قلعة الحصن في سورية.. مرآة تعكس الماضي من أعلى نقطة

جارة صافيتا وحمص وبحيرة قطينة وميناء طرابلس اللبنانية

TT

تنطلق بنا السيارة من دمشق آخذين الطريق الدولي شمالا نحو مدينة حمص، الطقس دافئ فنحن في وقت نودع فيه الشتاء ونستقبل فصل الربيع بهوائه العليل وطقسه الجميل، نشرف على مداخل مدينة حمص، يلتفت مرافقي المصور إلى يساره ممعنا النظر في مشاهد جميلة، ويقول: هنا تقع بحيرة قطينة وبعدها الحدود اللبنانية والبحر، هل تعرف - يسأل مرافقي سؤال العارف والواثق من نفسه ـ أننا يمكن أن نشاهد هذه المناطق وحتى معها مدينة حمص ومدينة صافيتا بمحافظة طرطوس ونحن على بعد عشرات الكيلومترات من المكان الذي نقصده؟ كيف؟ والجواب هو أنك يمكنك مشاهدة ما ذكرناه من قلعة الحصن.

أبتسم لمرافقي معلقا: وهل هناك أحد لا يعرف قلعة الحصن غرب مدينة حمص التي تبعد عنها 70 كلم غربا ولا يعرف أنه من أبراجها يمكن مشاهدة كل هذه الأماكن التي أشرت إليها بمنظر بانورامي رائع؟! وهل يمكن لأي شخص زائر وسائح يتجول في المناطق الغربية من حمص حيث وادي النصارى ودير مار جرجس الشهير ومشتى الحلو وغيرها الكثير من المتنزهات السياحية الرائعة إلا ويضع في برنامجه زيارة قلعة الحصن ليستمتع ليس فقط بتلك المناظر البانورامية الرائعة للبحر والوديان والجبال بل ليعيش ساعات وساعات من السحر والجمال داخل بنائها المعماري الفريد الذي يعتبر من أكمل وأهم ما وصلنا من جماليات وإبداعات فنون العمارة في العصور الوسطى، ولذلك كان قرار اليونيسكو قبل خمس سنوات بوضع قلعة الحصن الفريدة على لائحة التراث العالمي. يبتسم صديقي المصور معلقا: يبدو أنك غلبتني بمعلوماتك، مضيفا: ها نحن نخرج من حمص متجهين للقلعة لن أحدثك بعد هذه اللحظة لأنني سأصور من نافذة السيارة كل المشاهد الرائعة أمامي.

* الوصول لقلعة الحصن

* وبالفعل، فمع المصور كل الحق في أن يتفرغ للتصوير ونحن نتجه غربا آخذين الطريق الساحلي الدولي الذي يربط حمص بطرطوس واللاذقية فالمناظر خلابة على جانبي الطريق، ولكن لا بد من ترك مشاعرنا التي نختزنها لنطلقها بعفويتها ونحن نأخذ الطريق المتفرع الواصل لوادي النصارى ولقلعة الحصن حيث تعجز الكلمات والمشاعر البشرية عن وصف جمال الأمكنة التي نعبرها قبل أن نصل للقلعة التي تبعد عن مدينة حمص بحدود الساعة والربع من الزمن بالسيارة بل نقف مندهشين قبل أن نصعد الطريق المعبد نحو القلعة حيث ترتفع عن سطح الأرض حوالي 140 مترا فيما ترتفع عن سطح البحر حوالي 750 مترا في موقع استراتيجي تفترق عنده الدروب والطرق المؤدية نحو مدينة طرابلس اللبنانية والجبال الساحلية السورية وسهل عكار وحيث توجد تلك الفتحة الشهيرة المسماة فتحة حمص التي يعبر منها هواء البحر الأبيض المتوسط فيعطيها رطوبة وبرودة أحيانا، ولذلك فالسائح والزائر للقلعة لن يشعر بأي ملل وهو يتجه نحوها، ولكن قد يشعر بقشعريرة تسري في جسده وبنوع من الرهبة وهو يعتلي القلعة الشاهقة بل الحصن المنيع كما أطلق عليه الأولون. والرهبة هنا ترافقها المتعة عندما يرى تلك المناظر الفريدة أمامه خاصة عندما يزورها في أشهر فصل الربيع حيث الاخضرار الطبيعي يملأ الأمكنة جميعها، ولذلك فزيارة القلعة في الربيع تضيف متعة إضافية على الرغم من أنها تزار في كل المواسم والفصول ويعيش الزائر لها عبق الماضي وأحداث التاريخ، خاصة عندما يتجول داخل القلعة ويستمع لشرح عن أقسامها وأبراجها وتاريخها من العاملين فيها وعلى رأسهم مديرة القلعة نعيمة محرطم (أم بسام).

