«فلك نوما» مرآة السماء.. وإقامة بضيافة أغنى رجل في العالم في الثلاثينات

أفخم قصر في الهند يتحول إلى فندق

تصميمات تمزج ما بين العراقة والحداثة
TT

تخيل الاستجمام في غرف خاصة بقصر محبوب علي خان، نظام الملك السابق في مدينة الهند الجنوبية، حيدر آباد. وقد أعلنت مجلة «التايم» النظام السابع أغنى رجل في العالم عام 1937 بثروة تقدر بملياري دولار، قد يجعل المرء على استعداد لإنفاق 500.000 روبية (ما يزيد على 11.000 دولار) في اليوم الواحد.

أصبح فندق «قصر فلك نوما» أفخم القصور المتخذة كفندق في الهند. وكان «قصر فلك نوما»، الذي بني في القرن التاسع عشر، جوهرة الميراث الملكي لنظام حيدر آباد وتم تجديده ليصبح فندقا «سبع نجوم» تابعا لمجموعة «تاج» يليق باستقبال الأثرياء والمشاهير.

تعني كلمة «فلك نوما» باللغة الأوردية «مرآة السماء» لأنه بني على ارتفاع 2000 قدم فوق تل كوهينور بين السحاب وتتجلى من خلاله الأحوال المتغيرة للسماء. وتبلغ مساحة القصر والأرض المحيطة به 32 فدانا وتبلغ المساحة المبني عليها 19.400 متر مربع. ويمكنك حاليا الاستمتاع بخدمة الضيافة في القصر، الذي كان يوما مقصورا على الأسرة المالكة، مقابل سعر محدد، كذلك ستحظى باستقبال ملكي بعربات تجرها الخيول والزهور عند دخولك القصر.

وقد ظل القصر، الذي كان يوما مملوكا للشريف محبوب علي خان (1869 - 1911)، مهجورا بداية من 1911 إلى أن أعيد إحياؤه بعد قرن. واستغرقت عملية التجديد 10 سنوات من العمل المضني الذي قامت به مجموعة فنادق «تاج» لتبث الحياة في القصر، الذي يتخذ هيئة عقرب ومغطى بالرخام بالكامل.

ورغم أن هذا القصر هو رابع القصور التي تحولها مجموعة «تاج» إلى فنادق فاخرة، يقول المديرون التنفيذيون في المجموعة إن «قصر فلك نوما» يعد نموذجا فريدا للعظمة والفخامة.

وقد عرف أن ما قامت به مجموعة «تاج» من تجديدات وتنظيف وترميم في القصر كان بهدف الحفاظ على هويته القديمة والإحساس بأنه يعود إلى قرن مضى، فقد استجلبت أواني فخارية فاخرة وتم تصنيع أثاث ذي تصميم خاص واستيراد السجاد من تركيا تتناسب والستائر القديمة. فضلا عن ذلك، تم تجديد المكتبة التي تضم نحو 6 آلاف كتاب ومخطوطة، محفوظة جميعها على ما يبدو بالطريقة التقليدية، وتغطية الأرضيات بخشب البلوط وطلاء الجدران بطلاء مصنوع يدويا واستجلاب ملاءات مصنوعة من القطن المصري طويل التيلة والأثاث ذي الطراز القديم. وقد وصف القصر على الموقع الإلكتروني الرسمي له بأنه أقرب صورة للحياة الملكية التي يمكن للنزيل أن يحصل عليها.

ويشير ناييم في كتابه «القصور الملكية في عهود النظام» إلى استضافة شخصيات ملكية مثل الملك جورج الخامس، ملك إنجلترا والملكة ماري وأمير وأميرة ويلز وحكام الهند ودوقات النمسا وروسيا آنذاك. واستغرق تجديد مجموعة «تاج» للقصر التاريخي ما يزيد على عشر سنوات وتكلف الجديد مليار روبية. وبذل عدد من الشركات والخبراء في مختلف المجالات، مثل البناء والأثاث المزخرف الأخضر والأقمشة المطرزة والسجاجيد واللوحات والثريات الإيطالية والإضاءة والصوت، جهدا مضنيا في هذا المشروع. وعندما تنظر إلى كل الستائر المطرزة والنقوش الرخامية والإطار المطلي بالذهب وخزانات الفضة وكل ثريا تتكون من ألف قطعة، يبدو مبلغ المليار روبية زهيدا.

