العراق يسرق الأضواء في معرض السفر والسياحة العالمي بلندن

حضور خليجي لافت وتفاؤل سياحي واضح في المنطقة العربية

جانب في جناح هيئة السياحة العراقية (تصوير: حاتم عويضة)
TT

لأول مرة منذ عام 2003 ومنذ أن وقع العراق أسير الحرب وتعكر الصفاء الأمني في جميع أنحائه، يشارك حاليا في معرض السفر والسياحة العالمي الذي يعتبر واحدا من أهم معارض السياحة في العالم، ويقام سنويا في قاعة إكسيل للمعارض في لندن.

معرض هذا العام الذي فتح أبوابه منذ يومين وتنتهي فعالياته اليوم، صنف على أنه من أنجح المعارض بالمقارنة مع المعارض التي أقيمت في نفس المكان في السنوات الماضية، وذلك بسبب عودة عدد من البلدان للمشاركة فيه بعد أن احتجبت عن الحضور بسبب الأزمات الأمنية والسياسية.

وفي أول يوم لافتتاح المعرض يوم الثلاثاء الماضي، سلب جناح العراق الأضواء والاهتمام من جميع المشاركين ومن شتى الجهات السياحية العارضة والزائرة، وتميز الجناح بمساحة لا بأس بها، وشاركت هيئة السياحة بمعرض سوق السفر العالمية بوفد رسمي رفيع المستوى برئاسة وزير السياحة قحطان عباس الجبوري، ورئيس هيئة السياحة العراقية حمود اليعقوبي والمفتش العام لوزارة الثقافة ومدير عام الدائرة الإدارية والمالية في وزارة الثقافة وبعض أعضاء مجالس المحافظات وإقليم كردستان والمديرين وأعضاء مجالس إدارة الفنادق (شيراتون، والمريديان، والسدير، والمنصور ميليا) وأصحاب شركات السياحة والسفر.

وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط» قال مدير قسم العلاقات والإعلام حسن الفياض، إن سوق السفر العالمية الحدث الأبرز، ومن أهم المحافل العالمية حيث تشارك هيئة السياحة ولأول مرة في هذه السوق التي تشارك فيها غالبية دول العالم وكبرى شركات السياحة والسفر والفنادق، والكثير من الموردين والمسوقين العالميين.

وفي المعرض عقد وزراء السياحة العالمية على هامش هذه السوق التي تشارك فيها 5 آلاف شركة عالمية، وتعتبر فرصة جوهرية لمناقشة الاتجاهات الصحيحة التي يجب على صناعة السياحة تبنيها تحت عنوان «تشكيل صناعة سفر وسياحة أقوى - أنماط الأعمال والحكم للمستقبل»، ورافق الوفد فريق من خبراء يمثلون القطاع الخاص والعام، حيث سيناقش هذا الفريق كيفية تأثير أنماط الأعمال المستقبلية والسياسات العامة على تحفيز نمو السياحة المستدامة ولتبادل التجارب حول رفع مستوى السياحة على النطاقين المحلي والعالمي لتحقيق الفائدة المتبادلة. وأشار الفياض إلى مشاركة السياحة في العام الماضي في فعاليات المعرض من خلال مشاركة وفد قام بتمثيل العراق، وكانت لتلك المشاركة الأثر الطيب والصدى الإعلامي الكبير لضخامة التغطية الإعلامية، حيث لمسنا رغبة السياح ومن مختلف الجنسيات لزيارة العراق والاطلاع على إرثه التاريخي والحضاري.

وأشار الفياض إلى أن هيئة السياحة في العراق مهمتها تسويق السياحة في جميع أنحاء العراق، بالتنسيق مع الجهات السياحية التي تملك خبرة في هذا المجال، ملمحا إلى هيئة السياحة الكردستانية، موضحا أن هيئة السياحة العراقية تعنى بالسياحة داخل العراق، لكنها تقوم بالتنسيق مع الهيئة في كردستان من خلال تبادل الخبرات وحضور الندوات والمؤتمرات السياحية وتنظيم الرحلات السياحية إلى إقليم كردستان، خاصة في مواسم الاصطياف، إذ يعتبر إقليم كردستان من أجمل الأماكن المناسبة للسياحة في موسم الصيف.

