نهضة موسيقية على الساحل الآخر لجامايكا

بلاد النغم والطبيعة الحالمة

TT

في وقت متأخر من مساء يوم سبت معتدل الحرارة في أغسطس (آب)، وبعدما ضرب إعصار آيرين منطقة الكاريبي، كان المغني ألبرت مينوت وفريقه «ذي جولي بويز»، يبهجون جمهور الحضور في بوش بار، المشرب الذي تحجبه غابة الكائن في منتجع غيجام بميناء بورت أنتونيو في جامايكا. يتحرك مينوت (73 عاما)، النحيل ذو المظهر الأنيق، بشكل مثير على خشبة المسرح، بينما يقدم مجموعة من الأغنيات العاطفية التي تضم أغنيات أصلية لفريق «ذي جولي بويز» وفريق الروك الأميركي «فيلفيت أندر غراوند».

كان فريق «ذي جولي بويز» الذي نشأ وترعرع في أبراشية بورتلاند (عاصمتها بورت أنتونيو)، يظهر ظهورا نادرا في الوطن ما بين مستهل رحلة أوروبية صيفية إلى ساد وسلسلة حفلات يقيمها في الخريف في أستراليا وآسيا وعودة مفاجئة لفريق يبلغ عمر أصغر أعضائه 72 عاما.

«اعتادوا أن يقدموا لنا أغنيات مقابل الحصول على أموال وسجائر».. هكذا تحدثت باتريس فلين عن الفريق في الحفل الذي أقامه في بوش بار. وكان قد أشار زوج فلين، النجم السينمائي، إرول فلين، الذي توفي عام 1959، إلى الفريق مجددا مبرزا أساليبه المميزة. وبعد 65 عاما، انضم إلى جمهور فلين جون بيكر، مالك غيجام، ومسؤول صناعة موسيقى منذ وقت طويل ساعد في تنسيق العودة المحتملة لكل من فريق «ذي جولي بويز» وبورت أنتونيو.

حينما تشكل الفريق، الذي قدم موسيقى المنتو، التي سبقت الأنواع الأخرى الموسيقية المعروفة في جامايكا، مثل الريغي والسكا، كانت موسيقاه هي موسيقى الخلفية في الفيللات الخاصة والمنتجعات عبر أنحاء بورتلاند، على ساحل شمال شرقي جامايكا الوعر. ونجحت الموسيقى في أن تحقق شعبية كبيرة وتبث شعورا بالسعادة والتفاؤل في نفوس مستمعيها – مقارنة بموسيقى الريغي التي يضفى عليها الطابع السياسي.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه بحلول السبعينات من القرن العشرين، كانت موسيقى المنتو وفريق «ذي جولي بويز» قد اختفيا، مثلما اختفت منطقة بورت أنتونيو – التي تفوقت عليها شهرة مناطق مثل نيغريل ومونتيغو باي، بوصفهما وجهتين رئيسيتين يقصدهما السائحون في جامايكا - لكن بينما خضع جنوب جامايكا للمنتجعات التي تملأ جنباتها تسجيلات موسيقى الريغي دون توقف، احتفظت بورتي – الاسم الذي تعرف به المدينة التي تفصلها 3 ساعات بالسيارة عبر بلو ماونتنز من كينغستون – بالعبق الذي غرسه فيها أصحاب الملكيات العقارية في المنطقة، من بينهم أسرة فلين وأغاخان وعائلة ويستون، إحدى العائلات الكندية الثرية.

ومثلما اكتشفت أثناء تلك الزيارة التي قمت بها في شهر أغسطس (آب)، كانت تلك البقع جميعها ما زالت حاضرة بصورة ما: مزرعة الماشية ذات المساحة الفسيحة المطلة على البحر، الخاصة بأسرة فلين، ومقر الإقامة السابق للأميرة نينا أغا خان، الذي تحول الآن إلى منتجع صحي يعرف باسم «تيامو»، والأبرز هو «فرينش مانز كوف»، المنتجع الذي تبلغ مساحته 42 فدانا، الخاص بأسرة ويستون، والذي أعيد افتتاحه مرة أخرى في ستينات القرن الماضي ليصبح واحدا من أكثر الفنادق ثراء في العالم، واليوم تبدأ أسعار الغرف العصرية به، البالغ عددها 29 غرفة، من 100 دولار لليلة الواحدة، مع ديكورات وخدمات تتسم بالبساطة والبعد عن الترف، وهو يجذب، بالأساس، الأوروبيين الشباب. وعلى الرغم من ذلك، يظل شاطئه الدافئ الباعث على الشعور بالراحة منعزلا، ولونه أزرق مائل إلى الصفرة، مثلما كان حينما حلت به الملكة إليزابيث الثانية منذ أكثر من نصف قرن – كما هو الحال مع بلو لاغون المجاور، الحوض المائي ذي اللون الأخضر المائل للزرقة الذي يبلغ عمقه 200 قدم والذي حمل اسمه الفيلم الذي أنتج عام 1980.

