السائحون استبدلوا الرحلات البحرية بالسفاري والرحلات الترفيهية

شرم الشيخ: الموسم السياحي في ذروته استعدادا لعطلات العام الجديد على الرغم من أسماك القرش

شواطئ شرم الشيخ بانتظار التقرير الرسمي غدا للتأكد من سلامة السباحة والغطس فيها (رويترز)
TT

تشتهر مدينة شرم الشيخ المصرية بأنها إحدى أشهر وأهم مناطق الغوص في العالم، إذ إنها تطل على مياه البحر الأحمر، العامرة بآلاف الأنواع من الأسماك والشعاب المرجانية الملونة، التي تتيح لزائر عالم ما تحت الماء، مشاهدة مناظر خلابة لن يجدها في أي مكان آخر.

ولكن منذ الأسبوع الماضي، ظهر في مياه شرم الشيخ ما عكر صفو الموسم السياحي، الذي يبلغ ذروته في الشتاء، للمدينة الواقعة على بعد 600 كيلومتر جنوب شرقي القاهرة، إذ أصيب ثلاثة سائحين (روسيتان وأوكراني) ولقيت رابعة ألمانية مصرعها إثر هجمات من أسماك قرش قاتلة هاجمت السائحين في المياه، ولعل أخطر تلك الحوادث هو آخرها الذي وقع يوم السبت الماضي شمال خليج نعمة، الذي يعد الشاطئ الرئيسي في شرم الشيخ، وأودى بحياة السائحة الألمانية، الأمر الذي أثار مخاوف البعض من تأثير تلك الحوادث على الإقبال السياحي على شرم الشيخ، خاصة مع اقتراب موسم أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، التي يندر فيها أن تجد غرفة خالية في أي من فنادق المدينة الساحرة، على اختلاف مستوياتها.

وعقب مصرع السائحة الألمانية، أغلقت السلطات المصرية شواطئ شرم الشيخ أمام الأنشطة المائية، وأجرت مسحا شاملا لمدة 48 ساعة قبل أن تعاود فتح الشواطئ بشكل جزئي، لحين معرفة سر الهجمات التي شنتها أسماك القرش وخروجها من الأعماق إلى الشواطئ. وقال اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، محافظ جنوب سيناء، لـ«الشرق الأوسط»: «إن أنشطة الغوص الترفيهية عادت جزئيا في بعض المناطق والشواطئ بشرم الشيخ، إلى أن يتبين للخبراء المتخصصين الذين وصلوا مؤخرا للدراسة والتحليل، أمر هجمات القرش».

ونفى المحافظ توقف أنشطة الغوص بشرم الشيخ، مؤكدا أن أنشطة الغوص الترفيهي أو «السنوركلينغ» والرياضات البحرية المختلفة للهواة هي التي تم منعها، حرصا على سلامة السياح، بينما سمح للمحترفين فقط بممارسة الغوص وفي أماكن محددة.

وقال المحافظ: «إن غرفة الغوص والرياضات المائية بجنوب سيناء استدعت أهم الخبراء في سلوكيات أسماك القرش، ومنهم: ماري لوفين، رئيسة معهد أبحاث القرش في أميركا، وجورج بوركس، مدير معهد أبحاث الأسماك في فلوريدا»، مشيرا إلى أن الخبراء خرجوا مع نظرائهم المصريين وعدد من الغواصين المحترفين على متن سفن مجهزة لمسح شواطئ جنوب سيناء والتوصل إلى أسباب الهجمات.

ومن المعروف أن مياه البحر الأحمر آمنة ويعيش بها الكثير من الكائنات البحرية والأسماك النادرة التي تتعايش مع الإنسان، ومنها القرش النمر، والقرش الأبيض، وهو النوع الذي تشير إليه أصابع الاتهام بتسببه في الهجمات. ومن أشهر الأماكن التي كانت تشهد إقبالا من السياح لممارسة الغوص الترفيهي في جنوب سيناء: بلو هول (blue hole) وأبو جالوم، ودهب، ورأس محمد، وتيران، وطابا وجزيرة فرعون، ومنطقة الفنار.

من جانبه، نفى رئيس هيئة الثروة السمكية الدكتور محمد عثمان، أن يكون الصيد الجائر من الأسباب التي أدت إلى هجوم أسماك القرش على السائحين مؤخرا بمدينة شرم الشيخ، وقال: «أرجح أن يكون السبب العلمي في حدوث ذلك هو إلقاء بعض السفن بالمنطقة بالحيوانات النافقة في المياه، مما أدى إلى إثارة تلك الأسماك وخروجها من المناطق المعروف وجودها فيها»، وهو الرأي الذي يرجحه أيضا محافظ جنوب سيناء محمد عبد الفضيل شوشة.

وأوضح عثمان «أنه من المقرر الانتهاء من إعداد التقرير النهائي للفريق غدا الخميس»، للوقوف على الأسباب العلمية لحدوث تلك الظاهرة.