وشدد الفياض على انتعاش السياحة الدينية والداخلية في العراق، وعن السياحة الخارجية، قال بأن هناك اتفاقا مع شركة «هينترلاند» البريطانية للسياحة، تم التعاقد معها منذ سنوات، وهي تقوم بتنظيم رحلات لسياح بريطانيين يتراوح عددهم سنويا ما بين 10 و25 سائحا، وتتولى الشركة تنظيم الرحلات إلى مناطق كثيرة من العراق، مثل بابل والنجف وبغداد وغيرها، وتتراوح مدة الإقامة ما بين 10 أيام و21 يوما، فهذه الشركة هي الشركة المعتمدة لدى هيئة السياحة في العراق إلى جانب شركة سياحية تايوانية تتعامل مع الهيئة وتقوم بتنظيم رحلات سياحية لسياح من تايوان بانتظام، فهناك إقبال من التايوانيين على السياحة التي تعرف باسم «السياحة البينية»، ويقومون خلالها بزيارة العراق والكويت وسورية والأردن لمدة عشرة أيام، ويزورون العراق من الموصل شمالا مرورا بكربلاء والنجف وصولا إلى البصرة.

أما بالنسبة للسياحة الدينية، فهناك رحلات منتظمة تأتي خاصة من باكستان ولبنان والبحرين وإيران. ومن مهمات الهيئة تسهيل الحصول على التأشيرات، فالعام الماضي تم إصدار 1895 موافقة لدخول العراق لأغراض سياحية.

وبالنسبة للفنادق، قال الفياض بأن هناك إقبالا كبيرا على الاستثمار في قطاع الفنادق في العراق، لا سيما في مدينة كربلاء، وبما يخص التعاون مع شركات الطيران، تقوم الهيئة بالتعاون في مطار النجف مع «طيران الخليج» إضافة إلى رحلات خاصة تأتي من بيروت والبحرين، وهناك تعامل مع شركات طيران أجنبية تسير رحلات إلى النجف من السويد والدنمارك، وبرأي الفياض فإن السياحة في العراق سوف تقطف ثمار النجاح في غضون السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة إذا ما استتب الأمن في البلاد. وتكلم الفياض أيضا عن التضخيم الإعلامي الذي يلعب في الكثير من الأحيان دورا في تخويف الزوار والتأثير على السياحة سلبا.

وقال صاحب وكالة «الرافدين» السياحية بأن شركته تستقبل نحو 10 سياح من بريطانيا سنويا. وأضاف أنه يعتقد أن السياحة في العراق من الممكن أن تكون ثاني مصدر للدخل الوطني بعد البترول، وقال بأن الشركة تقدم للزوار برامج سياحية ثقافية وتاريخية شاملة وآمنة.

ومن المشاركات اللافتة في المعرض أيضا كانت مشاركة «هيئة أبوظبي للسياحة» التي فازت للعام الثاني على التوالي بجائزة «أفضل مجلس سياحة في العالم» ضمن «جوائز السفر العالمية».

وتزامن الحصول على هذه الجائزة مع إعلان الهيئة عن أهدافها لعام 2011 والرامية إلى استقبال 1.9 مليون نزيل في الفنادق والشقق الفندقية في الإمارة، بنسبة نمو 15% مقارنة بأهدافها للعام الحالي وهي 1.65 مليون نزيل.

وأوضح مبارك المهيري، مدير عام «هيئة أبوظبي للسياحة» أن الجائزة تكتسب قيمة وأهمية إضافيتين، مشيرا إلى أنها ممنوحة من صناعة السياحة الدولية، وتجسد تقديرها لجهود ومبادرات الهيئة.

وأكد أن هذا التكريم لا يقتصر على الهيئة فحسب، بل يشمل أيضا كافة الجهات العاملة والمعنية بقطاع السياحة المتنامي في أبوظبي، وقال: «نتعاون معا عن قرب لتحقيق رؤيتنا في عمل جماعي مشترك، فنحن كيان واحد يمضي قدما نحو هدف واضح».

