معبد «دندرة» أسطورة العمارة الفرعونية.. يستقبل زواره بحلة جديدة

فيه حمام لكليوباترا ولوحة لها مع ابنها من يوليوس قيصر

سيفتح معبد دندرة أبوابه أمام السياح والزوار من جديد
TT

أصبح بإمكان السياح المولعين بمصر وبآثارها العريقة أن يضيفوا على أجندتهم السياحية زيارة «معبد ندرة»، أحد أهم معابد الفراعنة، القابع على ضفاف النيل بقرية دندرة بمحافظة قنا بصعيد مصر.

المعبد العريق الذي حرم زواره طوال السنوات الماضية من الاستمتاع بمشاهدة النقوش والألوان البديعة التي تزين سقفه، قريبا سيستأنف الحياة بحلة جديدة بعد أن نجح فريق عمل مصري في إزالة «السناج» الذي لوث جماله الفريد، بعد فشل بعثات أجنبية في ذلك.

توصل فريق العمل المصري إلى تركيبة كيميائية أطلقوا عليها اسم «جي إم زد» نجحت في إزالة طبقات الكربون أو السواد «السناج» التي تغطي سقف معبد دندرة، وتخفي تحتها أجمل وأروع النقوش الفرعونية التي ما زالت محتفظة بألوانها الطبيعية على الرغم من مرور آلاف السنوات على نقشها، وقد نجحت الخبرة المصرية بتركيبتها السرية فيما فشلت فيه الكثير من البعثات الأجنبية.

كاميرا «الشرق الأوسط» رصدت، خلال جولتها داخل المعبد، عملية إزالة السناج أو طبقات الكربون، كما يطلق عليها. وحسبما يقول أحمد علي حسين، مدير مشروع ترميم آثار مصر العليا: بعد التطوير الذي تم حول معبد دندرة، الذي كلف الدولة الملايين، كان لا بد من إيجاد حل لإزالة طبقة الكربون «السناج» الموجودة في سقف المعبد، التي تخفي تحتها نقوشا فرعونية غاية في الجمال والإبداع، وبدعم من المجلس الأعلى للآثار تمكن فريق العمل المصري، الذي يضم 50 فردا ما بين اختصاصيي ترميم وعمالة مساعدة، من إزالة طبقة السناج من أجزاء كثيرة من المعبد، وخلال فترة قريبة سوف يتم الانتهاء من باقي الأجزاء التي يغطيها السناج، وقد تمت إزالة السناج بتركيبة مصرية خالصة أطلقنا عليها «جي إم زد» نسبة إلى الدكتور جمال محجوب، الذي قام بابتكار هذه التركيبة، وبمساعدة وزير الدولة للآثار، الدكتور زاهي حواس. ولفت حسين إلى أنه بعد نجاح التجربة تقرر التوجه بفريق العمل إلى معبدي إسنا وإدفو لإزالة السناج الموجود بهما.

أما سيد عابد، مدير ترميم آثار قنا، فيقول: تسبب السناج، الذي نتج عن حريق نشب بالمعبد إبان العصر الروماني، في تغطية الألوان الجميلة التي يتمتع بها معبد دندرة، وقد حاولت بعثة فرنسية، من قبل، إزالة السناج، إلا أن تجربتها باءت بالفشل، ونجح الفريق المصري في تنفيذ ما فشلت فيه البعثة الفرنسية بأقل التكاليف الممكنة، كما أن التركيبة المستخدمة ليس لها أي أثر سلبي على جدران المعبد وسقفه، ويعمل الفريق بجد واجتهاد من أجل الانتهاء من هذا العمل في أقرب وقت، وذلك في إطار خطة تستغرق 40 شهرا للانتهاء من هذا العمل، ونحن الآن في الشوط الأخير؛ حيث إننا نعمل لمدة 8 أشهر في الموسم الواحد.

وأشار أيمن هندي، مدير معبد دندرة، إلى أن إزالة طبقة السناج سوف تبرز أفضل المزايا التي يختص بها معبد دندرة عن بقية المعابد، فسقف المعبد عبارة عن لوحة جمالية بديعة ما زالت محتفظة بألوانها حتى الآن، وكأنه تم دهانها منذ ساعة واحدة، وقد ظهرت بوضوح بعد إزالة السناج من عليها، بالإضافة إلى أن معبد دندرة يتميز بخصائص أخرى منها النقش المهم الموجود في الجدار الخلفي للمعبد، والأبراج الفلكية التي برع فيها المصريون القدماء، والتي تبرز من خلال دائرة الأبراج الفلكية (الزوديك) التي تزين جدران المعبد، كما أن أعمال التطوير ما زالت مستمرة بالمعبد، سواء من داخله أو خارجه، فالمعبد تم تطويره خلال السنوات الخمس الأخيرة بإقامة 30 بازارا وكافتيريا ومركزا لكبار الزوار مجهزا على أحدث مستوى، إضافة لمبنى للشرطة وأماكن انتظار للسيارات، لكن نتمنى من شركات السياحة أن تسهم معنا بدور أكبر في وضع المعبد على خططها السياحية.

