رحلة تائه في آيرلندا

اكتشف روعة طبيعة تلك البلاد الخضراء من خلال السيارة

تتميز ايرلندا بطبيعتها الخلابة ومطاعمها الجيدة
TT

عندما زرت آيرلندا، عكفت على البحث عن جبال ريكس لكي أشعر بأنني أتوه فيها. وكان بائع كتب قد أخبرني قبل أيام قليلة عن قصة خرافية حدثت في دبلن، عندما قال لي: «خلال الحرب العالمية الثانية، تاه جنديان أميركيان في جبال ريكس عندما غمرهما الضباب، ولم يسمع أحد شيئا عنهما إطلاقا بعد ذلك».. وكما علمت فيما بعد، فقد كانت قصته غير دقيقة (وفي الحقيقة، فقد حادت طائرة عسكرية متجهة إلى البرتغال عن مسارها واصطدمت بجبال ريكس)، ولكن هذه القصة كانت لا تزال تستحوذ على خيالي.

وقد رأيت نفسي وأنا أتجول في نفس التلال الضبابية، محاطا بأشباح هذين الجنديين، ولكنني كنت مجهزا بالطبع بالملابس الدافئة والطعام والمياه والكشافات وكيس النوم. وكان يتعين علي أن أذهب. وعلى كل، كان هذا حقا هو السبب الذي جعلني آتي إلى آيرلندا في المقام الأول؛ لكي أجد نفسي غارقا في البحث على مدار أسبوع في دولة لم أكن أعلم أي شيء عنها.

أو ربما لفقدان نفسي في دولة مألوفة جدا بالنسبة لي (وسوف أتجادل مع أي شخص نشأ في الولايات المتحدة) بأن سمعتها قد تفوقت على حقيقتها. وبداية من مواكب الاحتفال بعيد القديس باتريك، وصولا إلى عملية السلام، ومن ماسوشية غينيس إلى مجاعة البطاطس، ومن «سكان دبلن» إلى «الالتزامات» بالحفاظ على «رقصة النهر» التقليدية، كأن التاريخ والثقافة الآيرلندية دائما ما يتواجدان بشكل ثابت في الخلفية، لدرجة أنني لم أشعر مطلقا بالحاجة للتفكير في آيرلندا كمكان فعلي (أو أماكن حقيقية). و«آيرلندا» المشار إليها، بالطبع، هي كل من آيرلندا الشمالية، التي تعتبر جزءا من المملكة المتحدة، وجمهورية آيرلندا المستقلة. وبدلا من ذلك، بدت آيرلندا مصدرا تخيليا كليا للأوقات الجيدة الخيالية، مصبوغا بمسحة من الشقاء التاريخي المؤثر ومأهولا بشخصيات حيوية وغريبة جدا لدرجة أنه خلال دقائق من لقائي معهم (وقد كنت متأكدا بنسبة 100 في المائة من أنني سوف ألتقي معهم)، تم استيعابي في أحلامهم الجامحة.

وفي البداية، عندما انطلقت من موقف سيارات شركة «إنتربرايز» لتأجير السيارات في دبلن، وعلى ما بدا لي أنه الجانب الخطأ من الطريق، تسارعت نبضات قلبي مع كل نقلة حذرة لناقل السرعات، وشعرت بالقلق إزاء تواجدي في حارة المرور الخاصة بي، وسألت نفسي: «هل كنت أنحرف؟ أم أنني أبالغ في إصلاح الخطأ؟ وكثيرا ما كانت يدي اليمنى ترتعش في الهواء قبل أن أتذكر أن ناقل السرعات كان على الجانب الآخر. وعندما كنت على بعد نصف ساعة فقط من دبلن، وجدت نفسي أتقدم بسرعة على طرق سعتها حارة ونصف، وكان التوتر يسيطر على الجزء العلوي من جسمي عندما كنت أجتاز طريقي حول السيارات المقبلة.