* التجول داخل القلعة ومعلومات عنها

* العديد من المتابعين والمهتمين يطلقون على قلعة الحصن ألقابا وصفات كثيرة، مثل (المارد العجوز والحصن المهيب وسفينة الجبال الشاهقة) وغيرها العديد من الألقاب التي تستحقها، خاصة ونحن نلج أقسامها الداخلية بهيبتها ووقارها وعناصرها المعمارية الفريدة التي بنيت على الطراز القوطي للقرون الوسطى وتم عليها عبر تاريخها العديد من مراحل الإصلاح والترميم لتبقى شامخة وسط الجبال مشرفة، ومن بعيد بكل وقار على البحر الأبيض المتوسط، داخل القلعة وأنت تتجول في أقسامها لا بد أن تعيش تجربة فقدان الجاذبية التاريخية حيث ستنسى ولبعض الوقت أنك تعيش في بدايات القرن الواحد والعشرين حيث تأخذك أقسامها وأبراجها وقاعاتها مئات السنين إلى الوراء. تقدر مساحة القلعة بثلاثين ألف متر مربع وهي حصن داخله حصن بينهما خندق وحولها حصنها الخارجي مستقل مؤلف من طبقات عدة تحوي القاعات ومرابط الخيل والمستودعات وغرف الحرس وقد زود بثلاثة عشر برجا؛ منها الدائري والمربع والمستطيل، وأحيط بخندق دعم في الكثير من أقسامه الخارجية بالجدران المائلة وفيه عدة أبواب. الباب الرئيسي للقلعة يقع في الجهة الشرقية كان في الماضي يدخل إليه بواسطة جسر متحرك، تعلو الباب الرئيسي كتابات عربية بين نقش لأسدين تشير إلى تجديده من قبل السلطان الظاهر بيبرس.

تسمع من القائمين على القلعة لمزيد من الشرح والإيضاح عن تاريخها حيث بنيت القلعة لأول مرة من قبل أمير حمص شبل الدولة نصر بن مرداس عام 1031م وأسكن فيها حامية كردية فأطلق عليها حصن الأكراد وبعدها بثمانين عاما احتلها الصليبيون ووسعوها وبنوا أبراجا جديدة فيها بسبب موقعها الهام على الطريق الذي يسميه الفرنجة طريق الحج إلى القدس، وبعد ذلك حاول صلاح الدين الأيوبي الدخول للقلعة وفتحها ولكنه لم يتمكن من ذلك لمناعة أسوارها الضخمة وأبراجها ووجود مؤونة تكفي لخمس سنوات. بعد ذلك تعرضت القلعة لعدة هزات أرضية مما استدعى إعادة تدعيم القلعة، حيث تم بناء السور الخارجي ودعمت الجدران ببناء طبقات جدارية جديدة بشكل مائل لحماية الجدران الداخلية والأبراج من الهزات الأرضية وخلال هذه الفترة تم بناء الأقسام الرئيسية في القلعة وذلك في عهد «فرسان المشفى» أو «فرسان مالطا» الذين تسلموا قيادة القلعة عام 1142م، ونسبت إليهم، حيث سميت «قلعة الفرسان»، وكان هناك نوعان من الفرسان هم «فرسان المشفى» أو ما كانوا يسمون «فرسان القديس يوحنا» وكانوا في القلعة و«فرسان المعبد» وكانوا في القدس. وقد تمكن الظاهر بيبرس وبعد نحو 80 سنة من محاولات صلاح الدين من دخول وافتتاح القلعة بعد حصارها لمدة شهر ونصف، فعمل على ترميمها وإصلاحها. والقلعة حاليا تضم العديد من المباني الجميلة المكتملة البناء بعد أن خضعت لأعمال ترميم واسعة من قبل الفرنسيين سنة 1934 وتم إخراج الناس الذين يسكنون داخلها حيث بنوا قرية بجانبها تأخذ الاسم نفسه.

* معلومات تهم السائح والزائر

* يمكن للسائح والزائر لقلعة الحصن أن يزورها في أي وقت من العام وطيلة أيام الأسبوع حيث تفتح أبوابها يوميا أمام زوارها ولكن لساعات محددة وهي في فصل الصيف من الساعة التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء وفي فصل الشتاء من التاسعة صباحا وحتى الرابعة بعد الظهر (التوقيت السوري يزيد ساعتين عن التوقيت العالمي غرينتش في الشتاء، من بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى أواخر مارس/ آذار، وثلاث ساعات في الصيف، من بداية أبريل/ نيسان وحتى أواخر أكتوبر/ تشرين الأول) كما على السائح أن يدفع رسم دخول وهو 150 ليرة سورية (نحو 3 دولارات أميركية) فيما هناك رسم مخفض جدا (عشر ليرات سورية فقط للطالب). والجميل في القلعة أن هناك استراحة (مطعم وكافتيريا) تقدم خدماتها للزوار توجد في برج بنت الملك، أحد أجمل أبراج القلعة؛ حيث يطل الجالس فيه بشكل بانورامي رائع على المناطق المحيطة بالقلعة.

كما يمكن للسائح أن يبرمج زيارته لها مع المهرجان السياحي المقام بجانبها الذي يأخذ اسم مهرجان القلعة والوادي ويقام خلال شهر يوليو (تموز) من صيف كل عام، ويتضمن حفلات فنية وكرنفالات وأنشطة سياحية متنوعة.

بجوار القلعة يوجد كثير من الفنادق والمطاعم السياحية الجيدة التي تقدم المنامة والوجبات الغربية والشرقية، وهي بنجوم متنوعة، ومنها فندق الوادي ـ أربع نجوم ـ وفندق فرنسيس (3 نجوم) وفنادق بيبرس والرابي والفرسان (نجمة واحدة) ومطعم بانوراما والرابية وغيرها.