فندق «كتراكت» أسوان.. متعة العيش بين صفحات التاريخ

من أشهر رواده أغاثا كريستي وتشرشل وديانا والأغاخان

«كتراكت» .. من أقدم فنادق أسوان
TT

قطعة من التاريخ الحي ممزوجة بعبق الأساطير، وسحر الحضارة الفرعونية، تتلمسها بوضوح على جدران وقاعات وأفنية فندق «كتراكت» القابع في قلب مدينة أسوان الساحرة بجنوب مصر. وكذلك أضواؤه الخلابة التي تتناثر بالليل على سلسلة من قطع الغرانيت الزهري، تتراص بعفوية على شاطئ نهر النيل الذي يطل عليه الفندق العتيق حسبما كما يلقبه البعض.

وبعد 3 أعوام من التجديدات المستمرة تم إعادة افتتاح الـ«كتراكت»، ليستقبل زوراه من نجوم ومشاهير العالم بحلة جديدة، أهلته ليصبح الأسطورة الثالثة على مستوى العالم والأولى في الشرق الأوسط التي تخلقها مجموعة «سوفتيل» الفندقية على المعايير الفرنسية.

استوحى الفندق اسمه من موقعه، فـ«كتراكت» كما يقول خالد حلمي، المدير العام للفندق، تعني التقاء النيل بالحاجز الغرانيتي، ما يخلق شلالا صغيرا والذي اعتبر قديما نقطة انتهاء الحضارة الإنسانية.. ومع ذلك تتوالى القصص على الفندق لتخلق أسطورة تلو الأخرى من أروقته وغرفه، فلقد بدأت حكاية الفندق منذ إنشائه عام 1899 ميلادية مع امتداد السكة الحديد لجنوب مصر حيث زادت أعداد السياح لزيارة مدينة أسوان والتمتع بآثار وجوها الشتوي المشمس. ومع زيادة الأعداد بدأ التفكير في بناء فنادق على ضفاف النيل بالإضافة للمراكب النيلية المتحركة لتزيد من الطاقة الفندقية للمدينة.

يضيف حلمي: تم بناء فندق «كتراكت» على الطراز الفيكتوري حيث كان الطابع الإنجليزي غالبا على الطراز المعماري لهذه الفترة الزمنية، وقد صمم الفندق على كتلة صخرية مما يتيح لنزلائه التمتع بمظهر النيل المتجه للشمال، وقد ظهر أول إعلان للفندق في جريدة الـ«إجيبشيان غازيت» يوم 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1899 ونص الإعلان على وجود غرف كبيرة وشقق فندقية ومكتبية وطاولة بلياردو، ومدفأة وكهرباء يعملان طوال الليل، وكان الفندق في ذلك الحين يستوعب نحو 60 ضيفا مقيما.

وفي عام 1901 زاد الطلب بشدة على الغرف حتى اضطرت إدارة الفندق لإقامة الخيام لإقامة النزلاء وتم إضافة غرف جديدة عام 1902 لتضاعف عدد الغرف وانتشرت شهرة الفندق في العالم كله.

ويذكر حلمي أن حفل افتتاح المطعم الرئيسي في 10 ديسمبر عام 1902 حضره الخديو عباس حلمي حاكم مصر، وديوك كونوت الابن الثالث للملكة فيكتوريا، واللورد وليدي كرومر، والسير ونستون تشرشل، و«جود إيرد» مهندس سد أسوان الذي أرسى حجر أساس السد في نفس اليوم، بالإضافة إلى باقة كبيرة من رجال الدولة والوزراء. وقد حرص الفندق منذ ذلك الوقت على استضافة علية القوم ومشاهير العالم على مر السنين، كان أشهرهم «أغاخان الثالث» الذي واظب على زيارة الفندق كل عام للعلاج من مرض الروماتيزم، وكانت أولى زياراته للفندق عام 1937 حيث قضى شهر العسل في الجناح الجنوبي في الدور الثاني وعقب وفاته عام 1957 طلب أن يدفن في أسوان، وقد استغرق بناء قبره نحو عامين واليوم يستطيع الضيوف أن يروه من شرفة الفندق في الوقت الحالي.

ومن زوار الفندق التاريخيين أيضا قيصر روسيا «نيكولاي الثاني»، وعالم‏ ‏الآثار‏ ‏الإنجليزي ‏«هاورد‏ ‏كارتر» مكتشف‏ ‏مقبرة‏ ‏الملك‏ ‏الذهبي توت‏ ‏عنخ‏ ‏آمون، والملك فاروق ملك مصر، والكاتبة الشهيرة «أغاثا كريستي» والتي كتبت قصتها العبقرية «جريمة على ضفاف النيل» حيث استوحت أحداثها أثناء جلوسها في شرفة غرفتها بالفندق، كما صور الفيلم فيما بعد في «كتراكت»، والملك محمد‏ ‏الخامس‏ ‏ملك‏ ‏المغرب‏‏، والأميرة‏ ‏ديانا‏ ‏ملكة‏ ‏القلوب.

