«الشيشة» رفيقة ليالي العرب في لندن

العرب يتحايلون على قرار حظر التدخين في المقاهي والجنس اللطيف نسبة كبيرة من مرتاديها

العرب في مقاهي لندن يستمتعون بجلسة هادئة مع الشيشة (تصوير: حاتم عويضة)
TT

تزدهر مقاهي الشيشة في لندن لتمثل جزءا كبيرا من ليالي السمر الرمضانية لا سيما في الأحياء العربية التي يتوافد إليها الزوار من جميع الطبقات والجنسيات رجالا ونساء لممارسة طقوس الجلوس على القهوة ونفخ الدخان الممزوج بالعنب والتفاح وحتى الكابوتشينو وجوز الهند. وتمتلك مقاهي الشيشة في العاصمة البريطانية طابعا خاصا، فهي قرى مغربية أو شامية أو مصرية بديكوراتها المستوحاة من هذه الثقافات والتي يعكسها خرطوم الشيشة الذي يحمل زخارف فضية أو نحاسية أو نقوشا فرعونية. ومما يزيد ذلك صوت الأنغام العربية التي تتردد داخل أروقتها سواء الكلاسيكية أو الحديثة والتي تمنحها جوا شرقيا مستوحى من عبق التاريخ العربي الأصيل.

واستعانت بعض المقاهي والمطاعم الفاخرة خلال أيام شهر رمضان بعازف للعود خصوصا بعد منتصف الليل وهي فترة السحور والذي يتفانى في عزف مقامات غنائية مختلفة وألحان مقتبسة من أهم وأشهر الأغاني كـ«ألف ليلة وليلة» لسيدة الغناء العربي أم كلثوم وفيروز.

ويقول إياد الصاوي مسؤول أحد المطاعم الشرقية في وسط لندن «لقد أضاف تزامن شهر رمضان مع موسم الصيف في لندن مزيدا من متعة السهر بمصاحبة الشيشة حيث إن درجة الحرارة تتراوح ما بين 20 - 28 درجة والنسيم عليل يغري محبي السهر لارتيادها بشكل كبير».

والجميل في هذه المقاهي أنها ليست مجرد أماكن عامة لتدخين الشيشة فقط، وإنما هي مجالس حميمة تحاكي مجالس السمر التي يجتمع فيها الأصدقاء والأقارب في المنزل لمشاهدة مسلسل تلفزيوني أو مباراة رياضية.

وبالنظر إلى مرتادي هذه المقاهي - ليس فقط من ناحية ما يرتدونه من أزياء تتبع ماركات عالمية إلى جانب سياراتهم الفارهة - وإنما كون عدد كبير منهم ينتمي إلى طبقات اجتماعية بارزة، فلا يمكن التصديق بأن الشيشة كانت يوما ما مرتبطة بشكل كبير بالفئات المنحدرة من الطبقة المتوسطة في العالم العربي سواء من صناعيين أو حرفيين يلجأون إليها للشعور بالاسترخاء بعد عمل يومي شاق، إنما أصبحت ملتقى للطبقة الراقية والثرية التي لا يتوانى الأشخاص التابعون لها عن دفع أموال طائلة للحصول على طاولة عبر حجز مسبق قد يمتد إلى 4 ساعات.

وتقدم الشيشة كخدمة جانبيه للمطاعم والمقاهي حيث توفر بنكهات بطعم الفواكه مثل التفاح والكنتالوب والأناناس والفراولة وتتراوح أسعارها ما بين 8 إلى 12 جنيها استرلينيا.

وتتركز مقاهي الشيشة في وسط لندن التي تشمل شارع ايدجوير رود الذي يقطنه معظم الجاليات العربية وفروع الشركات والمكاتب العربية إلى جانب منطقة نايتس بريدج الراقية ووجهة المشاهير في التسوق وتمتد إلى «سلوين سكوير» الواقعة بالقرب من حديقة فكتوريا الشهيرة.

الشيشة التي عرفتها إنجلترا في بداية السبعينات - بواسطة الكثير من العرب الذين توافدوا إلى أوروبا من لبنان والعراق ومصر ودول عربية أخرى للعمل - كانت البديل الذي يعوضهم عن حنين الجلسات وسط الأقارب والأصدقاء. إلا أنها فقدت جزءا كبيرا من شعبيتها منذ أن تم حظر التدخين داخل الأماكن المغلقة في بريطانيا عام 2007. وعن ذلك يقول وليد عبد الستار الذي يدير مطعم مأكولات عراقية يقدم الشيشة، إن قرار الحظر أثار استياءه كثيرا في ذلك الوقت لأنه أدى إلى تقليص عدد زواره. ويرى بأن تداعيات هذا القرار ما زالت موجودة «فهو السبب الرئيسي في ازدحام المقاهي بطوابير الانتظار نظرا لعدم استطاعته توفير الشيشة سوى في الخارج استجابة لقانون الحظر، كما أن المساحة الخارجية لا تستوعب ذات العدد من الكراسي والجلسات. وأضاف «تأثر الكثير من (عرب لندن)، ذلك أن الشيشة تمثل جزءا مهما من حياتهم إذ درجوا على تدخينها بلا انقطاع».