وكانت نتائج هذا القلق (والآلام التالية في رقبتي) فورية ومتواصلة. وكان الريف الآيرلندي رائعا، وكانت هناك كمية كبيرة متواصلة من التلال الخضراء المتوقعة والأدوية الأكثر خضرة، وبمجرد أن شعرت بالتعود على وسائل التحكم التي تحدث أصواتا متكررة في السيارة من طراز «فيات»، بدأت أشعر بالاستمتاع بطريقة التواء الطرق وضيقها حول الأركان، عبر الأنفاق الافتراضية للأشجار والشجيرات.

وعندما وصلت إلى قمة أحد التلال، وجدت شاحنة تعترض طريقي، وكان يمكن أن أشعر بفخر معين إزاء السرعة التي ضغطت بها على المكابح وسرعتي في العثور على جزء صغير من حافة الطريق لكي أنحرف إليه. وبعد ذلك، كنت أبحث عن ناقل الحركة باليد الخطأ. وقدت سيارتي قاطعا الأودية وهبطت وصعدت السفوح الجبلية، مستخدما الشمس لكي تبقيني على المسار الجنوبي - الجنوبي الغربي الوعر في اتجاه مقاطعة كيري، والعثور على مشاهد جديدة تختلف عن الأفكار التقليدية المعتادة عن آيرلندا وارفة الظلال. وبعد زيارة شلال باورزكورت بشكل غير متوقع، الذي يرسم صورة آيرلندية كلاسيكية كما يمكن أن تتوقعها، حيث تتواجد كل الصخور، والأدغال، والحقول المزروعة بنبات السرخس، والجداول البيضاء المندفعة، خفضت السرعة على طول لوحة عالية مجدولة بصفوف من الشجيرات الكثيفة في ظلال صفراء وأرجوانية: مثل أغرب منظر طبيعي يمكن أن أتخيله، وخصوصا تحت السماء الرمادية المنيرة في الخلفية بفعل الشمس الواهنة. وفي النهاية، اضطررت إلى التوقف بجانب الطريق، والتحديق في هذا المنظر البديع. وبعد ذلك، واصلت قيادتي للسيارة، وأصبح الطريق يمثل إدمانا متزايدا.

وقد كان طريقا قادني بعيدا عن المألوف. وعلى الرغم من أن اللافتات كانت باللغة الإنجليزية (وفي كثير من الأحيان باللغة الآيرلندية) فقد كانت لغة لم أتعرف عليها تقريبا، وعلى مدار 20 دقيقة في أحد الأيام، قدت سيارتي قاطعا مدنا متشابهة الأسماء باليورني وباليبون وباليريغ وباليروس وباليكويل وباليليرانس. وعبرت نهر غارغل (واسمه في الحقيقة دارغل، حسبما علمت لاحقا) ونهر سوك. ورأيت لافتات لمدن كلون وتوبر وإينش وفيوغ وسنيم.

وقد كنت غالبا ما أنطق هذه الأسماء فقط بصوت عالٍ في السيارة، وأكرر أصواتها غير المألوفة على لساني، وعلى كل، ظللت وحيدا لعدة ساعات ذات مرة. وفي بعض الأحيان، كان الاسم يخدعني بشكل كاف يدفعني إلى متابعته. وفي مقاطعة كورك، أخبرتني لافتة بأن مدينة باليغريفين كانت على الجانب الأيسر، فاتبعت اللافتة.

وقادني الطريق إلى أعلى وأعلى حيث وصلت إلى طريق فردي ظهر من نفق شجرة على منحدرات صخرية جرفتها الرياح. وكان العشب قد نما في منتصف الطريق، وزاد سمك شجرة الموهوك الخضراء هذه أثناء صعودي للطريق إلى أعلى. وكانت توجد منازل هنا ومزارع، ولكن مدينة باليغريفين بدت غامضة كمكان. وفي النهاية، انتهى الطريق تماما عند منزل موجود في أعلى الطريق، وعندما توقفت في طريق القيادة لكي أستدير، خرج مالك المنزل، الذي كان في سن التقاعد بشعره الأبيض ويديه السميكتين. وقال لي إن اسمه هو أو سوليفان، وإن عائلته عاشت هنا لأجيال.

