رحلة استرجاع الذكريات الجميلة في سردينيا

وجهة البحر والأيام الحلوة

TT

في منتصف أحد أيام شهر سبتمبر (أيلول) في أرخبيل مادالينا، الواقع قبالة الشاطئ الشمالي الشرقي من جزيرة سردينيا، كان المرء يشعر أن الخريف لا يزال بعيدا، وعلى الرغم من أن درجة الحرارة كانت نحو 85 درجة، فإن الرياح المتوسطية الخفيفة حافظت على خفة حركة مركبنا الشراعية.

وفي جزيرة سبارجي، وهي واحدة من بين الكثير من الجزر البكر التي تشكل الحديقة الوطنية التي تمتد على طول الأرخبيل، رسونا في خليج كالا كونري الصغير، ذي الرمال البيضاء، الذي تحميه الصخور الكبيرة على الجانبين، ولم تكن هناك مراكب أخرى، وغطست في مياه البحر الفيروزية شديدة الصفاء.

وقد زرت جزيرة سردينيا لأول مرة عندما كنت طفلة في السبعينات، وكان والداي يصران دائما على أن «الطريقة الوحيدة لمعرفة سردينيا هي الذهاب إليها في مركب»، وقد كانا يمتلكان بالفعل مركبا شراعيا رائعا كانا يرسيانه في الكثير من فصول الصيف في بورتو كيرفو، الساحل الجنوبي الشرقي للجزيرة.

ولا يمكن نسيان المياه الصافية كالبلور؛ حيث يستطيع المرء أن يرى كل تفاصيل أصابع قدميه، حتى عندما يتعمق في البحر المالح بحيث تصل المياه إلى مستوى خصره، وكنا نرسي مركبنا في الخلجان الصغيرة المهجورة مثل ذلك الموجود في جزيرة سبارجي؛ حيث كنت أسبح إلى الشاطئ في صحبة كلابنا الثلاثة الصغيرة، وأسترخي معها على الرمال الناعمة البيضاء؛ حيث كانت ترافقني دائما.

ولكن بعد عدد من الحوادث التي أوشكت على الغرق فيها، كانوا يربطونني أنا والكلاب في الصاري بشكل دوري خلال الفترات التي يسوء فيها الجو؛ حيث كنا نتطلع جميعا بقلق نحو الأفق، بينما يبدأ المركب في الميل بدرجة مخيفة، وكان لدى أبي، على ما يبدو، وهو في العادة رجل عاقل، طريقة غريبة لتوجيهنا إلى قلب العواصف بدلا من الابتعاد عنها.

والآن، بعدما عدت كبالغة لأعيش في إيطاليا، أقوم بزيارة تلك الأماكن التي قضيت فيها طفولتي مرة أخرى بصحبة ابني، الذي يقترب الآن من عامه الثاني. وقد أصبحت هذه الأماكن مليئة بالشجن بعد وفاة والدي، فعندما عدت إلى زيارة جزيرتي سردينيا ومادالينا منذ بضع سنوات، وجدت نفسي أبحث بأسى عن اسم مركبنا بين أسماء اليخوت الراسية في الميناء؛ حيث إن مركبنا قد تم بيعه بعد وقت قصير من وفاته في أوائل الثمانينات، وفي عام 1983 انتقلنا للعيش في الولايات المتحدة بشكل دائم، وكانت الجزيرة الأسطورية محفورة في ذكرياتي عن رجل فقدته في فترة مبكرة جدا من حياتي.

وقد تغيرت عادتي المفضلة في السفر أيضا؛ فإلى جانب الذكريات السعيدة الخاصة بالسباحة واستكشاف الساحل كانت هناك أيضا تلك الخاصة بوجودي في مكان ضيق مع أسرة ذات سمات خاصة، التي كانت تمتد لعدة أشهر في كل مرة؛ حيث لجأنا أنا وأختي عدة مرات إلى الزورق الصغير عندما كانت المشاجرات تنشب بين والدينا.

كانت الجولات على ظهر المراكب في النهار كافية تماما بالنسبة لي الآن، كما أصبحت أفضل الشعور بالسيطرة الذي يأتي مع عمل تخطيط للرحلة يمزج بين الوقت الذي أقضية على البر والوقت الذي أقضية في البحر، كما أصبح قضاء الليل في غرفة بأحد الفنادق أكثر راحة بالنسبة لي من النوم داخل المركب، خاصة بعدما أصبح برفقتي طفل وزوج يعاني دوار البحر.

لكن على الرغم من مناظرها الخلابة المطلة على البحر، فإن جزيرة سردينيا قد عانت سوء الاستغلال في أماكن معينة، وعدم وجود نوع من الخيارات الفندقية التي أصبحت تروق لي بعدما كبرت وأصبحت بالغة.