وقد صرح مسؤولو القصر الفندق لي قائلين: «كان يعمل 800 شخص في هذا المشروع عند وصلت مرحلة الترميم إلى الذروة». وقال رانجيت فيليبوس: «تم إحضار الخيوط من أجل صناعة السجاجيد في القصر وصبغت 300 مرة حتى تشبه العمل الأصلي».

وبالمثل، استغرق ترميم لوحة الفسيفساء بسقف إحدى القاعات عاما ونصف العام. وما يجعل هذه اللوحة فريدة من نوعها هو أنها مجسمة وتتبعك عيون النسر بها أينما تحركت في القاعة.

وبحسب ورقة من كتاب محبوب علي خان، النظام السادس، الجزء الداخلي من الأدراج في التسريحات مكسو بالحرير. ويقول شارون فيرناندز، أحد المديرين التنفيذيين بالفندق: «لقد غطى النظام الجزء الداخلي من الخزانة حتى لا تتأذى زوجته من قطع الخشب الصغيرة المسننة. وقد أحطنا نزلاءنا بهذه الرعاية».

وتم الاحتفاظ ببعض الغرف القديمة في القصر بما في ذلك غرفة «الهمسة الصينية»، حيث اعتادت السيدات من الأسرة المالكة إمضاء الوقت في الحديث وجناح «بيغام» والمكتبة وستكون مفتوحة للنزلاء. ويضم القصر بين جنباته أشياء مميزة أخرى، مثل أكبر مجموعة من الثريات الإيطالية التي يقال إن تنظيفها تطلب 138 عاملا وثريا أوسلر، فضلا عن أربعين ثريا أخرى تزين القاعات.

تم تحويل الغرفة التي كان النظام يتناول بها طعام الإفطار إلى قاعة اجتماعات لعقد اجتماعات مجلس الإدارة.

كذلك يضم القصر عددا كبيرا من التحف والأعمال الفنية النادرة تمكنت مجموعة «تاج» لحسن الحظ من الحصول عليها ضمن عقد إيجار القصر وهو ما أضاف إلى بهاء الفندق. ومن ضمن هذه المقتنيات أورغن ملكي نادر يمكنه إصدار 45 نغمة مختلفة في الوقت نفسه وأطول مائدة سفرة في العالم تضم 101 مقعد وغرفة بلياردو وثلاجات أصلية من إنتاج شركة «جنرال إلكترونيك» وأول مضخة نفط في حيدر آباد، إضافة إلى عملية تجديد القصر، تم بناء مجموعة جديدة من الغرف تطل على جناح النساء الخاص بالقصر الأصلي بشكل يجعل من الصعب تمييزه عن البناء القديم.

يسمى البناء الجديد «قصر موغرا». ويتكون القصر الواسع من 60 غرفة، من ضمنها 15 جناحا من أفخمها «جناح نظام الملك» أو «الجناح الرئاسي الكبير» وهو جناح مزدوج ملحق به حمام سباحة وحديقة خاصة وغرفتان منفصلتان للجلوس وتناول الطعام وأفخم وأكبر غرفة نوم وستتكلف الإقامة به مبلغا طائلا، حيث تبدأ من 500.000 روبية في الليلة، إضافة إلى الضرائب.

لكن لا تحبط، فهناك غرف أخرى لمن هم دون ذلك مكانة، تبدأ تكلفة الإقامة بها من 25.000 روبية في الليلة، إضافة إلى الضرائب. ومع هذا يعد هذا ثمنا بخسا بالنظر إلى عملية التجديد التي تمت بمنتهى الدقة لقصر مهمل ترك لعبث الزمن وعوامل التعرية.

وقد افتتح الفندق رسميا في نوفمبر (تشرين الثاني) في حضور شخصيات متميزة، منها الأمير نوكارام جان، النظام الثامن وراتان تاتا، رئيس مجموعة شركات «تاتا» والأميرة إسرا، الزوجة السابقة لنظام الملك من تركيا. وقد حصلت على دعوة مسبقة لمشاهدة القصر المنيف.

