شارع بيروت يربط بين أقدم جسر دمشقي وأكبر ساحة

الشارع السياحي الأجمل في العاصمة السورية ورفيق نهر بردى

شارع بيروت بدمشق ويظهر فندق الفورسيزونز أحدث الفنادق الراقية في العاصمة
TT

ينظر إليه من قبل الكثيرون سكانا وزوارا وباحثين في جماليات الأمكنة على أنه ومنذ افتتاحه قبل عشرات السنين الشارع الأجمل في العاصمة السورية دمشق، وهو يستحق هذه الصفة لكثير من المزايا الجغرافية والاستراتيجية والسياحية والمكانية التي ينفرد بها، حيث يشكل مدخل دمشق الغربي، ويربط بين أقدم جسر أنشئ في المدينة قبل 100 عام وهو جسر فيكتوريا، ونصب السيف الدمشقي الشهير بجانب إحدى أهم ساحات وميادين دمشق العامة التي تأسست في خمسينات القرن الماضي وهي ساحة الأمويين، كما أنه يجاور نهر بردى ويسير مع ضفته من الجسر وحتى الساحة بطول يصل إلى الكيلومترين تقريبا، كذلك تنتشر على جانبي الشارع أهم وأجمل المنشآت التاريخية والسياحية القديمة والحديثة، ولأنه يربط دمشق بطريق الربوة ومن ثم الطريق الذاهب إلى لبنان فقد أخذ الشارع ومنذ تأسيسه اسم «بيروت»، فعرف منذ تأسيسه في بدايات القرن المنصرم باسم شارع بيروت، لكنه في منتصف القرن الماضي أطلق عليه اسم رسمي آخر وهو شارع شكري القوتلي تقديرا لتاريخ ومواقف هذا الرجل الذي كان أحد المناضلين أيام الانتداب الفرنسي والذي حكم سوريا منتصف خمسينات القرن المنصرم، حيث تم إطلاق اسم شكري القوتلي على شوارع مهمة تتوسط معظم مراكز المحافظات السورية.

المؤرخون في كتبهم وأبحاثهم يروون حكاية إنشاء شارع بيروت، ومنهم الباحث الدكتور قتيبة الشهابي، في كتبه المتعددة عن دمشق وتاريخها، حيث يشرح أن هذا الشارع عرف بانتشار الحدائق الخضراء على جانبيه وبشكل متتابع، وكان يمتد من جسر فيكتوريا وحتى صدر الباز عند أول الربوة في منطقة الشرف الأعلى والنيرب، ولذلك سمي طريق الربوة، حيث انتظمت الحدائق وبعض الأبنية الرسمية في جانبه الشمالي ونهر بردى والمرج الأخضر وضاحية كيوان إلى الجنوب منه حيث الطريق يمتد من الشرق إلى الغرب، واستنادا إلى خريطة شرطة دمشق لعام 1922 – 1924 كانت هذه الحدائق من شرق الشارع ولغربه هي جنينة الشرف، وتسمى حاليا حديقة التجهيز نسبة لمدرسة التجهيز أقدم مدارس دمشق الثانوية، كما يطلق عليها حديقة الجلاء حيث شهدت أول حفل شعبي ورسمي بعد استقلال سوريا سنة 1946، وهناك جنينة الأمة وسميت في ما بعد حديقة المطعم الدولي (مكانها حاليا جزء من فندق الفورسيزونز)، وجنينة المغسلة يقابلها المرج الأخضر أو ساحة سباق الخيل (مدينة معرض دمشق الدولي القديم). ويتابع الشهابي معددا الأسماء التي أطلقت على هذا الشارع منذ تأسيسه بداية القرن العشرين المنصرم والتي تبدلت حسب الحقب الزمنية، فبعد تسميته بشارع بيروت أو طريق الربوة، صارت شارع فاروق الأول نسبة للملك فاروق ملك مصر، ثم شارع شكري القوتلي نسبة لرئيس الجمهورية السورية في عهدي الاحتلال والاستقلال، وتظهر الصور القديمة لشارع بيروت أحداثا مهمة فيه، ومنها - كما يروي الشهابي - حادثة غمر الشارع بالمياه شتاء كل عام في أربعينات القرن المنصرم، حيث كانت مياه بردى الفائضة بعد شتاء مدرار تغمر شارع بيروت فيضطر الناس عند الانتقال عبر ضفتيه إلى ركوب العربات أو السيارات أو حتى أكتاف بعضهم لقاء مبلغ يصل إلى 25 قرشا سوريا في بعض الأحيان.

