«عيون السمك».. تنبض بالخضرة والماء

من أجمل المناطق الشمالية التي لا تزال شبه مجهولة بالنسبة للبنانيين

لا تزال العادات القروية تطبع حياة أبناء «عيون السمك» والمناطق المحيطة بها
TT

أن ترى بحيرة «عيون السمك» الشمالية عن قرب وتجول في المناطق والحقول المحيطة بها، لا يمكن عندها إلا أن يأخذك سحر منظرها الطبيعي إلى عالم آخر من جمال خلاب افتقرت إليه مناطق لبنانية أخرى لتظن للحظات وكأنك انتقلت من بلد إلى آخر لا يبعد عن العاصمة اللبنانية أكثر من ساعتين تقريبا. فبعد أن تجتاز عاصمة الشمال اللبنانية، طرابلس، بنحو 25 كيلومترا صعودا، ستشعر بقيمة هذه المنطقة الريفية النائية حيث تتحول الطبيعة في أيام فصل الربيع إلى لوحة خضراء تنبض جمالا قل نظيره. هنا الطبيعة التي لم تصل إليها يد الإنسان لتشوهها، هي كنز المنطقة الأبرز، بعيدا عن كل ما تتسم به المناطق اللبنانية، لا سيما السياحية منها، بالرقي والفخامة والفنادق ذات الـ5 نجوم، فالرحلة في هذه المنطقة الشمالية التي يقصدها عدد كبير من اللبنانيين من مناطق لبنانية بعيدة وقريبة والهاربين من لوثة الزحمة ومن تلوث الهواء الذي يغطي أجواء المدن اللبنانية لقضاء ساعات قليلة في فضاء صحي، تعكس واقعا طبيعيا لبنانيا مميزا. ومن يفضل قضاء يومه على مقربة من النهر القريب منها، سيجد ضالته في المطاعم الشعبية المنتشرة على ضفتيه التي تقدم المأكولات اللبنانية التقليدية على وقع الأغنيات التراثية التي يصدح صوتها في الأجواء.

وبحيرة «عيون السمك» التي ذاع صيتها بشكل أكبر منذ نحو 4 سنوات بفضل فيديو كليب للفنانة اللبنانية نانسي عجرم كانت قد صورت مشاهده بين حناياها وكانت موضع سؤال اللبنانيين والعرب على حد سواء، كانت سببا في البداية باتخاذ الأمن العام اللبناني قرارا بمنع بثه بحجة أن هذه المشاهد صورت خارج لبنان وعدم علمهم بوجود بحيرة كهذه على الأراضي اللبنانية، الأمر الذي جعل المخرج اللبناني سعيد الماروق يعمل على تأمين أوراق رسمية من البلدية في المنطقة تثبت أن هذه المشاهد صورت على بحيرة في منطقة لبنانية شمالية ليحصل على موافقة بثه في ما بعد. ومما لا شك فيه أن هذه المنطقة الشمالية تعتبر من أجمل مناطق عكار لتميزها بالأنهار الجارية والشلالات الجميلة المتدفقة والمناظر الطبيعية المحيطة بها، وعلى رأسها بحيرة «عيون السمك»، حيث تصب مياه نبع السكر المتدفق من أعالي جرود الضنية نحو وادي «عيون السمك» في البحيرة، ومنها تجري المياه لتتحد مع روافد نهر البارد، ولم تستثمر الدولة اللبنانية هذه البحيرة الطبيعية إلا بإنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية.

أما رحلة اكتشاف هذه المنطقة سيرا على الأقدام، لا سيما لمن يهوى رياضة المشي، فهي تبقى خير دليل وأفضل وسيلة للتعرف على سر جمالها والتعرف على طبيعة حياة أبنائها الذين لا يزالون متمسكين بتقاليدهم من دون أن تتسلل إليهم الحياة المدنية بكل تفاصيلها الإيجابية والسلبية.