وحتى وقت قريب كانت الفنادق الجيدة الوحيدة موجودة حول منطقة كوستا سميرالدا المتلألئة، التي يجتمع فيها المشاهير ونجوم السينما الإيطاليون في شهر أغسطس (آب)؛ حيث تحتوي الكثير من يخوتهم على طاقم من العاملين ووسائل الراحة تشبه تلك الموجودة عادة في فنادق الـ5 نجوم، وهو ما يفسر جزئيا الخيارات المحدودة في أماكن الإقامة. وعلى الرغم من الجمال الطبيعي الرائع للكثير من الأماكن الأخرى الموجودة في الجزيرة، فإنها ليست معروفة للسياح، لا سيما الأميركيين منهم.

وقد بدأ هذا الأمر في التغير؛ حيث إنني بدأت في إعادة اكتشاف مناطق أخرى في الجزيرة نتيجة للفنادق الجديدة التي تم افتتاحها مؤخرا، خاصة تلك الموجودة في القسم الشمالي من الجزيرة، الذي يعتبر أقل أقسام الجزيرة التي تتم زيارتها. ويحتوي فندق ونادي يخوت مادالينا، الذي أقمت فيه خلال زيارتي للجزيرة خلال شهر سبتمبر، على 100 غرفة؛ حيث اشترى الفندق فندق بوت أرسينال القديم، ويقوم حاليا بخدمة نوعية من الزبائن مثلي، الذين يريدون المزج بين الراحة وقضاء أوقاتهم في البحر.

ويمكن حجز رحلات القوارب خلال النهار من المرسى المجاور؛ حيث توجد أنواع مختلفة من القوارب تبدأ من المراكب الشراعية الكلاسيكية التي تتسع لـ12 فردا، وتنتهي بالزوارق الصغيرة ذات المحركات، كما يوجد بالفندق الكثير من المرافق البرية أيضا - منتجع صحي، وصالة رياضية، ومطعمان – بالإضافة إلى منطقة حوض سباحة جميلة ذات سطح خشبي تطل على البحر.

وعلى الرغم من الطابع المؤسسي الذي يسود المكان إلى حد ما، فإنه كان ملائما لتلبية أغراضي بشكل جيد، كما أن المكان يمثل بوابة إلى واحدة من أجمل المناطق الطبيعية في إيطاليا.

وفي رحلتنا عبر الأرخبيل، قال إمباجلازو، وهو أحد مواطني جزيرة مادالينا: «إن كل خليج يختلف عن غيره؛ حيث تتلون الصخور الموجودة في الماء بألوان مختلفة من الأبيض إلى درجات اللون الوردي، إلى الأسود، كما يختلف لون الرمال وطبيعتها من رمال بيضاء شديدة النعومة، إلى حجارة ملساء رمادية، وكذلك لون مياه البحر من مياه شفافة تماما إلى مياه شديدة الزرقة».

ومن المشاهد الخلابة أيضا: تجاور السماء والجبال والمياه معا؛ حيث يبدو الأمر وكأن الخلفية الوعرة للغرب الأميركي قد سقطت في البحر.

وقد استمر التنوع الهائل في شكل الساحل بعد رحلة قصيرة بالعبارة إلى جزيرة سردينيا الرئيسية والرحلة التي تلتها بالسيارة إلى مدينة ألغيرو، المدينة المحصنة الواقعة شمال غربي الجزيرة، ويرجع تاريخها إلى القرن الـ16. ولم نستطع مقاومة رغبتنا في التوقف للسباحة قليلا، عندما التف الطريق مارا فوق القوس الأبيض المميز لخليج كالا بستشينا.

وتخلق الشعاب المرجانية الصغيرة أماكن مثالية لممارسة رياضة الغطس وحمامات سباحة طبيعية؛ حيث جلسنا، بعد أن غصنا قليلا في الماء، حول طاولة بلاستيكية في الظل نأكل ساندويتشات محشوة بجبن الغنم المصنع محليا، والمعروف باسم «بيكورينو»، وقد وجدنا أنه من الصعب علينا أن ننتزع أنفسنا من رؤية منظر الخليج الخلاب.

وكانت محطتنا التالية هي فيللا موسكا الجديدة، وهي فيللا مبنية على طراز «ليبرتي» المعماري (وهي تمثل فن الديكور الإيطالي) تمت إعادة استخدامها كفندق سياحي فخم في مدينة ألغيرو، التي تعتبر أكثر مدينة ذات طابع مميز في سردينيا، بمتاريسها التي تعود إلى القرن الخامس عشر، ومطاعمها وحاناتها الصاخبة الموجودة على امتداد شاطئ وسط المدينة التاريخي.

وهناك أيضا شواطئ جميلة قريبة من المكان، مثل شاطئ ماريا بيا؛ حيث أكلنا المعكرونة الاسباغيتي والفونجول في مطعم كونشيجليا الممتاز، والقريب للغاية من البحر.

