كاتانيا.. مدينة الفيل التي طمرها البركان 7 مرات

من أهم معالم صقلية الحضارية والعمرانية والسياحية

مدينة كاتانيا.. محطة مهمة للسياح من جميع أنحاء العالم
TT

تعتبر مدينة كاتانيا من أهم المواقع السياحية في جزيرة صقلية، وثاني أكبر مدن الجزيرة المعروفة والمهمة في جنوب إيطاليا بعد العاصمة باليرمو، وعاصمة المقاطعة التي تحمل اسمها كالكثير من المدن الإيطالية. ويصل عدد سكان هذه المدينة التي أطلق عليها العرب أيام وجودهم في الجزيرة في القرن العاشر للميلاد مدينة الفيل، ما لا يقل عن 300 ألف نسمة. ولا تزال نافورة الفيل التي تعتبر رمزها التاريخي موجودة في ساحة ديل دومو المعروفة. ولا عجب أن تكون المدينة محطة مهمة للسياح من جميع أنحاء العالم كالكثير من مناطق الجزيرة الجميلة والرائعة، إذ إنها تجمع وتعكس في عمرانها ومآكلها وعاداتها وطبيعتها الكثير من الحضارات التي مرت عليها وارتبطت بها مثل الرومان والإغريق والبيزنطينيين والنورمان والمسلمين، بالإضافة أيضا إلى الفاندال الجرمانيين الذين سيطروا ذات مرة على شمال أفريقيا وصقلية وضموها في دولة واحدة في القرن الخامس أطلقوا عليها اسم فاندلوسيا الاسم الذي استوحى منه العرب اسم الأندلس لاحقا. ولهذا السبب ولأنها أيضا تحفة معمارية باروكية خاصة وضعت منظمة اليونيسكو وسطها التاريخي على لائحة التراث العالمي الذي يفترض حمايته وعدم المساس به. ويعود تاريخ هذا الوسط إلى القرن السابع عشر، وهو مغناطيس الحياة اليومية التي تعج بالناس والمتسوقين والسياح وشتى أنواع النشاطات التجارية والثقافية.

ويقول الخبراء إن للباروكية الصقلية هويتها المعمارية الخاصة والفريدة، وهي لا تقتصر على كاتانيا ومعالمها المعمارية، بل تنتشر في جميع أنحاء جزيرة صقلية، وخصوصا في نوتو أو نوطس بالعربية في مقاطعة سيراكوزا وموديكا في مقاطعة رغوس في جنوب شرقي الجزيرة وعاصمة رغوس أيضا واتشيريالي أو الياج شمال مدينة كاتانيا وغيرها. وتضم هذه المناطق أفضل النماذج المعمارية الباروكية المنحوتة من الحجر الأحمر المحلي. وكما نعرف فإن هذا الطراز المعماري الجميل اقتصر إلى حد كبير على قصور الارستقراطيين الخاصة والمباني والمعالم التي بنتها الكنيسة الإيطالية في الجزيرة، وكانت في بداياتها نماذج أو نسخا سيئة بعض الشيء عن مبان موجودة أصلا في نابولي والعاصمة روما وفلورانسا، وقد خلطت هذه النماذج بالطرازات التقليدية المحلية في الجزيرة.

وللتعرف على الطراز الباروكي لا بد للزائر في كاتانيا أن يمضي بعض الوقت في ساحة الكاتدرائية وأن يتمتع بالتجول في شارع أتنيا التجاري المزدحم، بالإضافة إلى إلقاء نظرة داخلية وخارجية على كنائس كثيرة ومهمة، منها «سان بينيديتو» و«سان أغاتا»، فضلا عن كاتدرائية «كاتانيا» و«سان بلاسيدو» و«سان فرانسيسكو بورجيا» و«سان بياجيو» و«سان فرانسيسكو أسيسي» الرائعة.

ومع التعرف على الطراز المعماري الجميل لا بد للسائح أيضا من رؤية الكثير من الآثار اليونانية والرومانية القديمة في وسط المدينة مثل حمامات أخيل وحمامات كوينز الأربعة والمسرح اليوناني الروماني الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني والمنتدى الروماني الذي كان يستخدم كسوق للمدينة والتجمع والمناقشات السياسية والاجتماعية والسياسية المختلفة.

وبالنظر إلى الخريطة يمكن التعرف على هذا التاريخ العريق، إذ إن المدينة في خليج كاتانيا على الجهة الشرقية الساحلية للبحر الأيوني من الجزيرة الأم ولا تبعد كثيرا عن اليونان وشمال أفريقيا، وخصوصا ليبيا وتونس ومصر. والأهم من ذلك أنها تحت جبل بركان إتنا المعروف والأكبر في أوروبا بين مدينتي ميسينا شمالا وسيراكوزا جنوبا.

