كورينثوس.. مدخل العالم إلى شبه جزيرة البيلوبونيز الخصبة

تاريخ حافل من الاستعمار والعمار

من معبد أبوللو القديم يمكن رؤية جبل أو صخرة اكروكورينثوس الرائعة والهائلة التي تطل على المدينة القديمة كلها
TT

كورينثوس (Corinth) من المدن اليونانية المغمورة، التي لا يسمع عنها كثيرا بسبب الجزر وشهرتها وكثرتها والمدن الرئيسية الأخرى والغنية بالمعالم الأثرية والسياحية في البلاد مثل العاصمة أثينا وسالونيكي وبترا وغيرها. إلا أنها من المدن الهامة على الخريطة السياحية الداخلية والخارجية، إذ تعتبر بوابة اليونان وأثينا العاصمة على منطقة أو شبه جزيرة البيلوبونيز حقا في الجهة الجنوبية الغربية من البلاد، وهي منطقة مشهورة بجمالها وروعة مناطقها وبلداتها والجزر الصغيرة القريبة منها جنوبا أيضا كبوروس وهيدرا وسباتسي وكثيري وزانتي وكفالونيا واتيكا في الشمال. كما تضم المنطقة مدنا تاريخية مهمة مثل إسبارطة وباترا وبيرغوس وكلاماتا التي تشتهر بسهولها الخيرة والمعطاءة ومنتجاتها الزراعية الممتازة. وهي لا تقل أهمية بالنسبة لليونان زراعيا عن أهمية سهل البقاع للبنان. وعادة ما يقصد السياح قناة كورينثو التي تمر ببرزخ كورينث على الجهة الشرقية من المدينة. وتفصل القناة شبه جزيرة البيلوبونيز عن الوطن الأم والمناطق القريبة من أثينا لدرجة أنها فعلا تجعل منها جزيرة مستقلة. والقناة المائية الضيقة هذه تصل بين خليج كورينث والخليج السوراني في بحر إيجة، وبطول ستة كيلومترات. وقد تم بناؤها وشقها نهاية القرن التاسع عشر، بعد افتتاح قناة السويس في مصر عام 1871. وهي كثيرا ما تجذب السياح اليونانيين والسياح الأجانب على حد سواء لجمال المنطقة وعمق القناة الذي يصل إلى أكثر من خمسين مترا، فيقفون عادة على ضفتيها الشرقية والغربية يتأملون البواخر العابرة من علو شاهق. وتعتبر تجربة المنطقة الذي تضم الكثير من الخدمات السياحية مثيرة، فهي مشروع تاريخي بدأ منذ القرن الرابع ما قبل الميلاد. ويقال إن أحد حكماء اليونان السبعة وثاني ملوك كورينثوس برنارد الذي كان على علاقات طيبة مع مصر القديمة ومملكة ليديا، هو أيضا كان أول من فكر في شق القناة بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد. وحاول تنفيذ المشروع بعده يوليوس قيصر قبل اغتياله، لكن ذلك لم يتم حتى مجيء نيرو في روما، الذي يقال إنه قام بنقل أول سلة من التراب المحفور لإنشاء القناة، لكن المشروع الهندسي الطموح توقف بعد موته. ويقال أيضا إن الإمبراطورية الرومانية استخدمت أكثر من ستة آلاف سجين حرب يهودي للبدء بعمليات الحفر قديما. ويمر في هذه القناة الرائعة والجميلة أكثر من 11 ألف سفينة سنويا، ما يعطي سياح المراقبة البحرية على الأرجح مجالا رحبا طيلة العام. وعلى أي حال فإن مدينة كورينثوس عاصمة المنطقة التي تحمل اسمها في سهل فوخا (Vocha) محاطة بالبلدات الساحلية الجميلة والمعروفة، ومنها ليخايو القديمة والصغيرة التي تضم أيضا مطارا صغيرا وقديما بناه الألمان أيام الحرب العالمية الثانية.

