تصميمه للمقبرة. وتضم المقبرة أضرحة لكثير من الشخصيات الارستقراطية والمهمة؛ ومنها زوجة الكاتب الآيرلندي أوسكار وايلد وكونستانس لويد وضحايا الجيش البريطاني أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد زارها الكاتب الأميركي الشهير مارك توين.

وهناك في المدينة أيضا، متحف الفنون الشرقية (The Edoardo Chiossone Museum of Oriental Art) الذي يضم أكبر مجموعة من الفنون الآسيوية في أوروبا (15 ألف قطعة) ويركز المتحف على الفنون اليابانية والصينية والتماثيل وقطع الخزف والأواني البرونزية والمطبوعات والدروع وخوذ وملابس الساموراي. وهناك الكثير الكثير من الحدائق العامة والخاصة التي تعتبر فرصة نادرة للسياح؛ ومنها ما هو خاص يعود إلى فيلات وقصور خاصة، ومنها ما هو عام حول المدينة وفوقها وفي وسطها، ومعظمها حدائق تاريخية مهمة وأهم الحدائق: «نيرفي» و«فيليتا دي نيغرو» وفيلا «دوريا» و«فيلا إمبريالي» و«فيلا بومبريني» وفيلا «دورازو بالافيتشيني» المبنية على الطراز الإنجليزي الرومانسي. وتعتبر حديقة هذه الفيلا التي تتوسطها برك المياه من أجمل حدائق إيطاليا التي تعود إلى القرن التاسع عشر. ولا يمكن للسائح أيضا أن يخطئ بوابة «سوبرانا» التي يعود تاريخ بنائها إلى القرون الوسطى.

تاريخيا، تشير المعلومات المتوفرة إلى أن جنوا بدأ رحلتها في قديم الزمان وقبل أكثر من 3000 سنة مع استيطان قبائل الليغوريين الإيطاليين. وفي حين تعتبر المقبرة القديمة شاهدا على مرور الإغريق على المدينة، فإنه يعتقد أن الفينيقيين هم الذين أسسوا المرفأ القديم؛ إذ عثر علماء الآثار الإيطاليين على مخطوطات بأبجدية قديمة مشابهة للأبجدية الفينيقية التي كانت تستخدم في مدن صيدا وصور وعكا وغيرها. ويبدو أن المدينة أيضا كانت جزءا من الحضارة السلتية قديما. وأيام الرومان كانت تحت سيطرة مرسيليا وبعدها وعندما أصبحت حليفة للإمبراطورية الرومانية دمرها القرطاجيون أو الفينيقيون الأوائل في ما كان يعرف بالحروب القرطاجية في المتوسط ومن شمال أفريقيا إلى تركيا. وبعدها أعيد بناء المدينة من جديد وتوسيعها وتحسين حظوظها التجارية مع الجلود والعسل وغيرهما. ومرت بعد ذلك من تحت السيطرة الرومانية إلى السيطرة القوطية أو سيطرة قبائل من السويديين الإسكندافيين إلى سيطرة اللمبارديين الإيطاليين وضمها لاحقا إلى الإمبراطورية الفرانكية الكونت كارولنجي الذي قضى في حروبه ضد المسلمين في جزيرة كورسيكا القريبة نهاية القرن الثامن.

وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار، إن المدينة بعد ذلك كانت تعيش على الصيد ورويدا رويدا بنت أسطولا بحريا ممتازا وكبيرا بالنسبة لما كان موجودا في المتوسط آنذاك، وترافق بناء هذا الأسطول مع تعزيز موقع المدينة المصرفي والمالي. وفي القرن العاشر كانت جنوا أول المدن الإيطالية التي تمنح حق المواطنة. وفي القرن الثاني عشر وفي عز المدينة التجاري والبحري أصبحت جنوا مدينة مستقلة أو دولة مستقلة كغيرها من المدن الإيطالية كالبندقية وفلورانس وبيزا التي يطلق عليها الجمهوريات البحرية. وبعد اشتداد عود جنوا، سيطرت على المناطق المجاورة ومنها جزر كورسيكا وسردينيا في الجنوب وعلى البحر التيراني بشكل عام. وفرضت تلك السيطرة الحاجة إلى الدخول في الحروب والحملات الصليبية على المشرق وشن كثير من الحملات باتجاه القدس والمدن الساحلية في لبنان وفلسطين ولهذا أيضا أسست لاحقا بعض المستوطنات في المشرق العربي وشمال أفريقيا. وقد ساعد التحالف الجنوي البيزنطي بعد أفول نجم الممالك الصليبية لاحقا في توسيع سلطان المدينة باتجاه مناطق البحر الأسود وشبه جزيرة القرم التي تضم أوكرانيا حاليا. ولم تطوِ جنوا صفحة السيطرة والتوسع إلا مع إخضاع منافساتها من الجمهوريات الإيطالية المهمة آنذاك، خاصة جمهورية بيزا عام 1284 والبندقية عام 1298. وبعد الطاعون، أو الموت الأسود كما يطلق عليه في أوروبا في القرن الرابع عشر، بدأ التراجع الكبير للمدينة وحياتها التجارية والبحرية والمالية الصاخبة وخسرت الجزر المجاورة للفرنسيين وأراغون وتسلم العثمانيون المناطق التي كانت تسيطر عليها المدينة في لبنان وسورية وفلسطين وليبيا ومصر والمغرب العربي عامة. لكن عاد كريستوفر كولومبوس الذي يعتبر أحد أبنائها المشهورين، ومنحها بعض القوة لاحقا مع تبرعه بمبالغ طائلة لمصرف «سان جورجو» في المدينة وتعزيز العلاقات مع إسبانيا منتصف القرن السادس عشر.