عاد القصر إلى الحياة مرة أخرى بعد نحو قرن من وفاة الملك بطلائه المائل إلى الزرقة ويتكون من 300 طبقة وهو لون الجدران نفسه عند بنائه عام 1890 وحديقته المطورة والممرات التي تم تجديدها والثريات البلجيكية اللامعة والسجاجيد واللوحات المرممة التي تعود إلى القرن التاسع عشر والمكتبة التي تضم 5000 كتاب كلاسيكي ومخطوطة متميزة. يقول فيليبوس: «إنه لأمر مؤثر أن تشاهد القصر يعج بالناس بعد كل هذا العمل المضني».

ورغم تحويل مجموعة «تاج» بالفعل ثلاثة قصور، وهي «أوميد»، «بهاوان» و«رمباغ» في راجاستان، إلى فنادق سيكون «قصر فلك نوما» أفخمها وتكلفة الإقامة به ستكون الأعلى، ومن المتوقع أن يكون الاختيار الأول لرجال الأعمال والسائحين المميزين.

يمزج القصر بين الملكية والأصالة والعصرية من خلال أثاثه المطعم المزخرف ومجموعة المنسوجات الجدارية اليدوية الخضراء والأقمشة المطرزة الفرنسية ولوحات الفسيفساء المليئة بالتفاصيل.

تعطي قاعة دوربار والشرفة الخضراء وغرفتا تدخين النارجيلة والبلياردو لمحة عن نمط حياة نظام الفاخر. يقول سينغ: «كل شيء معد خصيصا للقصر من أجل نزلائنا وقد اخترنا عطر الياسمين ليصبح العطر المميز الذي يعبر عن عبق حيدر آباد». سيكون في الفندق مطعمان: «أداس» و«سيليستا» وسيقدم مأكولات من المطبخ الهندي ودول البحر المتوسط. ويضيف فيليبوس: «هذا القصر معد خصيصا للنزلاء ولن نسمح بتصوير أي فيلم هنا. لقد حاولنا استعادة عبق القصر».

ولا يقل الصوت في الغرفة روعة عن الثريات البهية وأعمال الخشب، حيث يمكن أن يسمع نظام الملك، من مقعده الأكثر ارتفاعا عن بقية المقاعد إلى حد ما، أقل حديث هامس في أقصى الطاولة على حد قول سينغ الذي يضيف أن الغرفة تتسع لأربعين شخصا.

وتساعد السلالم العظيمة والأرضيات الفاخرة والمنسوجات الجدارية المزخرفة والمفروشات والغرف الملكية فائقة الجمال على خلق إطلالة رائعة على المدينة. يقول سينغ: «هذا القصر كان أول قصر في البلد يضم ثلاجة من إنتاج (جنرال إلكترونيك) وهاتفا به نظام تحويل المكالمات. هناك أيضا حوض استحمام أصلي يعود إلى زمن نظام الملك». يبدو القصر مثل فيللا على الطراز الإيطالي أو منزل ريفي كبير لرجل إنجليزي من النبلاء متأثر بحب القارة الهندية.

لم يبن «قصر فلك نوما» كمقر رئيسي للحاكم وبدأ بناؤه في 1884 بتكليف من فيكار العمرة، رئيس وزراء حيدر آباد آنذاك، الذي أراد للقصر أن يكون للترفيه في ضواحي حيدر آباد بحيث يستطيع نبلاء حيدر آباد أن يشعروا فيه بالراحة أثناء مقابلة الأوروبيين.

وقد تم تصميم القصر بحيث يثير الإعجاب لذا كان كبيرا. ونظرا لأنه كان مخصصا لاستقبال الأوروبيين والهنود، تأثر كثيرا بالطرز المعمارية الغربية، خاصة بنظام بلاديو، ولهذا يبدو القصر مثل فيللا أو بيت ريفي أوروبي في حين أنه قصر هندي في واقع الأمر.

