«رهان» حول سان موريتز إلى مقصد سياحي شتوي

فيها أول قصر في أوروبا وأول نور كهربائي في سويسرا

«الباراغلايدنغ» من بين أكثر الرياضات إثارة في سان موريتز
TT

عندما تصل إلى مدينة سانت موريتز الواقعة إلى الجنوب من كنتون غريزونز عند وادي إنغادين السويسري تختلط عليك الأمور، هل هي مدينة أم قرية؟ هل هي منتجع أم عاصمة كبرى؟ وذلك لأنها تضم المقومات التي تجعل منها قرية كونها تقع في قلب الوادي وتحيطها جبال الألب من كل صوب وعلى علو 1800 متر عن مستوى البحر، ولكن في نفس الوقت تراها مدينة راقية تشبه كبرى العواصم مثل باريس ولندن لأنها تضم محلات تجارية تبيع أغلى وأهم الماركات العالمية وتزين شوارعها وطرقاتها أفخر أنواع السيارات وأغلاها ثمنا، وهي في نفس الوقت أيضا منتجع سياحي من الطراز الأول لأنها تضم 7 فنادق من فئة 5 نجوم و23 فندقا من فئة 4 نجوم. كما تعتبر سان موريتز مهد الرياضات الشتوية والصيفية على حد سواء، فمنها انطلقت الرياضات الشتوية وأول بطولات في التزحلق على الجليد في أوروبا والألعاب الأولمبية الشتوية، ومنها أيضا انطلقت رياضة الكورلينغ في القارة الأوروبية كلها، ومنها أيضا انطلقت مباريات لعبة الغولف في جبال الألب، وهي أول من عرف القطار الكهربائي، إضافة إلى أن أهالي سان موريتز هم أول من تعرف إلى النور الكهربائي، معتمدين بذلك على البحيرات الكثيرة المنتشرة في المنطقة.

سان موريتز مدينة قديمة سميت كذلك تيمنا بالقديس القبطي الأرثودوكسي موريس، اكتسبت شهرتها في بادئ الأمر بعدما زار العالِم باراسيلسوس فون هوهنهايم في عام 1553 ينابيع المياه المعدنية في المدينة التي تم اكتشافها في العصر البرونزي، ووصف حينها العالِم المياه على أنها المياه الأكثر إفادة للجسم نسبة لغناها بالمعادن، وأطلق على ينابيع موريشس في سان موريتز لقب الينابيع الأفضل في أوروبا، وذاع صيت سان موريتز حينها لتصبح الوجهة العلاجية الأهم في أوروبا، وكان يقصدها السويسريون من مختلف الكنتونات وباقي الشعوب الأوروبية رغبة في تلقي العلاج الطبيعي، وتطورت المنطقة لتصبح بعدها وجهة سياحية صيفية، وبني أول فندق في المدينة في عام 1864 وكان مؤلفا من طابقين، وكانت المدينة تعج بالسياح والزوار في فصل الصيف فقط إلى أن خطرت فكرة ببال الأرستقراطي يوهانس بادروت صاحب قصر بادروت الذي تحول اليوم إلى فندق من فئة 5 نجوم بعد أن كان أول قصر في أوروبا، بأن يعرض الرهان على النزلاء البريطانيين الذين كانوا يقصدون القصر للإقامة في فصل الصيف للتمتع بالمناظر الطبيعية وشرب المياه المعدنية للعلاج، وعرض بادروت على الزوار الإقامة في القصر في فصل الشتاء مجانا إذا استطاعوا قضاء فترة الشتاء كلها، فرأى البريطانيون بأن الرهان فكرة جيدة ولن يكلفهم أي شيء لأن بادروت عرض عليهم الإقامة بالمجان، وكانت القصة رهانا ليس أكثر ولا أقل.

وما إن جاء فصل الشتاء حتى استمر البريطانيون في الإقامة ابتداء من ليلة عيد الميلاد في ديسمبر (كانون الأول) ولغاية عيد الفصح بداية فصل الربيع، وتحولت بعدها تلقائيا سان موريتز إلى مقصد سياحي شتوي يأتيه الزوار للتمتع بالمناظر الجميلة والجبال التي تغطيها الثلوج وممارسة شتى أنواع الرياضات الشتوية.