وبعد ذلك بدأت السماء تمطر.

وكثيرا ما كنت أتساءل عما إذا كنت قد تعرضت لتضليل بشأن آيرلندا، التي كانت، بحسب المعلومات التي جمعتها من الكتب والأفلام، دولة يميل شعبها إلى المزاح والثرثرة ويكثر بها المتحدثون البارعون، وسكانها يميلون إلى الخطابة بشكل متفاخر، ولكن هل كانوا أسطوريين مثل الجان؟ أم هل تم استبدالهم بأشخاص انطوائيين قليلي؟ كان دانيال جونسون، مقدم البرامج الموسيقية في إذاعة «إف إم»، والمذيعون في الراديو هم رفقائي الدائمين، يتحدثون كل يوم تقريبا عن انهيار الاقتصاد الآيرلندي، وقلة الثقة في الحكومة وتزايد هجرة أفراد الشعب الآيرلندي إلى البلدان الأخرى. وبدا أنني قد سافرت إلى دولة غارقة في الكساد الاقتصادي والعاطفي، حيث يسيطر عالم الكاتب صامويل بيكيت وليس عالم الشاعر جيمس جويس. وحتى نكات المذيعين عن البابا جاءت سطحية.

ولكن هناك شيء كنت دائما ما أنساه بخصوص الوحدة، التي أثارتني في كل مكان من كنتاكي إلى كيوتو: عندما تقبل في النهاية بأنك مسؤول عن نفسك، وعندما لا تهتم بتكوين الصداقات، وعندما تحول اهتمامك إلى أشياء أخرى، يختفي الشعور بالوحدة.

وذات ليلة في بانتري، وهي مدينة جميلة واقعة على شاطئ البحر وليست بعيدة عن طريق مقاطعة كورك كيري، دخلت في حانة تشونر بمفردي، لأنني رأيت ملصقا يعلن عن فرقة محلية تدعى «Calvinists» (كالفينيون)، وهو اسم رائع، وخصوصا في آيرلندا الكاثوليكية. وبالتأكيد، فإن الكالفينيين (الذين اختاروا الاسم بسبب معارضة جون كالفين الكاملة للموسيقى) كانوا مدهشين؛ حيث عزفوا موسيقى الروك الصرفة مع لكنة محلية آيرلندية، في مجاملة لعازف آلة البانجو الشهير تيادهج بوركي، وفي نطاق يغطي كلا من جوني كاش وفرقة غوريلاز، بفضل صوت نويل ماغوير الانسيابي الرائع.

وصاح كورنيليوس، الرجل المسن الذي يقف بجواري: «إنهم سيكونون فرقة U2 المستقبلية». وقد صدقته، وكانت الغرفة بأكملها تهمهم بحماس وفخر. وقد كنت أمثل جزءا من هذا الحماس. وربما كانت هذه لحظة سوف أتذكرها بعد سنوات من الآن كواحدة من أهم اللحظات في حياتي. أو ربما كانت مجرد ثلاثة (أو أربعة) مكاييل من أطباق الدرنات الآيرلندية في نظامي الغذائي.

وبالمثل، قادتني رغبتي في الطعام إلى مدينة غالواي، وهي مدينة تقع على الساحل الغربي، التي قررت أنني أحتاج إلى تناول محارها لمعاينته، وعندها وجدت أطباق رخويات أكثر من مجرد لذيذة، ومقشرة بشكل طازج. وفي مطعم مارتينز، وهو مطعم وحانة قريبة في حي سياحي مختلف، استرعى اهتمامي بالمحار المحلي ذي الصدفتين (وهو محار لذيذ يشبه شكله حبة الخيار قليلا) انتباه مارتين نفسها، وهو الأمر الذي أدى إلى دخولي في محادثة داخل الحانة مع إيغين، مدير المطعم ذي الشعر الفضي، الذي كان يرتدي نظارات أنيقة، وراي، وهو تاجر رخويات من جزر آران الوعرة، الذي جعله شاربه المتدلي يبدو مثل مصور الأزياء، تيري ريتشاردسون.