اشترى نظام الملك القصر مقابل مليوني روبية عام 1897 واستخدمه كمنزل للضيوف الأجانب وكان من بين الذين حلوا ضيوفا عليه أو من قضوا أوقاتا سعيدة به، الملك جورج الخامس عندما كان لا يزال أمير ويلز ولم يصبح ملكا بعد ودوق روسيا وولي عهد ألمانيا، إضافة إلى آخرين.

ثم قامت الأسرة المالكة لحيدر آباد بتأجير «قصر فلك نوما» إلى مجموعة فنادق وقصور «تاج» عام 1998. وكانت الجدران السميكة للقصر المبنية من الحجر الجيري والخليط الإسمنتي تتساقط. وأضحت ألوان الأسقف، المرسوم عليها لوحات لرسامين أوروبيين في منتصف القرن التاسع عشر باهتة وأصبحت السجاجيد مهترئة والمبنى كان يتداعى مع إغلاق كل نافذة وباب بالشمع الأحمر. كنت أرى بعيني شبكات العناكب بحجم ملاءات السرير تتدلى من أركان سقف الغرف. وكانت الهياكل الخشبية للأرائك والمقاعد ذات الطراز الفيكتوري تصطف على الأرضيات الخشبية بينما يأكل النمل الأبيض قماشها المطرز. وغزت الأدغال النافورات الجافة وساريات تساقط الطلاء عنها في زوايا غير عادية.

وكان هذا ما شاهده ويليام دالريمبيل، الذي كتب عن الهند، عند زيارته لـ«قصر فلك نوما» الذي يقع على منطقة مرتفعة من مدينة حيدر آباد، عام 1997.

كانت حيدر آباد مدينة تتمتع بحكم شبه ذاتي قبل استقلال الهند وكان اقتصادها آنذاك في حجم اقتصاد بلجيكا وكان بها خطوط سكك حديد ومكاتب بريد وعملة. وكانت الأسرة الحاكمة التي كانت ثروتها تأتي من باطن الأرض: مناجم الألماس القريبة في غولكوندا التي تنتج أشهر أنواع الأحجار الكريمة بما في ذلك كوهينور الذي يقع تحت الاحتلال البريطاني حاليا. يقال إن «قصر فلك نوما» شهد آخر مرة يستخدم فيها النظام ماسة جاكوب التي يبلغ حجمها 184 قيراطا لوضعها على الأوراق حتى لا تتطاير أثناء قيامه بعمله على مكتبه.

واختفت الماسة، مثل ماسات أخرى كثيرة، عام 1967 بعد وفاة النظام حتى وجدها حفيده ووريثه في حذاء رجل عجوز. وتقدر قيمة الماسة بـ200 مليون دولار.

من الأمثلة الدالة على تأثير العصر الإليزابيثي على القصر وجود حمام به دش مزود بمعطرات جو وخزانات عليها نقوش ذهبية و11 نوعا من الخشب مستخدمة في صناعة الأرضيات والأثاث بالإضافة إلى سجاجيد من نيوزيلندا وسلالم خشبية مطعمة ونافورات رخامية من مدينة كرارا ومصابيح ضخمة من تشيكوسلوفاكيا.

يقدم «جيفا» المنتجع الذي يحمل بصمة مجموعة «تاج» ما يطلق عليه علاج «ناواب إي خاس» الذي يتضمن وضع عجينة مصنعة من الزعفران وبذور الخشخاش واللوز ومواد خام أخرى تستخدم في مطبخ حيدر آباد. ويضم كل ركن من غرف القصر عملا فنيا ويبدو كل مقعد ومنضدة ذات طراز قديم. وبدأت أتساءل إذا ما كان القصر على هذا القدر من الروعة في زمن من حملوا لقب نظام الملك (فقد كان يعرف بعضهم بالبخل الشديد).

من غير المرجح أن يحصل الجميع على الراحة الموجودة في القصر فهو شديد الفخامة، ويعد مدينة الأحلام حتى في مدينة تسودها ثروات قديمة وحديثة العهد ذات حدود واضحة.

سيصبح القصر بغرفه الستين فقط أكثر القصور المحولة إلى الفنادق تميزا في الهند. ونظرا لعملية التجديد الرائعة التي مر بها القصر، سيقدم الفندق لنزلائه تجربة من الصعب أن يستمتعوا بها في أي مكان في العالم.