كوالالمبور تحول بوكيت بنتانغ إلى «شارع العرب»

تحت شعار «اشعر بأنك في بلدك»

جهود رسمية أسهمت فيها وزارة السياحة الماليزية بقرارها تغيير تسمية هذا الشارع من بوكيت بنتانغ إلى شارع العرب
TT

ينتابك شعور وإحساس عميقان وأنت تجوب للوهلة الأولى شارع بوكيت بنتانغ بوسط العاصمة الماليزية، كوالالمبور, الذي يُعرف اليوم بشارع العرب، بأنك تتجول في شوارع إحدى العواصم العربية أو الخليجية، فكل ما في هذا الشارع من زوار عرب بأزيائهم التقليدية ومطاعم ومقاه ومحلات تجارية وغناء وموسيقى ولافتات ولوحات يبدو عربي الطابع والمزاج بامتياز.

والواقع أن تخصيص شارع للعرب في العاصمة الماليزية يعد محصلة جهود رسمية، أسهمت فيها وزارة السياحة الماليزية بقرارها تغيير تسمية هذا الشارع من بوكيت بنتانغ إلى شارع العرب منذ عام 2004، بعد أن أضحى زوار ماليزيا من العرب أحد المكونات والملامح الرئيسية لهذا الشارع.

ومنذ ذلك الوقت والجهود الرسمية لتعريب الطابع الثقافي والسياحي لهذا الشارع تمضي بوتيرة متسارعة، كجزء من حملة عنوانها «اشعر بأنك في بلدك»، أطلقتها وزارة السياحة الماليزية بهدف تقديم خدمات ذات طابع وخصوصية لمرتادي هذا الشارع، شملت إيجاد مطاعم ومقاه تقدم الوجبات والمشروبات العربية، وفنادق كيفت لتلبي متطلبات الذوق العربي في السكن والضيافة, بالإضافة إلى تعريب لوحات ولافتات المحلات التجارية ومراكز التسوق، وتنظيم فعاليات ثقافية وموسيقية لفنانين عرب في هذا المنطقة.

شارع بوكيت بنتانغ سابقا وشارع العرب حاليا، يقع في منطقة المثلث الذهبي، التي هي القلب النابض للعاصمة كوالالمبور، فهي تضم أبرز المعالم السياحية، بدءا من برجي بتروناس الشهيرين ومنارة كوالالمبور، مرورا بأبرز المراكز التجارية العالمية («بافليون كوالالمبور»، «هارودذ»، «سكوير تايم»، «سوغو» وغيرها)، وليس انتهاء بأهم وأضخم الفنادق إلى جانب حديقة الفراشات ومركز الفن الحديث ودار الأوبرا، وغير ذلك من معالم المدينة السياحية التي تأتي زيارتها على رأس أجندة السياح والزوار.

لكن للسياح والزوار العرب إسهامهم أيضا في تسمية هذا الشارع الحيوي باسمهم، مما جعل الخطوة الرسمية لوزارة السياحة الماليزية في هذا السياق أمرا مستحقا، فقد ظل هذا الشارع على مدى العقدين الماضيين وجهة الزوار العرب الأولى والمفضلة في كوالالمبور، يحرصون على السكن والإقامة في الفنادق المنتشرة على جنباته أو بالقرب منه، ويتسوقون في المراكز التجارية الضخمة الموزعة على ضفتيه، ويستمتعون بتناول وجباتهم في مطاعمه العربية على وقع ألحان أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم حافظ ووديع الصافي ونانسي عجرم وهيفاء وهبي والشاب خالد وغيرهم من ألمع الأسماء في الطرب والغناء العربي، ولا يملون تبادل المعلومات بشأن الحياة فيه ومميزاتها عبر الشبكة العنكبوتية، كل هذا الوجود والتواجد العربي فرض بعدا ثقافيا لم تجد معه وزارة السياحة الماليزية بدا من تسمية هذا الشارع بشارع العرب، على الرغم من أن عدد زوار ماليزيا من العرب يعد محدودا حتى الآن مقارنة بعدد زوراها من الجنسيات الأخرى، لكن هذا العدد في تزايد مضطرد؛ فإحصائيات وزارة السياحة تشير إلى أن عدد السعوديين الذين زاروا ماليزيا العام الماضي 2010 فقط بلغ 86 ألفا و771 زائرا، بزيادة نسبتها 12.6 في المائة عن عام 2009.