ورغم أن الطابع الهندسي الخارجي للفندق ذو طابع فيكتوري؛ فإن المدير العام للفندق يؤكد أن التصميم الداخلي للفندق ذو طابع شرقي، والمطعم الرئيسي ما زال موجودا للآن يتمتع بطابع أندلسي فريد، ذي قبة ترتفع على الأرض بنحو 57 قدما، والعواميد مستوحاة من مدفن السلطان قلاوون بالقاهرة، أما الزخارف فمستوحاة من جامع ابن طولون في القاهرة أيضا، والمطعم الرئيسي مصمم ليستوعب 200 ضيف، كما يضم المطعم مكانا غير مرئي مخصص للأوركسترا.

يضيف خالد أن أشهر الأماكن الموجودة في الفندق على الإطلاق التراس الخاص بالفندق حيث يمكن للضيوف رؤية غروب الشمس من الساعة الرابعة إلى الساعة السابعة مساء. كما كان الجناح الملكي هو المكان المفضل لملك مصر والسودان الملك فؤاد، وكان النحاس باشا رئيس وزراء مصر يجلس على الأريكة في الجانب الأيمن من البهو الفندق وكان طعامه الخاص يعد في مطبخ الفندق القديم.

وفى عام 1939 ومع بداية الحرب العالمية الثانية حيث كان «روميل ومونتغمري» على مشارف العلمين أرسلت الأسر الإنجليزية في مصر بناتهن إلى أسوان للحماية من الحرب القادمة واختلطن وقتها بالعائلات التي كانت تقيم بالفندق وغير قادرة على العودة إلى بلادها، وكانت هذه هي المرات الأولى التي يسمح للجنود بالدخول للفندق بالزي العسكري.

وفى بداية عام 1946 ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهرت أول صحيفة تصدر بعد الحرب وظهر بها إعلان للفندق في ديسمبر عام 1946، وكانت إدارة الفندق سويسرية، وكان الموظفون الأجانب بها يونانيين وإيطاليين وسويسريين، أما الموظفون المحليون فكانوا من أهل النوبة.

وعن الثوب الجديد للفندق وما لحقه من تجديدات يقول علي عبد العزيز «رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما» المشرفة على أعمال التجديد: عملية التطوير والتجديد تمت للفندق بشكل شامل من أجل إعادته إلى مكانته التي كان عليها من قبل، وتعتبر أكبر وأهم عملية تطوير وتجديد حدثت للفندق العريق على مدار تاريخه، لإنقاذه من الانهيار، وتحوله إلى حلم وإطلالة جديدة لهذا الفندق الأسطوري. الذي كان دائما محط أنظار العالم.

وأضاف أن أعمال التجديد استمرت لمدة 3 سنوات كاملة شهد خلالها عملا شاقا وتحديا كبيرا لإعادة الفندق كواجهة لمدينة أسوان، وليعيد لمصر التحدي أمام فنادق العالم الأخرى وليؤهله لنيل الكثير من الجوائز العالمية في قطاع الفنادق، وأشار إلى أن الفندق عاد ليروج لمصر بصفة عامة ولمدينة أسوان بصفة خاصة باعتباره من أهم معالم المدينة ومن أعرق 10 فنادق تاريخية حول العالم وليكون مقصدا لذاته لتفرده بالموقع والتراث والمعمار، بالإضافة إلى ما تم إضافته إلى الفندق من إمكانيات حديثة وتقنيات تعطيه خدمات الحداثة مع الاحتفاظ بعبق التاريخ فيه وهو التحدي الأهم لأعمال تطوير الفندق.

أضاف أيمن سلام مدير العلاقات العامة أن إدارة «كتراكت» وضعت كافة ثقتها في مصممة الديكور العالمية وفنانة المعمار الفرنسية «سيبيل دي مارجيري» لدمج الإبداع الفرنسي بروعة الإرث الحضاري للمبنى الأصلي والذي صمم على الطراز الفيكتوري، مع الأخذ في الاعتبار قيمة الفندق التاريخية لضيوفه وزائريه على مدار مائة عام من الروعة، ولقد نجحت «دي مارجيري» أن تعيد إحياء الأسطورة وتخليدها للأبد.

