رحلة سياحية سريعة في برلين.. من النظام وعراقة التراث إلى الثقافة والترفيه

وسائل عدة متوفرة لاكتشاف كنوز العاصمة الألمانية في ساعات

مبنى «الرايخشتاغ» يتميز بموقعه السياحي والمعماري في العاصمة الألمانية
TT

مما لا شك فيه أن اكتشاف كنوز عاصمة الثقافة الأوروبية برلين يحتاج إلى أيام عدة كي يعيش السائح «روح المدينة»، لكن وفي الوقت عينه فمن كان على عجلة من أمره، يستطيع أن يلمس غنى هذه المدينة التاريخي والاجتماعي في يومين اثنين، بمجرد زيارة أهم الأماكن السياحية والتنقل بين بعض الشوارع والأحياء. أن تصل إلى برلين ليس بالأمر الصعب من أي وجهة ألمانية أتيت، فكل وسائل النقل متوفرة من السيارة والقطار السريع والبطيء إلى الحافلات، وللسائح فرصة الانتقال إلى العاصمة بتكلفة منخفضة برفقة أحد الألمانيين المسافرين في سياراتهم من منطقة إلى أخرى، وذلك من خلال الدخول إلى موقع إلكتروني يتضمن التفاصيل المتعلقة بالرحلة. ولأن فصل الصيف هو فصل السياحة في ألمانيا بشكل عام، فإن كثرة أعداد ما يعرف بالـ«كرافان» أو «البيوت الصغيرة المتنقّلة» التي يعتمدها الألمانيون في معظم رحلاتهم، تعكس حركة السياحة الداخلية التي تنشط في هذا الموسم.

ومجرد أن تطأ قدم السائح برلين، سيتنشق رائحة النظافة التي تكاد تكون عصية على التصديق في عاصمة تكتظ بسياحها وسكانها، ولـ«النظام المتطرف» من حيث تطبيقه وانتشاره في كل زاوية من المنطقة وقعه المثير للصدمة الإيجابية أيضا، وهنا ليس غريبا ما يقوله بعض العرب المهاجرين عن الألمان في هذا الإطار، فيعتبرون أنهم مبرمجون منذ الطفولة ليتصرفوا في حياتهم اليومية كالرجل الآلي من دون تفكير أو تخطيط، انطلاقا من أنه لكل تفصيل قانونه الخاص الذي لا يقبل الشك أو حتى السؤال.

ولاختصار الوقت قدر الإمكان، بإمكان زائر برلين أن يقوم بجولة سريعة في الباصات السياحية الموجودة على امتداد ساعات النهار للتنقل بين أهم شوارع المدينة ومواقعها السياحية.

كذلك يمكن استكشاف برلين باستخدام الدراجات الهوائية المتوفرة في أنحائها، والتجول بها في الأسواق والحدائق والطرقات. ومما لا شك فيه أن من يهوى السير على الأقدام سيجد متعة خاصة في التنقل بين أحياء المدينة ومواقعها السياحية، وسيتسنى له خلالها تذوق «الكعك البرليني الحلو» الذي يحضر بشكل خاص في عيد الميلاد، إضافة إلى البوظة الشهية، من دون أن ننسى أيضا الطبق الرئيسي الذي يمكن أن يكون محليا بامتياز مع «ساندويتش الهوت دوغ» مع الخردل أو مع «الدونر التركي»، الذي يشبه بمكوناته الشاورما العربية.

ومهما كانت الوسيلة التي ستختارها لاكتشاف العاصمة الألمانية، تبقى لبعض الأماكن موقعها الأساسي في البرنامج السياحي، فلـ«جدار الفصل البرليني» مثلا، الذي لا يزال الجزء المتبقي منه شاهدا على تقسيم العاصمة، حصته الأساسية في خريطة السياحة في العاصمة الألمانية. هو الذي يشكل المحطة الأولى لمعظم سياح هذه المنطقة بعدما تحول إلى لوحة كبيرة لرسومات «الغرافيتي» حيث يترك الفنانون العنان لألوانهم كي تزين السور. وعلى مسافة ليست ببعيدة، يقع ما يعرف بـ«برج التلفزيون» الذي بني في عام 1969 في ساحة «ألكسندر بلاتز» في حي «ميتي»، ويعتبر ثاني أطول مبنى في الاتحاد الأوروبي بطول يبلغ 368 مترا يجعله مطلا على معظم مناطق العاصمة التي يمكن رؤيتها من ارتفاع 204 أمتار، حيث منصة المراقبة في البرج الذي يوجد فيه مطعم متحرك. ومن هذه النقطة بالتحديد يتفرع شارع «كارل ماركس» باتجاه الجهة الشرقية نحو جادة كبيرة لا تزال فيها الأبنية التاريخية مصممة على النمط الاشتراكي الكلاسيكي الذي يعود إلى عهد ستالين شاهدة على تلك المرحلة التاريخية.

