«كيب فيردي».. أرخبيل الموسيقى والعذاب

عالم سياحي بركاني

جزر الرأس الأخضر بركانية الطبع يعود تاريخها الطبيعي إلى أكثر من 180 مليون سنة
TT

من الجزر الأطلسية الهامة التي تتمتع بأحوال جوية طيبة وطبيعة خلابة لا تعوض بالنسبة للسياح الباحثين عن عوالم مختلفة، مجموعة جزر «كيب فيردي» (تلفظ فيرد)، أو أرخبيل «الرأس الأخضر» بالعربية، التي تعتبر من الجزر البركانية الطبيعية والغنية بالجمال. وتتمتع الجزر التي تنقسم إلى قسمين، بموقع جغرافي ممتاز من الناحية السياحية والتجارية؛ إذ إنها لا تبعد أكثر من 500 كيلومتر عن سواحل أفريقيا الغربية، وخصوصا السنغال وموريتانيا، وهي ليست بعيد عن جزر الكناري الإسبانية وجزيرة مديرا البرتغالية أيضا، اللتين تنتميان أيضا إلى مجموعة ما يعرف بـ«الأرخبيلات الماكارونيزية» (Macaronesia) التي تشمل هذه الجزر في وسط الأطلسي والقريبة من أوروبا. وبالتالي ليست بعيدة عن المغرب وأوروبا بشكل عام، ويمكن الوصول إليها بسهولة إما عبر المطارات البرتغالية، أو عبر المطارات الأفريقية المجاورة. ومع بناء المطار الدولي الجديد في العاصمة، برايا، (Praia) في الجزيرة الرئيسية سان تياغو، إلى جانب 6 مطارات قديمة سيكون بإمكان السائح، وخصوصا من بريطانيا، اتخاذ رحلات مباشرة والوصول إلى الأرخبيل خلال 5 ساعات ودون المرور بالبرتغال، كما كان يحصل في الماضي. وكما ذكرنا؛ تنقسم جزر الأرخبيل التي اكتشفها البرتغاليون عام 1460م، إلى قسمين: الجزر الجبلية الوعرة، والجزر المنبسطة أو السهلية المسطحة المعالم. ويضم القسم الأول، قسم «بارلافينتو» (Barlavento)، جزر سانتو أنتاو (Santo Antao) الخصبة، وجزيرة ساو فيسينت (Sao Vicente)، وساو نيكولاو (Sao Nicolau)، وجزر سانتا لوسيا (Santa Luzia)، وبرانكو (Branco)، وراسو (Raso). أما القسم الثاني، أو ما يعرف بمجموعة «سوتافينتو» (Sotavento) فيضم جزر سانتياغو (Santiago)، وهي الجزيرة الأكبر والرئيسية، التي تضم العاصمة برايا، وجزيرة مايو (Maio) المسطحة، وجزيرة فوغو (Fogo) (بركان حي - أعلى منطقة في الأرخبيل)، وجزيرة برافا (Brava)، وجزيرة وسال (Sal)، أي جزيرة الملح، أو «لانا» قديما. وتبلغ مساحة هذه الجزر مجتمعة نحو 4000 كيلومتر مربع، تقريبا ثلث مساحة لبنان. ويبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة.

وكما سبق وذكرنا، تشير المعلومات التاريخية المتوفرة التي تعتمد على الوثائق البرتغالية، إلى أن البحارة والرحالة البرتغاليين والإيطاليين هم الذين اكتشفوا الأرخبيل الأطلسي قبل نهاية القرن الخامس عشر. ويبدو أن الرحالة والنبيل الإيطالي أنطونيو دي نولي من مدينة جنوا هو الذي اكتشفها فعلا، لكن البرتغاليين والملك أفونسو الخامس، وصلوا معه وعينوه لاحقا حاكما على جزر الأرخبيل. وهناك ادعاءات أخرى كثيرة حول من وصل إلى الجزر أولا، ويجري الحديث أحيانا عن الإيطالي من البندقية ألفيس كاداموستو، البحار الذي كان يعمل لدى البرتغاليين في تلك الفترة، ودييغو غوميز، ودييغو دياس، وهما بحاران ومكتشفان برتغاليان آخران من تلك الفترة. ويقال إن جزر الأرخبيل قبل وصول الأوروبيين لم تكن مسكونة أو مأهولة، وكان أول موقع للاستيطان البرتغالي فيها في جزيرة سانتياغو، وأطلق عليه أنطونيو دي نولي آنذاك اسم «ريبييرا غراندي» أي (النهر الكبير) بالبرتغالية، الذي يعرف الآن بمدينة فيلا سيداد، التي تبعد عن العاصمة برايا نحو 15 كيلومترا. ويعني اسم الموقع أو المدينة بالبرتغالية «المدينة القديمة». بأي حال فإن الاسم الإنجليزي «كيب فيردي» (Cape Verde) مأخوذ من الاسم البرتغالي «كابو فيرد» (Cabo Verde)، المأخوذ بدوره من اسم شبه الجزيرة السنغالية المواجهة على الساحل الأفريقي الغربي «كيب فيرت» (الرأس الأخضر).