الجميل والمميز في سان موريتز أنها وجهة ذات وجهين سياحيين، فإذا زرتها في الصيف سوف تكون الطبيعة الغناء الخضراء والبحيرات بانتظارك، ولكن إذا اخترت زيارتها في فصل الشتاء فسوف تشعر وكأنك تزورها للمرة الأولى في حياتك، فمن الصعب أن تصف لزائر سان موريتز في الشتاء بأن ما يظنه حديقة شاسعة يتمشى في ثناياها هي بالفعل البحيرة الكبرى في وسط المدينة تجمدت مياهها بسبب انخفاض درجات الحرارة، وهنا تشرح سارة، المسؤولة في مكتب السياحة في «إنغادين سان موريتز»، بأن المتنزهين يعرفون بأنه من الممكن المشي على البحيرة المتجمدة عندما يرون المقاعد تطفو على السطح، والبحيرة غالبا ما تتجمد في أوائل شهر ديسمبر وتستمر بذلك لغاية شهر أبريل (نيسان) تقريبا، وتضيف سارة بأنه ليس هناك أي قوانين تفرض المشي أو عدم المشي على البحيرة، ولكن بمجرد رؤية أرجل المقاعد تغرز في الجليد فهذا يعني بأن هناك خطورة في المشي على سطح البحيرة لأن مياهها تكون في مرحلة الذوبان تحضرا لفصل جديد.

سان موريتز هي مقصد مهم للنجوم والمشاهير، لأنها تضم عددا من الفنادق والمطاعم الراقية، كما أنها تضم عدة نقاط مخصصة للتزلج، وهذا ما يناسب المشاهير الذين ينعمون هناك بالخصوصية التامة.

أهم الزيارات: أفضل شيء يمكن أن تقوم به في سان موريتز في أول يوم تزورها فيه هو اكتشافها مشيا على الأقدام، فالشعب السويسري مضياف في هذا الكنتون، سوف تفاجأ بكل من تلتقي به في طريقك يلقي عليك التحية، ابدأ مشوار المشي عبر الحديقة الممتدة من فندق «كيمبينسكي» مرورا بالبحيرة المتجمدة المحاطة بالجبال الشامخة ويشرف عليها فندق «بادروت بالاس» الذي يعتبر بمثابة رمز في المدينة، وفي طريقك لا بد أن تأخذ قسطا من الراحة في أحد المراكز الصحية للعموم، حيث يمكنك شرب المياه المعدنية لتشعر على أثرها بالنشاط والحيوية، وبعدها تنطلق في رحلة الاستكشاف عبر العربات الكهربائية التي تأخذك في رحلة بانورامية تتعرف من خلالها على أعلى قمم الألب في الكنتون، وتصل بعدها إلى محطة كورفيليا. وعندها يكون قد حان وقت الاستراحة، لذا أنصحك بالجلوس على «التراس» الخارجي (إذا ما سمحت الظروف المناخية لذلك) لمطعم «لا مارميت»، ومنه سوف تتمتع بأجمل المناظر الطبيعية وبمنظر المتزلجين وهم يمخرون عباب الثلوج الأبيض الناعم.

ويعتبر مطعم «لا مارميت» من أفضل المطاعم الموجودة في جبال سان موريتز ويتولى فيه الطاهي ريتو ماتيس مسؤولية ابتكار الأطباق السويسرية، وهنا يجب أن أشير إلى أنه أثناء زيارتك لسويسرا لا بد أن تنسى موضوع الحمية وعد السعرات الحرارية، فبحسب السويسريين فإن البرد وتدني درجات الحرارة يساعد على حرق السعرات الحرارية بسرعة على الرغم من تناول الأطباق التي تغرق في الأجبان والخبز والبطاطس والدسم.

