رحلات نيلية تأخذك لحضن التاريخ وسحر الطبيعة ودفء الريف

غن وارقص.. أنت على صفحة نيل أسوان

رحلات نيلية بمراكب شراعية
TT

للرحلات النيلية مذاق وسحر خاص على صفحة نيل أسوان (جنوب مصر)، خاصة بعدما اكتسبت هذه الرحلات شعبية لدى السائحين وأصبحت مقصدا لهم، حيث يعتبرونها رحلة استجمام وتأمل في جمال الطبيعة وسحر التاريخ.

على متن هذه الرحلات وحين يصافح النسيم خدك، لا تملك إلا أن ترقص وتغني، ولا تدري كيف تحولت إلى طفل صغير، يمد أصابعه في ثقوب المياه، ويصنع دوامات لا تنتهي من الفرح والنشوة والحنين.

في الصباح الباكر، ومع خيوط الشمس الأولى تأخذ القوارب النيلية الكبيرة والصغيرة السائح على ضفاف النيل في أجمل مواقعه على الإطلاق، لمشاهدة لوحة ربانية رائعة تشكلت من أحجار الغرانيت الملساء والصخور والجزر الرمادية المستديرة التي غطتها بساتين وأشجار النخيل، والنباتات الاستوائية المنسدلة على مياه النيل الهادئة. فيما تتفنن الشركات السياحية في إعداد برامج لزيارة المعابد والمقابر الأثرية والجزر النيلية.

وتبدو الرحلة أكثر متعة حين توغل في خلفية المشهد وتعرف أن أسوان هذه المدينة السمراء عرفت قديما باسم «بلاد الذهب» لأنها كانت مقبرة لملوك النوبة الذين عاشوا فيها آلاف السنين، كما عرفت أيضا بـ«سونو» في عصور المصريين القدماء ومعناها السوق، وأطلق عليها في العصر البطلمي اسم «سين» وسماها النوبيون «يبا سوان». وتميزت أسوان بطابع خاص يجتذب السياح من جميع أنحاء العالم، خاصة من أوروبا وشرق آسيا، حيث مناخها الجاف المعتدل، وشمسها الدافئة، وهدوؤها الذي يخيم على كل مكان فيها. عن برنامج الرحلة النيلية يؤكد أسامة إبراهيم، مرشد سياحي أن مدة الرحلة النيلية أربعة أيام، تبدأ في الثامنة من صباح اليوم الأول، حيث يتحرك المركب النيلي إلى البر الغربي للنيل لتصل إلى مقبرة «أغاخان» التي تقع على هضبة عالية، شيدها محمد شاه الحسيني «أغاخان الثالث» من الحجر الجيري والرخام، وبعد وفاته عام 1959 تحولت مقبرته التي دفن بها إلى مزار سياحي شهير، ودفنت إلى جواره زوجته البيجوم «أم حبيبة»، حيث يصعد السياح إلى المقبرة سيرا على الأقدام، لالتقاط الصور التذكارية، وعقب خروج السياح من مقبرة «أغاخان» يبدأون في ركوب الجمال في طريقهم إلى دير «الأنبا سمعان» الذي بني على هضبة عالية أيضا ويعود تاريخه إلى القرن الـ16 الميلادي، ويعد أحد أعرق الأديرة القبطية، يضم بين جنباته كنيسة ما زالت رسومها تمثل صورا للسيد المسيح والقديسين، وعقب الانتهاء من زيارة دير «الأنبا سمعان» تبدأ رحلة العودة للسياح، حيث ينطلق المركب النيلي إلى زيارة «مقابر النبلاء» وهي مقابر منحوتة في الصخر الرملي لحكام مدينة أسوان، وتحكي المقابر الأدوار التي قام بها ملوك وأمراء الصعيد في حماية مصر.

