علاج «أيورفيدا» سيد السياحة العلاجية في الهند

أفضل موسم للسياحة الطبية في شهور الرياح الموسمية

تعتبر فترة الرياح الموسمية من أفضل الأوقات للتوجه إلى الهند بهدف السياحة الطبية
TT

إذا كنت ممن لا يروق لهم السفر الشاق وارتياد الأماكن المختلفة، ثم العودة إلى المنزل منهكا وخائرا القوى، عليك إذن أن تأخذ إجازة للاستمتاع بالرياح الموسمية وتجديد نشاط جسمك وعقلك وروحك، وبث الحياة في جنباتك مجددا.

تعتمد هذه العطلة الصحية الفريدة على أيورفيدا، وهو نظام طبي هندي قديم، يعرض خيارين، أحدهما تنشيطي والآخر علاجي. وقد تطور أيورفيدا قرابة عام 600 قبل الميلاد في الهند. ويشير مصطلح «أيورفيدا» إلى «معرفة الحياة»، وهو نظام يسعى لعلاج الأمراض وتعليمنا كيفية الحصول على صحة ممتازة من قلب ظروف استثنائية أو مريضة، وكيف يمكننا قيادة حياتنا، على الصعيدين البدني والذهني، للحصول على نعمة الحياة الحقيقية. اليوم، تحولت أيورفيدا إلى فرع فريد ولا استغناء عنه من الطب، وباتت أشبه بنظام طبيعي متكامل يعتمد على تشخيص الخليط الأساسي المؤلف لجسدك - «فاتا» أو «بيتا» أو «كافا» - وذلك لتحقيق التوازن الصحيح.

من الناحية التقليدية، يعتقد الأطباء المتخصصون في أيورفيدا أن أنماط العلاج التنشيطية تأتي بنتائجها المثلى خلال شهور الرياح الموسمية الرطبة، حيث تسمح مسام الجلد بأكبر مستوى ممكن من امتصاص أدوية وزيوت أيورفيدا. تجعل الرياح ودرجات الحرارة الباردة الجسم على استعداد خاص للاستفادة من القوى العلاجية والتنشيطية للأعشاب والعلاجات المستخدمة في إطار أيورفيدا.

وعلى الرغم من أن كل منطقة في الهند تعرض حزمة مميزة خاصة بها لخطوات تنشيط الجسد طبقا لمبادئ أيورفيدا، فليس بالبلاد مكان أفضل على هذا الصعيد من ولاية كيرالا التي يطلق عليها أرض الله.

تتميز كيرالا بوفرة في النباتات الخضراء كثيرة الأوراق والبحيرات والشواطئ الرائعة، التي تجعل منها جنة استوائية. كما تحمل الولاية أيضا لقب أرض أيورفيدا نظرا لمناخها المتوازن ووفرة الغابات بها (مع تمتعها بثروة في الأعشاب والنباتات الطبية) وموسم الرياح الموسمية الرائع (يونيو «حزيران» - نوفمبر «تشرين الثاني»)، الذي يعد مناسبا للغاية لحزم علاجات أيورفيدا العلاجية والتنشيطية. في الواقع، تعد كيرالا اليوم الولاية الهندية الوحيدة التي تمارس هذا النظام الطبي بإتقان بالغ.

من بين السمات الأخرى المميزة لموسم الرياح الموسمية في كيرالا عصيدة خاصة تدعى «كاركيداكا كانجي». ويجري تناول هذا الطبق المتميز خلال شهر كاركيداكام (يوليو «تموز» - أغسطس «آب») من التقويم المالايالامي، حيث يحوي مكملات غذائية علاوة على تأثيره الطبي. ويعتقد أن هذا الطبق لديه القدرة على السيطرة على عناصر تعدها أيورفيدا سامة. وربما يعود هذا الأمر إلى المكونات والقيم العلاجية التي تحويها. يتكون طبق «كاركيداكا كانجي» من حبوب ونباتات طبية. وحتى في عصر الطب الحديث الراهن، لا تزال كيرالا تجتذب أشخاصا من مختلف أرجاء العالم نحو هذا النظام الطبي الهندي.

العلاجات المستخدمة في أيورفيدا طبيعية تماما وتخلو من أي أعراض جانبية، مما دفع منظمة الصحة العالمية للاعتراف بها كنظام طبي بديل. بوجه عام، تستحق كيرالا زيارتها ولو مرة واحدة في العام، لكن يبقى موسم الرياح الموسمية الوقت المفضل لعاشقي الطبيعة، لما تحمله مشاهد الأراضي العشبية الخضراء من بهجة للناظرين، والنشاط الذي يعتمل حركة المياه بالبحيرات، التي يسودها السكون باقي فترات العام، إضافة إلى الهواء المنعش الذي يهب على الشواطئ الذهبية التي مستها أمطار خفيفة، والغابات الكثيفة التي ترسم لوحة جمالية طبيعية ساحرة.