إذا كنت من هواة التزلج سيكون باستطاعتك العودة إلى أسفل الجبل من تلك النقطة عبر التزلج، أما إذا كنت من أصحاب القلوب القوية مثلي فأنصح بالقيام بمغامرة رائعة عبر المظلة «الباراغلايدينغ»، إنها مغامرة جميلة جدا، يمكنك من خلالها رؤية روعة المكان من جميع الجوانب، وستكون بصحبة طيار متمكن، وليس من الضروري أن تكون متمرسا في ذلك وأن تكون قد قمت بالطيران من قبل، يكفي أن تستمع لنصائح الطيار وفعل ما يمليه عليك من تعليمات.

تستمر الرحلة لنحو 15 دقيقة، في بادئ الأمر تشعر بالخوف ولكن سرعان ما تشعر بعدها بالغبطة، وتوجد كاميرا مثبتة على أحد أجنحة المظلة ترصد الرحلة وتلتقط الصور، فاحرص على إبداء الشجاعة لأن الكاميرا سوف تفضحك عندما يعطيك الطيار شريحة إلكترونية تحتوي على جميع لقطات الكاميرا طيلة وقت الرحلة. يبلغ ثمن الرحلة نحو 280 فرانكا فرنسيا للشخص الواحد.

وبعد يوم حافل بالمشي والرياضة سيكون قد حان وقت التسوق وتناول الشاي بعد الظهر، فأنصحك بالتوجه إلى فندق «بادروت بالاس»؛ فهو قصر يشهد تصميمه الرائع بالرقي، يسمح بزيارته بثياب التزلج والألبسة «السبورت»، ولكن يمنع الجلوس في البهو الرئيسي بالجاكيتات، فمن المستحسن ترك الجاكيت مع العامل في مكتب الاستقبال، كما يمنع التصوير داخل القصر. القصر أو الفندق من الداخل هو أشبه بمتحف ويضم قطعا فنية فريدة من نوعها في العالم، وتزين جدرانه لوحات ممهورة بريشة رسامين معروفين جدا.

يكفي أن ترتشف القهوة أو الشاي في أجواء هادئة وأنت تطل على مشهد البحيرة المتجمدة والحركة لا تتوقف عليها، فترى المشاة يتبخترون فوق سطحها والأحصنة تتدرب لمباراة «بولو»، وترى أيضا لاعبي الهوكي وغيرهم من الرياضيين يتهيأون لمباراة ما.

موقع الفندق مميز جدا كونه يقع على هضبة مطلة على مدخل المدينة، كما أنه مجاور لشارع التسوق الأغلى في المنطقة، وسوف تفاجأ بأناس بلباس التزلج يتبضعون في محلات «لوي فيتون» أو «شانيل»، وبعدها يذهبون إلى محلات «ميوميو»... ومن ذلك الشارع تنطلق في رحلة جميلة للمشي في أزقة صغيرة توصلك إلى الأعلى وترى المحلات التجارية متراصة على جانبيها، ولا بد أن تسرق نظرة أو تشرب الشوكولاته الساخن في «conditorei hanselmann» في شارع «via Maistra». ويعتبر هذا المكان المتخصص لبيع الخبز على أنواعه والشوكولاته من أهم العناوين التي يقصدها المشاهير من كل بلاد العالم، كما يعتبر المحل عنوانا رئيسيا في أجندة الذواقة والزوار أصحاب الميزانية العالية.

ومن الأماكن المهمة أيضا في سان موريتز رؤية البرج المائل الذي يذكرك ببرج «بيزا» في إيطاليا، ويقع في «chesa future»، وهو من تصميم السير نورمان فوستر ويعتمد في تصميمه على الرؤية الهندسية المستقبلية.

في المساء سوف تقف حائرا أمام الكم الهائل والخيار الواسع لتناول العشاء في مطعم جيد، ففي سان موريتز توجد عدة مطاعم حاصلة في ما بينها على ما مجموعه 3 نجوم ميشلن و434 «غولتميو»، وتضم بلدية إنغادين 300 مطعم، وهذا عدد ضخم لوجهة سياحية صغيرة الحجم مساحتها 998 كيلومترا مربعا، ولا يتعدى عدد سكانها 16 ألفا و800 مواطن، بمن فيهم الزوار.