فالطريق الذي عبد بالإسفلت منذ ما لا يزيد على السنتين، وهي رغم ذلك لا تزال غير صالحة لمرور أكثر من سيارة واحدة، تفي بالغرض المطلوب وتسمح لمن قرر الغوص في أغوار المنطقة أن يلتمس طبيعة حياة أبنائها الريفية وما يتصل بها من عادات وتقاليد لا تزال متجذرة في يومياتهم. الصفة المشتركة بين هؤلاء هي عبارات الترحيب التي يستقبلك بها الأهالي بلهجتهم القروية الشمالية وزيهم الريفي سائلين عن وجهة سيرك والهدف من زيارتك، أما لسان حال أبناء المنطقة، الذين ينشغل كل منهم بمهمته القروية من تحضير خبز الصاج الطازج أو قطف الفاكهة، لا سيما منها ما يسمى «بوصفير» الذي يشبه في شكله الليمون، تحضيرا لتحويله إلى مربى، هو دعوتك إلى مائدتهم أو شرب فنجان قهوة في بيوتهم التي تحيط بها الأشجار المثمرة والطبيعة الخلابة من كل حدب وصوب. وإذا أخطأت في الطريق، فإن لأطفال المنطقة الذين لا شيء يشغلهم إلا القفز بين البساتين، حصتهم في إرشادك إلى الوجهة الصحيحة.

التنقل بين عدد من مناطق قضاء الضنية، التي تدخل ضمنها «عيون السمك»، تعكس الحياة البدائية، بل الفقر الذي يطبع حياة أبنائها، التي تعرف بها مناطق شمالية عدة لا تزال بعيدة عن عين الدولة اللبنانية وسمعها على الرغم مما تحتوي عليه من خيرات وثروات طبيعية تستحق العمل عليها وتطويرها، وهذا ما تعكسه البيوت والمباني التي يقطنها المواطنون الذين تبقى زيارة بيروت بالنسبة إليهم كمن يقرر السفر من بلد إلى آخر، مؤكدين أن المكان الأبعد الذي يقصدونه للتسوق وتأمين الحاجيات هو منطقة زغرتا الشمالية، حيث يجدون مطالبهم.

وفي هذا الإطار يقول رئيس بلدية قرية طرماز، مصطفى قره، لـ«الشرق الأوسط»: «لم تكن (عيون السمك) معروفة بالنسبة لأهل المنطقة إلا كونها بحيرة تقع في منطقة الضنية من الصعب الوصول إليها نظرا إلى عدم وجود طرق معبدة تصل البلدات المجاورة لها». ومنذ نحو 10 سنوات عمل بعض الأهالي الذين يملكون أراضي مزروعة بالزيتون إلى شق طريق على حسابهم الخاص، فصار بالإمكان الوصول إلى البحيرة سيرا على الأقدام. ويلفت قره إلى أن ما يعرف بمنطقة «عيون السمك» نسبة إلى هذه البحيرة التي تبلغ مساحتها 50 ألف متر، يتبع جغرافيا إلى بلدتي طرماز وعزقي، وبالتالي لا تعتبر بلدة في حد ذاتها. ويشير قره إلى أن نهري موسى والبارد يصبان في «عيون السمك»، وكان اسمها قد استمد من شكل نبعي ماء يأخذان شكل عيني سمكة. وفي حين يلفت إلى أن «عيون السمك» تابعة لوزارة الطاقة والمياه اللبنانية بعدما أنشئت عليها محطة لتوليد الكهرباء، يشير إلى أن البلدية غير قادرة على القيام بمهمة تطوير المنطقة سياحيا وتنمويا، بينما لم تقدم الدولة اللبنانية أي مشاريع من شأنها إحياء «عيون السمك»، لا سيما أن البلدية غير قادرة على الإيفاء بالمهمة بمفردها نظرا إلى المسؤوليات الملقاة على عاتقها في ما يتعلق بتعبيد طرق داخلية في القرى لا يزال العمل جاريا على فتحها.