وقد انتعشت المدينة القديمة، أيام وصول البرتغاليين بسبب المرفأ الذي كان آنذاك من أنشط المرافئ على صعيد تجارة الرقيق. وكان المرفأ محطة خاصة للعبيد الواصلين من سيراليون وغينيا بيساو إلى البرازيل ومستعمرات الكاريبي. ولهذا السبب كانت المدينة القديمة من أغنى المدن البرتغالية في ذلك الوقت. وقد توقف في المرفأ الرحالة والمكتشف المعروف فوسكا دو عاما عام 1497م في طريقه إلى الهند، بالإضافة إلى كريستوفر كولومبوس قبل وصوله إلى أميركا. ولهذا تضم جزيرة سانتياغو أقدم كنسية كولونالية في العالم، وقد تم بناء قلعة حصينة (ريل دي ساو فيليبي) تطل على المرفأ والمدينة القديمة لحمايته من غارات البحارة الإنجليز والفرنسيين عام 1590م. وبعد 60 سنة تقريبا على سيطرة الفرنسيين عليها عام 1712م، تم نقلها كعاصمة للجزيرة والأرخبيل إلى موقع برايا الحالي عام 1770م.

ومع انحسار تجارة الرقيق وتراجع عائداتها مع التغيرات التي كانت تحصل في أميركا - آنذاك - على هذا الصعيد، تحول ازدهار جزر الأرخبيل إلى كارثة اقتصادية، إلا أن الموقع الهام لمرفأ مينديلو في جزيرة ساو فيسينت، الذي كان يعتبر محطة رئيسية للسفن بين أفريقيا وأوروبا وأميركا، وخصوصا إعادة التموين، ساعدها مرة أخرى لاحقا في القرن التاسع عشر على استعادة أنفاسها ونشاطها الاقتصادي والخدماتي على أكمل وجه. ومنذ الخمسينات من القرن الماضي حاولت البرتغال الاحتفاظ بجزر الأرخبيل تحت سيادتها، لكن لم يفلحوا، وتمكن أهل الأرخبيل من دون مطولات سياسية تورط فيها الاتحاد السوفياتي وغينيا بيساو، من نيل الاستقلال عام 1975م.

ولا تزال اللغة الرسمية المستخدمة محليا هي اللغة البرتغالية، ويتكلم السكان المحليون بلهجة محورة من البرتغالية يطلق عليها اسم «كابوفيرديانو». وتختلف اللهجة بالطبع من جزيرة إلى جزيرة قليلا. ولكثرتها لا تزال الحكومة تعاني من إيجاد لغة موحدة للبلاد.

وتقول المعلومات المتوفرة، أن أكثر من 70 في المائة من سكان الأرخبيل، وهم لطفاء الطبع خليط من الأفارقة السود والأوروبيين، والباقي أفارقة وأقلية بيضاء بحتة. ومعظم هؤلاء الأوروبيين كانوا من البريطانيين والفرنسيين والإسبان والبرتغاليين، ولاحقا الكثير من الألمان والإسكندنافيين وغيرهم. وقد مكن هذا الخليط جزر الأرخبيل من التطور لاحقا في التسعينيات، وفتح الأسواق وبدء السياحة على نطاق واسع. وقد عملت الحكومة منذ سنوات على بناء المطارات الدولية في عدد من الأماكن وتحسين الخدمات في المرافئ الرئيسية، وإنشاء عشرات الفنادق الفخمة والفاخرة والقادرة على استيعاب السياح على جانبي الأطلسي. وهذه الميزة الجغرافية للجزر هي التي تمنحها حاليا ميزتها السياحية النادرة. فالجزر بركانية وجميلة جدا، وخصبة وزراعية الطبع كمعظم هذا النوع من الجزر، وهي أكثر رطوبة قليلا من الدول الأفريقية المجاورة ومعدل درجات الحرارة لا يتعدى الثلاثين في معظم أوقات السنة. وبسبب هذا الموقع أيضا عانى سكان الجزر في الكثير من الفترات التاريخية الجفاف والمجاعة والحياة الصعبة، ولذا انتشروا في جميع الأنحاء وعبر البحر أيضا باتجاه الكثير من الدول، مثل: الولايات المتحدة الأميركية والكاريبي وهايتي والأرجنتين والبرازيل والبرتغال نفسها وإسبانيا وهولندا وفرنسا والدول الإسكندنافية وإيطاليا وأنغولا والسنغال ومستعمرة مكاو في الصين. ومن هذا الجوع وهذا الشقاء قديما ولدت موسيقى الـ«مورنا» (morna) التي تعبر عنه، وهي موسيقى «بلوز» راقصة تعتمد عادة على الكلارنيت والأكورديون والكمنجة والبيانو والغيتار. وهي أشبه بموسيقى «الفادو» البرتغالية الحزينة أيضا، والمعروفة جدا، كما هي موسيقى «الرومبا» الكوبية و«التانغو» الأرجنتينية.