والمميز في شارع بيروت أنه لا توجد على جانبيه مبان سكنية، بل مجموعة من المباني التاريخية والسياحية والثقافية تمتد مع الشارع من بدايته وحتى نهايته، ومن المباني التاريخية في الجهة الجنوبية منه هناك التكية السليمانية التي يعود تأسيسها لبدايات الفترة العثمانية، وهي كتلة معمارية ضخمة تضم مدرسة ومسجدا وسوقا، وهناك مباني المتحف الوطني المتميز بحدائقه الواسعة والمقابلة لمباني التكية السليمانية حيث تم إنجاز مباني المتحف قبل 75 عاما في عام 1936. وتلي مباني المتحف غربا مدينة معرض دمشق الدولي التي افتتحت بدايات خمسييات القرن المنصرم وظلت تستقبل دورات معرض دمشق الدولي صيف كل عام وهو المعرض الاقتصادي الأهم والأكبر في سوريا حتى افتتاح مدينة المعارض الجديدة خارج دمشق على طريق المطار قبل خمس سنوات فيما تعمل الجهات المعنية على تحويل المدينة القديمة إلى مجموعة من المنشآت الترفيهية والحدائق الخضراء مع المحافظة على مسرحها المكشوف الوحيد من نوعه في سوريا والذي شهد وما زال حفلات كبار المطربين العرب في المهرجان السنوي المرافق لمعرض دمشق الدولي، حيث شدت على منصته المطربة فيروز بأجمل أغانيها، وتقوم حاليا فرقة أنانا السورية المعروفة بتخصصها بالمسرح الراقص بإدارة المسرح وتدريب أعضاء الفرقة لتقديم عروضها الجديدة.

كذلك ومن أهم المباني الثقافية التي توجد في نهاية شارع بيروت وتطل على ساحة الأمويين ونصب السيف الدمشقي دار الأوبرا التي افتتحت بمبانيها الرائعة قبل ست سنوات. وكانت قد افتتحت فيما قبل مباني ومسارح المعهد العالي للفنون المسرحية المطلة على شارع بيروت، والذي تخرج فيه منذ تأسيسه في سبعينات القرن المنصرم العديد من أشهر نجوم الدراما السورية.

أما المباني والمنشآت السياحية التي تطل على شارع بيروت فهناك العديد من أهم وأجمل فنادق دمشق ذات الخمس نجوم. والطريف هنا أن شارع بيروت شهد ولادة أول فندق سياحي في بداية الشارع من جهة الشرق بجانب جسر فيكتوريا وهو فندق فيكتوريا الكبير الذي تأسس في نهاية القرن التاسع عشر، وقد هدم البناء مطلع خمسينات القرن المنصرم ليقوم مكانه مبنى الحايك الإسمنتي الذي استثمر كمكاتب تجارية ودكاكين، كما شهد الشارع ولادة أحدث فندق سياحي ضخم وهو الفورسيزونز قبل نحو سبع سنوات. وفيما بين التاريخين شيد العديد من الفنادق السياحية المهمة، ومنها فندق سميراميس ذو الخمس نجوم المجاور لمباني التكية السليمانية والذي أنشئ في أربعينات القرن المنصرم وتم تجديده قبل عدة سنوات. وهناك فندق الميريديان الذي تأسس في منتصف سبعينات القرن العشرين وتديره حاليا سلسلة فنادق ديديمان التركية حيث يأخذ الفندق الاسم نفسه حاليا.

مما لاشك فيه فإن السائح والزائر لدمشق والنزيل في أحد فنادقها الفخمة الموجودة في شارع بيروت ستتاح له رؤية ومشاهدة الشارع العريق من غرف الفندق بمنظر بانورامي، كما يمكن مشاهدة الشارع بالكامل من طبقات برج دمشق المبنى الأعلى في العاصمة السورية والذي يوجد بجوار جسر فيكتوريا، لكن المنظر الأجمل لشارع بيروت سيتحقق للزائر المتجول في دمشق من خلال جسر الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي شيد في بداية ثمانينات القرن المنصرم ويعلو شارع بيروت من وسطه، حيث يتيح للزائر مشاهدة بانورامية رائعة له من جهة الشرق حيث جسر فيكتوريا، ومن جهة الغرب حيث ساحة الأمويين. كذلك فإن رغب الزائر في السير على رصيف الشارع الطويل ستتاح له فرصة رائعة للتنزه مع اتساع الأرصفة والشارع العريض بحارتيه، كما يمكنه التمتع بمنظر بعض حدائق الشارع المتبقية والعريقة والجميلة ومنها حديقة الجلاء بجانب الرصيف الشمالي للشارع وحدائق المتحف الوطني بجانب الرصيف الجنوبي حيث يمكنه احتساء كأس شاي أو فنجان قهوة بين أشجار الحديقة الباسقة وتماثيلها الأثرية الضخمة التي تشكل متحف هواء طلق، كما يمكنه الاستمتاع بمنظر ومساحات مدينة المعرض الواسعة وتناول الطعام في مطعم قصر النبلاء ذي النجوم الخمس الذي يوجد في نهاية مدينة المعرض بجوار المسرح المكشوف.