في الواقع تبرز الرياح الموسمية أجمل ما في كيرالا. وبغض النظر عما تقضي وقتك فيه، سواء ركوب قارب أو متابعة حركة الطيور أو حتى الخضوع لتدليك عطري، فستشعر دوما أن السماء تغدق سحرا على «أرض الله»! من ميزات الرياح الموسمية أنها تبث حياة جديدة في كل ما تهب عليه، لدرجة أن الشوارع وأوراق الشجر المتألقة بحبات المطر تبدو وكأنها تبتسم في وجهك. إن موسم الرياح الموسمية من الفترات الممتعة، حيث يمكنك الوقوف تحت المطر والسباحة والسير عبر برك صغير يصل ارتفاع المياه بها إلى ركبتيك، ومن الألعاب الشائعة وضع قوارب ورقية بالمياه وغير ذلك الكثير.

داخل كيرالا، يمكنك زيارة منتجع كيرالي أيورفيديك الصحي في بالاكاد، الذي أقرته مجلة «ناشيونال جيوغرافيك ترافيلر» من بين أكثر 50 مكانا بالعالم يتدفق عليها الزائرون من مختلف أرجاء العالم. ويغلب على المكان اللون الأخضر والطبيعة الساحرة، ويعد مكانا نموذجيا لتناول المأكولات البحرية الطازجة من البحر العربي.

كان كالاري كوفيلاكوم قصرا فيما مضى، وكان محل إقامة بنات أسرة فنغوناد الملكية، ويقع بالعاصمة الملكية القديمة كولينغود على التلال السفحية لسلسلة جبال أنامالاي في كيرالا. تنطوي محاولة وصف هذا القصر على بعض الصعوبة، فهو الآن ليس مستشفى ولا قصرا ولا سبا، وإنما مكان يتيح للزائر تجربة فوائد جميع الأماكن سالفة الذكر. يضم القصر 18 غرفة، بل أجنحة في الواقع، يطلق عليها أجنحة كوفيلاكوم أو فنغوناد.

الحد الأدنى للإقامة بهذا المكان 14 يوما، وهو الحد الأدنى للبرنامج المعد به للزائرين، وهناك برامج أخرى تستمر 21 يوما. وتبلغ تكلفة برنامج الـ14 يوما 6300 يورو للغرفة المزدوجة و4200 يورو للغرفة الفردية. وتشمل هذه التكاليف أجرة وسيلة النقل من المطار إلى القصر والعلاج والطعام وكل شيء ما عدا الاتصالات الهاتفية. داخل منتجع كيرالي أيورفيديك الصحي، تسعى أنماط العلاج الأيورفيدية دوما إلى العودة إلى الطبيعة. ويقع المنتجع في قلب 55 فدانا من أراض خضراء، مخصص منها 45 فدانا لزارعة نباتات عضوية لاستخدامها في إعداد طعام النزلاء. وهناك قناة مائية تمر أمام كل كوخ من الأكواخ المحيطة بالقصر.

وهناك أقاويل كثيرة حول الطاقة الموجودة في كالاري كوفيلاكوم. وتبعا لأيورفيدا، فإن هذا العام منقسم إلى «فيسارغا كالا» (وهي الفترة التي تطلق خلالها أجسادنا طاقة إلى الطبيعة) و«أدانا كالا» (وهي الفترة التي تستقي خلالها أجسادنا طاقة من الطبيعة). وينتمي موسم الرياح الموسمية إلى الأخيرة، مما يجعله موسما مثاليا للعلاجات الأيورفيدية لأن الجسد لا يشعر خلاله بالإرهاق. وتساعد الأمطار الباردة على تحقيق توازن بين «بيتا» (العنصر الناري) داخل أجسادنا، بينما تحقق المعالجات بالزيوت الدافئة توازنا بين العنصرين الآخرين، «كافا» (العنصر المائي) و«فاتا» (العنصر الهوائي)، التي تستثار بسبب الهواء البارد.

علاوة على ذلك، يعد من الصحي بدرجة أكبر تناول النباتات والأعشاب (التي يتوافر منها أكثر من 300 نوع مختلف هنا، معظمها يحمل أسماء محلية) خلال تلك الفترة، وتتميز بقيمة طبية كبيرة.