وبسبب موقعها الجغرافي أيضا، تحتفظ الجزيرة بالكثير من الأنواع الطبيعية النادرة والمهددة بالانقراض، وتعرف الجزر بطيورها وبطائر الفردوس الذي يطلق عليه اسم «اليكزاندراز سويفت» ومالك الحزين الأرجواني «بورنز هيرون»، وبعض الطيور الجواثم في المناطق الغربية.

كما تعتبر الجزيرة محطة طبيعية للكثير من أنواع الطيور والحيوانات البحرية، وعلى رأسها السلاحف التي تلجأ إلى بعض شواطئها العذراء والبعيدة لتخبئ بيضها.

وعلى الأقل، للمهتمين بالسياحة الطبيعية، فإن جزر الرأس الأخضر جزر بركانية الطبع، يعود تاريخها الطبيعي إلى أكثر من مائة وثمانين مليون سنة، ولا تزال تحتفظ جزيرة فوغو ببركان حي في جنباتها وهو بركان فوغو (Mount Fogo) الذي يحمل اسمها. وقد انفجر البركان آخر مرة في عام 1995.

* من فنادق الرأس الأخضر أو «كيب فيردي»

* - فندق «مورابيزا» (Morabeza Hotel) - من فئة «4 نجوم» - ابتداء من 80 دولارا لليلة الواحدة. يقع هذا الفندق جنوب جزيرة سال، وبالقرب من شاطئ سانتا ماريا المعروف برماله الذهبية العذراء في جنوب الجزيرة التي أطلقت قطاع السياحة في جزر الأرخبيل منذ سنوات طويلة. والفندق الكبير أشبه بحديقة كبيرة من الأشجار والأزهار. وتطل معظم غرف الفندق على الشاطئ، ومجهزة بالهاتف والتلفزيون والبراد ومكيف الهواء. ويضم الفندق مطعما ومقهى. ويقدم المطعم المأكولات المحلية والمشاوي البحرية الطيبة، وعلى رأسها القريدس.

ويمكن من الفندق حجز الرحلات البحرية الخاصة إلى الجزر الأخرى، وممارسة رياضة التنس والسباحة والتمتع بنادي صيد الأسماك.

- فندق «بورتو أنتيغو أبارتمانتس» (Porto Antigo Apartments) - من فئة «4 نجوم» - ابتداء من 60 دولارا لليلة الواحدة. هذا الفندق من الفنادق التي تتوسط سانتا ماريا في ساو، وتقع بين شاطئين رمليين جميلين رغم أنه يضم بركة سباحة كبيرة خاصة به. والغرف في الفندق عبارة عن شقق صغيرة تضم مطبخا وجميع الخدمات الرئيسية كالهاتف والتلفزيون والثلاجة والمكيف. ويعتبر هذا الفندق من فنادق الجزيرة الهادئة التي يمكن التمتع عبرها بشواطئ الجزيرة الرائعة والمحلات والمطاعم والمقاهي المجاورة.

- فندق «أودغو دا اغوا» (Odjo D´agua Hotel) - من فئة «4 نجوم» - ابتداء من 39 دولارا في الليلة الواحدة – من فنادق سانتا ماريا في جزيرة ساو. وهو من الفنادق المطلة على الأطلسي التي تتمتع بخدمات جيدة وممتازة، مقارنة بالكثير من فنادق الرأس الأخضر. وهو أيضا من الفنادق المعروفة والجديدة التي تعمل على راحة الزبائن وتمتعهم بوقت طيب. ومن الفندق يمكن للزبائن التمتع برياضة السير على الأقدام على الشواطئ الجميلة التي تشبه بعضها شواطئ جزر الكاريبي الجميلة والحالمة والنظيفة. وككل الفنادق المحلية يقدم الفندق خيرة المآكل البحرية.

- فندق «ساب ساب سال بيتش» (Sab Sab Sal Beach Hotel) - العنوان: Santa Maria, Sal, Cape Verde Islands - فئة «4 نجوم» - ابتداء من 30 دولارا لليلة الواحدة - عدد الغرف: 50 غرفة. يقدم هذا الفندق فرصة للسياح الراغبين بالبقاء جانب الشاطئ وبالقرب منه وبأسعار معقولة ومتوسطة نسبيا. فهو في قاع أو جنوب جزيرة سال التي تتمتع بشواطئ تركوازية نقية وصافية ونظيفة وأيام مشمسة طوال العام.

ويضم الفندق، إلى جانب الغرف الـ50، 4 غرف خاصة أو (سويت) مطلة على البحر ومجهزة بكل الخدمات الضرورية من التلفزيون إلى جهاز تكييف الهواء. كما يضم مطعما هاما يقدم المأكولات المحلية والدولية المعروفة للزبائن. ويشمل أيضا بركة خارجية للسباحة وملعبا للتنس وملاعب رياضية أخرى وصالة للتمارين الرياضية.