وتشكل ساحة «بوابة براندنبورغ» محطة أساسية لزائري المنطقة وسياحها الذين يتوافدون إليها، نظرا إلى وجود «قوس النصر» فيها، وهو الذي حمل هذا الاسم إحياء لذكرى الثورة التي قامت في شرق برلين في 17 يونيو (حزيران) 1953م.

وتعتبر هذه البوابة المميزة التي تقع في «ساحة باريس» وتوضع صورتها على بعض عملات اليورو الألمانية من أهم المناطق البرلينية، وكان قد بدأ بناؤها عام 1788 وانتهى عام 1791 لكن تحطم جزء منها في الحرب العالمية الثانية ثم أعيد بناؤه.

وفي المحيط نفسه سيتسنى للسائح الاستمتاع بنزهة في أحضان الطبيعة حيث تكثر الأشجار على جانبي الطريق، حيث المباني الألمانية بهندستها المعمارية التراثية تشكل مجتمعة مشهدا مميزا وفريدا يستحق أن تلتقطه عدسة الكاميرا ليبقى محفوظا أيضا في الذاكرة الإلكترونية.

كذلك لمبنى «الرايخشتاغ» موقعه السياحي والمعماري في العاصمة الألمانية، فهو المقر الرئيسي للبرلمان الذي أعيد ترميمه في خمسينات القرن الماضي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأكثر ما يميز هذا المبنى تلك القبة الزجاجية التي بنيت ما بين عامي 1995 و1999 بمساحتها التي تبلغ 3000 متر مربع وطبقاتها المتعددة، وهي مفتوحة للزائرين والسياح ليجولوا في داخلها، الذين بلغ عددهم لغاية اليوم 20 مليون زائر.

وللرحلة المائية في نهر الـ«سبري» الذي يخترق وسط المدينة متعتها التي لا مثيل لها. فالقوارب المائية جاهزة طوال ساعات النهار للقيام بالمهمة في رحلة تمتد نحو ساعة من الوقت في قلب العاصمة، يستطيع السائح خلالها التعرف عن قرب على تاريخ المدينة العريق من خلال الجسور الضخمة والأبنية التي تحيط بالمكان من كل حدب وصوب. وهنا يمتزج التراث العريق بالهندسة العصرية في مشهد قل نظيره، فتنتصب المباني القديمة التي تم ترميمها جنبا إلى جنب مع تلك المباني الحديثة. أما ضفتا النهر فتحولتا إلى مطاعم ومقاه، وإلى ما يشبه الشاطئ، حيث تتوفر كراسي البحر الخاصة للاستلقاء تحت أشعة الشمس، ولاكتساب اللون «البرونزي».

وفي محيط إحدى محطات القوارب، لا بد لزائر مدينة المتاحف والمعارض أن يدخل في عالم تاريخ العاصمة القديم من خلال متحف «DDR»، الذي يضم بين حنايا جدرانه تاريخ العاصمة القديم، الذي يختصر حياة الشعب الألماني الاجتماعية والسياسية، وذلك من خلال صور للحركات الشعبية والمراسلات بين السياسيين، أمثال لينين وماركس وأنجلز، إضافة إلى مقتنيات قديمة كانت تستخدم في ذلك العصر وبعض الصور للمظاهرات الشعبية والثورات.. وتزين وسط المعرض سيارة «ترايبنت»، السيارة الأولى التي صنعت في شرق ألمانيا ولاقت شهرة واسعة آنذاك، وصنع خلال 30 سنة نحو 3 ملايين سيارة من هذا النوع من دون أي تعديلات تذكر. ولمحبي التسوق، لا سيما يوم الأحد، سيجدون ضالتهم في السوق التي تقع في محيط المنطقة حيث تعرض منتجات راقية بأسعار مغرية، إضافة طبعا إلى الأسواق المنتشرة في بعض مناطق العاصمة، المعروفة بأنها تقدم أفضل الخيارات من مختلف الماركات العالمية.

وللسهر عنوانه، بل عناوينه في ليالي العاصمة الأوروبية. فالعناوين كثيرة ومتعددة، ولا سيما في بعض الشوارع التي تتسم بهذا الطابع، مثل شارع «برنزلير برغ» و«كروزبرغ» و«متتي» و«فريدريشتراسيه» وغيرها، حيث تنتشر مئات الحانات والنوادي الليلية التي أعيد ترميم بعضها وبقيت محافظة على طابعها التراثي التقليدي.

وفي نهاية الرحلة، من سيختار العودة عبر محطة قطار برلين، فسيحظى بفرصة التعرف إلى محطة القطار التي تم تحديثها أخيرا بمواصفات عالمية مميزة. فهي عالم بحد ذاته، قد يوازي بعض المطارات في بعض الدول، أن لجهة ضخامته وهندسته أو لجهة تجهيزه بكل ما يمكن أن يحتاجه المسافر من المشتريات إلى الطعام والصيدليات وغيرها. وتعد محطة برلين Berlin» Hauptbahnhof» من أكبر محطات العبور في أوروبا، فهي تصل خطوط السكك الحديدية في برلين بجميع المدن الرئيسية في ألمانيا، وأيضا بعدد من الدول الأوروبية المجاورة لها.