الصويرة المغربية.. مدينة الريح والفن

رائحة السمك المشوي تجذب السياح إلى جوار شواطئ الأطلسي

ميناء الصويرة وقوارب الصيادين (تصوير: محمد طيفور)
TT

يطلق المغاربة على «الصويرة» (جنوب الدار البيضاء) «مدينة الرياح». وخلال بضع سنوات أضحت «عاصمة المهرجانات الموسيقية»، وفي الآونة الأخيرة أصبحت تستقطب سياحا من نوع خاص، إذ إن عددا كبيرا من الفنانين والرسامين باتوا يفضلون الإقامة فترة طويلة في أحياء المدينة القديمة. تعج الصويرة بالفنانين التشكيليين والكتاب والموسيقيين، وبفضل هؤلاء أصبحت المدينة أحد المراكز المهمة في الحركة التشكيلية المغربية المعاصرة، الشيء الذي جعلها تزخر بقاعات تعرض لوحات لكبار الفنانين، إلى جانب أعمال أبناء المدينة الذين اشتهروا بالفن الفطري.

منذ الستينيات ظلت «الصويرة» في كل حقبة تستقطب نوعا خاصا من السياح، إذ في تلك الحقبة عرفت ظاهرة تدفق أعداد كبيرة من الشباب الهيبيين استقروا في شوارعها وعلى مقربة من منطقة تقع في إطرافها إلى جوار شواطئ الأطلسي.

جاء الهبيون إلى الصويرة هربا من الحضارة الغربية التي كانوا يعتقدون أنها كانت سببا في تقييد حريتهم، وكانت تلك الموجة الفكرية تنادي بالحرية في كل شيء، وتعارض القيود والقوانين التي تفرضها الأنظمة السياسية والاجتماعية والأسرية والدينية، واستقرت مجموعات كبيرة منهم في قرية «الديابات» وقرب البحر، كما كانوا يقطنون في منطقة أخرى تسمى «دار السلطان المتهدمة»، وبسبب ذلك الإقبال كانت «الصويرة» أول مدينة تعرف ظاهرة مطاعم الأكلات السريعة، تلك التي كانت توجد في أوروبا خلال تلك الفترة. بداية انتعاش السياحة العادية في الصويرة انطلقت في أواخر التسعينات حيث تفيد الإحصائيات أن 67 ألف سائح زاروا المدينة عام 1998 وامضوا هناك ما مجموعه 107.566 ليلة، وارتفع العدد عام 1999 حيث وصل إلى نحو 98.811 سائحا، لذلك يقول سكان الصويرة إن عام 1999 كان من بين أهم سنوات الرواج السياحي. وكان مرد هذا الرواج انطلاق مهرجان «كناوة» للموسيقى عام 1998، وهو المهرجان الذي أطلقه ابن المدينة اندري ازولاي مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس.

ويستقطب «مهرجان كناوة» أكثر من نصف مليون زائر سنويا، وموسيقى «كناوة» ليست مجرد موسيقى عادية، فهي ذات إيقاعات قوية مُحملة بثقل الأساطير والمعتقدات ومشحونة بالإرث الحضاري خاصة الأفريقي، إلى جانب بعض الموروثات الأمازيغية والعربية. وتعتمد فرق «كناوة» في موسيقاها على آلات خاصة مثل «الكَنبري» أو «السنتير» (وهو آلة وترية من ثلاثة حبال) و«الكنكة» (الطبل)، ثم «القراقش» (صنوج حديدية). وتعود علاقة الصويرة مع موسيقى «كناوة»، إلى القرن الـ17، مع تحول المدينة إلى مركز تجاري ونقطة لتبادل السلع مع دول غرب أفريقيا.

من أكثر السياح الذين تستهويهم «مدينة الرياح» السياح الفرنسيون لأسباب تاريخية وثقافية ونظرا للروابط القوية بين المغرب وفرنسا، يليهم الألمان ثم البريطانيون والإيطاليون والإسبان ومواطنو دول اسكندنافيا، كما تستقطب الصويرة سياحا أميركيين وكنديين، وما تزال حركة السياح العرب متواضعة، على الرغم من أن عددا منهم أصبحوا ينتقلون من مراكش إلى الصويرة خلال مهرجاناتها الموسيقية.

وتتميز الصويرة بموقع متميز على الأطلسي إذ هي شبه جزيرة، تمتد شواطئها نحو ستة كيلومترات، وبمناخها المتميز وهبوب الرياح على مدار السنة مرفوقا بجو مشمس يفضل كثير من السياح استعمال الزوارق الشراعية لتزجية الوقت على الشاطئ. كما أن ظاهرة وجود دكاكين مصطفة قرب الميناء تبيع السمك الطازج الذي يقدم مشويا على الفحم، تجعل عددا كبيرا من السياح يشدون الرحال إلى هذه المدينة الأطلسية. بل هناك من يزور المدينة فقط لهذا السبب.

سياح كثيرون تستهويهم هندسة المدينة المعمارية وتراثها الزاخر في هذا الجانب، وهي أول مدينة مغربية وضع لها تصميم هندسي قبل تشييدها، في حين يعجب آخرون بألوان المدينة المميزة عن باقي ألوان المدن المغربية حيث يطغى عليها اللونان الأبيض والأزرق الفاتح، بحيث تكاد تكون جميع جدران المدينة وأبوابها ونوافذها مطلية بهذين اللونين. تخيم حالة من الهدوء والسكينة على الصويرة تثير كثيرا فضول السياح، وهذا الهدوء مرده بالدرجة الأولى إلى محدودية حركة السير في شوارعها.

ومن بين الأمور اللافتة في الصويرة روح التسامح وتلقائية السكان، واستعدادهم لتقبل الآخر والاندماج معه. وأكبر دليل يقدمه سكان الصويرة على صحة هذا الانطباع، يكمن في ظاهرتين. الأولى عندما استقبلت المدينة آلافا من الهيبيين يعد أن رفضتهم حتى أوروبا، وكانت رحبة الصدر بحيث كان أولئك الشباب يبيتون أحيانا في شوارع المدينة بملابسهم المتسخة وبعاداتهم الغريبة وعلاقاتهم التي تصل حد الإباحية. والظاهرة الثانية معاصرة ولها علاقة بالمهرجانات الموسيقية التي تستقطب الشباب والمراهقين من داخل وخارج المغرب وغالبا ما يفضل هؤلاء المبيت في الشوارع والأزقة، وهو أمر لا يضايق سكان المدينة، أو على الأقل لا يشعرون الزوار بذلك.

وعلى غرار باقي المدن المغربية العتيقة كانت مدينة الصويرة قد أحيطت فيما مضى بأسوار منيعة لحمايتها من أي هجوم أجنبي، وأسوارها مميزة بخاصيات هندسية دفاعية متأثرة بالهندسة العسكرية الأوروبية الكلاسيكية، مدعمة بعدة أبراج وخمسة أبواب أهمها باب البحر.