مخيمات مبردة وعودة إلى الجذور بطريقة عصرية

سياحة الصحراء في سلطنة عمان

إحدى الغرف التابعة للمخيم الصحراوي السياحي في عمان («الشرق الأوسط»)
TT

من الواضح أن توجها جديدا بدأ يتشكل في الفترة الأخيرة عند المستثمرين في القطاع السياحي في سلطنة عمان. فيلاحظ أنه بالتوازي مع عمل الحكومة على دعم هذا القطاع، من خلال الترويج له، وتأمين البنية التحتية اللازمة، وتأهيل الأيدي العاملة المتخصصة، بدأ رجال الأعمال البحث عن قوالب جديدة لتقديم منتجهم السياحي. وهكذا بدأت المنتجعات والمخيمات الصحراوية والبدوية تلقى رواجا كبيرا وانتشارا واسعا في أكثر من منطقة في السلطنة، سواء في قلب الصحراء أو حتى على شاطئ البحر.

وتنقسم هذه المرافق السياحية إلى نوعين: مخيمات أدخلت عليها كل مقومات الحياة المدنية، فاستهدفت شريحة معينة من السياح الذين يبحثون عن المدنية بعمق الصحراء. والنوع الثاني هو المخيمات التي توفر خدمات أساسية، ولكن ضمن حياة البادية، من خيم وجمال. لكن الموسم السياحي لهذه الفئة يعتبر أقصر؛ نظرا لارتفاع درجات الحرارة، وهو الأمر الذي نجحت في تجاوزه المخيمات التي تعتمد التكييف داخل الغرف أو حتى الخيام.

الصحراء لم تعد موحشة، يقول عبد الله الحارثي، صاحب مخيم ألف ليلة الصحراوي، الذي يقع في المنطقة الشرقية في عمان: «لطالما شكل التعرف على الصحراء مغامرة في أذهان السياح الأجانب، ومن هذا المنطلق يقدم المخيم تجربة للسائح لن تتوفر له في أي مكان. فنحن نعمل على إبراز البادية العمانية بكل ما تحمله من مكنونات ومعان، وعلى إبراز العادات والتقاليد البدوية أيضا، من حيث المأكل والملبس، ولذا أشركنا سكان البادية في المشروع، حيث يقومون بتقديم المأكولات والحرف اليدوية الخاصة بهم، وكذلك الأغاني والرقصات».

ويوضح الحارثي في حديث مع «الشرق الأوسط» أن نسبة الإقبال على المخيم تحقق ارتفاعا عاما بعد عام، ولا سيما خلال الموسم السياحي، ويقول: «يستقبل المخيم خلال الموسم نحو 2500 سائح شهريا؛ علما بأن طاقته الاستيعابية هي 80 شخصا، ويمكن رفعها إلى 120 شخصا خلال موسم الذروة».

وتتم الإقامة في مخيم ألف ليلة في خيم غير مبردة، لذلك هو يعتمد على موسم الشتاء، أي بين شهري سبتمبر (أيلول) وأبريل (نيسان). ويعتبر الحارثي أن هذه الفكرة تقدم للزائر فرصة تجربة حياة الصحراء على حقيقتها، وهذا من شأنه دعم المجتمع البدوي ماديا ومعنويا، وترسيخ مفهوم المحافظة على بيئة الصحراء. ولهذا يعمل الحارثي حاليا على إنشاء مركز تعليمي عن الصحراء ومكنوناتها، للسياح والطلاب، من داخل السلطنة وخارجها.

ولأن أصحاب هذه المشاريع يدركون أهمية تقديم تجربة متكاملة للسائح، سارعت هذه المخيمات والمنتجعات إلى تنظيم أنشطة مختلفة، مثل رحلات على الجمال في الصحراء لفترة تمتد حتى ثلاثة أيام، ركوب الجمال والخيول، التزلج على الرمال، والتنقل بين الكثبان في سيارات الدفع الرباعي. وبالنسبة إلى منتجع السلاحف في رأس الحد، الأمر لا يقتصر فقط على الإقامة في غرف من سعف النخيل على شاطئ البحر، فعمد القيمون عليه إلى تقديم عدد من المرافق الترفيهية الأخرى، مثل ملاعب للكرة الطائرة وكرة السلة، وتنظيم جولات بحرية لمشاهدة الدلافين، وصيد الأسماك، والغوص.

ويعتبر منتجع شاطئ السلاحف في رأس الحد، القريب من مدينة صور، مختلفا عن المخيمات الصحراوية؛ لكونه يقع مباشرة على شاطئ البحر في منطقة سياحية معروفة في السلطنة، تتميز بقربها من محمية السلاحف البحرية، لكن التصميم الداخلي للمنتجع جاء مراعيا طبيعة الصحراء ككل. ويجد جمال العلوي، الرئيس التنفيذي للمنتجع، أن الاسترخاء في الطبيعة البكر، هو الميزة الأساسية التي يقدمها المنتجع لنزلائه، ويقول: «نقدم للزائر تجربة لقضاء أيام في الطبيعة على بساطتها، ولذلك حرصنا على خلو الغرف من أجهزة التلفزيون، باستثناء جهاز واحد موجود في قاعة عامة، فهو منتجع حقيقي بعيد تمام البعد عن المدينة وضوضائها».

ويوضح العلوي في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن السياح الأجانب، ولا سيما الأوروبيون، يمثلون الفئة الأكبر من زوار المنتجع، وقال: «إن نسبة الإشغال خلال الموسم السياحي تتراوح بين 70 إلى 100 في المائة، لكنها تتراجع إلى حدود 30 في المائة خلال أشهر الصيف. إلا أننا نعمل في الوقت الراهن على إضافة غرف جديدة سترفع من طاقتنا الاستيعابية مستقبلا». ويعتبر العلوي أن عددا كبيرا من السياح بات يبحث عن السياحة بعيدا عن المفاهيم التقليدية التي كانت سائدة، فما عادت الإقامة في فنادق الخمسة نجوم هي فقط التي تستهوي السياح هذه الأيام، وهذا هو البعد الآخر الذي نقدمه مستفيدين من فكرة الصحراء، التي تجذب شريحة كبيرة من السياح الأجانب إلى منطقتنا.