شواطئ إسبانيا على البحر المتوسط.. جنة من جنان الأرض

بميزانية متواضعة ويسيرة

شواطئ إسبانيا النقية الهادئة ذات المياه اللازوردية
TT

طبقا لنظرية المنتجع الكاريبي المثالي، فإن الشاطئ المثالي هو شاطئ ممتد بلا نهاية ورماله بيضاء ناعمة وتصطف فيه أشجار جوز الهند وبه ندُل يتحركون حاملين المشروبات الباردة، وتحيط به مياه دافئة لونها فيروزي، تجعلك تشعر وكأنك في حمام كبير مالح.

بعد المحطة الأولى في رحلتي التي تستغرق 10 أسابيع حول البحر المتوسط، أجدني مستعدا لأن أطرح بديلا، فالشاطئ المثالي هو هذا الشاطئ الذي يمكنك الوصول إليه بعد اجتياز منطقة صخرية شديدة التحدر على تلال تغطيها الأشجار الخفيفة مشيا على الأقدام. إنه تجويف على شكل نصف قمر يوجد فيه رمل أشبه بالرماد، تحده من كلا الناحيتين تشكيلات صخرية تبدو مثل قلاع رملية تعبيرية ضخمة، وبدلا من الأشجار، تنتشر أزهار برية أرجوانية وصفراء في تشكيلات مفترقة على تلال في الجوار، وبدلا من الشراب البارد المعلب، يوجد شراب البرتقال وثمار النيسبيرو تم شراؤها من سوق مزارع، وبدلا من أمواج الكاريبي الدافئة، توجد أمواج البحر المتوسط المنعشة التي تهدئ من مشاعرك تحت سماء بلا سحب. لقد خبرت هذه الفردوس في جنوب شرقي إسبانيا.

كان شاطئ «كالا دو إنترميديو»، وهذا هو الاسم الذي يُطلق على الشاطئ، وفق ما جاء في مخيلتي عندما اخترت محمية «كابو دو غاتا نيجار» الطبيعية لتكون محطتي الأولى. أردت رؤية البحر المتوسط في شيء قريب من حالته الطبيعية قبل التحرك إلى مقاصد أخرى متطورة بدرجة أكبر وأكثر ازدحاما وأسعارها أغلى على مدى الشهرين المقبلين.

وتعد الحديقة التي تبلغ مساحتها 175 ميلا مربعا، المعروفة بـ«كابو دي غاتا» المنطقة الأكثر جدبا في أوروبا، بحسب ما تذكره اليونيسكو، التي سمتها «محمية المحيط الحيوي». وقد كانت أرضا لأعمال الزراعة وصيد السمك لكسب العيش، كما تظهر بقايا صخور المزارع المهجورة منذ عقود ومنتشرة في مختلف أنحاء المنطقة. ولكنها الآن من المقاصد التي أفضلها، حيث يأتي السكان المحليون ليقضوا إجازات قصيرة وأيام الأجازات الأسبوعية خلال فصل الصيف، ولكن لا يعلم الأجانب عنها الكثير. ويعني ذلك أن تكلفة الإقامة حتى خلال أشهر الذروة يوليو (تموز) وأغسطس (آب) لا تقترب من نظيرتها في المنتجعات الأخرى الشهيرة.

قضيت ثلاثة أيام هناك أمارس المشي سيرا على الأقدام، وأحدق في مشاهد لا تُصدق، وأمارس السباحة وآخذ حمامات شمس، ولكن هناك أشياء أخرى. ومن بينها رحلات لمشاهدة الطيور ورؤية طيور النحام في السهول الملحية وجولة داخل الأماكن التي تعرض فيها الأفلام (مشاهد من «لورنس العرب» و«الطيب والشرير والقبيح» و«وإنديانا جونز والحملة الأخيرة»، إلى جانب أفلام أخرى). ولكن تتكلف هذه الكثير من المال، وأنا أسافر على ميزانية قليلة نسبيا تبلغ 500 يورو في الأسبوع (71 يورو يوميا، أي ما يعادل نحو 100 دولار).

وكان أرخص مسكن استطعت العثور عليه على الموقع الرسمي للحديقة (وهو موقع متعدد اللغات)، هو مسكن بتكلفة 40 يورو للأفراد في «كاسا - كافيه لا لوما»، وكان عبارة عن مسكن ريفي أعلى أحد التلال يطل على قريبة لا إسليتا دل مورو. ويدير المسكن زوجان؛ أحدهما ألماني والآخر إسباني، إلكه شرام وهيرموسا أنخيل، ويوجد في المنزل منطقة مشتركة كبيرة به طاولة طويلة لتناول الغذاء ومطبخ يمكن الطهو داخله، وتجد أطفالهما وحيواناتهما الأليفة تتجول حول الأراضي، مما يضفي على المكان إحساسا بالألفة. وقد كانت غرفتي بالفعل جناحا لأربعة (حيث كانت آخر مساحة متاحة)، ولذا كانت أمامي مساحة كافية للتحرك.