من الأشياء المميزة التي يجب القيام بها في سان موريتز رحلة في عربة مكشوفة تجرها الأحصنة تأخذك إلى حيث تشاء في المساء، فاخترنا أنا وأصدقائي أن تقودنا العربة المجهزة بأغطية مصنوعة من جلد الخراف الطبيعي إلى مطعم صغير تابع لفندق يضم 8 غرف فقط في مكان لا تصل إليه السيارات إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك. الرحلة أشبه بقصص الأحلام، وساعد في ذلك منظر البدر المكتمل وصوت أجراس الأحصنة، الرحلة في المساء لكن الظلام الدامس لا يعيق التمتع بالمناظر الجميلة ورؤية المصابيح الصغيرة التي تزين الجبال والبيوت التي تبدو وكأنها محفورة فيها.

تصل إلى مطعم «lej da staz»، وتركض إلى الداخل بسرعة لأنك وبصراحة سوف تشعر وكأن الدم قد تجمد في عروقك تماما مثلما تجمدت مياه البحيرات في المنطقة، وستكون رائحة الطعام الجبلي بانتظارك، مأكولات دافئة جدا وأطباق تقدم بطرق لم أرَها من قبل ولو في أهم المطاعم العالمية، تبدأ بحساء القش (التبن). نعم، القش، الممزوج بالحليب وجاء في الحساء في كوب يشبه كوب الحليب وينتصب في وسط صحن يزينه القش. المأكولات في هذا المطعم هي عبارة عن مفاجآت متتالية، فيأتي الطبق الرئيسي المؤلف من القمح (بولينتا) واللحم البقري والجبن في برطمان للضغط، الفكرة رائعة وتشعرك فعلا أنك تأكل مأكولات الجبل والشتاء.

وبعدها ترجع إلى دفء الفراش ونعومته في فندق «كيمبينسكي غراند هوتيل دي بين» الذي يعتبر من أقدم الفنادق في سان موريتز وهو اليوم من أرقاها، وخضع الفندق لأعمال البناء وتجديد الديكور في عام 2001، وتمت المحافظة على تاريخ الفندق العريق الذي بدأت فيه قصة الاستحمام وشرب المياه الشافية المعدنية ولا تزال توجد في أسفله نافورة صغيرة تبين مصدر انبعاث الماء، ويتمتع الفندق أيضا بمركز صحي، وفاز بجائزة عن تقديم أفضل وجبه فطور في سويسرا كلها، وللمدخنين يقدم فرصة نادرة في أوروبا، إذ تجد فيه غرفة بتصميم جميل واسعة مخصصة للتدخين، ويضم الفندق أيضا عدة مطاعم راقية مثل مطعم «Enoteca» و«ca d›oro».

للوصول إلى سان موريتز يمكنك ذلك عن طريق مطار زيورخ وتستقل بعدها القطار وتستغرق الرحلة 3 ساعات و21 دقيقة، وتسير شركة «سويس» للطيران رحلات كثيرة يومية من جميع أنحاء العالم. وإذا كنت قادما من منطقة أخرى من سويسرا يمكنك الوصول عبر القطارات المنظمة، وإذا كان لديك متسع من الوقت فلا بد من المجيء على متن قطار «الغلاسير» الذي يعتبر أبطأ قطار في العالم، وتستغرق الرحلة على سبيل المثال من زيرمات إلى سان موريتز نحو تسع ساعات تتمتع خلالها بأجمل المناظر الطبيعية، وتقدم على متنه وجبات الغذاء والمشروبات طيلة النهار.

عناوين مهمة: www.engadin.stmoritz.com وwww.kempinski - stmoritz.com وwww.lejdastaz.ch وwww.badruttspalace.com وwww.glacierexpress.ch للحصول على معلومات إضافية عن سويسرا يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.myswitzerland.com