وتكمن أعظم متعة بالنسبة لي في سردينيا في رؤية تقدير الإيطاليين الطفولي للشاطئ، وعلى الرغم من عودة الأطفال إلى مدارسهم في منتصف سبتمبر، لا يزال هناك عدد لا بأس به من الأفراد الشغوفين بممارسة نشاطات الشاطئ، بالنوع نفسه من الحماس الذي يمارسونها به عندما كانوا صغارا؛ فالنساء الناضجات اللاتي خصصن الصيف لاكتساب البشرة السمراء، قد تحولن إلى لون البندق الداكن، والأزواج الأكثر شبابا الذين يرتدون ثياب استحمام تكاد تكون غير موجودة، يستمتعون بممارسة الرياضة في قلب المياه، والرجال الذين بلغوا منتصف العمر يمارسون رياضة الغطس بالأنابيب الهوائية وكأنهم أطفال لا يتعدى عمرهم 10 أعوام.

وفي مدينة لا بالوسا، الواقعة بالقرب من بلدة ستنتينو في الطرف الشمالي الغربي من الجزيرة، احتل برج حجري متهدم خلاب الخلفية، بينما كان ابني يلعب مع الأطفال الصغار وأولياء الأمور الآخرين على الرمال ناصعة البياض؛ حيث مشينا معا إلى مياه البحر البلورية، ولاحظت أنه ينظر إلى أصابع قدميه بينما يتهلل وجهه بالفرح. من المؤكد أن أبي كان سيصبح سعيدا جدا بذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»

* الفنادق التي يستطيع السائح الإقامة فيها إذا ذهب إلى سردينيا - فندق ونادي يخوت مادالينا (العنوان: ساحة فارفيللي، رقم الهاتف: 3907897941، الموقع الإلكتروني: lamaddalenahyc.com)، ويبلغ سعر الغرفة الزوجية فيه 200 يورو، شاملة وجبة الإفطار والضرائب، لكن طعام المطعم كان خاليا من الروح ومكلفا؛ لذلك أنصح الجميع بالذهاب إلى مطعم تراتوريل ليو العائلي (العنوان: فيا فيتوريو إيمانويل، رقم الهاتف: 39 - 0789 - 737 - 507، الموقع الإلكتروني: osterialio.com) الموجود في وسط المدينة بدلا من ذلك.

- فندق لا كولسيا (العنوان: لوكاليتا كونسا فيردي - سانتا تيريزا جالورا، رقم الهاتف: 39 - 0789 - 758 - 004، الموقع الإلكتروني: lacoluccia.it، سعر الغرفة المزدوجة 260 يورو)؛ حيث يقع الفندق بالقرب من بلدة بالاو، ويمثل نقطة انطلاق جيدة لاستكشاف أرخبيل مادالينا، لكن ينبغي أن تحرصوا على الحصول على واحدة من الغرف الكبيرة المطلة على البحر.

- فندق فيلا موسكا (العنوان: 17 شارع فيا غرامشي، رقم الهاتف: 39 - 079 - 957 - 7203، الموقع الإلكتروني: www.villamosca.it)، وهو فندق تم افتتاحه العام الماضي في بلدة ألغيرو، لكنه يقدم وجبات إفطار فقط.

النشاطات التي يمكن ممارستها والأماكن التي يمكن مشاهدتها يمكن للسائح ترتيب استئجار قارب من خلال أحد الفنادق، ولكن من يفضل أن يذهب إلى الميناء المحلي لاستئجاره بسعر أرخص، ففي ألغيرو، على سبيل المثال، يصل سعر الرحلة على ظهر المركب بادري أندريا (وهذا السعر يشمل وجبة الغداء) إلى نحو 40 يورو للفرد (رقم الهاتف: 39 - 330 - 935 - 350، الموقع الإلكتروني: www.nautisub.com).

مطاعم سردينيا المميزة - مطعم لا سوكجوليرا (العنوان: مادالينا، رقم الهاتف: 39 - 347 - 989 - 3578، الموقع الإلكتروني: lascoglieraristorante.com) ويحتل مكانا متميزا على الشاطئ، ومن ثم لن يفاجأ أحد بأسعاره الباهظة، فموقعه والمأكولات البحرية التي يقدمها كلاهما ممتاز.

- مطعم لا كونشجلا الذي يقع على شاطئ سباجا ماريا بيا، قرب ألغيرو، وهو مطعم يشتهر بتقديم أطباق أرز البايلا (16 يورو)، وهو طبق ينبغي أن يطلب في الصباح عند إجراء الحجز (رقم الهاتف: 39 - 079 - 952 - 214).

- مطعم أنجدراس (العنوان: 41 شارع باستوني ماركو بولو، رقم الهاتف: 39 - 079 - 973 - 5078، الموقع الإلكتروني: angedrasrestaurant.it) وهو مطعم يحتل موقعا متميزا في متنزه ألغيرو؛ حيث يشتهر بتقديم سمكة كاملة مشوية.