تولوز الفرنسية تتنفس ثقافة وفنا وتتحدث بلكنة مغاربية

مدينة وردية كل شيء فيها يغري بالمشاهدة

في تولوز كل ما يجعل الحياة تستحق أن تعاش
TT

فور أن تصل إلى مطار تولوز بلانياك في فرنسا ستدرك أنها مدينة وردية. كل شيء في تولوز يغري بالمشاهدة والزيارة، ساحاتها وحدائقها، متاحفها ومعابدها، شوارعها النظيفة وأزقتها الضيقة وبناياتها التاريخية، أنهارها وجسورها وأسواقها، أهلها، لكنتهم أوكسيتانية، أما الاندماج فيجمع سكانا من مختلف الأصول والأعراق، بينما الأمن متوفر. ولكن ما يثير الانتباه أكثر، أن المدينة تتنفس ثقافة وفنا، حيث الملصقات التي تعرف ببرامج الأنشطة الثقافية والفنية منتشرة بكثرة، تلخيصا لدخول ثقافي حافل.

تشتهر فرنسا بطرق إعدادها للخبز. المشكلة ليست في نكهة الخبز الفرنسي، بل في ثمنه المرتفع، مقارنة بسعره في بعض الدول العربية. إن ثمن الخبز الذي يعرف باسم الخبز الفرنسي (كوميرا) في فرنسا يمكن أن يعادل ثمن عشر خبزات في العالم العربي. ومن حسن حظ الفرنسيين أنهم لا يستهلكون الكثير من الخبز خلال الوجبات، كما يحدث في منطقة المغرب العربي مثلا، وإلا كان عليهم أن ينظموا ثورة وليس مجرد احتجاجات متقطعة.

لا تتلخص زيارة تولوز في الإقامة والأكل والشرب فقط، فهناك محلات تجارية تقترح عليك كل ما يجعل الحياة تستحق أن تعاش، فعلا. لكنها محلات تتطلب منك قبل أن تدخلها أن يكون جيبك مختنقا برزم من اليوروهات.

وإلى المواقع الأثرية ومحلات الأكل والشرب واللباس، تشتهر تولوز بفريق الكرة المستطيلة، كما تشتهر بمواقع تصنيع طائرات الإيرباص.

تبدو وتيرة الحياة في تولوز كما في غيرها من المدن الفرنسية، منظمة بشكل لافت. لكل يوم برنامجه، كما أن لكل أسبوع نهايته، التي تجعل من الأحد يوما كئيبا، وخصوصا بالنسبة لمن ألف ضجيج المدن والقرى في بلداننا، حيث تتشابه الأيام، وحيث لا يمكن التمييز في معظم الأحيان، بين نهاية الأسبوع ووسطه، أو بين الأحد والخميس.

في تولوز تنتشر مطاعم «الكباب» بشكل لافت، معظم روادها من أصول عربية وإسلامية فقط، لأن أصحابها يؤكدون أن اللحم حلال.

بالقرب من «بلاس ويلسون»، داخل مطعم «كباب» يديره تونسي، جلس شاب مغربي يقتل جوع منتصف النهار، ويتبادل الحديث مع مرافقيه. كان يلبس قميصا أحمر، كتب على صدره عبارة «مغاربة حتى الموت» ولأن الجو كان باردا قليلا، فقد أضاف عليه بذلة رياضية زرقاء للمنتخب الفرنسي لكرة القدم. وحتى يكتمل اجتماع أبناء المغرب العربي على الأراضي الفرنسية، لم يكن هناك أفضل من صوت الشاب مامي الجزائري، حيث كان الجميع يستمع إليه.

وإلى كل هذا الخليط الجميل المعبر عن المغرب العربي الفائض عن جغرافيته، ستتردد عبارات «الحمد لله» و«البلاد» و«إن شاء الله»، بلكنة فيها نفس عربي وتأثير سنوات بديار الغربة، تصاحب الفرنسية، من دون أن تتنكر للجذور. بالقرب من «الكونسرفتوار» يوجد مطعم متخصص في الأكلات الشرقية، يديره لبناني، ما إن عرف أني مغربي حتى استبدل الأغاني الخالدة لفيروز بأغنية شعبية للفنان الشعبي المغربي سعيد الصنهاجي. لم أعرف إن كان يحتفي بمقدمي أم يشمت في.

في زنقة «تور» المتفرعة عن ساحة «الكابيتول»، يتجاور محلان للهاتف. معظم الزبائن مغاربيون يربطون اتصالات دافئة بالبلد. وحدها اللكنة تفرق «المغاربة»، عن التوانسة والجزائريين، غير أن دفء الحنين وألم الغربة واحد. كثير من الشبان من أصول مغاربية، يبدون مندمجين ومتألقين في حياتهم الفرنسية، محاولين أن يقنعوا «الآخر» بهوية لا تتعارض ومفهوم الاندماج ومتطلبات الحياة الفرنسية، حتى أن الفرحة لا تكاد تسعك وأنت تتعرف على أسماء جاءت فرنسا من المدن المغاربية، ونجحت في فرض وجودها وتحمل مسؤوليات في سلم الإدارة الفرنسية.