وتضم مطاعم ومقاهي الشيشة مظلات في الخارج نظرا لأن الأجواء في إنجلترا ممطرة في الغالب. الطريف أن بعض أصحاب هذه المقاهي يحتالون على هذا المنع بأن يضعوا الشيشة خارج المقهى، ثم يستخدمون خرطومها الطويل الذي يمر من خلال النافذة في تدخينها في الداخل المقهى مطبقين بذلك قانون منع تدخينها في الهواء الطلق، كما يحتال آخرون بتجهيز غرف داخلية مغلقة مزودة بماكينة تشفط الدخان إلى الخارج، ولكن لم يلق هذا الحل رضا بعض البلديات مما دعا ببعض المقاهي لاستقبال بعض الزبائن العرب في تلك الغرف ولا يقبلون دخول الزبائن غير المعروفين لدى الإدارة لتفادي المشكلات مع البلدية ودفع غرامات مادية تصل إلى آلاف الجنيهات الاسترلينية.

وربما يكون أبرز المشاهد إثارة وغرابة هو هذا الكم الهائل من الفتيات اللاتي يشكلن نسبة كبيرة من مرتادي هذه المقاهي. فرغم أن الشيشة هي جزء من معظم الثقافات العربية فإن مظهر الفتاة وهي تدخن الشيشة كان يثير الاستهجان في الماضي، ولكن في المقاهي المنتشرة في لندن يعتبر أمرا طبيعيا وبعيدا عن القيود الاجتماعية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض المقاهي تحاول زيادة زبائنها من الجنس اللطيف من خلال تقديم الشيشة بالمجان لهن في أوقات معينة من اليوم.. وتؤكد مديحة قيس إحدى الزبونات والتي تدخن الشيشة منذ 14 عاما، بأنها ربما تكون هناك نظرة متحفظة على المرأة المدخنة بشكل عام في العالم العربي ولكن «شخصيا أرى أن الأمر عادي هنا (لندن) خصوصا أن الشيشة عادة قادمة من بلادنا العربية ولا يوجد سبب لاستهجانها بالنسبة للنساء».

وتقول صديقتها التي ترافقها في التدخين في المقهى بأنها ليست مدمنة على التدخين ولكن تدخن الشيشة بين الفينة والأخرى لإراحة أعصابها. مضيفة: «لا أرى أي حرج في ذلك».

وعلى الرغم من أن تدخين الشيشة كان يمارس منذ أكثر من 400 عام وخصوصا في بلاد الشام حيث كانت الأرجيلة توجد في المنازل ويدخنها رب المنزل ورجال العائلة، ولكن هذا التقليد الثقافي انبعث بروح جديدة في بدايات القرن العشرين من خلال توفره في مقاهي الشاي والقهوة والشطائر، فأصبح الناس يرتادونها بكثرة، وبدلا من أن يسموها مقاهي الشاي والقهوة أطلق عليها «مقاهي الشيشة».

ولم تعد الشيشة مصطلحا غريبا لغير العرب، فالمئات من الجنسيات الغربية تتوافد على مختلف المقاهي للاسترخاء بالسهرات الجميلة حيث يتردد إليها العديد من الأوروبيين والبريطانيين الذين يتقاسمونها فيما بينهم.

وفيما يمسك كومار جدفاني بخرطوم الشيشة، يقول إنه جرب تدخين الشيشة في سن الـ16: «لقد جربت معظم مقاهي الشيشة في شمال لندن. ما يعجبني هو ما خلف المقاهي من أجواء وأن أصدقائي يكونون حولي». ويضيف «أفضل نكهة النعناع المزدوج».

وتقول نيارا بوتيت وهي سائحة إيطالية تصف نفسها بأنها من هواة الشيشة «أضع شيشة مصنوعة من النحاس كديكور في منزلي»، وتضيف «الشيشة مختلفة عن السجائر.. السيجارة مناسبة للأشخاص العصبيين ولكن الشيشة صديقة للعديد من الأشخاص فهي تعطيك وقتا للاسترخاء والتفكير وتعلمنا الصبر وتساعد على التقارب وتمضية وقت ممتع مع الأصدقاء».

* أشهر مقاهي الشيشة في لندن:

* مأمونية لاونج - - Mamounia Lounge (Knightsbridge) 136 Brompton Road, Knightsbridge, London, SW3 1HY

* طربوش Tarboush Cafe 57 Market Street, Watford, Hertfordshire WD18 0PR

* باشا Pasha Restaurant & Lounge 1 Gloucester Road London SW7 4PP

* جوري Joury Knightsbridge Restaurant 146 Brompton Road, London, SW3 1HX

* لوفانت Jason Court, 76 Wigmore Street, London, W1U 2SJ

* نايتسبريدج كافيه (بعد الساعة السابعة مساء) 5 - 6 William Street, Knightsbridge London, SW1X 9HL

* مومو 23 - 25 Heddon Street London W1B 4BH 020 7734 3999