من فنادق جنوا: فندق «بانتلي» (Bentley Hotel) - العنوان: Via Corsica, 4, 16128 Genoa - عدد الغرف 99: من فئة 5« نجوم» - ابتداء من 100 يورو لليلة الواحدة - جزء من سلسة فنادق «تورين». يصعب أن يخطئ السائح مبنى البانتلي الرخامي العريض المرصع بشبابيك من طراز الـ«آرت داكو» قرب مركز المؤتمرات في المدينة في فيا كورسيكا. وقد تم إعادة تأثيثه وتحديثه قبل سنوات، والحفاظ على معالمه الأساسية التي صممها المعماري كروسا ديفير غاغني، مع نفحة فاخرة تجعل منه واحدا من أهم فنادق المدينة. وهو أيضا قريب من حوض السمك والمتحف البلدي ومتحف التاريخ الطبيعي وغيره من معالم المدينة المهمة إضافة إلى مراكز التسوق. ويقدم الفندق الذي يضم نخبة من مطاعم المدينة الفاخرة، خدمات على مدار الساعة مع صالات للتمارين وبرك السباحة والجاكوزي والحمام التركي.

فندق «غولدن توليب موديرنو فيردي» (Golden Tulip Hotel Moderno Verdi) - العنوان: Piazza G. Verdi 5, 16121 Genoa - عدد الغرف: 87 غرفة - من فئة «4 نجوم» - ابتداء من 75 يورو لليلة الواحدة - جزء من سلسة من الفنادق. على الرغم من أن هذا الفندق الإيطالي التقليدي من فنادق وسط المدينة التجاري، فإن يعتبر هادئا نسبيا، ومع هذا، فإنه يتمتع بخدمات وغرف مريحة، وهو قريب جدا من محطة قطارات بريغنول وجميع وسائل المواصلات المهمة ومركز المعرض التجاري الدولي ومركز المؤتمرات والمسارح والحانات والمطاعم والمتاجر وغيره من معالم المدينة السياحية.

فندق «بريستول بالاس» (Hotel Bristol Palace) - العنوان: Via XX Settembre 35, 16121 Genoa - عدد الغرف 133 غرفة - من فئة «4 نجوم» - ابتداء من 70 يورو لليلة الواحدة. هذا أيضا أحد الفنادق المعروفة والتاريخية في وسط المدينة، ومعروف جدا بمبناه الجميل الذي يشبه مباني فنادق وسط لندن الفيكتورية الطراز، القريب من بيزا دي فيريري. ومن المعروف أن غرف الفندق مجهزة بكل خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية والتلفزيون وحيطانها عازلة للصوت. ويشتهر الفندق بدرجه الرخامي الأحمر المرتفع والرائع الذي يشبه دوامة هيتشكوك. وبشكل عام، الفندق أنيق وفاخر نسبيا يقدم كل الخدمات التي تقدمها فنادق جنوا الأخرى وفيه مطعم خاص ومقهى يمكن للسياح الاعتماد عليهما أحيانا.

فندق «غراند سافويا» (Grand Hotel Savoia) - العنوان: Via Arsenale Di Terra, 5, 16126 Genova - عدد الغرف: 117 - من فئة «5 نجوم» - ابتداء من 100 يورو لليلة الواحدة - جزء من سلسلة «بلانتيريا» للفنادق. لا يبعد هذا الفندق الرائع والأنيق والفاخر أكثر من 500 متر عن محطة جنوا للقطارات وبالقرب من المرفأ وحوض السمك الذي يعتبر الأكبر في أوروبا. ويعرف الفندق الجميل برخام أرضه في القاعة الرئيسية الجميلة أيضا ويقدم كل خدمات الإنترنت والتلفزيون وغيره من صالات التمارين الرياضية والجاكوزي والساونا. وهناك حديقة رائعة ومكان خاص للأطفال. وتطل غرف الفندق على مناظر رائعة من المدينة وهي مصممة بتصاميم عصرية فاخرة ومريحة للعين والجسد.