وتصل البلدة بكورينثوس عبر طريق تاريخي حجري منذ أيام إسبارطة بطول 5 كيلومترات. وهناك بلدة كيخريياس أيضا المعروفة، التي لا تبعد أكثر من سبعة كيلومترات جنوب غربي المدينة التي في جنوبها يمكن التمتع بسلسلة جبال أونييا. وتعرف كيخريياس بمزروعاتها الممتازة وأرضها الخصبة كمعظم مناطق جنوب البيلوبونيز، مثل الزيتون والعنب والتين وشتى أنواع الفاكهة. وهناك أيضا بلدات اكساميليا واسثميا الصغيرة والهادئة والتي فيها بعض الساحات والكنائس والمقابر والبساتين اليونانية الرومانية القديمة. ومن معبد أبوللو القديم يمكن رؤية جبل أو صخرة اكروكورينثوس، أو كورينثوس العليا حسب الترجمة اليونانية، الرائعة والهائلة التي تطل على المدينة القديمة كلها. ويقال إنه تم بناء أول اكروبوليس في اليونان في العالم القديم على قمة الجبل. واكروبولوس نفسها تعني المدينة الأعلى. وفي النهاية كانت قمة الصخرة أو الجبل كما هو الحال في القدس وروما القديمة وأثينا ومدينة آرغوس وطيبة، مدينة متحضرة تطل على المناطق المحيطة بها، ولا تزال آثار مدخل المدينة وأسوارها العالية والضخمة التي أعاد بناءها أهل البندقية في قديم الزمان ماثلة للعيان وشاهدا على المكانة الخاصة التي تمتع بها المدينة في تاريخها الطويل والحافل. كما لا تزال أعمدة معبد أبوللو القديم السبعة أيضا ماثلة للعيان، ويعتبر موقعها واحدا من أجمل وأكثر المشاهد الأثرية الكلاسيكية في اليونان وأقدمها أيضا. ويقال إن المعبد كان يتألف من أكثر من 38 عمودا، أي أنه كان ضخما كما هو حال المباني التاريخية في اليونان القديم.

وتقول الموسوعة الحرة في هذا الشأن إن الاكروبوليس مبني على جبل كلسي مؤلف من صخرة وحيدة ويرتفع بشكل حاد من جهة المدينة القديمة الجنوبي، ويعتبر أحد أمنع الحصون أو القلاع الطبيعية في أوروبا قاطبة، إذ حاول السيطرة عليه كل غزاة شبه جزيرة البيلوبونيز عبر التاريخ وكانوا كثيرين. وتوجد كما تقول الموسوعة في الاكروبوليس تحصينات بيزنطية وأخرى إفرنجية وغيرها من التحصينات الفينيقية والتركية المتداخلة، بعضها في بعض. كما يضم الاكروبوليس أيضا عددا من المباني المقدسة مثل معبد أفروديتي «وحجر بيزنطية ومسجد تركي مهدم» وأبراج للمراقبة.

وعلى أي حال فإن أمام السائح خيارات تاريخية كثيرة تتعلق بمواقع المدينة القديمة من كورينثوس الكلاسيكية اليونانية إلى كورينثوس البيزنطية ثم الرومانية والتي تنتشر على مساحة واسعة.

ومن معالم المدينة التي يصل عدد سكانها إلى أكثر من أربعين ألف نسمة والتي تذكرها الموسوعة الحرة، هي الفلل الرومانية والمسرح أو الأوديون ونافورة بيرينه الرائعة والعريضة والمبنية «عند بداية انحدار صخرة الاكروكورينثوس على نبع ماء غزير». ونافورة غلاوكا أو خزان مياه كورينثوس القديم والمعبد المخصص لجوبيتر كابيتيليوس أو أوكتافيا المحاط بالمباني الإفرنجية القديمة. أضف إلى ذلك بالطبع متحف الآثار العام الذي يضم مجموعة ممتازة من القطع الأثرية الخاصة بالمنطقة الغنية بالتاريخ والتي شهدت حروبا وصراعات كثيرة من الحروب بين اليونانيين أنفسهم إلى حروب الفرس وغيرهم من الرومان والبيزنطيين.

على أي حال فإن تاريخ المدينة يعود إلى العصر الحجري الحديث وربما إلى ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وتقول الخرافة إن مؤسس المدينة هو كورينثوس، أحد أحفاد إله الشمس هيليوس الذي تقول الأساطير إن ابنه فايثون أحرق العالم ذات مرة.

ولان المدينة كانت تحمل اسم ايفيرا قديما يقال أيضا إن ايفيرا بنت تايتان أوشانيوس هي التي أسست المدينة. وقد بدأت المدينة بصناعة القوارب الثلاثية المجاديف العسكرية الحربية التي كان يستخدمها الفينيقيون أيضا ويطلق عليها اسم «ترايريمي»، قبل الفترة اليونانية الكلاسيكية. وانتشرت هذه القوارب بجميع الاتجاهات في المتوسط حتى مجيء الرومان، كما كانت المدينة أيضا مسرحا لأول المعركة البحرية في التاريخ التي تم تسجيلها وتوثيقها ضد مدينة كيركارا أو ما يعرف الآن بكورفو الجميلة. وفي الفترة اليونانية كانت كورينثوس تتنافس مع أثينا وطيبة اليونانية على التجارة والثروة، وحتى القرن السادس بقيت مركزا هاما للتجارة وصناعة الفخاريات، وقد استضافت ألعاب ازمثيا القديمة التي كانت تجري كل سنة قبل الألعاب الأولمبية. وبعد القرن السابع بدأت المدينة تحتفظ بمستعمرات في اسكيا في جنوب إيطاليا وجزيرة كورفو وليفكيس ومستعمرة نيوكراتيس في مصر لخدمة خط الملاحة بين الفراعنة واليونان القديم، إذ كان للمدينة مرفآن رئيسيان تاريخيان، واحد في الشمال وآخر في الجنوب، أي على خليج كورينثوس وعلى الخليج السوراني. وكان المرفأ الأول لخدمة التجارب والتواصل مع المناطق والمستعمرات اليونانية، والمرفأ السوراني لخدمة التعامل مع العالم الخارجي كقبرص والجزر الأيونية والمشرق العربي.