في كالاري، جميع أنواع العلاجات تتسم بطابع شخصي، حيث يجري تعديل كل منها للتناسب مع احتياجات شخص بعينه على أيدي أطباء مؤهلين لذلك، وغالبا ما يصاحب تناولها ممارسة اليوغا والوسائل الأخرى للشفاء من الداخل. ويعتمد كل علاج على احتياجاتك ونمط جسدك، حسب أيورفيدا. وحتى الطعام الذي يجري تقديمه يتسم بطابع شخصي، وتتنوع المشروبات الصحية ووصفات الأعشاب تبعا للعلاج الذي يتلقاه المرء.

كما أن هناك نمطين من التدليك السحري: «إوزيشيل» و«دهاتو بوشتي أوزيشيل». ويجري كلاهما مع الاستعانة بزيت يطلق عليه «دهانوانتارام» يساعد في تحقيق توازن بين العناصر الثلاثة. يهدف نمط التدليك الأول لتحقيق الاسترخاء ويحسن القدرة على الهضم وعمل الدورة الدموية ويفيد الجلد، بينما يتولى تنفيذ الآخر اثنان من المعالجين المدربين في كالاري، ويعني وجود اثنين من المعالجين حصولك على دفقتين من الطاقة.

والنتيجة تأتي أشبه بالعودة طفلا جاء للدنيا لتوه. لا يوجد بالمنتجع غرف ألعاب ولا مراكز تسوق ولا تلفزيونات. وتعج الأمسيات بالترانيم والتراتيل. وبخلاف هذه التجمعات المسائية بعد تناول العشاء التي يشارك بها الضيوف والعاملون على حد سواء، ليس هناك أدنى شيء على الإطلاق يشوش على الصمت الداخلي المتولد لدى الزائر.

داخل المكان، تشعر بانعزالك عن باقي أرجاء العالم، وهو مناخ عام يدفعك لإدراك الإمكانات الموجودة داخلك، التي تتكشف أمام ناظريك ببطء مع تقدمك في العلاج.

ويتعين على الضيوف المقيمين في كالاري كوفيلاكوم الالتزام بنمط الحياة الذي تمليه أيورفيدا، والذي يتطلب الامتناع عن ارتداء أحذية وتناول اللحوم أو الخمور. من جهته، يعترف شيليدران إم، نائب رئيس المنتجع، بأنه: «هنا، لا يعد النزيل ملكا، وإنما يمر النزلاء بجدول صارم للتطهير يؤثر إيجابيا على حياتهم للأبد».

ويعد المطبخ الأيورفيدي الخالص في كالاري كوفيلاكوم ضريحا لممارسة الأفكار التي صاغها للمرة الأولى أطباء أيورفيديون منذ أكثر من 1000 عاما ماضية. ويجري إعداد الطعام داخل آنية من النحاس الأصفر أو الحديد أو الفخار فقط. ويقدم الطاهي نايارانان كوتي أطباقه النباتية الساحرة باستخدام حد أدنى من الزيوت، وعدم اللجوء إلى أي فلفل أحمر تقريبا.

وربما تشعر بأن وجبتك الأولى في كالاري كوفيلاكوم فاترة، خاصة إذا كنت ممن اعتادوا تناول الطعام الحريف أو المليء بالمسطردة والكاتشاب واللحم والبيض. إلا أنه في غضون يوم أو اثنين، سيحدث لك أمر غريب، حيث ترق حاسة التذوق لديك وتصبح أكثر حساسية. وفجأة، تبدأ النكهات الخفية للتوابل الخالصة والخضراوات الاستوائية الطازجة في الظهور، وتتحول كل وجبة لمزيد دقيق من الروائح والمذاقات الخفية، بدلا من المذاقات الحادة القوية التي اعتدنا عليها جميعا، بل والأفضل من ذلك أنه يتعين عليك التقليل في كميات الطعام التي تتناولها كي تشعر بالشبع! وعادة ما يبدأ تناول الطعام داخل المساحة المخصصة لتناول الطعام في كالاري كوفيلاكوم التي تحيطها أعمدة ضخمة ويهب عليها النسيم بأقداح من الماء معالجة بالأعشاب، بينما يعتمد الطعام على نمط الجسم وتوصيات الطبيب المسؤول. ويساعد ذلك في تعزيز قوة المعدة وتهيئتها للطعام. أما ذروة الوجبة والطبق الرئيسي بها فيأتي مغطى بجزء من ورقة نبات شجرة موز، وتحيطه أطباق صغيرة من الصوص. وأحيانا تضاف سلطة بصل لتحقيق توازن مع طبق اليقطين المحلي الذي يتسم بمرارة مذاقه. وأحيانا يجري تكميل طبق أرز أحمر غني بالألياف بشوربة عدس ثخينة القوام وفاكهة جاك فروت. ويمكن تقديم خبز جباتي أو دوسا (وهما نمطان من الخبز الهندي لا يضاف إليهما خميرة) مع الكري.