لكن للاهتمام بالسائح العربي، الذي هو ضيف مدلل يحظى بالترحاب والاحترام والتقدير أينما حل وذهب، يحرص الكل على خدمته وتوفير أسباب الراحة له، لهذا الاهتمام أسباب أخرى يكشف عنها السيد شمشول حسن اليافعي، مدير التسويق السياحي بالقنصلية الماليزية في جدة، بقوله إن بلاده تحرص على استقطاب المزيد من الزوار العرب والمسلمين، للعمل على تعزيز الروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية التي تجمع ماليزيا مع الشعوب العربية والإسلامية، وتمكين هؤلاء الزوار من الوقوف على تجربة هذا البلد، الذي يوصف بنموذج للبلد الإسلامي المتطور، بالإضافة إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات العربية لقطاع السياحة الماليزية بهدف تعزيز الروابط الاقتصادية والاجتماعية بين ماليزيا والأقطار العربية، إلى جانب تعزيز الخدمات السياحية وتنويعها بحيث تلبي مختلف الأذواق والرغبات، لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الزوار العرب بالاستفادة من حالة عزوفهم عن التوجه نحو بلدان أوروبا وأميركا بسبب التعقيدات الأمنية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة الأميركية, وينوه المسؤول الماليزي أيضا بأن الزائر العربي يتميز أيضا بمستوى إنفاق عال مقارنة بالزوار من الجنسيات الأخرى (ألفى دولار في المتوسط)، وهو معدل إنفاق قياسي يضاعف اهتمام سلطات السياحة الماليزية بالزوار العرب، خاصة أن السياحة العربية إلى ماليزيا سياحة عائلية في أغلبها.

بوكيت بنتانغ، وتعني باللغة المحلية «نجم الجبل» أو «شارع العرب» يذكرك إلى حد كبير بشوارع القاهرة وجدة ودمشق وبيروت، فهو مزيج مدهش من الثقافات والأصوات والألوان والروائح, فيه تتداخل مناداة الباعة المتجولين وأصحاب مراكز التدليك (المساج)، وإلحاحهم على المارة، بأصوات وضحكات الزوار العرب رجالا ونساء وأطفالا، وتمتزج فيه الإيقاعات الموسيقية العربية، بعروض موسيقى فرق الهواة التي تقدم في الهواء الطلق، ويعبق في المساء بروائح الأطعمة العربية ودخان النارجيلة، هذا الشارع الحيوي النابض بطابعه العصري الفريد، وإيقاعه الذي يزاوج بين الثقافات والأذواق، هو محطة مسائية يومية بالنسبة للزوار العرب، ويقصدونه عقب برامج عمل أو زيارات ميدانية للمنتجعات السياحية داخل وخارج كوالالمبور نهارا، ليحصلوا على قسط من الراحة والاستجمام باسترخائهم في مقاهيه ومطاعمه, فيشربون العصائر المعدة من الفواكه الاستوائية الطازجة، ويحتسون الشاي الماليزي المعروف باسم (تيه تاريك) أو يدخنون النارجيلة على خلفية موسيقية صادحة بالإيقاعات والألحان العربية.

وما يضفي على التجول في شارع العرب متعة إضافية، هو انتشار العازفين الأفراد والفرق الموسيقية التي تقدم عروضا تمزج بين الموسيقى التقليدية والمعاصرة، إلى جانب المجموعات التي تقدم عروض التمثيل الصامت مرتدية الأقنعة والملابس المثيرة، والرسامين المحترفين، الذين يرسمون لك صورة وأنت جالس خلال دقائق مقابل 10 رينغت (الدولار الواحد يساوي 3.2 رينغت ماليزي)، ثم فنانين يعرضون لوحاتهم على جانبي الطريق بالإضافة إلى انتشار واسع لمحلات التدليك (المساج)، التي توفر لكم جلسة تدليك لمدة ساعة كاملة مقابل 60 رينغت، ولاعبي سيرك يلفون الأفاعي الضخمة حول عنقك لتلتقط لك صورة تذكارية مقابل 10 رينغت، وباعة متجولين يعرضون تحفا وهدايا وألعابا، بجانب محلات بقالة ومطاعم وجبات سريعة تعمل على مدار الساعة، وغير ذلك من الخدمات والمزايا التي تجعل من الشارع مكانا للتجول طوال اليوم دون شعور بالملل، وحتى ساعة متأخرة من الليل، نظرا لتميزه أيضا بدرجة عالية من الأمن والأمان والانضباط، فضلا عن توفر مختلف وسائل التنقل التي تأخذك إلى حيث تشاء، وفي أي وقت من اليوم.

ومن أشهر المطاعم في شارع العرب، مطعم «الباشا»، مطعم «خيمة الصحراء»، مطعم «الطربوش»، ومطعم «حضرموت»، الذي يقدم الوجبات الشامية والخليجية والعربية التقليدية، كالمندي، والمظبي، والكباب، والكبسة، وغيرها، بجانب عدد كبير من الفنادق مختلفة التصنيفات والدرجات، التي تتميز عموما بخدمات نوعية ومريحة.

هنا في بوكيت بنتانغ أو شارع العرب، لا يشعر الزائر العربي مطلقا بأنه في غربة، أو هو بعيد عن بلده، مما يجعل زيارته لماليزيا متعة من نوع آخر.