وقد قدمت المدينة أكثر من أربعين سفينة حربية للحرب ضد الفرس وأكثر من خمسة آلاف جندي في معركة سالاميس، وبعد ذلك أصبحت عدة لأثينا وتحالفت مع إسبارطة في ما كان يعرف بتحالف البيلوبونيز في القرن الخامس قبل الميلاد. وفي هذا القرن أيضا كانت المدينة موطنا لديوجين الكلبي أو السانوبي، نسبة إلى سانوب في تركيا، أحد تلاميذ سقراط وأكثر الفلاسفة اليونانيين سخرية. وتقول الموسوعة الحرة عنه إنه كان شحاذا يقطن شوارع أثينا، لكنه جعل من الفقر المدقع والتأفف عن الملذات فضيلة بحد ذاتها ويقال إنه عاش في برميل كبير وإنه مشى في النهار حاملا مصباحا معه للبحث عن الرجال الفاضلين. وقد طور مذهبه الكلبي في المدينة، وهو مذهب يتعلق بالاكتفاء الذاتي، والأفعال بدل الأقوال، وكان ضد المدنية بشكل عام ويدعي أنه ابن العالم أجمع، لا ينتمي إلى فئة أو مكان.

* من فنادق كورينثوس - فندق «كالاماكي بيتش» (Kalamaki Beach) - العنوان: 20100 Isthmia - عدد الغرف 80 غرفة - من فئة 4 نجوم - ابتداء من 62 يورو لليلة الواحدة.

هذا الفندق من الفنادق الكبيرة والقريبة من قناة كورينثو الجميلة والمنطقة التي تفصل شبه جزيرة البيلوبونيز عن أثينا والوطن المطلة على الخليج السوراني.

وهو أيضا من الفنادق الحديثة التي تم إعادة تأثيثها وتطويرها منذ عدة سنوات للتمتع بأفضل الخدمات السياحية. ويضم الفندق بركتين خارجيتين للسباحة، ويطل على الجهة الجبلية الأخرى للخليج، وهو محاط بالأشجار والخضار والبساتين. وهو قريب أيضا من معبد ابيداوروس الهام والجميل، الذي يقال إنه موقع مولد ابن الإله أبوللو اسكليبيوس إله الطب والشفاء لدى الإغريق القدماء، ولذا كان الفقراء والمرضى يأتون إلى المعبد، وهو أشبه بمدرج أو مسرح قديم، طلبا للشفاء والصحة. كما أن الفندق مربوط بالعاصمة أثينا عبر خط للباصات وخط للقطارات عبر اتيكا، وبإمكان السائح الذهاب للتبضع في العاصمة خلال النهار والعودة إلى المدينة في الليل.

- فندق «ازثميا برايم» (Isthmia Prime Hotel) - العنوان: Isthmos, 20100 Corinth - عدد الغرف: 72 غرفة - من فئة 3 نجوم - ابتداء من 56 يورو لليلة الواحدة.

هذا الفندق أيضا من الفنادق الكبيرة والممتازة في المنطقة، وهو أيضا من الفنادق الفاخرة نسبيا والقريبة من القناة الرئيسية وبلدة لوتراكي الصغيرة والجميلة والمعروفة بينابيعها العذبة. وتم إعادة بناء الفندق قبل تسع سنوات، فهو جديد أيضا يضم بركة سباحة ضخمة في وسطه والكثير من الخدمات والمطاعم والمقاهي وقاعات الاجتماعات والاحتفالات. كما أنه قريب جدا من أحد الشواطئ الشعبية والمعروفة في المنطقة، وتتمتع كل غرفة من عرفه بشرفتها الخاصة بها. وهناك أيضا ملاعب التنس وكرة السلة وكرة اليد وكرة القدم. كما يضم الفندق المحاط بالمناطق الجبلية واحدا من أكبر الكازينوهات في أوروبا وأجملها ربما من حيث الموقع.