ويضم فريق عمل «هيئة أبوظبي للسياحة» حاليا ما يزيد على 200 موظف في مقرها الرئيسي بالعاصمة الإماراتية، ومكتبها بمدينة العين، ومكاتبها الخارجية في المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والصين وأستراليا.

وتسعى الهيئة خلال العام المقبل لقيادة قطاع السياحة في أبوظبي إلى مرحلة أخرى من النمو الموجه القائم على الطموح المتجدد والابتكار الخلاق.

واختتم المهيري: «نتطلع إلى دفع عجلة الصناعة، بالاعتماد على رسالتنا الترويجية العالمية لعام 2011، التي يمكن اتخاذها خارطة عمل للقطاع بأكمله. ونتعاون معا مع شركائنا لطرح مفاهيم ومنتجات فريدة، بينما تستمر أبوظبي في تعزيز مكانتها كوجهة سياحية مميزة وصلت إلى مرحلة النضج والحصاد».

وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط» قال محمد المهيري المدير العالم للمجلس الوطني للسياحة والآثار في دولة الإمارات، إن المجلس يضم كل الإمارات في الدولة، وهو بمثابة هيئة اتحادية أنشئت مؤخرا بقرار من رئيس الدولة، وكان الهدف منه هو توحيد المجهود السياحي في تمثيل الدولة في الخارج والتعريف بالإمارات في المعارض والفعاليات السياحية في الخارج.

وأضاف المهيري أن الفكر التجاري لا يمنع المشاركة المستقلة، ملمحا إلى العادة التي درجت على مشاركة الإمارات في أجنحة مستقلة في المعارض الدولية، إنما من المهم أن تكون مشاركة جميع الأجنحة تحت مظلة دولة الإمارات، وهذا الأمر يعود بالنفع للجميع. كما يجب التعاون مع الدول المجاورة، وهذا الأمر يقلل التكاليف ويساعد على الوصول إلى العالمية.

وشدد المهيري على دور المجلس في تبادل الخبرات بين الإمارات والتعاون مع بلدان سبقت الإمارات في مجال السياحة للمساعدة على نمو وتطور القطاع.

وجناح لبنان كان مكتظا بالصحافيين البريطانيين والأجانب الذين جاءوا للتعرف على البلد الذي أدرج على لائحة أفضل 10 وجهات سياحية في العالم العام الماضي، وبدا وزير السياحة اللبناني فادي عبود الذي تولى مهامه منذ عام تقريبا، سعيدا بتعريف الحضور والصحافيين بما تتميز به بلاده من مقومات سياحية.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال عبود إنه يريد تسليط الضوء على المشكلات التي واجهته منذ توليه عمله، بدلا من التكلم عن إنجازاته، مشيرا إلى مشكلة محاربة الإصلاح في لبنان التي تعتبر من أسوأ المشكلات، وهناك الكثير من العقبات التي تقف في وجه الإصلاح والتغيير، ففي لبنان إذا أردت التغيير في الوزارة فسوف ترى من يقف في وجهك لوضع تلك العقبات، فللأسف عندنا أسوأ أنواع البيروقراطية الروتينية في العالم، كما أننا نحاول مكافحة الفساد، وهذا الأمر مكلف للغاية. وأضاف عبود أنه إذا أراد المرء الإصلاح في لبنان فلن يكون لديه أصحاب، ولكن يجب العمل على مكافحة هذه العقلية الخاطئة، وتوجه عبود من خلال «الشرق الأوسط» إلى القول بأنه لم يعد من المفروض على المستثمرين في لبنان من لبنانيين وعرب الدفع مقابل الحصول على الرخص للاستثمار متحديا بذلك من يتقدم ويقول بأنه كان عليه دفع أي مبلغ مادي لقاء رخصة استثمار.

ومن التعديلات التي قام بها عبود هي الاستعانة بشركة أجنبية لتقييم الفنادق في لبنان بعد أن درجت العادة على الاستعانة برأي موظفي الوزارة، وهذا الأمر خاطئ لأنه في لبنان توجد بعض الفنادق التي صنفت منذ 40 سنة على أنها تحمل 4 نجوم، ولم يقم أحد بإعادة تقييمها منذ ذلك الحين، إنما اليوم فنحن نسعى لإعادة تقييم الفنادق وخدماتها بصورة مستمرة عن طريق موظفين أجانب سريين ينزلون في الفنادق من دون الإفصاح عن هوياتهم.