كانت مواضيع المساء تدور حول رأيي بشأن «مسجد غراوند زيرو» (أرض برجي مركز التجارة العالمي)؟ وهل يجب أن يكون الممثل غابريال بيرن الرئيس الآيرلندي المقبل؟

إذا ذهبت إلى آيرلندا التجول

* السيارات المستأجرة في دبلن تؤجر بأسعار معقولة جدا. وإيجار السيارات التي تحتوي على ناقلات حركة عادية تبدأ بشكل جيد تحت سعر 20 يورو يوميا (نحو 27 دولارا، إذا كان اليورو يساوي 1.36 دولارا) في سلاسل محلات إيجار السيارات العالمية، مثل ثريفتي وإنتربرايز. ولكن إذا كان بمقدورك قيادة السيارات التي تعمل بناقلات حركة آلية، توقع أن تدفع ضعف هذا المبلغ تقريبا.

أين يمكن أن تأكل

* أفضل ما يمكنني قوله عن طعام الحانات الآيرلندية هو أنه يملأ البطن. وقد تكون قوائم الطعام مكتوبة بشكل جميل، ولكن لا تدع الوصفات المثيرة لسلالات الماشية والفواكه الجذرية تخدعك إلى طلب طاجن آيرلندي عديم النكهة. (وقد تأثرت مرتين، وهو ما كان يثير أسفي باستمرار). وحتى في مطعم مارتينز (الكائن في 21 كواي ستريت، غالواي؛ 662 - 565 - 91 - 353) التي أحببتها (والتقطت صورا للنادلات وأطباق المحار فيها)، تناولت فقط أطباق المحار والمقرمشات الفرنسية.

وقد أثرت أماكن قليلة في نفسي؛ حيث كان طبق بلح البحر الذي تناولته في مطعم سونغ، بمدينة بانتري (الواقع على رصيف رقم 50057 – 27 – 353) رائعا، مثلما كان حساء المأكولات البحرية الذي تناولته في مطعم جوني فوكس، بمدينة غلينكولين (الواقع على رصيف رقم 5647 - 295 - 1 - 353)، وبرغر كيري المصنوع من لحم الضأن، الذي تناولته في مطعم «سموك هاوس» بمدينة كيلارني (وعنوانه: 8 الطريق السريع؛ رصيف رقم 353 – 64 – 662 – 0801).

ولكن وجباتي المفضلة كانت عبارة عن مزيج من الخبز الطازج والفواكه والأجبان المحلية، التي كان من الصعب العثور عليها بشكل لا يمكن تفسيره، إلا في مطعم شيريدانز، بمدينة غالواي (14 – 16 شارع تشيرش يارد، والواقع على رصيف رقم 353 – 91 – 564 – 829).

ماذا تفعل خلال اليوم

* كان شلال «باروزكورت» الواقع في مقاطعة ويكلو (إينيسكيري؛ رصيف 353 – 1 – 204 – 6000) يستحق زيارة مدتها نصف ساعة، ونفس الأمر ينطبق على عزبة ومزرعة مولي غاليفانز، وهي عزبة ومزرعة ريفية تم ترميمها في مقاطعة كيري (طريق غلينغاريف رقم 71، كينماري؛ رصيف رقم 353 - 64 - 664 – 0714). ومع قضاء كل تلك الساعات في السيارة، انتهزت كل فرصة ممكنة للتنزه في أماكن مثلا وادي غليندالو (الواقع على رصيف رقم 353 - 404 - 45600) وغابة غواغان بارا، وهي غابة بها طرق محددة بشكل جيد. وعندما كنت أشاهد منتجات صوفية معلنا عنها، كنت أتوقف لرؤية ما كان معروضا. وكانت السترات المنسوجة بشكل معقد والمصنوعة في جزر آران تباع في شتى أنحاء آيرلندا، ولكن ستراتي المفضلة كانت من إنتاج شركة تدعى «لي فالي» في مقاطعة كورك.

* خدمة «نيويورك تايمز»