وأعطاني إلكه وإنجيل نصيحة جيدة خاصة بالحديقة. وعندما سألت أين يمكنني العثور على أفضل شاطئ في المنطقة، بعثتني أنجيل إلى «بلايا دو مونسول»، وهو على بعد ميل خارج سان خوسيه، المدينة الرئيسية التي تحتضن الحديقة. وفي الواقع وجد «مونسول» عبارة عن شاطئين، وكان الثاني به قدر غير تقليدي من الجمال، ويحيط به كثيبات كثيرة حولتها المياه إلى شكل أمواجه متصادمة (وقد تم تصوير أحد مشاهد «إنديانا جونز» هنا).

كان الشاطئ ممتدا على مرمى البصر، وهذا ما كنت أتوقعه على البحر المتوسط، ولكنه كان بلا قاع، مما أثار دهشتي أيضا. وكانت هناك الكثير من الكلاب تحمي نفسها بذكاء تحت مظلات الشاطئ، على عكس ملاكها.

وكان أحد هذه الكلاب يدعى «برتا»، وكان في صحبت زوجين يرتديان ملابس متواضعة، اسماهما جورج وناغورا. وقالا لي إن «كابو دي غاتا» مشهورة نوعا ما بين الإسبان. وكان الزوجان قد سافرا 10 ساعات من بيلباو بالسيارة كي يتمكنا من الوصول إلى هناك. وأعطياني تعليمات رائعة عن «كالا راجا»، وما كان لي أن أحصل على هذه المعلومات وحدي.

يمكنك التوجه إلى المنطقة المرتفعة في أريسيف دي لاس سيريناس، ثم العودة بضع مئات من الياردات والسير في الطريق المطل على التلال الذي لا يوجد به سوى «أولا ديل مار».

عندما ترى السيارات متوقفة في أي مكان سر بين الصخور للوصول إلى الشاطئ.

راجا هو خليج صغير به تكوينات رائعة من الصخور حثتني على إخراج آلة التصوير من أجل التقاط صور لها، وهنا تعلمت درسا مهما، هو أن الرجال الذين يحملون آلة تصوير ويأتون بمفردهم في شاطئ يسمح فيه بالتعري دائما ما يكونون محل شك. هذا أمر مفهوم، على الرغم من أنه عندما تعمدت عدم توجيه عدسة آلة التصوير الخاصة بي إلى السيدات، اقتربت مني إحداهن وأنا موشك على المغادرة، وطلبت مني رؤية الصور للتأكد من عدم التقاطي صورا لها. والجدير بالذكر أنها قد ارتدت ملابسها قبل أن تتجه نحوي.

ربما كنت في شاطئ مثل الجنة، لكنني كنت أعاني؛ فإيجار السيارة والغرفة لم يبق لي سوى ثمن الطعام، فسعر الوجبة في مطاعم المأكولات البحرية يبدأ من 12 يورو (17 دولارا)، وهو مبلغ لا يمكن لمسافر مقتصد أن يدفعه. كان سعر طبق أرز أرخص، لكنه كان يكفي لاثنين على الأقل، بينما كنت بمفردي.

لقد تمكنت من تناول الطعام في الخارج مرة كل يوم، وشراء احتياجاتي من متجر البقالة والسوق بما تبقى لي من مال. تناولت بيتزا الخضروات في مطعم «بيتسيريا إيسوليتا»، الذي يقع في إيسليتا ديل مورو أي على بعد عشر دقائق سيرا على الأقدام من حجرتي، مقابل 8.50 يورو. واشتملت الوجبة على الصوص الحار الذي يحتوي على قدر كبير من الزيتون وقطع الكالاماري كمقبلات. شعرت بالملل في مدينة سان جوزيه وبحثت عن أي مكان يمكن أن أرتاده دون الإخلال بالميزانية. أخيرا وجدت «أندريا كافيه»، الحانة التي يبلغ سعر طبق الـ«تاباس» بها يورو واحدا، وكونت وجبة متكاملة من شرائح من نقانق «التشوريزو» والـ«بوكويرونيس» (أنشوجة منقوعة في الخل)» وكوب من قهوة الاسبريسو والتشيز كيك مقابل 9.60 يورو.

ومع ذلك كنت أشعر بالألم في أخر ليلة لي هناك بعد أن قمت برحلة تسلق مدتها خمس ساعات لشاطئ كالا دي إنتريميديو وشواطئ أخرى قريبة. عندما عدت إلى المكان الذي انطلقت منه، وهي قرية أغوا أمارغا الصغيرة المطلة على الشاطئ وحيث سأمكث بها في حال عودتي، كنت بحاجة إلى الاستراحة فقد كانت قدماي تؤلماني، كذلك كنت أريد تناول بعض المشروبات الباردة والطعام في المطعم الأبيض الغريب، وملحق بالمطعم مقهى في الخارج يسمى «لا بلازا» يعجّ بالسياح.

* خدمة «نيويورك تايمز»