وبالنسبة للمطار، قال عبود إنه غير راض عن أشياء كثيرة، من بينها آلية عمل سيارات الأجرة، إنما يتم اليوم العمل على تنظيم المسألة كما تم التخلص من بعض موظفي التفتيش والأمن لأنه لا يجوز توقيف الزائر 4 مرات لفحص جواز سفره.

وقال عبود بأنه يسعى لتطبيق نظام «الخط السريع» في المطار، وأبدى هنا امتعاضه من مسألة هذا النظام على طريقة المحسوبيات والرشوة.

وردا على سؤال «الشرق الأوسط» عن تصنيف لبنان من بين الوجهات الغالية في العالم، قال عبود إنه من غير العادل وضع لبنان في هذه الخانة، وأشار إلى غلاء أسعار تذاكر السفر إلى لبنان، ويلوم بذلك، في بريطانيا، شركة «بي إم آي» التي ترتكز في عملها على نظام الأسعار الموحدة مع شركة طيران الشرق الأوسط «إم إي آي»، وقال بأن هذا الأمر يجب معالجته من قبل اللبنانيين المقيمين في بريطانيا، لأن المسألة غير قانونية ولا يحق لأي شركة أجنبية توحيد أسعارها على طريقة «الدويوبولي»، كما أنه من المعروف عن شركة طيران الشرق الأوسط أنها تفرض أسعارا عالية على الوقود ولكن لا يوجد قانون في لبنان ينكر ذلك إنما لا يحق لشركة أجنبية مثل «بي إم آي» القيام بذلك، في وقت ترى ثمن الرحلات إلى الشام تفرض أسعارا أقل على الوقود. ونصح عبود المقيمين في بريطانيا بكتابة خطاب إلى مجلة «ويتش» لشرح القضية.

وعن مسألة الغلاء في لبنان، قال عبود بأنه تعب من سماع قصة اللعب بالأسعار في لبنان، وقال بأنه لا يجوز أن يقال إن أصحاب المطاعم يتبعون سياسة وضع أسعار عالية للزوار الخليجيين، موضحا أن المشكلة تقع على عاتق الزائر أيضا، ونصح هنا بالتقيد بلائحة الطعام المسعرة وعدم ترك مسألة الخيار للنادل ورفض دفع المال لقاء أطباق لم تطلب، ودعا العرب إلى التعامل مع الندل اللبنانيين تماما مثلما يتعاملون مع الندل في أوروبا لتفادي المشكلة. وأضاف عبود أن أسعار الفنادق في لبنان مقبولة جدا فهي تتراوح ما بين 190 و220 دولارا أميركيا لقاء الإقامة في فنادق راقية من فئة 5 نجوم.

ومن المشاركين في المعرض الذين لاقوا الترحيب أيضا جناح فلسطين، وقال محمد موسى رئيس مجلس إدارة جمعية الفنادق العربية في فلسطين، إن السياحة في فلسطين تشهد ازدهارا واسعا منذ نحو السنتين، وهذا يعود إلى الاستقرار الأمني نوعا ما ورخص الأسعار بالمقارنة مع السياحة في البلدان المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان، وهذا ما يساعد الفنادق في المنطقة على الإبداع في الخدمة وهي تقوم بشكل دوري بتبادل الخبرات.

ولكن توجد بعض العقبات بسبب بسط إسرائيل سلطتها على الحدود، ولو أنه اليوم أصبح من السهل الحصول على تأشيرة لدخول فلسطين إلا أن العرب لا يزالون لا يتقبلون فكرة زيارة فلسطين في ظل الاحتلال، إنما هناك نسبة عالية من السياح الأجانب الذين يزورون بيت لحم ومناطق فلسطينية أخرى كل عام، وتزدهر أيضا السياحة الدينية. وختم موسى حديثه بأنه قد لا تملك فلسطين السلطة في إصدار التأشيرات إنما تملك الوعي في تقديم أفضل أنواع الخدمة السياحية، وأبدى سعادته من ردود الفعل الأجنبية التي لاقاها جناح فلسطين في المعرض.