وتابع إبراهيم «تكتمل الرحلة النيلية في اليوم الأول بزيارة لحديقة النباتات الشهيرة التي تتميز بمناظرها الطبيعية الخلابة والنباتات والطيور النادرة، وكانت تسمى قديما حديقة (النطرون) نسبة إلى أهالي النوبة، ثم تغير اسمها إلى جزيرة (الرادار)، وتغير الاسم للمرة الثالثة وسميت بجزيرة الملك في عهد الملك فؤاد الأول، حاكم مصر عام 1928، ومؤخرا أطلقت عليها وزارة الزراعة المصرية (حديقة النباتات)، والجزيرة عبارة عن حديقة مساحتها 17 فدانا تحيطها مياه النيل من كل الجهات تكونت من رسوب الطمي الموجود في مجرى النيل، وتحتوي على 380 نوعا نادرا من النباتات الاستوائية، وتضم مزرعة للبط».

أما اليوم الثاني من الرحلة فيتضمن زيارة جزيرة «ألفنتين»، التي عرفت في اللغة المصرية القديمة باسم «أبو» ومعناها سن الفيل، وأصبحت في اليونانية «ألفنتين» حيث يعتقد أنها كانت في وقت من الأوقات مركزا لتجارة العاج.

يتابع إبراهيم «بمجرد وصول السياح إلى الجزيرة يقومون بالتجوال فيها، ثم يزورون متاحفها ومعابدها، ومن ضمن المعالم التي يزورها السياح في الجزيرة (مقياس النيل)، الذي يرجع تاريخه إلى العصر الروماني وتظهر عليه مقاييس فيضانات النيل باللغتين اليونانية والعربية، وجزيرة (أجيليكا) التي تحتضن معابد وآثار فيلة وتبعد عن معابد فيلة 500 متر، وجزيرة آمون التي أقيم عليها فندق آمون السياحي، كما يشاهدون المسلة الناقصة وهي مسلة ضخمة يبلغ طولها 41 مترا ووزنها 117 طنا، ويزورون معابد فيلة، ومعبد خنوم، ومقبرة الكبش المقدس، وبوابة الملك أمنحتب الثاني، وثالوث ساتت».

وأكمل إكرامي سنوسي، مرشد سياحي آخر «في اليوم الثالث لبرنامج الرحلة النيلية، يتحرك المركب من مرسى أسوان في طريقه إلى قرية (غرب سهيل) الواقعة على بعد 15 كيلومترا من المرسى السياحي، التي أصبحت مزارا سياحيا مهما، بعدما تمكنت مظاهر الحياة اليومية بها من اجتذاب السائحين الذين يقضون وقتا ممتعا على الطريقة النوبية تحت قباب بيوت ما زالت تحافظ على أصالة ناسها وتراثها».

بعد نصف ساعة يصل المركب إلى شاطئ القرية وهو عبارة عن سفح رملي يسمى «بربر» ليجد السائحون في انتظارهم قوافل من الجمال التي تتولى نقلهم إلى داخل القرية ليقضوا يوما في البيوت النوبية، ويتمكنوا من شراء المنتجات اليدوية البيئية.

وتتضمن رحلة اليوم الثالث أيضا زيارة الجزر النيلية، التي تضم جزيرتي «سالوجا وغزال ووادي العلاقي» حيث تتميز الجزيرتان بمناظرهما الطبيعية الخلابة، التي تدشن لسياحة المحميات، حيث تجمع بين الغطاء النباتي والمسطح المائي، وتتميزان بوجود النباتات الطبية والعطرية النادرة، والطيور المقيمة والمهاجرة المهدد بعضها بالانقراض، ثم يتوجه السائحون إلى زيارة محمية «جبل علبة» التي تضم أشجار بلح «اللالوب والسيال» وطائر الدقناش وردي الصدر.