ويقول أيمن، أحد المولعين بالإقامة في «كتراكت»: الفندق يمثل تجربتين فريدتين للضيافة وهما القصر وجناح النيل، حيث يحتوي قصر كتراكت الأصلي على 76 غرفة وجناحا، أكبرها جناحا «أغاثا كريستي» و«سير ونستون تشرشل» اللذان يتميزان بشرفتيهما الواسعتين، بالإضافة إلى أن جميع الغرف والأجنحة بالقصر، والتي يبلغ عددها 45 جناحا، مصممة على الطراز الفيكتوري، وتمتاز بمساحتها الكبيرة والمستغلة بعناية، هذا بخلاف بهو القصر الرائع والمستوحى من المعمار البيزنطي، وبجوار القصر تنسجم عصرية التصميم بالتراث الشرقي في جناح النيل، والذي يعد ترجمة ملموسة للرفاهية مقسمة إلى 9 طوابق وتشمل 62 غرفة وجناحا أشهرها وأكبرها جناح «أغاخان»، وتتمتع جميع الغرف بالإطلالة الساحرة على النيل وضريح «أغاخان» والقصر.

ويستطرد أيمن سلام: يعزز الفندق من قيمة تدليل ضيوفه بتقديمه تجربة فريدة للاسترخاء والاستجمام لدى المنتجع الصحي «سو سبا»، وهو عبارة عن معبد مستقل بذاته ترعاه إلهة الجمال، ويمتد المنتجع على مساحة 1200 متر مربع، ويقدم علاجات وتركيبات من جميع أنحاء العالم مع باقة من المعالجين المهرة لجعلها تجربة مبهجة للحواس. ويشمل «سو سبا» حمام سباحة دافئا ومغطى وجاكوزي وحماما آخر، واعدا رواده بحالة من الانغماس داخل أسرار الجمال القديمة، مع خبرة أكبر بيوت التجميل الفرنسي، ويقدم أيضا أكبر تشكيلة من الوصفات التقليدية لتجديد البشرة والتدليكات بتطبيقات حديثة، ولمحبي اللياقة يقدم المنتجع قسم «سوفيت» وهو مزود بأحدث أجهزة التمرينات الرياضية عالية التقنية، تشمل خدمة البرنامج التدريبي مع المدرب الخاص.

ولقد أعدت نجمة الموضة والسينما العالمية «ماريسا بيرنسون» وصفتها الخاصة للحفاظ على الجمال والشباب وأهدتها خصيصا إلى «كتراكت» وتحتوي تلك الوصفة على مزيج «سوان سابلايم» المكون من زيت أشواك الكمثرى، وتقدم الوصفة السحرية مع إكسسوارات من الذهب والكريستال من دار «سانت لويس».

واستثمار المطعم الفرنسي الأصيل يضع «أولد كتراكت» أسوان معايير ومرادفات غير مسبوقة لمفاهيم الفخامة والرفاهية على مر العصور والأزمنة، ويأتي الفندق ليقدم أحدث وأروع فنون فلسفة الطهي في العالم وهي مزج التراث بالحداثة ليصبح كل طبق عملا فنيا متفردا بذاته.. إنها رحلة إمتاع الذوق والحواس بدءا بالمطبخ الفرنسي مرورا بالعثماني والشامي وصولا للمصري، وتتضمن تلك الرحلة 9 مشاهد ذوقية بداية بالمطعم الأسطوري الذي يعود تاريخه للعام 1902، والذي يضفي قيمة فنية عالية للفندق بتاريخه الذي يمتد 11 عقدا من الزمان، وما تضفيه أنواره الداخلية الخافتة على زائريه من أحساس بالفخامة الملكية والأسحار الشرقية والتي استوحت من أساطير «ألف ليلة وليلة»، والآن يعتمر المطعم قبعة المطبخ الفرنسي ليقدم أشهى وأطيب اختصاصاته وإبداعاته لجعل تجربة هذا المذاق ذكرى في خواطر ضيوفه للأبد.

وتنتقل رحلة الذوق الرائع لتشمل مطعم الكبابجي الشرقي والسرايا.

ولعشاق التغذية الصحية يقدم مطعم «الياسمين» ابتكارات من المطعم الصحي أعدت خصيصا لتتناسب مع الاحتياجات الشخصية مع العناصر الغذائية، كما يأتي الممشى الهادئ «بروميناد» في المساء مع الاستمتاع بمشاهدة جزيرة الفنتين المترقرقة وأضواء معبد «خنوم» بالإضافة إلى التراس وركن المشروبات، وتجد ركن فؤاد الذي يعتبر رؤية ملكية خاصة للصعيد المصري مع المشهد الخلاب لأفضل بقعة للنيل في المدينة الدافئة، تجمع الخيال والواقع معا لتنبض بالرفاهية والإبداع مع أعلى مستوى خدمة والحرص على الخصوصية للنزلاء.