وعادة ما يخلد الزائرون للنوم مبكرا لأن المنتجع غير قريب من أي مدينة، وبالتالي ليس هناك ما يمكن للمرء عمله. ويترتب على ذلك أنهم يصحون مبكرا أيضا.

إنه مكان هادئ مليء بالابتسامات والأشخاص المتعاونين الذين سيودون التحدث معك إذا أردت وتركك وشأنك، إن كنت تريد الاستمتاع بقراءة كتاب.

في كالاري كوفيلاكوم توجد جلسات تدريب منتظمة في فن «كالاري بياتو»، الذي يمارس في منطقة لعب مغطاة فوق الأرض. ويعد «كالاري بياتو» من أقدم الفنون القتالية التقليدية في العالم. ويعتقد الكثير من المؤرخين أن الراهب البوذي بوديدارما، مؤسس طائفة الزن، التي نشرت تعاليمها في الشرق الأقصى، هو من ابتكره.

وعلى مدى قرون، تطور هذا النمط واتسع وأضحى فيما بعد أساس رياضة الكونغ فو والفنون القتالية الأخرى. وتعني كلمة «كالاري» مدرسة أو منطقة لعب وتعني كلمة «بيات» تدريب المهارات أو التدريب. ويهدف «كالاري» إلى تدريب الشخص ليصبح محاربا كفئا قويا، لذا يهتم هذا الفن القتالي بتدريب الجسد والعقل من خلال مجموعة محددة من التمرينات.

من الملامح الأخرى التي تميز «كالاري» هي التدريب على «مارما»، فن معرفة وتنشيط 107 مواضع طاقة في جسد الإنسان. وتعد هذه المواضع مهمة لتصحيح مسار الطاقة وإعادة شحن المصادر. ويمارس «كالاري بياتو» المعالجون الذين يقومون بتدليك الجسد، حيث يوصلون الطاقة أثناء تقديم العلاج. وتساعد هذه الجلسات في استعادة هذه الطاقة. لذا لا يهدف «كالاري» إلى خلق محارب وحسب، بل شخص قادر على معالجة ذاته ومساعدة الآخرين بقدراته الشفائية. لذا لن تشاهد الخبراء يقومون بالعمل وحسب، بل تستطيع ممارسة «كالاري بياتو» بنفسك. وتعد حركات «كالاري» البسيطة تمرينات رائعة تساعد على تقوية الجسم وجعله يتمتع باللياقة، وعلى جعل العلاج الطبي الذي تتلقاه أكثر فاعلية.

رغم أن هناك حوض سباحة ومكتبة وصالة ألعاب رياضية ومركز رجال أعمال ومتجرا للتحف في «كيرالي»، لا يوجد مكان للسائح العادي، فهو مكان للعلاج. ويعني هذا أن قضاء إجازة مدتها ثلاثة أو أربعة أيام، على الرغم من عدم استحالة ترتيب ذلك، ليس أمرا مفضلا، حيث ينبغي أن تقضي أسبوعا على الأقل حتى يكون لأي برنامج صحي فاعلية. ومن الأفضل قضاء مدة تتراوح من أسبوعين إلى شهر. على أي حال، قبل أن تحجز في «كيرالي» عليك الاتصال بأحد أطباء برنامج «أيورفيدا» عن طريق الإنترنت أو الهاتف كي ينصحوك بالعرض الذي يناسبك.

يعد هذا علاجا متكاملا تكون فيه عزلة «كيرالي» النسبية مفيدة.

للمزيد من المعلومات يمكن زيارة الموقع الإلكتروني www.kairali.com.

إذا كان لديك المزيد من الوقت، يمكنك زيارة مونار وكوماراكوم وفاركالا وكوشين في كيرالا. وتقع مونار على تل رائع شرق كيرالا تحيط بها مزارع الشاي والنباتات الأخرى. تجعل هذه المشاهد الجميلة والجو المريح ورائحة أوراق الشاي من مونار واحدة من أهم الأماكن السياحية في جنوب الهند.