وتابع سنوسي «في اليوم الرابع تتضمن الزيارة معابد النوبة القديمة الممتدة من جنوب الشلال الأول للنيل بأسوان وحتى منطقة دنقلة بعد الشلال الرابع بالسودان، وتضم معابد (الدكة، الدر، السبوع، عمدا، المحرقة، قصر أبريم، مقبرة بانوت، مقبرة أبو عودة)، وكذا معبد كلابشة أكبر المعابد المشيدة من الحجر الرملي، وبيت الوالي الذي بناه رمسيس الثاني».

وحول الوقت المناسب للرحلات النيلية يقول عبد المجيد علي، مدير السياحة بأسوان «موسم الرحلات النيلية يزداد في فصل الشتاء عنه في الصيف لشدة الحرارة، لكنه لا يتوقف خلال فصل الصيف، وإن وزارة السياحة المصرية تسعى حاليا لجذب مزيد من السياح خلال موسم الشتاء لتحقق قفزة مماثلة لتلك التي حققتها في الموسم الماضي، حيث بلغ عدد السياح الذين زاروا مصر الشتاء الماضي 8.5 مليون سائح».

وبحسب علي، تعد الرحلات النيلية الأكثر جذبا للسياحة الأجنبية خصوصا الألمانية والفرنسية والإنجليزية، ودول الاتحاد الأوروبي، عن طريق عشرات القوارب والمراكب السياحية التي تأخذ السياح في جولات وبرامج ترفيهية ممتعة.

وكشف علي، عن أن بعض الرحلات النيلية يتخللها في بعض الأحيان زيارة إلى مراكز العلاج الطبيعي ومصحات الروماتيزم، التي تقع في المنطقة الممتدة ما بين فندق «كتراكت السياحي» وخزان أسوان. وأكد أن هذه المراكز أصبحت مقصدا للراغبين في العلاج من أمراض الروماتيزم بالطرق البدائية بإحاطة جسم المريض برمال الصحراء الساخنة. ويشير علي إلى أن بحوثا كثيرة أجريت بمعرفة الخبراء والمؤسسات أثبتت صلاحية جو أسوان في علاج الأمراض المزمنة، حيث تتميز أسوان بالأشعة فوق البنفسجية، وانخفاض نسبة الرطوبة التي تصل إلى (43.4 في المائة) خلال الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مارس (آذار)، كما أن أشعة الشمس على مدار العام وجفاف الجو يساعدان على العلاج بالرمال والمياه.

ويكمل أشرف مختار مدير شركة «ترافكو أسوان للسياحة» بأنه «يتم إعداد برنامج متميز للأفواج السياحية طوال مدة إقامتهم في أسوان»، مشيرا إلى أن «الرحلات النيلية أصبحت مقصدا للكثير من السائحين، حيث يعتبرونها رحلة استجمام وتأمل في جمال الطبيعة وسحر التاريخ، حيث تأخذ القوارب النيلية الكبيرة والصغيرة السائح على ضفاف النيل في أجمل مواقعه على الإطلاق، وفي جو خلاب، ما بين أحجار الغرانيت الملساء وأشجار النخيل والنباتات الاستوائية».

وذكر مختار أن شركات السياحة تتنافس في طرح عروض مغرية لجذب مزيد من السياح، فهناك برامج لثلاث ليال أو أربع وتصل أحيانا إلى نحو أسبوع، يقضيها السائح على سطح النيل، يعيش الحياة الريفية المصرية، ويستمتع بالعصر الفرعوني بكل أمجاده وتاريخه وأحداثه، مضيفا أن «المراكب تمر بمحاذاة الآثار والمعابد الفرعونية بصحبة المرشد السياحي الذي يشرح بشكل مفصل كل موقع أثري». فيما أكد محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد أهمية أسوان كمقصد سياحي عالمي وخاصة أنها تتفرد بمقومات سياحية وطبيعية.

وأوضح المحافظ لـ«الشرق الأوسط» أن المرحلة القادمة سوف تشهد اهتماما غير مسبوق بتنويع المنتج السياحي إلى جانب الرحلات النيلية ليشمل السياحة البيئية والترفيهية والنيلية والسفاري والصيد.