من جانبه، وصف هاني المصري، كبير الغواصين بمركز «سكوبا دايفينغ» في شرم الشيخ، هجمات القرش لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «إنه أمر غريب ولم يحدث من قبل، فقد كنا نقوم بالغوص وأسماك القرش الأبيض تمر بنا أحيانا، ويكون يوما سعيدا لنا أو لهواة الغطس بمشاهدة تلك الأسماك وهي تسبح في سلام من أمامنا، فهذه الأسماك تعتبر جسد الغطاس كأنه سمكة أخرى، والكثير من السياح يعرفون جيدا أن تلك الأسماك لا تمثل خطرا عليهم، لذا يصبحون في قمة السعادة ويتباهون بعد مغامراتهم البحرية في أعماق البحر الأحمر، بأنهم سبحوا وسط أسماك القرش، واستمتعوا بالشعاب المرجانية والأسماك الملونة النادرة في الأعماق».

وأضاف «أتوقع أن يتزايد الإقبال على رحلات الغوص من قبل محبي المغامرة، خاصة من الأجانب الذين اعتادوا على وجود القرش في المحيطات، بينما سيتوقف إقبال العرب والمصريين، باعتبار أن الأمر غير مألوف لديهم».

من جهته، أرجع هشام جبر، رئيس غرفة الغوص والرياضات المائية بالبحر الأحمر، أمر الهجمات إلى بعض الأعمال المشينة التي يقوم بها بعض أصحاب اليخوت واللنشات، حيث يلقون بأسماك نافقة، لجذب أسماك القرش، وتصويرها لاستخدامها في الدعاية السياحية. مؤكدا أن أسماك القرش لا تهاجم البشر إلا في حالة تغيير طريقة إطعامها من الأسماك إلى الجسم البشري.

ولكن على الرغم من وقف الأنشطة المائية تماما في بعض مناطق شرم الشيخ، فإن ذلك لم يؤثر على الحركة السياحية، حسبما أكد مسؤولو الحجوزات في عدد من فنادق شرم الشيخ، ولعل الدليل على ذلك أيضا هو ازدحام المدينة بضيوفها الأجانب.

وقالت بولا لانوفيسكي، سائحة روسية: «لا أعتقد أن أمر هجمات القرش مؤثر بالصورة التي نسمع عنها في وكالات الأنباء، فأنا أقوم بزيارة شرم الشيخ سنويا منذ خمس سنوات، ولم أشعر بأي قلق على أسرتي من الغوص أو السباحة، فالمياه هنا آمنة جدا، وقد تعلمت الغوص هنا على يد مدربين، وحصلت على شهادة، وكذلك أبنائي، ولا بد أن تلك الهجمات لسبب ما سينتهي بالقضاء عليه أو باصطياد الأسماك المفترسة».

أما ناثان إم لآر، هندي الجنسية، فيقول: «أنا بالفعل أرى أنه أمر مؤسف حدوث تلك الهجمات، لأنه بالنسبة لي كنت أعتبر مدينة شرم الشيخ المكان المفضل لي للسباحة وممارسة الرياضات المائية، لكن أمر الهجمات أدى لتغيير برنامج رحلتي، حيث سأكتفي بالرحلات البرية والسفاري والسهرات البدوية، والاستمتاع بمشاهدة شاطئ البحر الساحر من نافذة الفندق، وممارسة السباحة في حمام السباحة في الفندق الذي أقيم به».

ويؤكد علاء الأمير، مرشد على متن إحدى السفن الزجاجية المخصصة لرؤية أعماق البحار: «هجمات أسماك القرش لن تؤثر بالشكل الذي يخشى منه، فهناك الكثير من السياح، خاصة كبار السن يكتفون بمشاهدة الأعماق عن طريق المركب الزجاجي، وهي تحقق المتعة نفسها التي يحققها الغوص أو (السنوركلينغ)».

وأوضح تامر شاهين، مدير شركة «طيران شارتر» بالقاهرة، أن الطلب على رحلات شرم الشيخ لم يحدث به خلل، وقال: «بالعكس نحن نتلقى شكاوى من عدم توفر أماكن شاغرة على الرحلات، خاصة أن طقس شرم الشيخ من أنسب الأجواء التي تتيح قضاء العطلات في فصل الشتاء، لا سيما مع اقتراب عطلات رأس السنة الميلادية»، ويتفق معه محمد سلامة، مدير شركة «أوربيت تورز» للرحلات السياحية بخليج نعمة، مؤكدا أن الشيء الوحيد الذي تأثر بتلك الهجمات هو إقبال السائحين على الرحلات البحرية المتجهة إلى جزيرتي رأس محمد وتيران، وقال: «فور علمنا بتلك الحوادث استبدلنا الرحلات البحرية بعدة برامج، منها رحلات السفاري بالجمال، والبيتش باجي، وصعود جبل موسى، ومشاهدة شروق الشمس والتخييم عند جبل سانت كاترين وزيارة الدير، وهي من الرحلات التي تناسب أجواء أعياد الميلاد».

وأضاف «أن المدينة تتيح ضمن برنامج زائرها السياحي الكثير من الأماكن الترفيهية التي تزخر بها، ويمكن أن تملأ أي برنامج، فإلى جانب رحلات السفاري التي تتعدد وجهاتها بين الجبال الملونة، وحفلات الشواطئ الراقصة، فهناك الكثير من المطاعم والمقاهي البدوية والسياحية وأماكن الترفيه مثل «دولفينا»، المخصص لعروض الدولفين، و«ألف ليلة وليلة»، المتخصص في الرقص المصري، والقرى والأسواق الشعبية والسياحية، إلى جانب الكثير من المنتجعات السياحية العالمية التي تقدم لروادها قمة الرفاهية.