وتعتبر الشواطئ والبحيرات الملحية - جنبا إلى جنب مع الأنهار والشلالات وأحواض السفن – مواقع لممارسة معظم الأنشطة النهارية في بورت أنتونيو. على سبيل المثال، جذبت الأمواج العاتية في بوسطون باي المتزلجين على ألواح ركوب الأمواج إلى شاطئها المليء بالشعاب المرجانية، الذي يمكن الوصول إليه في نصف ساعة بالسيارة من المدينة، منذ أن بدأ فريق «ذي جولي بويز» في تقديم موسيقاه.

لكن هذا يعتبر نوعا من الأنشطة التي تسبق ركوب الأمواج، والتي تجذب السائحين طوال العام إلى الشاطئ؛ حيث – بحسب أسطورة محلية – نشأ نوع التتبيل الجامايكي المعروف باسم التقديد في خمسينات القرن العشرين.

وسواء أكان هذا صحيحا أم لا، فقد غزت الأكلات المحلية المكان بنجاح. فعلى شاطئ بوسطن توجد العشرات من مقاصف بيع الأطعمة – من بينها: «شاغيز» و«غلاسيز» و«ليتل ديفيز» - التي تبيع شرائح الدجاج واللحم البقري المتبل بالفلفل البونيه الاسكوتلندي وعصير الليمون والزنجبيل. ويباع اللحم المقدد المشوي على الفحم على صينية من الفولاذ بالرطل ويقدم على ورق جرائد وأطباق ورقية. وفي زيارتنا لمطعم «ليتل ديفيز»، تناولنا اللحم مع العصائر المعصورة يدويا، ومن بينها عصير المانغو والزنجبيل، المثلج والحلو.

وعلى القدر نفسه من الإنعاش كانت المياه بشلالات «ريتش»، وهي سلسلة من الشلالات الصغيرة والأكواخ ومساقط المياه، التي تبعد مسافة 90 دقيقة بالسيارة عن بلو ماونتنز، التي قمنا بزيارتها في اليوم التالي. كان يوم أحد، واحتشدت الأسر المحلية حول برك المياه النقية الرائعة. ونظرا لتلهفنا على استكشاف الغابة بشكل أكثر تعمقا، التقينا كينتون ديفيد، مرشد محلي مفتول العضلات ويتحدث بلهجة جامايكية. وأثناء سيره عبر الشلالات، قادنا ديفيد لمسافة نصف ميل أعلى النهر متجها إلى نفق ماندينغو، كهف رأسي مختف داخل مجموعة صخور ضخمة مؤدية إلى بركة جوفية.

وحينما اقتربنا جميعا من المياه، وقف ديفيد عند مدخل النفق وأخذ يصف جيولوجيته الفريدة. حينها، في ثانية، مضى – فجأة لعمق 20 قدما تحت الأرض – مشيرا إليَّ أن أذهب بصحبته. تبعته، منزلقا في البداية عبر الفتحة الضيقة قبل أن أثني جسمي بحرص إلى أن غطست في الماء. وسرعان ما لحق بنا بقية أفراد مجموعتنا، الذين شعروا جميعا براحة لدى وصولهم إلى المحيطات التي يبدو من المستحيل اختراقها.

توجهنا إلى المدينة عبر لونغ باي، شاطئ رملي فسيح؛ حيث كان جون ماير يقدم البرغر وشرائح الاستيك واللحم المقدد الغض وبيتزا الخضراوات في محل يحمل اسم «تشيل آوت بار». (افتتح ماير منذ ذلك الحين «بيكارونز»، وهو مطعم في قرية روس كريغ المجاورة، يقدم قائمة طعام مماثلة).