ويصل عدد سكان المدينة الجديدة التي تعرف بحياتها الليلية الطيبة إلى نحو مليون نسمة، وقد أصبحت منذ سنوات محطة اقتصادية وسياحية ونقطة مواصلات مهمة في الجزيرة والمناطق القريبة منها.

ويمكن من المدينة ومحطة قطاراتها التي تقع مقابل محطة القطار الرئيسية ولا تبعد أكثر من عشر دقائق سيرا على الأقدام من وسطها التاريخي القديم، الوصول عبر الحافلات إلى مناطق ومدن مهمة في صقلية مثل راغوسا وماسينا وتورمينا وسيراكوزا. وهذا يجعلها محطة مهمة محليا يمكن الانطلاق منها إلى الكثير من معالم صقلية التاريخية والحضرية وأخذ فكرة عنها. كما يمكن من محطتي القطارات والحافلات الوصول إلى مدينة نابولي والعاصمة روما. كما تصل القطار إلى إينا والعاصمة المحلي باليرمو وسيراكوزا وكالتاغيرون وغيلا.

والعكس صحيح أيضا، إذ يمكن الوصول إلى المدينة من باليرمو ونابولي وروما. وإذا أراد السائح استخدام القوارب البحرية يمكن الوصول إليها من فاليتا وجنوا ونابولي التي لها خط بحري خاص ومتواصل على مدار الساعة مع كاتانيا.

وفي المدينة كالعاصمة باليرمو مطار مهم يرتبط بالمدن الأوروبية والإيطالية الداخلية. وهناك خدمة للحافلات من المطار تأخذ السائح إلى وسط المدينة خلال عشرين دقيقة.

وللراغبين في الوصول والتعرف على بركان إتنا الذي أطلق عليه قديما اسم جبل النار، تجنب يوم الأحد حيث تنعدم المواصلات. وهناك عادة قطار خاص من محطة بورغو للمترو وخدمة خاصة من المحطة الرئيسية تصل إلى ريفوجيو سابيانزا التي يمكن منها الوصول إلى قمة الجبل، وعادة ما يترك السياح صباحا ويعودون مساء أيضا. لكن الرحلة إلى الجبل ممتعة ويمكن عبرها التعرف على بعض القرى الجميلة في السفح والكثير من المنازل المدمرة والمهجورة، وخصوصا المناطق المرتفعة فوق المدينة التي تفصل البحر عن البركان.

بأي حال فإن إتنا (على ارتفاع 1900 متر تقريبا) ومنذ سنوات طويلة من أهم المعالم السياحية في إيطاليا وجزيرة صقلية بالتحديد.

ولا بد من الذكر هنا أن تاريخ المدينة من تاريخ بركانها ومرتبط به ارتباطا كبيرا، إذ إنها تعرضت للدمار أكثر من سبع مرات في تاريخها نتيجة ثورات إتنا التي كان أسوأها نهاية القرن السابع عشر. كما دمرتها الزلازل القوية عدة مرات كان أعنفها في القرن الثاني عشر وآخر بعد ثورة إتنا في القرن السابع عشر. بأي حال فإن الحمم البركانية طمرت هذه المدينة التاريخية فعلا سبع مرات قبل أن يعود بناؤها في كل مرة.

من الناحية التاريخية، تقول الموسوعة الحرة إن القدماء يتفقون على أن مدينة كاتانيا كانت بالأصل مستعمرة إغريقية اسمها كاتاني، ولكنها أسست فورا من مدينة ناكوس المجاورة بتوجيه من قائد اسمه يوارشوس. تاريخ تأسيسها بالتحديد لم يسجل، ولكن يبين لنا المؤرخ الإغريقي ثيوسيديديس أنها أسست بعد فترة قصيرة من تأسيس ليونتيني التي يضعها في السنة الخامسة بعد سيراقوسة أو عام 730 م.

ويقال أيضا إن المستعمرين الإغريق استوحوا اسم كاتاني الذي كان له عدد من المعاني وتشمل: السكينة الطائرة والأعظم ومكان السلخ. كما أن هناك عدة ترجمات للاسم تشمل أيضا: الأرض الوعرة والأرض الصعبة والحجارة الحادة والتربة الخشنة وكلها تدلل على طبيعة المنطقة ومنطقة جبل إتنا بالتحديد التي أعيد بناؤها عدة مرات بسبب الثورات البركانية تاريخيا.

ويمكن رؤية موقع المدينة في خريطة صقلية للجغرافي التركي حجي محيي الدين بيري أوغلو حجي محمد المعروف ببيري ريس (الاسم الذي يعني قبطان البحر)، ويأتي اسم المدينة في الخريطة الجميلة والملونة التي وضعها القبطان المعروف باسم قتانة وإلى جانبها تبدو كتلة جبلية ضخمة تعود إلى جبل إتنا على الأرجح.

