السياحة الصيفية تزدهر في كردستان

المزارع الخاصة ملاذ الباحثين عن الهدوء والاسترخاء

السياحة في كردستان تنتعش في الصيف
TT

كردستان بجبالها ومياهها ومصايفها العريقة أصبحت ملاذا للعراقيين غير القادرين على السفر إلى الدول الأوروبية للاصطياف والاستجمام، وخصوصا خلال هذه السنة التي تسجل درجات الحرارة فيها بالعراق أرقاما غير مسبوقة، فالكثير من المسنين في مدن كردستان يشيرون إلى «أن ارتفاع درجات الحرارة هذا العام التي اقتربت من خمسين درجة هو ارتفاع غير مسبوق بالمطلق، فلم تشهد كردستان حرارة بمثل هذه الدرجة منذ مئات السنين» ففي مدينة السليمانية التي كانت درجات الحرارة فيها أقل دائما عن مدينة أربيل على سبيل المثال، كادت تسجل درجة خمسين مئوية، مما أدى بالأربيللين إلى اختيار مصايفهم في الجبال كـ«جنديان» و«بيخال» و«شقلاوة» وغيرها بديلا عنها لتمضية أيام العطل الأسبوعية. وأصبح الوجود العربي العراقي في تلك المصايف لافتا وكبيرا خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في بغداد وبقية مدن العراق، حتى بات أفراد بعض العوائل يفترشون الأرصفة في تلك المصايف للنوم في ظل درجات حرارة أخف وأقل وطأة مما يجدونها في مدنهم.

وبالمقابل تزدهر حركة شراء المزارع الخاصة في المناطق المعتدلة حراريا وخاصة قرب مصيفي صلاح الدين وشقلاوة القريبين من مركز مدينة أربيل.

وقبل انطلاق «الشرق الأوسط» للسفر إلى منطقة كوري الواقعة بين المصيفين المذكورين، سجلت داخل أربيل درجة حرارة 46 مئوية، ومع وصول السيارة إلى تلك المنطقة انخفضت الحرارة تدريجيا إلى حدود 38 درجة، وكذا الحال بالنسبة لدرجة الحرارة الصغرى التي راوحت ما بين 30 و32، فيما كانت في مركز أربيل عند العودة تتراوح بين 36 و38 درجة مئوية.

لاحظت «الشرق الأوسط» انتشارا واسعا في حركة البناء داخل تلك المزارع الخاصة التي بدا إقبال المواطنين على شراء الأراضي فيها لافتا، وذلك لرخص أسعار الأراضي هناك قياسا مع الأراضي السكنية في مراكز المدن التي سجلت ارتفاعا كبيرا مع إطلاق حكومة إقليم كردستان السلف العقارية، وما يميز تلك الأراضي التي يشتريها المواطنون في المدن الكبيرة ليقيموا عليها مزارع خاصة بهم والتي أصبحت موضة العصر، أنها رخيصة جدا بسبب كونها أراضي زراعية غير قابلة للتسجيل العقاري، فرغم أن القانون يمنع التصرف بالأراضي الزراعية المملوكة للدولة وتحويلها إلى أراض سكنية، فإن أصحاب تلك الأراضي وهم غالبا من المزارعين القرويين يبيعونها في الباطن بعقود على الورق، ورغم المخاطر والموانع القانونية من عمليات بيع وشراء كهذه فإن سمير وهاب الذي اشترى له أرضا بمساحة 200 متر مربع في منطقة كوري لم يتردد في البدء بعملية بناء دار سكنية له على تلك القطعة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «سأحاول أن أبني بيتا بحدود 80 مترا مربعا وسأخصص بقية الأرض لحديقة كبيرة، وقد أزرع فيها بعض أنواع الثمار، وقد أربي فيها بعض الدواجن، فأنا أحن إلى أيام ما كنا في القرية نعيش حياتنا البسيطة بعيدا عن ضوضاء المدينة».