وبعد قضاء يوم في ريو غراند، التي يمكن الوصول إليها بالسيارة من بورت أنتونيو في نصف ساعة، قضيت يومي الأخير في مركز صغير بالمدينة للبحث عن تسجيلات لموسيقى المنتو وفريق «ذي جولي بويز». بدأت من «جيرمين ميوزيك»، محل صغير عند أطراف سوق «موسغريف»؛ حيث يقوم صاحبه كليتون باول، ببيع مجموعة أقراص مدمجة بأقل من 4 دولارات للقرص الواحد. وكانت لديه كثير من الأقراص المدمجة لموسيقى الريغي وغيرها من أنواع الموسيقى الراقصة – بل وحتى بعض الأقراص المدمجة التي تمزج صنوفا من موسيقى المنتو – لكن لم تكن لديه أقراص مدمجة لفريق «ذي جولي بويز». وكان الوضع مماثلا في «بياكا موزيك»، الواقع عبر الشارع، مع أن المتجر يبيع مجموعة مثيرة للإعجاب من الأقراص المدمجة لأنغام موسيقى السوكا من ترينداد وأنغام طبول الفولاذ. واسيت نفسي بكوب كابتشينو كبير - بل وحتى بتكييف هواء أقوى - في مقهى الإنترنت «ديكال»؛ حيث يخبز صاحبه ألماني المولد، كاسبار ديك، الكرواسون الغني بالزبد والكعك والبسكويت، وهي الأطعمة التي تقدم مع قهوة جبال جامايكا ذات المذاق القوي.

وبعد أن هدأت وتشجعت، تمشيت وسط الزحام في وسط مدينة بورتي. وسرعان ما وصلت إلى مرسى بورتي – الذي أقيم في عام 2002 بتكلفة بلغت 14 مليون دولار ليستضيف سائقي اليخوت الذين لم يأتوا بعد. وما زال بيكر، من غيجام، واثقا من أنهم سيأتون – جنبا إلى جنب مع نسخة من القرن الحادي والعشرين لأنواع الموسيقى المعقدة التي وضعت بورتي على الخريطة منذ نصف قرن.

قال بيكر: «إن إحياء بورت أنتونيو بات وشيكا، بدعم من جمهور منتقى يتوافق وتفرد رواده الأصليين». وأضاف: «بحلول الموسم المقبل، سيصبح الزخم واضحا إلى أقصى مدى وتتشعب بالفعل الخيارات المتاحة للزوار».

بالفعل، يستعيد بيكر في الوقت الحالي فيللات تريدنت التاريخية وقلعتها المجاورة، تلك القلعة الفخمة التي كانت مفضلة فيما مضى بالنسبة لمشاهير مثل جوني ديب. ويعتزم بيكر إعادة افتتاح الفيللات والقلعة العام المقبل، إلى جانب التسهيلات التي تم تجديدها تحديثا – وفيللتين حديثتين تم تجديدهما – في بلو لاغون.

وفي وقت متأخر من ذلك اليوم، عدت إلى غيجام لمشاهدة فريق «ذي جولي بويز» وهو يقوم ببروفة في الاستوديو الخاص به؛ حيث قامت إيمي واينهاوس ودريك، وفريق «نو داوت»، جميعهم بتسجيل ألبوماتهم. وبدا مينوت، كعهده دائما، في أبهى حلته؛ حيث ارتدى قميصا رماديا وبنطالا فضفاضا وربطة عنق وقبعة فيدورا بنية اللون. وأشار مينوت، الذي بدا منبهرا من جولة الفريق عبر أنحاء أوروبا – وربما برحلة آسيا المقبلة – إلى الولادة الجديدة لفريق «ذي جولي بويز»، جنبا إلى جنب مع استعادة بورتي مكانته السابقة من جديد.

«أخيرا أصبح الناس يتحدثون عنا، أصبح لدينا آلاف المعجبين على موقع (فيس بوك)، ولم أكن حتى أعلم ما هو الـ(فيس بوك) قبل الآن»، هكذا تحدث. وأضاف: «لكني لست على تلك الدرجة من الدهشة. ففريق (ذي جولي بويز) وبورت أنتونيو لم يختفيا على الإطلاق».

* عناوين أهم الأماكن

* غيجام، سان استيت، 876 - 993 - 7000، الموقع الإلكتروني: geejam.com، تبدأ أسعار الغرف من 395 دولارا.

فرينشمانز كوف، 876 - 564 - 9779، frenchmanscove.com، أسعار الغرف تبدأ من 99 دولارا.

مقهى الإنترنت ديكال، ميدان وسط المدينة رقم 4، 876 - 297 – 7566.

جيرمين ميوزيك، موسغريف ماركت، في ويست ستريت، 876 - 391 – 8980.

بياكا ميوزيك، 5 ويست ستريت، 879 - 897 - 0879.

بيكارونز، سيكليف ريزورت فيلا، روس كريغ، 876 - 488 – 1583.

* خدمة «نيويورك تايمز»