يعتبر معبد دندرة من أروع وأكبر المعابد في مصر، وهو في حالة جيدة وما زالت نقوشه واضحة تحكي تاريخ هذه الحقبة من تاريخ مصر.

ويعرف معبد دندرة لدى علماء الآثار بمعبد الإلهة «حتحور» إلهة الحب والجمال والأمومة عند قدماء المصريين وزوجة الإله «حورس» إله معبد إدفو؛ حيث تم بناء المعبد لعبادتها وقد اتخذ تمثال الإلهة حتحور شكل رأس بقرة جميلة أو تحمل قرون بقرة على الرأس.

ويقع معبد دندرة على الشاطئ الغربي لنهر النيل في قرية اتخذت اسمه عنوانا لها ويبعد المعبد عن مدينة قنا بـنحو 4 كيلومترات (650 كيلومترا جنوب القاهرة)، وتبلغ مساحة المعبد بملحقاته 40 ألف متر مربع بعد الإضافات الجديدة.

يحيط بالمعبد سور من الطوب اللبن يبلغ طوله 1200 متر، ويضم هذا السور بداخله ملحقات أخرى غير المعبد مثل مقصورة ترجع للأسرة الـ11، وبيت ولادة من الأسرة الـ30، ومقصورة بطلمية، وحمام كليوباترا، وبيت ولادة من العصر الروماني، وبحيرة مقدسة، ومقصورة للزورق بالقرب من البحيرة، ومصحة، وكنيسة قبطية‏ أنشئت في القرن الخامس الميلادي، وبيت الولادة للملك نختانبو، ومعبد إيزيس، وعدة آبار للمياه.

ويزين مدخل المعبد 24 عمودا من أجمل وأروع الأعمدة التي ما زالت محتفظة بجمالها وقوتها حتى الآن، ويتشكل كل عمود في نهايته على شكل رأس مجسم للإلهة حتحور، وتوجد حول هذه الأعمدة في سقف المعبد رسومات مجسمة للأبراج الفلكية مقسمة إلى 6 أبراج في الناحية الشرقية، و6 أبراج في الناحية الغربية تعرف بدائرة البروج السمائية.

ويذكر مختار خليل محمد، الموظف بالمجلس الأعلى للآثار فرع قنا، أن معبد دندرة يمتاز بطابع فني عالي المستوى في هندسته المعمارية، فيوجد في تلك الهندسة امتزاج بين الهندسة المعمارية والهندسة الفلكية وتعتبر لوحة «الزوديك» أكبر دليل على هذا الامتزاج، وهي لوحة بها 12 برجا لكنها أهديت للملكة «أوجيني»، ملكة فرنسا في عهد الخديو إسماعيل عام 1869، واللوحة الموجودة حاليا نسخة مصنوعة من الجبس.

كما يوجد بالمعبد 12 سردابا، واحد منها فقط هو المسموح بزيارته للمترددين على المعبد وهو موجود خلف قدس الأقداس «المقصورة المقدسة»، أما الـ11 سردابا الباقية فمغلقة حتى الآن ولا يصرح بزيارتهما إلا للأثريين، وكانت تستعمل هذه السراديب كمخازن لمتعلقات المعبد.

وعلى الرغم من مرور عصور كثيرة على معبد دندرة، فإن الغموض ما زال يسيطر عليه وتدور حوله الأساطير والخرافات، حتى إن بعض السيدات العقيمات بصعيد مصر يذهبن إلى حمام كليوباترا الملحق بالمعبد ويغتسلن فيه اعتقادا منهن أنه سوف يكون سببا في حملهن.

ولا يمكن أن يذكر معبد دندرة من دون أن تذكر كليوباترا؛ حيث يضم المعبد لوحة شهيرة للملكة كليوباترا وقيصر ابنها من الملك يوليوس قيصر، كما تتناول نقوش المعبد وكتاباته جانبا كبيرا من حياة كليوباترا بدءا من مرحلة الصراع على حكم الإمبراطورية ومرورا بالصفات الجمالية والشخصية التي كانت تميزها وقصة الحب التي جمعتها بيوليوس قيصر وإنجابها الطفل قيصرون منه.