بأي حال، فقد حاول المسلمون لأكثر من قرن السيطرة على جزيرة صقلية قبل تمكنهم من ذلك في بداية القرن العاشر الميلادي مع سقوط تاورمينا عام 902 وقبل أن يستعيدها النورماني أو الاسكندنافي روجر الأول عام 1072. ومن المعروف أيضا أنهم بعد أن سيطروا على الجزيرة أثروا عليها من جميع النواحي المعمارية والثقافية والزراعية، إذ طوروا نظام الري وجلبوا معهم إلى الجزيرة الكثير من أنواع الخضار والفاكهة المعروفة حاليا مثل قصب السكر والليمون والبرتقال والفستق الحلبي وغيره. وقد طال تاريخ المسلمين في صقلية مقاطعة كاتانيا وعاصمتها التي كانت جزءا من هذا التاريخ الحافل، ففضلا عن وصف مدينة باليرمو من قبل ابن جوقل بعد زيارته للجزيرة في منتصف القرن العاشر، جاءت مدينة كاتانيا وجاء فيها في كتاب الجغرافي والعالم أبو عبد الله محمد الإدريسي المعروف «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق». وتقول المصادر التاريخية إن الإدريسي المعروف بالشريف الإدريسي ابن سبتة المغربية عاش فترة في صقلية وخدم عند الملك روجر الثاني الذي وضع بناء على طلبه أحد أهم وأوائل خرائط العالم الرائعة. ويقول الإدريسي في كتابه ومن لياج إلى مدينة قطانية ستة أميال، وهي البلد الجميل المعروف بـبلد الفيل الشامخ القدر العالي الذكر، وهي على ساحل البحر، وبها الأسواق العامرة والديار الزاهرة والمساجد والجوامع والحمامات والمنازل والخانات، وبها مرسى حسن، ويسافر إليها من جميع الآفاق ويحمل منها كل البضائع، وجناتها كثيرة ومياهها من أنهارها وعيونها غزيرة، وبها نهر في أمره عجب عجيب وشأن مستطرف غريب، وذلك أنه في بعض السنين يفيض فيضا كثيرا فتنصب عليه الأرحاء وتمتلئ منه الأودية وفي بعضها ينضب فلا يوجد فيه ما يشرب، وعمارتها واسعة وباديتها ومزارعها طيبة نافعة وأسوارها منيعة وأقطارها واسعة، والفيل الذي اشتهرت به هو طلسم من حجر على صورة فيل كان منصوبا على بناء شاهق في سالف الزمان ثم نقل الآن فنصب داخل المدينة بكنيسة الرهبان. وبغربي قطانية وادي موسى، النهر العظيم، وهو يصب ببحرها وبه من السمك كل نهاية في العظم وحسن الذوق. ومدينة وطبرمين ولياج وقطانية بسفح جبل النار المتقدم ذكره من الناحية الشرقية. ويعرف محمد بن عبد المنعم الحميري كاتانيا في كتاب «الروض المعطار في خبر الأقطار» قائلا: «قطانية مدينة كبيرة في جزيرة صقلية وهي مدينة أولية وعليها نهر يسقي أرضها، ويقال إن مدينة قطانية كانت في القديم سبع مدن بأسوارها، وذلك بين في آثارها، وإلى تلك المدن جلب الماء على آزاج معقودة من جبل النار كان فيه بركان حمة، وتسمى مدينة قطانية بـمدينة الفيل، وذلك أن في صفاة على سطح قصر عظيم من المدينة وهو القصر الذي يشرف على دار الملعب صورة فيل مجسد قائم قد نحتت من حجر صلد أسود يشبه حجر النشفة الذي يكون بالبركان، إلا أنه صلب شديد وكانت هذه الصورة قد انكبت على رأسها فلما كان بعد الخمسين والأربعمائة للهجرة أتى القائد المعروف بابن الثمنة إلى تلك الصورة فأمر أن ترد إلى حيز الاستواء، وزعم أن من فعل ذلك يملك جزيرة صقلية. وبمدينة قطانية موضع يسمى بحمام فتيلة، ويزعم أهلها أن ابنة ملكها في غابر الزمان اشترطت على ملك آخر خطبها أن يبني لها حماما تسخنه فتيلة، فبناه وجرى على الموضع ذلك الاسم. بأي حال فإن بإمكان السائح المتعب من التاريخ الذي تمتلئ به كاتانيا التمتع بشمسها الطيبة وأجوائها الحلوة ومآكلها الإيطالية القديمة والحديثة على الأقل.