الحاج حسين الذي أقام مزرعة خاصة به على مساحة دونم من الأرض واشتراها ابنه بحدود 25 ألف دولار، يقول «كل أيام الخميس نتوجه ظهرا بعد انتهاء الدوام الرسمي إلى هنا، ونبقى فيه أنا وعائلتي إلى مساء يوم السبت، وقد نعود إلى أربيل صباح الأحد للدوام في الدائرة، فقد تعودنا على ذلك منذ بدء فصل الصيف». ويقول «في معظم الليالي نضطر إلى ارتداء السترات لاتقاء البرد، أو نتغطى بالبطانيات عند النوم بسبب برودة الجو، وفي أربيل عندما ننام في بيوتنا ببقية الأيام حتى المكيفات والسبلتات لم تعد تنفع لتلطيف الجو الخانق بالمدينة».

وبنى الحاج حسين بيتا له وآخر لعائلة ابنه في تلك المزرعة وعلى آخر طراز، حيث إن ابنه متمكن ماديا لاشتغاله بالتجارة مع تركيا، أما هو فيعمل موظفا حكوميا، ويقول «بسبب ارتباطي بالوظيفة أقضي هنا كل أسبوع يومين أو ثلاثة، ولكن ابني يقيم فيها على مدار الأسبوع، يذهب إلى أربيل لإدارة شركته وبعد الظهر يعود إلى المزرعة وهكذا، فهو يهرب من حر أربيل ويريد أن يقضي الصيف بكامله هنا للطف الجو قياسا بجو أربيل».

على مدى جانبي الطريق الرابط بين مركز مدينة أربيل والمصايف القريبة منها (صلاح الدين وشقلاوة وكلي علي بيك) تنتشر مئات المزارع الخاصة، يعتقد أن معظمها يعود لمسؤولين في الإقليم، فاتساع المدينة وازدحامها بالسيارات وتصاعد وتيرة بناء العمارات الشاهقة ساهمت بمجملها في رفع درجات حرارة المدينة في السنوات الأخيرة، وهذا ما دفع بالكثيرين منهم إلى اللجوء لامتلاك مزارع خاصة بهم على غرار أغنياء أميركا وأوروبا، ولكن في كردستان لم تعد تلك المزارع حصرا بالأغنياء والمسؤولين، بل إن هردي وهو موظف بالحكومة ادخر بعض المال ويريد أن يشتري به قطعة أرض في تلك المنطقة ليبني بها بيتا صغيرا له ولعائلته ويقول «سأشتري مائتي متر بستة آلاف دولار وسأبني عليها دارا صغيرة وسأنتقل إليها نهائيا من أربيل، وسأتخلص بذلك من مشكلة الإيجار ومن ضوضاء المدينة، فلدي سيارة قديمة أستطيع أن أذهب بها إلى دوامي في أربيل والعودة منها إلى بيتي هنا».

المسافة بين أربيل ومنطقة كوري لا تزيد على نصف ساعة، ويقول هردي «في المدينة إذا أردت أن تنتقل من محل إلى آخر ستحتاج إلى وقت أكبر بكثير من الوقت الذي تحتاجه لقطع المسافة بين أربيل وكوري». وقد صدق، فالازدحام المروري وكثرة التقاطعات وإشارات المرور في المدينة تعرقل كثيرا انسيابية الحركة المرورية داخل المدينة التي تتسع يوما بعد آخر بفضل الانتعاش الاقتصادي في كردستان عموما.

أصبحت المزارع الخاصة ملاذا لبعض المتمكنين ماديا من سكان المدن الكردستانية، وأصبحت المصايف العامة بدورها ملاذا للعوائل العراقية الهاربة من حرارة الجو بمدنها. يقول أبو عبد الله البغدادي «هربنا من بغداد إلى مصيف شقلاوة ونحن هنا منذ أسبوعين ونأمل في البقاء فيه إلى نهاية هذا الشهر، فالحرارة في بغداد لا تطاق ولا يمكننا الصيام هناك، عليه جئنا إلى هذا المصيف وسنبقى فيه إلى حلول العيد، ولكن المشكلة أن الإقامة هنا مكلفة جدا، فالإيجارات مرتفعة خلال الموسم وكذلك أسعار المطاعم، على عكس العام الفائت عندما جئنا في بداية الربيع كانت الأسعار أقل، هناك ازدحام شديد من المصطافين ومن الصعب أن تحصل على محل للإقامة من دون أن تدفع ما يرضي المؤجر، لأن هناك آخرين سيدفعون أكثر منك، وعليك في المحصلة أن ترضيه وإلا فما عليك إلا العودة إلى جحيم بغداد».